الفصل الثانى:الاجتهاد الشيطانى فى قتل المسالمين فعليا وجعله تشريعا إلاهيا: ( المنبع )
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن
-
العدد: 8245 - 2025 / 2 / 6 - 23:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الباب الأول : عن الاجتهاد فى ( شريعة الاسلام ): كتاب : ( شريعة الاسلام ):
أولا :
الخلفاء الفاسقون الجواسيس الذين مردوا على النفاق
1 ـ تعرضنا لماهية الاسلام السلوكى بمعنى السلام ، وماهية الاسلام القلبى الدينى بمعنى التقوى . وتعرضنا للنقيض وهو الكفر والشرك ، وتعرضنا للمؤمنين المسالمين سلوكيا مع حريتهم فى عبادة القبور ، وللمنافقين ( الصرحاء ) الذين لم يحملوا سلاحا ، ولكنهم مارسوا أقصى درجات المعارضة الدينية والسياسية ، متمتعين بالحرية الدينية والسياسية فى الدولة الاسلامية فى عهد النبى محمدعليه السلام .
2 ـ هناك نوع أخطر من المنافقين ، هم الذى ( مردوا على النفاق ) . قال جل وعلا عنهم فى أواخر ما نزل من القرآن الكريم : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ). كلمة ( مردوا ) لم تأت إلا مرة وحيدة فى القرآن الكريم ، عن هذا الصنف من المنافقين ، والمختلف عن المنافقين الصًرحاء الذين فضحوا أنفسهم بأقوالهم وأفعالهم . ومع ذلك فقد كان هناك أمل فى توبتهم ، فقد قال جل وعلا : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147) النساء ). أما الذين مردوا على النفاق فلا أمل فى توبتهم ، لأن الله جل وعلا أنبأ مقدما بأنه سيتم تعذيبهم مرتين فى هذه الدنيا ،ثم ينتظرهم عذاب عظيم فى الآخرة . ومفهوم أنهم سيرتكبون جُرما فظيعا ، يستحقون به هذا العذاب المزدوج فى الدنيا قبل موتهم ، وأن هذا سيقع عليهم بعد إنتهاء القرآن الكريم نزولا ، وبعد موت النبى محمد عليه السلام ، وأن إرتكابهم هذا الجرم الفظيع يعنى إنهم سيكونون فى موقع القيادة والسُلطة ، وكونهم هكذا يعنى إنهم كانوا الأقرب الى النبى محمد بالقرابة والمصاهرة ، ولهذا كتموا نفاقهم وهم الدائرة الضيقة المحيطة به ، وكان سهلا عليهم الوثوب للسلطة بعده . وهذا ما حدث فى خلافة أبى بكر ومن تلاه ، وهى الفتوحات أفظع أنواع الكفر السلوكى والدينى ، وما تلاها واستمر معها من حروب أهلية تنازعا حول إلاههم الأعظم ( المال ) .
3 ـ الملأ من قريش هم الذين تحكموا فى التجارية العالمية بين الهند شرقا وأوربا شمالا وغربا ، من خلال اليمن جنوبا والدولة البيزنطية المسيطرة على الشام . تأتى تجارة الهند الى اليمن تحملها قوافل قريش الى الشام ، تبيعها هناك لتنتقل بحرا الى أوربا ، وتشترى قريش بضائع الغرب لتبيعها الى الهند فى اليمن لتصل بحرا الى الهند ، وهذا فى رحلتى الشتاء والصيف ، بقوافل الجمال فى الصحراء ، والتى تسير فى حماية القبائل العربية التى تتصارع فيما بينها فيما كان يُعرف ب ( أيام العرب ) ، ولكن لا يقتربون من قوافل قريش لأن الملأ القرشى أقنعهم بأن تكون أصنامهم تحت رعايتهم فى الحرم المكى . وكان عجبا أن تقتتل قبائل العرب وتعيش فى خوف وجوع بينما تنعم قريش بالأمن ورغد العيش . قال جل وعلا :
3 / 1 :( لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) قريش ).
3 / 2 : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) العنكبوت ) .
4 ـ نزل القرآن الكريم فكان تهديدا لهم ولمصالحهم التجارية ومكانتهم السامية، إذ سيوقعهم فى عداء مع العرب . كانوا يؤمنون بأنه ( هُدى ) ولكن المشكلة أنهم لو إتّبعوا هذا الهدى ستتخطفهم العرب . إقرأ قول الله جل وعلا : ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) القصص ) . أى كان الدافع إقتصاديا بحتا فى تكذيبهم للقرآن الكريم ، أو بالتعبير القرآنى إنهم كانوا يرتزقون بهذا التكذيب للقرآن الكريم . قال لهم جل وعلا فى خطاب مباشر : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) الواقعة ).
5 ـ قادة قريش كانوا من ذرية عبد مناف ،وينتمى له الأمويون المسيطرون على التجارة والهاشميون الذين يقومون برعاية البيت الحرام . وترتبط بهم بقية العائلات الكبرى القرشية من بنى مخزوم وبنى زهرة الخ . فى مواجهة التهديد الذى جاء به القرآن الكريم عقدوا إجتماعا كان الحاضر فيه هو مستقبل تجارتهم وسطوتهم ، وكيف يتصرفون مع ( محمد ). قال جل وعلا عنهم فى خطاب مباشر للنبى محمد عليه السلام : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الأنفال ). نلاحظ أن مكرهم كان موجها ضده عليه السلام ، وأن الآراء إختلفت بين : السجن ، والقتل ، والإخراج . كان سجنه أو قتله سيوقع الخلاف بينهم ، فهو من بنى هاشم . إذن فالحل الأسهل هو إتخاذ الوسائل لجعله يخرج مهاجرا ، وحينئذ سيخرج معه أتباعه . ولأن مكرهم تزول منه الجبال ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ابراهيم ) فقد كلفوا جواسيسهم بالهجرة معه والالتصاق به . فإذا نجح فى المهجر ورثوا نجاحه ، وإستفادت به قريش فى الحفاظ على تجارتها .
6 ـ وهذا ما حدث . بمؤامرة بيعة السقيفة قفز للسلطة أبو بكر وتبعه فى الخلافة بقية الجواسيس ، وبادر أبو بكر بحرب القبائل التى رفضت دفع إتاوة له دليلا على التبعية والخضوع .ولم يكن دفع الزكاة المالية إجبارا فى عهد النبى عليه السلام : ( التوبة 53 : 54 ).بعد هزيمتهم أقنعهم ابوبكر بقتال الروم والفرس على أنه الجهاد فى سبيل الله . إقتنعوا ، بل إن بعض قادة المرتدين كانوا من أبطال (الفتوحات ). وبعد أن توقفت الموجة الأولى من الفتوحات إكتشف الأعراب أن قريش هى التى إلتهمت معظم الكعكة ، فكانت الثورة على فساد عثمان ، ثم الفتنة الكبرى ، وما تلاها . ولا يزال المحمديون فى نفق الفتنة الكبرى يسيرون . التفاصيل فى كتابنا (المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) .وهو منشور هنا .
ثانيا :
الفتوحات جريمة كبرى لا نظير لها :
1 ـ قتل هتلر عشرات الملايين ، وسبقه كثيرون . ولكنها حروب (علمانية ) ، لم يزعم هتلر أو الاسكندر الأكبر أو يوليوس قيصر أو جنكيزخان أنه يحارب باسم الله جل وعلا ، وأن قتله الناس وإغتصاب نسائهم وسبى ذراريهم وإحتلال أوطانهم هو فريضة إلاهية . حاليا أصبحت النازية ممقوتة ، إنتهت الى العار حتى فى بلادها . أما ما إرتكبه أبوبكر ومن تلاه فقد تأسّست عليه أديان أرضية شيطانية ، أصبح فيها الخلفاء الفاسقون كائنات إلاهية ، يكون نقدها خروجا عن الدين عندهم .
2 ـ عرف العرب فى ( الجاهلية ) غارات وحروبا ( علمانية ) . كانوا فيها يضطرون ( أحيانا ) الى( النسىء ) . أى كانوا يراعون حُرمة الأشهر الحُرُم ، فإذا إضطروا قاموا باستحلال القتال فى شهر وتأجيله الى شهر آخر . الله جل وعلا إعتبر النسىء ( زيادة فى الكفر ). قال جل وعلا : ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) التوبة ). أبو بكر ( الزنديق ) بدأ الفتوحات فى شهر ( محرم ) الحرام ، ولم تتوقف أبدا الحروب مع الخارج أو فى الداخل ، بل قد تم تناسى الأشهر الحرم ، فأدخلوا فيها شهر رجب ، مع أن القرآن الكريم يشير الى أنها متتابعة ، تبدأ بإفتتاح موسم الحج ( يوم الحج الأكبر ) وتستمر متتابعة حتى شهر ربيع الأول ( سورة التوبة 1 : 5 ).
3 ـ لم يعرف العرب فى الجاهلية إنتهاك حُرمة الكعبة ، ولقد تم إحراقها فى الصراع بين ابن الزبير والأمويين ، ولم يعرف العرب هذه الوحشية التى إرتكبتها قريش وقادتها فى قتل مئات الألوف من الأبطال المدافعين عن أوطانهم فى الشرق وفى الغرب ، من حدود الصين الى جنوب فرنسا . ولم يعرف العرب فى جاهليتهم هذه الوحشية فى حروبهم الأهلية . لا فارق هنا بين وحشية الخوارج فى قتل الأطفال والنساء ،ولا وحشية الحجاج فى إدمان القتل لمجرد الشُّبهة والظن ، ولا حبسه مئات الألوف ليموتوا صبرا ، ولا قتله للأسرى بعشرات الألوف فى موقعة ( دير الجماجم ) ،. ولقد صار هذا دينا عمليا فعله مصعب إبن الزبير فى ولايته على العراق . قال عبد الله بن عمر بن الخطاب لمصعب : "أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة.! ". فقال مصعب: "إنهم كانوا كفرة سحرة." فقال ابن عمر: "والله لو قتلت عدتهم غنمًا من تراث أبيك لكان ذلك سرفًا.) .! ولنا كتاب منشور هنا عن الفتنةالكبرى الثانية . ولم يعرف العرب فى الجاهلية الطواف بالرءوس المقطوعة للقادة الكبار . بدأ هذا برأس الحسين ، ولنا كتاب عن مذبحة كربلاء ، منشور هنا .واستمر بعدها دينا عمليا مُتّبعا .
خلال عشر سنوات ( 61 : 71 ) فقط شهد قصر الامارة بالكوفة أربع رءوس مقطوعة لمشاهير الناس وقتها : رأس الحسين ، ثم رأس عبيد الله بن زياد ، ثم رأس المختار الثقفى ، ثم رأس مصعب بن الزبير . شهد هذا كله شخص إسمه عبد الملك بن عمير الليثي . قال : ( رأيت في قصر الإمارة بالكوفة رأس الحسين رضي الله عنه بين يدي عبيد الله بن زياد ، ثم رأيت رأس ابن زياد بين يدي المختار ، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير، ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبدالملك بن مروان .).
أخيرا
1 ـ الذى عرفه المحمديون ــ وهم به مستمسكون ــ هو قتل الأبرياء ، لا فارق بين أبى بكرالزنديق القرشى وأبى بكر البغدادى الداعشى . ولنا كتاب منشور هنا عن ( دين داعش الملعون ).
2ـ الذى بقى من إجتهاد الخلفاء الفاسقين وغيرهم فى قتل الأبرياء هو الاجتهاد الفقهى فى تأصيل هذا تشريعيا .
وللحديث بقية .
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran