فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين .


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 8257 - 2025 / 2 / 18 - 20:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

فاسقيناكموه
سؤال من الاستاذة أم محمد : يقول جل وعلا : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) الحجر ) . اعرف دور الرياح فى تلقيح النبات وفى انزال المطر ، ولكن لا أفهم معنى : ( فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ) .
الإجابة :
أولا : ( فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ).
الله جل وعلا هو وحده الذى يسقى المخلوقات .
1 ـ الله جل وعلا هو الذى يسقينا الماء فى حياتنا الدنيا . قال جل وعلا :
1 / 1 :( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) الحجر )
1 / 2 : ( وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتًا (27) المرسلات )
1 / 3 : قال ابراهيم عليه السلام : ( وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) الشعراء )
2 ـ الله جل وعلا هو الذى يسقينا لبن الأنعام . قال جل وعلا :
2 / 1 :( وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) النحل )
2 / 2 : ( وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21) المؤمنون )
3 ـ الله جل وعلا هو الذى يسقى البشر والحيوان . قال جل وعلا : ( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49 ) الفرقان )
4 ـ الله جل وعلا هوالذى يسقى النبات على إختلاف أنواعه . قال جل وعلا : ( وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)الرعد )
كل الآيات الكريمة السابقة تحوى إعجازات علمية ، يمكن أن يوضحها المتخصصون .
5 ـ الله جل وعلا هو الذى يسقى الجن فى برازخها فى هذه الدنيا ، وهذا خارج عن نطاق البحث العلمى المادى . قال جل وعلا : ( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا (16) الجن ). الغدق أى الكثير الطهور .
6 ـ الله جل وعلا هوالذى يسقى أصحاب الجنة . وهذا خارج عن نطاق البحث العلمى المادى . قال جل وعلا :
6 /1 : ( وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا (18)الانسان )
6 / 2 : ( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) الانسان)
6 / 3 : ( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) المطففين )
7 ـ : الله جل وعلا هو الذى سيسقى أصحاب النار حميما وصديدا . قال جل وعلا :
7 / 1 : ( تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) الغاشية )
7 / 2 : ( كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) محمد )
7 / 3 : ( مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) ابراهيم ).
ثانيا :
المعروف لنا الآن عن شرب الماء :
1 ـ من الممكن أن ينزلق الماء أو الطعام الى القئصبة الهوائية فالرئتين فيختنق الانسان وربما يموت . الذى يمنع ذلك هو ( لسان المزمار ) .وهو يتصرف بطريقة ميكانيكية ، حتى لدى الطفل الوليد . لسان المزمار يتيح للطعام والماء الإنزلاق الى المرىء فالمعدة ، ويتيح للهواء أن يدخل للقصبة الهوائية . ومثلا عندما يتكلم الانسان وهو يأكل فلا يحدث له إختناق . الله جل وعلا هو الذى يطعمنا ويسقينا .
2 ـ ليس الماء طعاما أومادة غذائية . ولكنه أساس الحياة لكل كائن حى فى الأرض وفى السماوات . قال جل وعلا :
2 / 1 : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30)الأنبياء ).
2 / 2 :( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور )
3 ـ للماء الذى نشربه دورة فى الجسم يصل الى الدم ، ويساعد فى العمليات الحيوية للجسم ، ثم ينتهى الى الكليتين والخروج من الجسم ، ويخرج أيضا بالعرق وفى الغائط . الماء الذى يخرج من الجسم ليس هو نفس الماء الذى شربه الانسان ، بل يحمل معه نفايات الجسم . وبخروج الماء يشعر الانسان بالعطش ، فيشرب ، وتتكرر دورة الماء فى حفظ حياة الجسد البشرى .
ثالثا :
( وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ )
1 ـ لا نستطيع خزن الماء فى الجسم . إلا إذا كان هناك مرض هو ( إحتباس الماء ) فى الجسم ، بما ينتج عنه تورّم فى البطن والأطراف خصوصا القدمين والساقين ، وتكون مصحوبة بآلام وآثار جانبية أخرى فى المفاصل . وفى كل الأحوال فإن إحتباس السوائل تحت الجلد هو من تأثير أمراض أخرى بعضها خطير كأمراض القلب . وبالتالى فلا بد من علاج الأصل ، وإذا كان مرضا مُزمنا مثل ( فشل القلب) ( heart failure) ــ الذى أُعانى منه ــ فستظل مشكلة إحتباس الماء قائمة .
2 ـ وأعطى تجربتى الشخصية . من عدة سنوات اضطررت لدخول المستشفى ، وكان التشخيص الأولى هو إرتشاح ماء من الرئتين للقلب بما سبّب له فشلا . كنت بين أمرين : عملية قلب مفتوح تستلزم شهورا من الجلوس على كرسى والانقطاع التام عن العمل ، أو عملية تركيب ثلاثة دعائم لمساعدة القلب المنهك . إخترت تركيب الدعائم ، حتى أظل فى كتابة عملى اليومى . بمرور السنوات بدأت السوائل تتراكم فى الساقين والقدمين تصاحبها آلام المفاصل . ليست آلام المفاصل بالشىء الجديد فقد تعايشت معها من عشر سنوات . أطباء القلب لم يهتموا بإحتباس السوائل عندى ، واضطررت الى ان يقوم أولادى ب ( مساج ) للساقين والقدمين . باستمرار ال( مساج ) لم يكن للسوائل ــ وهى تصعد لأعلى ـ مخرج سوى أن تنفجر فى الداخل فتكونت بالونة صغيرة مملوءة بالماء والدماء، ما لبث أن تضخمت واصبح مظهرها مُرعبا مع آلام فوق الاحتمال . أكره المستشفيات ، ولكن إضطررت الى الذهاب الى الطوارىء فى منتصف الليل . وبالبنج الموضعى ثقبوا هذه البلونة ، فانهمرت منها المياه والدماء ، وتكونت مكانها جلدة . كان لا بد من تحملها وتنظيفها الى أن يتكون جلد جديد يحلّ محلها . ولا زلت فى انتظاره حتى اليوم . المشكلة انها ليست حلا لاحتباس الماء لأنه مرتبط بفشل القلب. الحل المؤقت هو فى ادوية تجعلنى أتبول كثيرا لتخفيف إحتباس السوائل فى الجسم . الدواء الموجود الذى استعمله من سنوات لم يعد كافيا ، فوصفوا دواءا جديدا شديد التركيز والتأثير يشفط الماء ويبثه فى الكليتين . ولكن له خطورة على الكليتين ، ثم هو يرغمنى على إستدامة شرب الماء ليل نهار. أى أن يكون يومى بين التبول وشرب الماء. والغريب أن شرب الماء رشفة رشفة أصبح لذيذا لدرجة غريبة . والحمد لله جل وعلا فلم يؤثر هذا على صلواتى ولا على جدولى فى الكتابة . ولكنه سيؤثر على صيامى . فلأول مرة من 65 عاما سأضطر للإفطار فى رمضان القادم ، واليوم الأول منه يوافق عيد ميلادى السادس والسبعين ، ويشاركنى فى نفس اليوم ( أول مارس ) شقيقى د عبد الرزاق منصور وابنى الرابع حسام منصور . بسبب حاجتى للشرب سأفطر وأقدم فدية طعام مسكين عن كل يوم .
أخيرا :
كل عام وأنتم بخير . ومتّعكم الله جل وعلا بالصحة والعافية .
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran