لماذا سيفوز دونالد ترامب على كامالا هاريس


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 8146 - 2024 / 10 / 30 - 15:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في الولايات المتحدة الأميركية يمكن أن يفوز مرشح بأغلبية شعبية ويخسر الانتخابات في النهاية نظرا لطريقة الانتخاب التي باتت غير مجدية بسبب ما يسمى بالمنتخبين الكبار، تلك الحفنة من الأميركيين التي تقرر في مكان الأغلبية الناخبة. وهي التي جعلت نتائج الانتخابات مرفوضة في أغلب الأحيان من قبل المنهزم. كانت هيلاري كلينتون ضحية لهذا الأمر وكذلك دونالد ترامب وغيرهما.

وبغض النظر عن هذا الإشكال المزمن، فعلى بعد أيام من الانتخابات الرئاسية الأكثر متابعة في العالم، يبدو أن لدونالد ترامب فرصة للفوز بعهدة أخرى إذ بدأ يتلاشى ذلك الحماس الذي أعقب ترشيح كامالا هاريس بعد انسحاب جو بايدن.

ومستغلا هذا الخفوت، ضاعف دونالد ترامب تكرار ما يريد سماعه نصف المصوتين الأميركيين على الأقل، فراح يحاول إقناع الناخبين بأن ما يجب انتخابه هو قائد أعلى للجيوش وليس رئيسا فقط، قائد يكون بإمكانه التصدي بحزم للتحديات الاقتصادية والأمنية الخطيرة التي تواجه أميركا. ومن تجمع إلى تجمع نراه يعود عازفا نغمته الذكورية مثلما فعل ذات عام مع هيلاري كلنتون “هل تتخيلون كامالا هاريس في مواجهة فلاديمير بوتين أو شي جين بينغ؟”.

هذا ما أصبح يكرر في تجمعاته الانتخابية وتبين بعض استطلاعات الرأي الأخيرة أن هذا الخطاب شديد الذكورية والمعادي للمهاجرين السريين، بدأ يلقى استحسان الملايين من الأميركيين لأنه يجسد أحلامهم ومخاوفهم وربما يتناغم مع موجة شرخ عميقة في بلد العم سام، تزداد انقساما وتعيش نوبة شك تجاه ذاتها ومؤسساتها.
ولئن تؤكد الاستطلاعات تقارب المرشحين بصورة عامة، فالديناميكية تبقى لصالح مرشح الجمهوريين في ذلك التنافس الكبير للظفر بأكبر قدر من الأصوات في الولايات السبع المتأرجحة التي تصوّت مرة لليمين ومرة لليسار والتي تكون نتائجها حاسمة في كثير من الأحيان. في ولايات التردد تلك تعاني حملة كامالا هاريس من بعض الضعف حسب الملاحظين رغم ملايين الدولارات التي خصصتها لحملتها هناك.

مع مخاطر تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط أكثر فأكثر، والتأثيرات المدمرة للإعصارين اللذين ضربا فلوريدا، يتساءل الناخبون في المقام الأول عن قدرة أحد المرشحين أو الآخر على التعامل مع الأزمات الكبرى. وفي المسألتين يُنظر إلى دونالد ترامب من قبل عدد كبير من الناخبين على أنه الرجل القوي الذي يمكنه فرض نفسه أمام القادة الأجانب الذين يعادون أميركا كالإيرانيين والروس والكوريين الشماليين والصينيين. وهو ما يكسبه دعما هائلا من الناخبين الأميركيين الأشد محافظة.

قد يكون هذا الاقتراع أكثر الانتخابات تصنيفا على أساس الجنس في التاريخ الأميركي إذ حتى كامالا هاريس انجرت إلى هذا الميدان محاولة العزف على وتر النسوية ودخلت، ردا على ترامب، صاحب النزعة الذكورية في حرب بين الجنسين وهو الميدان الذي يتفوق فيه بل هو ماركته المسجلة إذ كثيرا ما يحسن اللعب بغرائزية الذكور الأقل تكوينا والمدافعين عن حق حمل السلاح والذين يتماهون مع أبطال أفلام الوسترن.

علاوة على قضيتين يعتبرهما معظم الأميركيين من أهم القضايا المقلقة: التضخم والهجرة. فالأول يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية وعلى وجه الخصوص من حيث تكلفة السكن. أما مسألة الهجرة، فأصبحت تشغل قطاعا واسعا من الشعب الأميركي بعدما تمكن ترامب من ربطها أكثر فأكثر بأمن المجتمع الأميركي.

وفي القضيتين ينظر الأميركي غير المسيس يساريا إلى ترامب على أنه الأكثر كفاءة. واستطاع ترامب حسب استطلاعات رأي إقناع جزء كبير من القوى العاملة من خلال ترديده الدائم أن كامالا هاريس كانت في الحكم كنائبة لجو بايدن ولم تستطع إيجاد حل لتدهور القدرة الشرائية للعامل الأبيض ولا لغزو المهاجرين الذين يسرقون منه فرص العمل.
استفادت كامالا هاريس من الفرصة التي أُتيحت لها أمام منافسها العنيد وأظهرت شجاعة في مناظرتها التلفزيونية معه وكانت ذكية في اختيار نائبها تيم والتز، الرجل الهادئ الذي اعتقدت بأنه قادر على طمأنة الناخبين الشعبيين وأكثر الفئات تقدمية في الحزب الديمقراطي. لكن ذلك لم يكن كافيا. كما أنها كانت حذرة جدا في الإدلاء الصريح بمواقفها في قضايا كثيرة بهدف الوصول وجذب الناخبين الذين يصوتون للوسط ولم يحسموا خيارهم بعد، وكذلك هؤلاء الذين يكرهون دونالد ترامب في الحزب الجمهوري ذاته. وهو ما جعل خطابها مبهما بالنسبة للناخبين علاوة على الدور الذي يلعبه لوبي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تضبيب مواقفها أكثر فأكثر.

ولكن ربما أخطر هفوة ارتكبتها كامالا هاريس هي ظهورها مع النائبة الجمهورية السابقة ليز تشيني ابنة ديك تشيني نائب الرئيس جورج بوش وزعيم المحافظين الجدد الذي كان من الذين ورطوا الولايات المتحدة الأميركية في حروب كثيرة كبّدتها خسائر كبيرة جدا دون القضاء النهائي على الإرهاب الإسلامي.

وما أثار أيضا الشكوك حول نوايا كامالا هاريس الحقيقية هو تأكيدها على دعم بناء الجدار على الحدود المكسيكية للحد من الهجرة غير الشرعية والتصريح بأن لديها سلاحا في منزلها لن تتردد في استعماله ضد أي لص محتمل. وهما موقفان سرعان ما رأى فيهما البعض أنها أصبحت نسخة طبق الأصل من دونالد ترامب ومن المحتمل جدا أن يصوت معظم الناخبين على الأصل لا على الصورة.