|
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 2
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 4105 - 2013 / 5 / 27 - 21:55
المحور:
الادب والفن
و إذا ما تحدثنا عن فترة العشرينات من القرن العشرين باعتبارها الفترة التي تميزت بالاهتمام بالشعر العالي الثقافة ، و شعر إدامة التراث ، فعلينا أن ننسى صبيانية الكثير من الشعر المنشور في " لندن ميركُري " ( مجلة أدبية شهرية مؤثرة صدرت خلال الفترة : 1919- 1939) ؛ و تفاهة النثر المكسّر للدوريات " بلومزبَري " و " پاريس " ؛ و كآبة عدد لا يحصى من الكتيبات الصغيرة ذات التهويمات المختزنة و التي يمكن أن تكون قد صدرت من دور الناشرين بحكم العادة ، أو على أمل الإصطياد بمتشاعر يمكن أن يصبح في المستقبل روائياً مشهوراً واسع الجمهور . و هكذا يتعين علينا أن نضع التقييم الكمّي جانباً لصالح النوع . و من ناحية النوعية ، فأن شعر العشرينات قد تصدى لمهمة الدفاع عن الحضارة و التراث لأن شاعرهم الأكبر " تي أس إليوت " فعل ذلك . و يستلزم هذا الدفاع إستيعاب تاريخ إنـگلترا و أوربا ؛ ليس التاريخ الأدبي فحسب ، بل و الديني و الإجتماعي أيضاً . كما يستلزم الكثير من النشاطات النقدية في معرض فهم و تقييم التراث . و تواكب أعمال " إليوت " النقدية أعماله الشعرية بخطوات متساوقة . و هكذا فقد إكتشف العديد من النقاد إن إليوت الشاعر يحمل ذات الإنشغالات الفكرية لـ " إليوت " الناقد ، ألا و هي : التعلق بالمدرسة الميتافيزيقية للشعر الإنكليزي ( العائدة للقرن السابع عشر ) ، و الذكاء الأدبي ، و رفض السمو الملتوني (أي المثالي ، نسبة للشاعر : " جون ملتن " (1608-1674)) . و ينزع الشاعر الذي تئز أنامله ثقافة لأن يكون عالي البلاغة ؛ و بوسعه – مثلما فعل " إليوت " و على نحو واضح – إعطاء نموذج رائع للتكريس الحضاري للشعر . بيد أن مخاطر هذا الحمل من الماضي المرحّل من طرف الشاعر المتوازن مع زمنه تتأتى – بطبيعة الحال – من إحتمال اختناق الشعر و خسرانه لذاته ، لأن من شان هذا الإهتمام الواسع أن يجعل القصيدة محاصرة بالتفاصيل المعرفية المسهبة ، و بالغلو في التعقيد . و لغاية عام 1921 ، لم يجد " إليوت " أي مخرج من هذه الدوّامة عندما كتب يقول : " بوسعنا فقط القول باحتمال أن شعراء حضارتنا الراهنة ينبغي أن يكتبوا شعراً صعباً ، لكون هذه الحضارة تتميز بالتنوع و التعقيد الهائل . و عندما يداعب هذا التنوع و التعقيد الإحساس المرهف ، فلا مندوحة من إنتاجه إبداعاً متنوعاً و معقداً . و يتعين على الشاعر ( المعاصر ) أن يكون أكثر شمولية و بلاغة و لا مباشرة ، حتى يستطيع إجبار اللغة ، أو حتى التشويش عليها عند الضرورة ، لسحبها نحو المعنى الذي يريد تقديمه ." ( و من هذه " التشويشات : إبتداع الروائي و الشاعر الإيرلندي جيمس جويس (1881-1941 ) لكلمات مصاغة من عدة لغات ، و فأفأة الكاتبة الأمريكية المغتربة في باريس گـيرترود ستاين (1874-1946) ، و غيرهما ؛ و التي كانت صدى أدبياً أستعير من الفرنسية على وجه الخصوص .) و ليس هذا الرأي هو القول الفصل الذي يستوجب الموافقة الفورية و غير المترددة . فحتى في أشد العصور تعقيداً ، سيوجد هناك من الشعراء من لا تحدوه أي رغبة في التصارع مع مشاكله الحضارية على نطاق شمولي . و ليس هناك توافق عام على أن ذلك التصارع هو ما يتوجب على الشاعر الإضطلاع به ؛ و لا على أن الشعراء لا يمكن إعتبارهم فنانين جادّين إن هم أداروا ظهورهم لهذه المهمة . و من المناسب أن نتساءل فيما إذا كان العصر المعقد يحتاج فعلاً إلى شعر معقّد ؛ في ضوء كون الشاعر ماثيو آرنولد – مثلاً – كان يذهب إلى أن تعقيد زمانه يتطلب بالضبط "الوضوح و البساطة الشديدتين" من طرف الشاعر . و لعل الحقيقة تكمن في عدم وجود علاقة لازمة بين تعقيد العصر و تعقيد لغة الشعر المتوقعة من شعراءه . كل هذه هي مجرد شكوك و أسئلة ؛ و لكن كلمة "التشويش" في النص أعلاه تستدعي إنتباهنا على نحو حاد لأنها تقيم الدليل على إن " إليوت " شاعر تتقد في نفسه جمرة الثورة ، رغم كونه مناصراً للتراث على نحو أكيد . يحفظ تلامذة الشاعر " أرشيبالد ماكليش " ( 1892 - 1982 ) جيداً مقولته الذائعة الصيت القائلة : " لا ينبغي للقصيدة أن " تعني " ، بل يجب عليها أن " تكون " ". و تلك هي ربع الحقيقة المستلهمة من علم الجمال الرمزي ، و التي جرى تداولها كثيراً في معرض الدفاع عن لا إنسجامية " الرومنطيقية الجديدة " العائدة لفترة الأربعينات من القرن العشرين . إن إحدى أهم إبداعات " إليوت " الثورية هي الاستعاضة الجزئية عن الاستمرارية المنطقية و السردية بـ "المحادثة المشوشة" ؛ أي بشكل من أشكال البناء الشعري القائم بالدرجة الأولى على كفاءة القارئ في تتبع الأفكار الرئيسية المتكررة ( العبارات و الصور ) بكل تكسراتها و أقنعتها للكشف عن وحدة البناء المعنوي ( المقارنة هنا هي مع البناء الموسيقي ) . و يفضي "الحديث المشوش" إلى الإقتصاد في العبارة ؛ و لكنه يسبب أيضاً إنغلاق القصيدة على فهم القارئ . و توفر هذه الصنعة الفنية فرصة لخلق مؤثرات شعرية مثيرة عبر المزاوجة بين التباين الشكلي أو الظاهري ؛ و لكنها تجبرنا أيضاً على التساؤل عن المدى الذي يمكننا فيه موافقة "إليوت" على قوله بكون شعره يتطور تراثياً بالاستناد على الموروث الشعري . إنني أرى في هذا الإبداع الشعري الخاص جسماً فرانكو - أمريكياً أُقحم عنوة في النسيج الشعري الإنكليزي ، و الذي ما لبث و أن تم رفضه قطعاً – و هو لما يزل بصدد التشكل و الانبثاق – من طرف أفضل شعراء الثلاثينات و الأربعينات . و من الصعب أن لا نصدق بأن الشاعر " ديلن توماس " (1914-1953) كان يمكن أن يَعي في وقت أبكر خطر بناء تراكيب غنية بالإيقاع و السبك القوي دون إعطاء معقولية المعنى ما تستحقه من الإهتمام لو لم تكن تنقصنا الشجاعة في رفض تشويشات " إليوت " في الوقت المناسب بسبب شعورنا بواجب إبداء ما يناسب من العرفان بالجميل لـ " إليوت " بإعتباره الشاعر الذي حرر الشعر من قيوده ؛ و كذلك بسبب مقتنا الطبيعي لتقليدية التنظير الأكاديمي . و لست بصدد المبالغة بهذا الخصوص . فإذا كانت "الأرض اليباب" إنجازاً كبيراً ، فإن ذلك يعود إلى عبقرية صانعها في إيجاد تقنية شعرية مناسبة لعرض كل تلك الموضوعات المتباينة في وقت واحد ، مع التمكن من إدارة العديد من المستويات المتنوعة من المعاني . و هي قصيدة ذات روعة إستثنائية على نحو مميز ، و لعلها قد أمست مبتذلة بالنسبة لنا لكثرة ما قمنا باستعادتها ، بحيث أننا نفشل في إدراك مدى روعتها الغريبة . و ربما كانت هي النوع الوحيد من العمل الراقي الممكن الإخراج عام 1922 . و لكنني لست متأكداً من كونها قد قدّمت منهجاً يلاقي الرضا . كما لا يمكننا الآن أن نعتبر تأثير الشاعر " عزرا پاوند " (1885 - 1972) على " إليوت " شيئاً بسيطاً و مرغوباً فيه ، و ذلك لأن الكثير من العسر اللغوي الذي يميز " الأرض اليباب " إنما يعود إلى الشطوبات الكثيرة الموثقة التي أجراها " پاوند " على مسودتها ( إستبقى پاوند 433 بيتاً من أصل 734 بيت في تنقيحه لمسودة القصيدة التي جلبها إليوت له في پاريس و ذلك في إطار ما أطلق عليه پاوند في إحدى قصائده بـ " العملية القيصرية " التي ولّدت " الأرض اليباب " . ) و لا أستطيع تفادي شعوراً آخرَ مؤدّاه أن " الشيخوخة " لها متطلباتها الصعبة في إختبارها لمدى مقدرتنا على التحمّل بسبب عسر إنتقالاتها ؛ و لعلنا مدينون بذلك إلى " پاوند " أيضاً . و مع أنني لست مستعداً للقبول بموقف الناقد و الشاعر " گريهم هَوْ " ( 1908- 1990) في رفضه أنماط الحديث المشوش كافة على أساس كونها تشكل إنحرافاً ، إلا أنني أشعر بأن الشكل " الجديد " للبناء الشعري – المستخدم بحذق و تعقل شديدين في قصائد مثل " أربعاء الرماد " ( إليوت : 1930) و " الرباعيات الأربع " ( إليوت : 1946 ) – يتسبب في إثارة الخجل غير الصحي لدى الشعراء ، و يورث التحذلق عند النقاد . أما " الأرض اليباب " ، فتدهشنا بذكائها المشبع ، و امتلائها بالألاعيب ، مع جديتها التعليمية . إنها نوع من " المرجان " الشعري المُعَد لمحرري مجلة " سكروتني " (مجلة فصلية صدرت خلال الفترة 1932-1953؛ ترأس تحريها الناقد " فرانك ريمند ليفز " (1895-1978) ) لكي " يخلعوا أسنانهم اللبنية به ". إنها قصيدة تُنهي القصائد ، و تمنح القارئ مقاطع لبقة من "الصور المهشمة" على نحو غير أنيس . يتبع ، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920-1950 / 1
-
الديك و عضو البرلمان
-
الحب الخريفي في ترجمة لقصيدتين عربيتين
-
الماركسية و الأخلاق / 2
-
ثلاثيات عتيقة
-
معالي الوزير السيادي الخطير
-
أحلام زنزانة الإعدام
-
العبقريون الثلاثة
-
الماركسية و الأخلاق
-
قصة حبيبين
-
الغربان و الحمير
-
قطاع الخدمات في النظام الرأسمالي من وجهة نظر ماركس
-
القرد و الجنّية و الغول
-
رد على د. مجدي عز الدين حسن : الإعتباطية و القصدية في اللغة
...
-
أبا الصّفا / مرثاة للشهيد الشيوعي الدكتور صفاء هاشم شبر ، أس
...
-
الإمتحان
-
الفيل و الضبع و البغل
-
طرزان و ذريته
-
رد على د. مجدي عز الدين حسن : الإعتباطية و القصدية في اللغة
...
-
رد على د . مجدي عز الدين حسن : الإعتباطية و القصدية في اللغة
المزيد.....
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
-
-يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم
...
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|