مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 8130 - 2024 / 10 / 14 - 04:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

القومية العربية المتطرفة والإسلام السياسي: منتجا الحداثة المتناقضان”. في الحقيقة، هو كتاب صادر بالإنجليزية عن مطبوعات جامعة جورج تاون الأميركية، وباللغة الفرنسية في الجزائر عن دار البرزخ. هو ملخص مكثف للدروس التي ألقاها البروفيسور الجزائري الهواري عدي بقسم العلوم السياسية بجامعة ليون الفرنسية حول “الأنظمة السياسية في العالم العربي”.

في 286 صفحة، يحاول الكاتب أن يقدم للقارئ إضاءة عن الديناميكيات السوسيو-أيديولوجية المتناقضة التي تعتمل في قلب المجتمعات العربية التي تعيش تحديثًا مرغوبًا فيه ومرفوضًا في آنٍ معًا. فمنذ منتصف القرن العشرين، يكتب عالم الاجتماع، والبلدان العربية تنتظر التغيير الذي يأتي بالتقدم والأمن. وعد القوميون بتحقيق ذلك الحلم، واليوم ينبري الإسلاميون لتحقيقه بعدما فشل الأولون. ويرجع فشل المد القومي في الوطن العربي حسبه إلى ثلاثة عوامل: منهج اقتصادي فاشل، عدم استقلالية القضاء والنقابات، تخلف ثقافي وعلمي.

ويشرّح الفشل الذي عرفته تجربة جمال عبدالناصر وهواري بومدين وحافظ الأسد وغيرها من تجارب الأنظمة القومية، فيرى أنها حاربت التحديات السياسية والجغرافية والعالمية بسلاح الخطاب الشعبوي والريعي وليس بالاستناد إلى منطق نظام الأسعار الدولي الذي كانت تجهله. وحالت كاريزما الزعيم دون تشكّل مجتمع مدني قادر على تطوير المجتمع المتخلف. كانوا يمنون الشعوب العربية باللحاق بالغرب دون أن يقدروا المسافة التي تفصل العرب والشمال أفريقيين عن الغرب ودون أن يدركوا أن تأخر بلداننا ليس تكنولوجيًا وعسكريًا فقط بل هو تأخر فكري فلسفي في المقام الأول. عدم إعطاء أهمية للإصلاح الديني والفلسفة والمجتمع المدني هو الذي أدى إلى فشل القوميين الذريع.
“لقد انتهجت النخبة العسكرية مسعى اقتصاديًا دون أخذ بعين الاعتبار تخلفنا الثقافي والحضاري”، يكتب الهواري عدي، “فنحن ننتمي إلى ثقافة وحضارة في أفول وانحدار منذ القرن الثاني عشر ولا زال اللاهوت الإسلامي لاهوت الأشعري وأبي حامد الغزالي. وتلك الكوابح الأيديولوجية لا يمكن لا لبومدين ولا لعبد الناصر رؤيتها وهضمها”.

وانطلاقًا من هذا، يشدد صاحب الكتاب على ضرورة الإصلاح الديني واللاهوتي ويدعو إلى إعادة قراءة معاصرة للنص الديني الإسلامي تكون متوافقة مع العصر. وذلك لقطع الطريق أمام الإسلام السياسي والذي هو تعبير عن فقر فكري منحدر من لاهوت القرون الوسطى والرافع لمطالب عصرية.

لو تمكنا من تجاوز تلك العوائق الأيديولوجية، يضيف الباحث الجزائري، وطورنا لاهوتًا حديثًا يقبل بحرية الضمير، لكان هذا التحديث قد أتى ثماره. ويبقى عالم الاجتماع متفائلًا إذ يعتقد أن اللاهوت أو الفقه الإسلامي سيعرف انفتاحًا كبيرًا في السنوات القادمة مع ظهور نخبة جديدة من علماء الأزهر المثقفين الذين سيعوضون جهلة الأزهر الحاليين الذين لا يفقهون شيئًا في علم التاريخ والاقتصاد وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم الأساسية في فهم الدين. ولن يكون الفقهاء الجدد ضحايا الإقصاء أو التصفية الجسدية كأسلافهم مثل الجزائري محمد أركون الذي عاش منفيا بفرنسا، والسوداني محمد محمود طه المقتول، والسوري محمد شحرور الذي تشفى البعض برحيله أخيرًا.

في الكتاب تحليل تاريخي وسوسيولوجي وأنثروبولوجي عميق للأنظمة القومية العربية والجماعات الإسلامية، إلا أن الفكرة التي تثير الكثير من التساؤلات هي فكرة “التراجع المثمر” التي ينهي بها كتابه والتي مفادها أن وصول الإسلاميين إلى الحكم ضروري لتبيين ضعفهم ومثاليتهم. فهو يرى أن الجيش الجزائري حينما منع جبهة الإنقاذ الإسلامية من الوصول إلى الحكم سنة 1992، والجيش المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي الذي انقلب على حكم الإخوان ومحمد مرسي قد حرما المصريين والجزائريين من نعمة “التقهقر المثمر”، إذ كانت فرصة متاحة لهما لتجريب حكم الإسلاميين والوقوف على فشلهم ومن ثم فضحهم وطردهم نهائيًا من المشهد السياسي بدل من تركهم والعسكر يقتسمون الساحة: الدولة والثروات للعسكر والمجتمع والآمال الطوباوية للإسلاميين.

ولكن ما يغيب عن فطنة الدكتور الهواري عدي هو ذلك الدمار الفكري الإجرامي الذي ارتكبه الأصوليون وعلى رأسهم الإخوان في المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية، إذ لم تصبح أفكارهم هي الغالبة سياسيًا فحسب بل غدت ثقافة عامة إلى درجة قد تتقبل فيها الجموع المخدرة دينيًا فشل الإسلاميين على رأس الدولة وترفض نجاح العلمانيين. خلق الإسلاميون كائنات في جل البلدان العربية مفككة الفكر ترى الهزيمة نصرًا والانتحار مقاومة!