الغرب.. المرض العضال للشرق الإسلامي
حميد زناز
الحوار المتمدن
-
العدد: 7905 - 2024 / 3 / 3 - 19:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
“الأوكسيدونتوفوبيا” أو رهاب الغرب، لقد استخدمنا هذا المصطلح في الكثير من الأحيان للإشارة إلى هذا الخوف غير العقلاني من الغرب الذي يعاني منه العالم العربي الإسلامي منذ عقود من الزمن.
في الحقيقة، ما يعاني منه جزء ممّا يسمى بالعالم العربي والإسلامي ليس مجرد خوف عابر من الغرب، وإنما يتعلق الأمر بظاهرة مرضية أكثر خطورة؛ جو سياسي ثقافي تعتمل فيه عقدة مزمنة تجاه الغرب. لقد قامت النخب المريضة بهذا الداء بتلويث شعوب بأكملها بخطابات عدائية وانتقامية حتى أصبح الغرب مرضاً عربياً إسلامياً مزمنا. وأصبحت كلمة الغرب مستشفى ترقد فيه علل مجتمعات تعاني من انسداد متعدد الأبعاد.
تجد الثقافة العربية الإسلامية عسرا كبيرا في هضم عقدتها القاتلة في مواجهة التفوق العلمي والتكنولوجي للغرب الملحد والمستعمر السابق. فالعرب المسلمون، أينما كانوا، يظلون مقاتلين افتراضيين يطمحون إلى القضاء على الشر الذي أنتجه هذا الغرب والذي لا يزال غصة في حلوقهم.
يفعل العرب والمسلمون كل شيء لقمع كل ما يتعارض مع روح دينهم، في داخل بلدانهم أولاً، ثم في الخارج بالنسبة إلى المهاجرين. لكن في الحياة الواقعية العينية، يأملون ويعملون على التوفيق بين معتقداتهم والحداثة الغربية. محاولة التوفيق بين العقلاني واللاعقلاني: تربيع الدائرة.
يلوّث الخطاب الإعلامي والسياسي والثقافي الإسلامي المناهض للغرب ذهن المواطن العربي، فيجد نفسه بوعي أو عن غير وعي في حرب دائمة ضد العالم غير الإسلامي، والغرب في المقام الأول. بالنسبة إليه، الغرب هو الذي يقف أمام الإسلام ويمنعه من الانتشار وفرض الشريعة في كل مكان. ووفقاً لأغلبية المسلمين، سواء أكانوا أصوليين أم لا، فإن هذا الغرب هو الذي يمنع إسلامهم، الدين الإلهي الحقيقي الوحيد في نظرهم، من حكم البشرية جمعاء.
وفي نظر كل مسلم، من السنة كان أو من الشيعة، يعيش في أرض الإسلام أو في أيّ مكان آخر، فإن التشريعات الغربية هي كفر يهدف إلى استبدال شرع الله. كل هذا نتيجة منطقية للتكييف النفسي في الأسرة، منذ الصغر، ثم في المدرسة، وفي المسجد، وفي الإعلام..
هي تنشئة اجتماعية دينية أنتجت كائنات تعاني من صعوبات نفسية، وعلى استعداد للإيمان بالخوارق والطاعة العمياء للمشعوذين الدينيين والسياسيين الذين يروّجون لهم باستمرار أن الغرب هو مصدر سوء حظهم، والعقبة الرئيسية أمام تطورهم. وهكذا خلقوا مريضا وهميا يجد صعوبة في تعقل واقعه والتحول من مؤمن إلى مواطن.
فمثلا مهما كانت الفظائع الوحشية التي يرتكبها الجهاديون فإنهم يظلون أبطالاً في الشارع العربي الإسلامي. وتبقى الجماهير العريضة في أوطاننا مبهورة بهم وتعتبرهم الوحيدين المؤهلين لتحرير فلسطين ورمي اليهود في البحر والوقوف أمام هيمنة الغرب وإسقاطه. ضحية قراءة غير عقلانية للواقع، تتخيل الجماهير المُجهّلة أنها محاطة بيهود وملحدين يتربصون بالمسلمين والإسلام باستمرار. نجح فخ الاحتيال الذي نصبه الإخوان المسلمون في زعزعة الأنا العربية الإسلامية وزرع في أعماقها سخطا كبيرا ضد قيم العصر.
كل الشرور مصدرها الغرب حسب إنسان الحشود: مصيبة الفلسطينيين، الأفغان، العراقيين، السوريين، الإرهاب الإسلامي، ارتفاع تكاليف المعيشة، الفشل في المدارس، نقص الطماطم في الأسواق، وكوفيد..
الغرب في نظرهم هو خالق الشر بامتياز. وهو عندهم المسؤول عن الأزمة المتفاقمة التي تقسم شخصية المسلم إلى شطرين، نصف ملتصق بالماضي يؤمن ويصلّي ويكثر الدعاء. ونصف يحاول أن يعيش الحاضر بتبنيه كل عناصر الحداثة ولكنه يرفض رفضا قاطعا جوانبها الفلسفية والقانونية والمدنية. العربي المسلم ليس مسؤولا. الغرب هو الجاني الجاهز، أوروبا وأميركا.
تعتبر الصين الإسلام مرضًا يجب علاجه، وتضع الآلاف من مسلمي الإيغور في معسكرات اعتقال في شينغيانغ، واعترف الصينيون بوجودها عام 2018 “تحت اسم “معسكرات التحول عن طريق التعليم”.
وهي في الواقع مراكز لنزع الإسلام من قلوب هؤلاء المضطهدين. ورغم كل هذا فإن الرسميين المسلمين لا يتفوهون بكلمة واحدة ولا تعير الشعوب للأمر كبير اهمام، وتعتبر الصين صديقا وحليفا! لكن بمناسبة حادث بسيط يتعلق بالإسلام في فرنسا مثلا، يتباكون متهمين الفرنسيين بالإسلاموفوبيا والعنصرية.
وليس هذا فحسب، بل يقع هذا “الغرب الملعون تحت سيطرة جماعات الضغط اليهودية”. وهذا يتردد مع الأغلبية كأنه حقيقة مطلقة. يكفي قراءة أغلبية صحافة هذه البلدان ومشاهدة القنوات العربية الإسلامية ككل لإدراك ذلك. خطاب نجح في أن يزرع في لاوعي الجماهير الشعبية غرباً بلا شفقة ولا رحمة. وهكذا طردت هذه السردية الانتقامية التي صيغت على مدى عقود من أذهانهم فكرة التعاون والشراكة مع هذا الوحش الغربي. وأيّ شخص سياسي أو مثقف يتعاون معه يعتبر خائنا للأمة والإسلام.
تتغذى التيارات الإسلامية بشراهة من هذا الفايروس الذي ينخر الكائن الإسلامي من أجل الوصول إلى السلطة متهمة سلطات البلدان العربية والإسلامية بأنها دركي الغرب الخادمة لمصالحه في المنطقة.
وحتى تلك الأنظمة القائمة عملت في الماضي بتعاون مع الإخوان المسلمين على تكوين الفرد الذي تحتاجه لإعفاء نفسها من المسؤولية عن الفوضى التي تسببها في بلدانها؛ كائن دينه هو الضمان الوحيد لوجوده في الدنيا والآخرة، يمقت الغرب ويتهمه بأنه المصدر الرئيسي لكل مشاكله إلى درجة أصبحت كراهية الغرب جزءا لا يتجزأ من هويته.
فهل يبقى الغرب هو المذنب الأبدي، المرض العضال للشرق الإسلامي ؟ هل الصدام العسكري بين الثقافتين أمر لا مفر منه مستقبلا؟