الفصل الأول : لمحة عامة عن الاجتهاد فى ( شريعة الاسلام ):
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن
-
العدد: 8241 - 2025 / 2 / 2 - 22:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الفصل الأول : لمحة عامة عن الاجتهاد فى ( شريعة الاسلام ):
الباب الأول : عن الاجتهاد فى ( شريعة الاسلام ): كتاب : ( شريعة الاسلام ):
أولا : لمجردالتذكير :
لنتعرف على شريعة الاسلام لا بد أولا من التعرف على دين الاسلام نفسه ونقيضه ( الكفروالشرك ). كتبنا فى هذا كثيرا ، ولا نملُّ من التكرار للتذكير .
قال جل وعلا عن كفار قريش :
1 ـ ( بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) التوبة ).
2 ـ ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) التوبة ). هنا وصفهم بالكفروالشرك معا ، طبقا للإعتداء الحربى ونقض العهود .وبهذا نتعرف عليهم .
3ـ وآيتان فى نفس السورة تجعل توبتهم بالاسلام الظاهرى ، أى بإلتزام الاسلام السلوكى ، وبه تكون إقامتهم الصلاة وإيتائهم الزكاة . وعندها يكونون إخوانا فى الاسلام السلوكى بمعنى السلام . قال جل وعلا :
3 /1 : ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5))
3 / 2 : ( لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11))
4ـ وحتى الجندى المقاتل فى الجيش المعتدى إذا إستجار فيجب إجارته وتوصيله الى مأمنه بعد إسماعه آيات من القرآن الكريم لتكون عليه حُجّة يوم القيامة . قال جل وعلا : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) التوبة ) ونظير هذا فى الجندى المقاتل فىالجيش المعتدى الذى نطق بكلمة السلام فيحرم قتله . قال جل وعلا فى سورة النساء : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) )
4 ـ وآيات كثيرة فى سورة التوبة جاء فيها تكفير المنافقين فى المدينة ، ولكنهم عاشوا متمتعين بالحرية الدينية القصوى فى إعلان الكفر وحرية التعبير وحرية المعارضة القولية والفعلية ـ دون حمل السلاح . أى كانوا مسالمين ، مسلمين سلوكيا، يتزوجون من غيرهمويتزوج منهم غيرهم . وهنا معنى الاسلام السلوكى بمعنى السلام .
5 ـ وهناك مؤمنون لم يكونوا منافقين معارضين سياسيا للدولة الاسلامية فى عهد الرسول محمد عليه السلام . ولكنهم كانوا مشركين بقلوبهم وعباداتهم ؛ يقدسون القبور ( الأنصاب ) ويشربون الخمر ويلعبون القماروعادات الجاهلية ( الأزلام ) . وأولئك نزلت الآيات ـفى أواخر ما نزل تعظهم مجرد وعظ مؤكدة ان الرسول ما عليه سوى البلاغ . نرجو تدبر قوله جل وعلا فى خطاب مباشر لأولئك المؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ).
6 ـ وفى أواخر مانزل أيضا هو عن النصر النهائى بدخول الناس فى دين الله جل وعلا أفواجا . قال جل وعلا : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) النصر). النبى محمد عليه السلام لم ير مكنون القلوب فلم يكن يعلم الغيب ، ولكن رأى الاسلام السلوكى ودخول الناس فى السلام دين الله جل وعلا .
7 ـ للاسلام معنيان : الاسلام السلوكى ، وبه يتم تطبيق الشريعة الاسلامية حسب السلوكيات الظاهرة ، ففى داخل الدولة الاسلامية كل المواطنين المسالمون مسلمون حسب سلوكهم ، ومن يعتدى منهم يهتك السلام يقع عليه العقاب المنصوص عليه إن لم يتب توبة ظاهرية يرد الحقوق لأصحابها . أما علاقته بالخالق جل وعلا فمرجعها لله جل وعلا يوم الدين ، وليس من مسئولية الدولة الاسلامية هداية الناس وإدخالهم الجنة ، فهذه مسئولية شخصية ، ومن إهتدى فلنفسه ومن ضلّ فعلى نفسه قال جل وعلا : ( مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) (15) الاسراء ) والذى يهتدى يزيده الله جل وعلا هدى ومن يضل يزيده ضلالا . قال جل وعلا . ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) البقرة ) ، ( قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76) مريم ) ، (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17) محمد) .
ويأتى الجزاء يوم القيامة مترتبا على إختياره ومشيئته . قال جل وعلا ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) الكهف ).
والنبى محمد عليه السلام لم يستطع أن يهدى من أحب. قال له ربه جل وعلا فى خطاب مباشر : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص ) ، وليس وكيلا أو مسئولا عن أحد ، إلا مجرد التبليغ . قال جل وعلا له فى خطاب مباشر : ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) الغاشية ).
وفى العلاقة بالدول فهى بحسب السلوك ، فالدولة المعتدية حربيا يجب مواجهتها بعد الاستعداد الحربى ، وتظل المواجة الدفاعية حتى يتوقف لردعها عن الاعتداء وينتهى .، فالدولة الاسلامية مسالمة وقوية أيضا قال جل وعلا : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) الأنفال )، وحين يعتدى عليها عدو تظل المواجة الدفاعية حتى يتوقف الاعتداء وينتهى . قال جل وعلا : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) ، ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة) وإن جنحوا للسلم فيجب الجنوح اليه . قال جل وعلا : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) الأنفال )
والدولة المسالمة غير المعتدية على الدولة الاسلامية يجب معاملتها بالبرّ والقسط . قال جل وعلا : ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة)
8 ـ المعنى الآخر للاسلام هو التقوى والهداية فى العلاقة بالرحمن جل وعلا . وهذا المؤمن التقى ( يجتهد ) فى تطبيق شريعة الاسلام فى التعامل مع نفسه ومع الغير ، يحاسب نفسه وينهاها عن العصيان ، ويبادر بالتوبة ، مؤمنا أن عذاب الآخرة الخالد تهون الى جانبه كل عذابات الدنيا ، وأن نعيم الجنة الخالد يستحق أن يتقى ربه ما استطاع . هذا المؤمن المتقى إذا مسّه طائف من الشيطان تذكّر ربه جل وعلا فينير الايمان قلبه . قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) الأعراف ). لذا هو يمشى بين الناس بنور التقوى . قال جل وعلا : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الأنعام ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) الحديد )
ثانيا :
1 ـ كلمة الاجتهاد بمعناها الإصطلاحي من مبتكرات العصر العباسى ونحن مضطرون لاستعمالها لشيوعها على الألسنة، والاصطلاح القرآنى المماثل هو التدبر في الآيات والذي يعنى أن يظل القارئ للقرآن الكريم خلف الآية يتتبعها في القرآن الكريم فى سياق معناها المحلى بين الآيات ومعناها العام فى القرآن الكريم كله ، حتى يستوعب المراد منها.
"والتدبر" عملية عقلية فكرية يقوم بها القارئ للقرآن الكريم المؤمن به حديثا لا حديث معه ـ متشجعاً بآياته التى تحث على التفكر والتعقل والنظر والعلم والتفقه.
على أن القرآن الكريم استعمل بعض المشتقات القريبة من كلمة الاجتهاد مثل " والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم" 9/79. والجهد في الآية يعنى الإمكانات المالية والمادية وقريب منه قول القرآن "وأقسموا بالله جهد أيمانهم" 24/53.
وقد يكون الجهد مجهوداً عقلياً أما التدبر فهو تفكير عقلى علمى بحت، وذلك يجعل من أسلوب القرآن أرقى وأدق من اختراع العصر العباسى الذي لا يزال- مع الأسف- مسيطراً على تفكير المحمديين حتى الآن ، لأنهم متبعون للأديان الأرضية الشيطانية التى ترعرعت وسيطرت فى العصر العباسى وما تلاه الى أن تصدينا لها ، ولا نزال !.
2 ـ وقد قامت حركة الاجتهاد في العصر العباسي من خلال مدرسة الرأى في العراق التى تتوجت بالإمام أبى حنيفة وقابلتها مدرسة الحديث في المدينة التى كان علمها الإمام مالك، بينما كان الشافعي أسوأ وأضلّ سبيلا .!
ومدرسة الاجتهاد العقلي تقدم القياس النظرى فى تشريعاتها ، وما لبثت أن تطرقت إلى اختراع فقه الحيل الذي يبيح للناس تعطيل الشرع عندهم عن طريق الحيل الشرعية، فالذى يريد ممارسة الجنس مع زوجته فى نهار رمضان يقولون له ( سافر بها ) . وحين يسافر يجوز له الإفطار .وفي نفس الوقت تطرف الشافعى إلى القول بإن الحديث ــ الذى يقوم هو بصناعته وينسبه للرسول ــ هو الرسول الذى يجب طاعته ، أى جعل نفسه وأكاذيبه مُطاعا بالدين الذى صنعه فى كتابيه ( الرسالة ) وفى (الأم ). أكثر من ذلك فالشافعى هو الذى جعل أحاديثه التى يصنعها هى التى تنسخ- بمعنى تلغى- القرآن الكريم وتعلو عليه . ولا تزال بعض المواشى البشرية الأنيقة فى عصرنا البائس تردد هذا الكفر . أى إن ما يعرف بالفقه الشافعي هو المسئول عن هذا التطرف فى الكفر . وبهذا ساد مصطلح ( النسخ ) فى القرآن عندهم بمعنى إلغاء تشريعات القرآن الكريم وزعم تعارضها وتناقضها وتضاربها ، وهو القرآن الذى أُحكمت آياته .!. ويعرف هذا الراسخون فى العلم القرآنى المؤمنون به وحده حديثا ، قال جل وعلا : ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود )، ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) الأعراف ) ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) فصلت ). ونُذكّر بأن النسخ يعنى الاثبات والكتابة وليس الحذف والالغاء . ولنا كتاب فى هذا منشور هنا ،وقد سبق نشره فى مصر من ربع قرن !.
3 ـ على أن مدرسة العراق لم تخل من أحاديث ومدرسة المدينة لم تخل من بعض الاجتهاد.. وحتى الشافعى نفسه مع تطرفه فى الكفر فقد كانت له بعض إجتهادات فى موسوعته الفقهية ( الأم ) . لكن الذى أجمعوا عليه هو انهم لم يعرفوا حدود الاجتهاد المسموح بها في القرآن مما أوقع أحكامهم وأحاديثهم في تناقض واضح مع كتاب الله.
4 ـ فما هى حدود الاجتهاد في التشريع القرآنى؟ ومتى يكون الاجتهاد مباحاً ومتى يكون اعتداء على حق الله في التشريع بقوله سبحانه وتعالى: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله 42/ 21". ومع نبرة التخويف والتهديد من تشريع لم يأذن به الله فإن في الآية تصريحاً بوجود تشريع يرضى عنه الله جل وعلا لإنه جاء في الحدود التى يأذن بها الله جل وعلا .
ومن أسف فإن الأئمة لم يعرفوا تلك الحدود فاجتهدوا في الممنوع وربما توقفوا حيث ينبغى الاجتهاد. نتوقف مع هذا فى الفصول التالية .
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran