|
شبهة وردود-2- ما لي ولك يا امرأة؟
طوني سماحة
الحوار المتمدن-العدد: 5107 - 2016 / 3 / 18 - 17:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما هاجرت الى كندا في بداية التسعينات، ربطتني علاقة قوية بكثيرين من جنسيات عربية مختلفة. ذات يوم وفيما كان بعض الأصدقاء المصريين في زيارتنا، سمعونا ننادي نساءنا بالعامية اللبنانية "يا مرا" أي "يا امرأة". تفاجأ الزوار وكان سؤالهم الأول كيف تنادي زوجتك بكلمة "يا امرأة"؟ كان الرد وما العيب في ذلك؟ أليست زوجتي؟" "بلى، لكنك تقلل من شأنها؟" "وكيف أقلل من شأنها إن أنا ناديتها يا امرأة؟" "عليك بمناداتها "يا ماما، يا ست."" لم أفهم كثيرا ما الفرق، فسألت " وهل زوجتك تقلل من احترامك إن هي نادتك "يا رجل؟" "لا ليس في الأمر عيب. فأنت رجل". "إذا لماذا يكون هناك عيب إن أنا ناديتها "يا امرأة"، فهي على كل حال امرأة".
كان هذا الحوار بداية فهمي للاختلاف اللغوي والثقافي، ليس فقط بين المتكلمين بالعربية والغربيين، بل أيضا بين المتكلمين بالعربية أنفسهم. فالناصح في اللبناني هو زائد الوزن وهو في اللهجة المصرية الذكي. "رح أبسطك" في اللبنانية تعني "سوف أفرحك" بينما هي في العراقية تعني "سوف أضمر لك شرا" إن لم أكن أسأت فهم الأخوة العراقيين. من أطرف المواقف أن صديقا مصريا زار عائلة لبنانية. كان الرجل المصري قسا مسيحيا وكان المضيف مؤمنا ورعا. سأله رب البيت "بدك تتروّق يا أخ فلان؟" أي "هل ترغب بالفطور؟" تفاجأ الضيف، نظر الى وجهه في المرآة حائرا. أعاد المضيف السؤال "ما بدك تتروّق؟" ازداد الضيف انكماشا وسأل "وهل أنا مكشّر الوجه؟" "حاشا، أجاب المضيف وما العلاقة بين الترويقة والتكشير؟ فأنا أدعوك للفطار." انفرجت أسارير الضيف عندما فهم أن الترويقة باللبنانية تعني الفطار. سأله المضيف "بدّك عروس؟" كاد يغمى على الضيف من شدة الحياء. فهو لم يلمح لا من بعيد أو قريب عن رغبته بالزواج. تمتم بكلمات غير مفهومة. أعاد المضيف الكرّة وقد ظن أن ضيفه لم يسمعه "بدك عروس؟" علقت اللقمة في حنجرة الضيف، فقال "لا يا أخي، ليس لديّ أي سوء نية، فأنا لست بطالب زواج." تعجب المضيف وقال له "ومن قال لك أني أعرض عليك الزواج؟ فأنا أسألك إن كنت تريد سندويشا؟" انفرجت أسارير الضيف وطلب سندويش بالجبن." سأل الضيف المضيف عن عدد أولاده. قال الرجل " عندي ولدين ومرتي هلق مستقيمة." ارتاع الضيف سائلا نفسه "وهل هي كانت زانية وأصبحت الآن مستقيمة؟ العياذ بالله من هذا الصباح." أدرك الضيف لاحقا أن كلمة مستقيمة في اللبناني تعني حاملا في المصري. بعد الفطار، سأل الرجل ضيفه "بتحب تتلقح؟" ابتدأ العرق يتصبب عن جبين هذا القس، فهو قد سمع أن مضيفه صاحب أخلاق حميدة، وها هو الآن يطلب منه أن "يتلقح". كاد الرجل يخرج من ثيابه وهو يقول "لا يا أخي، أنا رجل صالح." قال اللبناني وقد ارتسمت علامات الحيرة على وجهه "وكيف تراني شككت بصلاحك؟" "أنت تتطلب مني أن اتلقح" أجابه المصري. قال المضيف وقد تدارك الموضوع "تتلقح يعني النوم او الاسترخاء للراحة". عندما تفارق الرجلان في نهاية الزيارة، كان لكل منهما الكثير لكي يخبر به عن الاختلافات اللغوية والثقافية بين مجتمعين يتكلمان اللغة ذاتها.
كان لشقيقي صديق مصري. طلب هذا الشاب القرب منا وزارنا مع والدته لطلب يد أختي. نحن عائلة كبيرة تتكوّن من الوالد والوالدة وستة أخوة وأخوات. لك أن تتخيل هذا الشاب الذي أتى وحيدا برفقة والدته وهو محاط بهذا الجيش من الناس ولكل واحد منهم سؤال يطرحه عليه "من وين انت من مصر؟ شو بتشتغل؟ عندك بيت؟ وين بدكن تعيشوا؟ شو عندك أخوة؟ إلخ". مع كل سؤال كان التوتر سيّد الموقف على هذا الشاب الذي أتى طالبا الزواج. شعر صهر المستقبل بحاجة ماسة لدخول الحمّام، فنظر الى أخي الذي كان أكثر الناس قربا له في تلك اللحظات المحرجة وسأله "عايز دورة الميّه". قال له شقيقي "دقيقة وحدة". نهض شقيقي عن مقعده وذهب للحظات وعاد حاملا كوب ماء. أعطى شقيقي الكوب للعريس. وضعه الضيف على الطاولة دون أن يرشف منه رشفة واحدة. نظر إليه أخي وقال له "شو باك مش عم تشرب، يلّا شراب ما تستحي." أخذ الشاب المسكين الماء وشرب. مضى القليل من الوقت وازدادت حاجته لدخول الحمّام بعد شراب الكأس الملآن. همس العريس في أذن أخي "عايز دورة الميه" همّ أخي ليأتيه بكأس أخرى قبل أن يصرخ المسكين "حمّام، حمّام، مش ميّه".
ليس الهدف من سرد هذه القصص التدليل على فكاهتها بقدر ما هو تسليط الضوء على الاختلافات اللغوية والثقافية بين الشعوب والتي قد توصل أحيانا من خلال كلمة عكس معناها تماما. لقد تعرض المسيح للنقد من كتّاب ومفكرين في الشرق الأوسط خاصة على خلفية مناداته أمه العذراء مريم بكلمة "يا امرأة"، كما يظهره لنا النص التالي "
وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. وَدُعِيَ أَيْضًا يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ. وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ». وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «امْلأُوا الأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلأُوهَا إِلَى فَوْقُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «اسْتَقُوا الآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا. فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْرًا، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ، لكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا، دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ وَقَالَ لَهُ: «كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلاً، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ!". هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ."
عندما وجه النقاد سهامهم للسيّد المسيح متهمين إياه بالتقليل من قيمة المرأة استنادا على النص أعلاه، كانوا منطلقين بفهم خاطئ للنص بانين تفسيرهم على مخزونهم الثقافي الذي يحمّل كلمة "امرأة" قيما سلبية. وما ذلك سوى انعكاس لثقافة الشرق الأوسط التي تضع المرأة في المرتبة الثانية اجتماعيا مقارنة بالرجل. ولدت في عائلة اعتدت فيها على سماع والدي وعمّي والكثيرين من أهل قريتي ينادون زوجاتهم بكلمة "يا مرا" وهن يجيبونهن بكلمة "يا زلمة" أي "يا رجل". كبرنا نحن الأطفال ولم نر في تلك الكلمات أي قيمة سلبية، كما أن أمهاتنا وآباءنا لم يروا في تلك الكلمات ما يقلل من قيمة واحدهم للآخر. وهنا نقول، إن كان خطاب المسيح للسيّدة العذراء يبدو سلبيّا، فالعيب ليس بالخطاب إنما بالمتلقي الذي غرف من ثقافته ليضفي على النص ما لم يقله. وزيادة في التوضيح، نرى ان الانسان الغربي لم يجد في كلام المسيح مع أمه أي إشكال على عكس الكثيرين المشرقيين الذين انتقدوا النص معتمدين فيه على خلفيتهم الثقافية.
أعاد يسوع استعمال المصطلح ذاته عندما خاطب أمه وتلميذه يوحنا وهو على عود الصليب. كانت جراح يسوع آنذاك تتدفق دما، وكان الألم يخترق مفاصله، لكن ذلك لم يمنعه من التفكير بوالدته التي كانت منهارة عند أسفل الصليب. عندها نظر يسوع الى أمه وقال لها "يا امرأة، هوذا ابنك." ثم قال للتلميذ يوحنا الذي كان يسوع يحبّه "هوذا أمك". ومن تلك الساعة أخذها التلميذ الى خاصته. لا أستطيع التخيّل أن يسوع الذي تخبرنا عنه الاناجيل هو نفسه يسوع الذي لم يكن لديه همّ وهو على عود الصليب سوى تحقير أمّه بمناداتها يا "يا امرأة". بل للكلمة أبعاد لاهوتية، لا يحتمل المقال الحاضر مناقشتها، وتهدف الى تحديد هوية المسيح الالهية بصفته ابن الله، وهوية أمه الانسانية بصفتها "ابنة آدم وحواء".
الكتاب المقدس ليس خطا أحمر في وجه النقد. بل بصفتي كاتبا مسيحيا، أشجع النقد وطرح الأسئلة والسعي للحصول على أجوبة. لكن علينا كناقدين ومفكرين وسائلين أن نخرج من شرنقتنا الثقافية كيما يكون طرح السؤال مفيدا وكيما يكون النقد هادفا وموضوعيا، وكيما يحافظ الباحث او الناقد على مصداقيته العلمية.
#طوني_سماحة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل مسموح أن يتعرض أبو سليم للإذلال؟
-
شبهة وردود-1- يسوع سارق الحمير
-
عهد قديم وعهد جديد-11- حمورابي وموسى
-
عهد قديم وعهد جديد-10- جولة على معتقدات القارة الفتيّة
-
عهد قديم وعهد جديد-9- قراءة في الهندوسية
-
هل قال أيوب أن السماء ترتكز على أعمدة أربعة؟
-
مرحبا أيها الحب!
-
عهد قديم وعهد جديد-8- قراءة في البوذية
-
كافر أنا
-
عهد قديم وعهد جديد -7-جولةعلى آلهة حوض البحر الابيض المتوسط
-
رأيت يسوع- قصة خيالية
-
منطق آلهة سادية أم بشاعة وسادية القدماء؟ رد على مقال الاستاذ
...
-
عهد قديم وعهد جديد -6-الحرب على كنعان، إبادة جماعية أم دينون
...
-
حسناء باريس... وردة ذبلت أم أشواك دامية؟
-
عندما يكون الدم ثمن الحرية
-
إنسان يموت وكلب يعيش
-
عهد قديم وعهد جديد -5- إسمع ما يقوله إيل الثور الإله، سيّدك
-
عهد قديم وعهد جديد -4- وسمع الإله دعائي وباركني
-
إنها الحياة-6- ومن الحب ما قتل
-
عهد قديم وعهد جديد -3- مبروك للعروسين
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|