طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 4993 - 2015 / 11 / 22 - 07:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
You never want a serious crisis to go to waste. … This crisis provides the opportunity for us to do things that you could not before
-Rahm Israel Emanuel-
لا تريد ان تفوت فرصة استغلال كارثة كبيرة. فالكارثة توفر لنا الفرصة لفعل ما لم نستطع فعله من قبل.
رام إسرائيل ايمانويل, رئيس طاقم موظفي البيت الابيض في الفترة 2011-2009
------------
اصبحت هجمات باريس مؤخرا موضوع الساعة لدى المُجْمع الصناعي العسكري الغربي, حيث يتم تكرار الدعوة بالحاجة الى مزيد من الأمن, والحاجة الى الامن تعني في واقع الحال المزيد من قمع الحريات الشخصية وتشديد اساليب الرقابة على وسائل الاتصالات التليفونية والتجسس عليها وعلى وسائل الاتصال الاجتماعي وامورا قمعية اخرى تُحيل دول الغرب الى دول شمولية قمعية.
مدير ال CIA الحالي جون برينان يلقي اللوم في حصول الهجمات على قانون حماية الخصوصية الذي سٌن بعد كشف إدوارد سنودن عن ممارسات الرقابة الحكومية في الولايات المتحدة.
يتوقع برينان أن هجمات باريس لن تكون الوحيدة وسيعقبها هجمات اخرى, وان ارهاب داعش, على حد قوله, سوف لا يقتصر على سوريا والعراق. تصريحات برينان تأتي في أعقاب فيديو جديد وزعته داعش مؤخرا, تعلن فيه ان كافة الدول التي تلعب دورا في الغارات الجوية في العراق وسوريا ستكون هدفا لهجمات قادمة. الفيديو حدد واشنطن كهدف بالتحديد. يقول الرجل في شريط الفيديو الذي ظهر على موقع تستخدمه الدولة الإسلامية لنشر رسائلها " نقسم أننا سوف نضرب أمريكا في مركزها في واشنطن".
وقال برينان في تصريحاته ان هجمات باريس يجب أن يكون بمثابة "دعوة للاستيقاظ" لمجابهة "تشويه ما تفعله أجهزة الاستخبارات لحماية المدنيين الأبرياء". وأضاف أن "السياسات والإجراءات القانونية الحالية تحد من القدرة الجماعية، على الصعيد الدولي، للعثور على هؤلاء الإرهابيين وتجعلها أكثر صعوبة بكثير." ففي يونيو 2015، وقع الرئيس باراك أوباما على قانون إصلاح برنامج مراقبة الحكومة الذي كان يسمح بالتجسس على الملايين من السجلات الهاتفية للأميركيين. وكان إقرار هذا القانون هو بمثابة حل وسط بين دعاة الخصوصية ومجتمع الاستخبارات.
أثارت تصريحات برينان على الفور انتقادات من دعاة الحريات المدنية الذين قاتلوا من أجل مزيد من الخصوصية وكبح مراقبة الحكومة. والآن يخشى ان هجمات باريس قد تؤدي الى تراجع في حماية الخصوصية.
لم يتم تقديم أدلة لدعم الادعاء بأن مهاجمي باريس استخدموا الاتصالات المشفرة. ومع ذلك، سيتم استخدام هذا الهجوم من قبل السلطات الغربية ليس لمواجهة مخاوف الخصوصية فقط, وانما ايضا المخاوف الأمنية. فقد حذر خبراء التكنولوجيا أن الدخول من الباب الخلفية إلى جميع الأجهزة المُشفْرة سوف يؤدي ليس فقط إلى تآكل أمن الإنترنيت, بل ويجعلها ايضا عرضة سهلة للقراصنة لتنفيذ سرقة الهوية.
يضغط جهاز ال FBI واجهزة اخرى على المسؤولين الامريكيين من اجل حمل الكونغرس على تشريع قوانين تسمح بالوصول إلى الاتصالات المُشفّرة للمجرمين المحتملين أو الإرهابيين التي يتم إخفاؤها من قبل الهواتف الذكية وتطبيقات المراسلة-Apps. المدافعون عن الخصوصية والتكنولوجيون يشعرون بقلق من ان توفير ضمانات اضافية للسلطة بمراقبة الهواتف سيكون امرا يتم استغلاله من قبل القراصنة-الهاكرز, ويجعل الإنترنيت أكثر عرضة للاختراقات الأمنية. ودعاة الخصوصية يعتقدون ان الولايات المتحدة لديها الآن العديد ما يكفي من وسائل التجسس وقدرات المراقبة المتطفلة التي وضعت الكثير من السلطة في يد الحكومة.
وقال برينان أيضا ان الولايات المتحدة قد وجهت "تحذيرا استراتيجيا" حول الهجوم الإرهابي في باريس، ولكنه لم يقدم اية تفاصيل، بخلاف القول ان الهجوم "ليس مفاجأة." واضاف انه يعتقد ان الهجوم تم التخطيط له على مدى "عدة شهور"! ولكن اوباما, خلال مؤتمر صحفي عقده في تركيا التي استضافت قمة G-20، قال لم تكن هناك أية اشارة محددة على وقوع هذا الهجوم ولم تتوفر اي وسيلة او معلومة للولايات المتحدة لمنع وقوعه.
أولئك الذين يدخلون الدولة الإسلامية من أوروبا الغربية ومن الأراضي ذات الأغلبية المسلمة، وخاصة المملكة العربية السعودية، يقومون بذلك نظرا لعدم تمكنهم بتلبية احتياجاتهم في بلدانهم الأصلية. ما هو مطلوب هو ثقافة عالمية للأمل، ولكن هذا هو بالضبط ما نفتقده في عالمنا الغارق في الاستهلاك، عالم الرأسمالية والصراع الاجتماعي.
والغرب يلجأ, كبديل لاشاعة ثقافة الامل, الى المزيد من الاجراءات الامنية والتجسسية القمعية لكبح الحريات الفردية بحجة مكافحة الارهاب, وكذلك الى تعميق عدم الثقة والنفور بين السكان الاصليين والمهاجرين الذي يشعرون اصلا بالتغريب والتهميش ويعانون من البطالة والفقر والعيش في مساكن متهالكة في احياء الغيتو, وهي امور تؤدي ايضا الى ضعف تحصيلهم الدراسي وتحول دون حصولهم على مؤهلات حرفية او اكاديمية للدخول الى سوق العمل. وبالتالي تحكم الحلقة اغلاق نفسها, ويٌسيطر على المهاجرين, واكثرهم لربما من الجيل الثاني والثالث, شعور بالالم والمرارة والغضب وخيبة الامل وانعدام الافق, مما قد يجعلهم اكثر عرضة لتقبل الافكار الغيبية والارهابية التى تنشرها جوامع ومساجد سلفية وهابية في اوربا تقوم السعودية بانشائها كمواقع قدم لنشر فكرها الظلامي ونشر اسلامها المتوافق مع السياسات النيوليبرالية وبموافقة ضمنية من دول الغرب. ان الارهاب هو ايضا نتاج لسياسة امبربالية تهدف الى قهر الشعوب واذلالها من اجل خلق نظام عالمي جديد من الهيمنة يحيل الافراد, والشعوب, الى ما يشبه الروبوتات او الى جثث متحركة يسهل تطويعها وغسل ادمغتها واستعمار عقولها. وكل من يحاول كشف الاساليب القذرة للدوائر الغربية في التحكم بمصائر الشعوب سيعامل معاملة الجذام كما في حالة جوليان اوسانج وسنودن. وتتحدث وسائل التواصل الاجتماعي الآن عن قبض السلطات الامريكية على عسكري سابق في البحرية الامريكية Brandon Raub وسجنه واجباره على ان يخضع نفسه لفحص طبي لقواه العقلية بعد ان نشر تعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي ينتقد فيها سياسة بلاده.
ودمية واشنطن هولاند يسير على خطى اسياده في واشنطن. ففي اعقاب احداث باريس, يعلن هولاند حالة الطوارئ في فرنسا لثلاثة أشهر، التي هي في الواقع تمثل تجريدا للمواطنين الفرنسيين من الحريات المدنية, و تسمح للسلطات باغلاق المواقع الالكترونية وتمنح الشرطة سلطات كاسحة جديدة في تفتيش الاشخاص ومساكنهم واحتجازهم متى ما شاءت. ومن يضمن ان فترة الثلاثة اشهر سوف لن تدوم وتصبح حالة الطوارئ هي عرف الحياة وقانونها؟ فاسياد هولاند في واشنطن يتنبأون ان الحرب على الارهاب ستدوم عشرات السنين, وعشرات السنين بالطبع قابلة للتجديد دوما ويمكن ان تمتد الى ابد الآبدين.
لقد قال فولتير, فيلسوف الثورة الفرنسية
When it comes to money, everybody is of the same religion
(ان المال يوحد الناس في نفس الدين)
فمقولة فولتير تجسد حقيقة ان الارهاب الهادف الى السيطرة وتحقيق اعلى الارباح المالية لا دين له, بدلالة التحالف, الخفي او المعلن, بين الدوائر الغربية واجهزتها العسكرية والامنية, من جهة, وبين داعش والسعودية ومشيخات الخليج, من جهة اخرى. هذا اللهم الا اذا اعتبرنا عبادة المال دينا بحد ذاتها. فوجود عبارة
In God We Trust
(في الله نثق)
منقوشة على الدولار الامريكي تؤكد ان عبادة الدولار تعني عبادة الله, و ان مالكي الدولار واصحابه هم ممثلو الله على الارض, بدليل زعم جورج بوش الابن ان الله ظهر له في الحلم ليأمره بغزو العراق!
وما هو اكثر مدعاة للقلق هو عدم قدرة الحكومات الغربية المتأصلة على الاعتراف بأخطائها المتجسدة في دعمها المتواصل لتشكيل دولة مراقبة عسكرية تتحكم في نسيج الحياة الحديثة - كذلك تجريم سلوك المواطنين الأبرياء. وبذلك تصبح الدول الغربية معادلا لما اسماه فوكو "السجن البان اوبتيكم" , حيث تكون حياتنا الشخصية والحميمية موضع شك ومراقبة دائمة من قبل السلطة, او الاخ الاكبر, الذي يسهر, حسب زعمه, على حمايتنا من الارهاب, برغم ان الارهاب هو من صنعه في المقام الاول. ففي عالم اليوم تنتشر البارانويا كالنار في الهشيم, حيث بجري تصنيعها وتعبأتها في مصانع العولمة لارسالها الى كل بقع العالم لتسميمه. فالكل يخاف الكل. ولا احد يستطيع التنبؤ بمكان وزمان مذبحة مماثلة لمذبحة باريس او بيروت او خلافهما, او حتى ما هو اكثر بشاعة. ولكن عالمنا ليس عالما كافكويا, لان الحيرة والشعور بغياب الافق وانعدام القدرة لا تشمل فقط السيد Josef K, وانما هي صفات ملازمة لعالم اليوم, عالم العولمة المتوحشة, الذي يحيل البشر الى حيوانات مفترسة, ويرجعنا الى شريعة الغاب وعصورها البربرية. والارهاب هو عارض للمرض. والمرض هو العولمة المتوحشة. والمرض, كما يعلّمنا الطب بكل فروعه, لا يمكن القضاء عليه بالطبع بمكافحة اعراضه فقط.
------
المصادر ذات الصلة
1- France Can Now Search Whoever They Want & Shut Down Any Website
http://yournewswire.com/france-can-now-search-whoever-they-want-shut-down-any-website/
2- Citing Paris Attack, CIA ---dir---ector Criticizes Surveillance Reform Efforts
http://foreignpolicy.com/2015/11/16/citing-paris-attack-cia----dir---ector-criticizes-surveillance-reform-efforts/
3- The US Govt is Blaming the 4th Amendment & Edward Snowden for Paris Attacks – Seriously
http://thefreethoughtproject.com/government-blaming-fourth-amendment-edward-snowden-terrorism/#YK6ooFwc9pVegCTd.99
4. Marine Arrested For Spreading 9/11 Truth On Facebook
http://yournewswire.com/marine-arrested-for-spreading-911-truth-on-facebook/
http://thefreethoughtproject.com/government-blaming-fourth-amendment-edward-snowden-terrorism/
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟