ما يؤخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة .. تلك الاكذوبة الكبرى
حميد زناز
الحوار المتمدن
-
العدد: 7835 - 2023 / 12 / 24 - 17:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقولات كثيرة منتشرة في بلداننا تحولت إلى بديهيات لا يرقى إليها الشك تردد من قبل عامة الناس وأغلب النخب. من بين تلك الجمل الجاهزة تلك القائلة بأن ما أُخذ بالقوة لا يمكن استرداده إلا بالقوة، والحديث دائما هنا عن الأرض المحتلة ووجوب خوض المعارك العسكرية من أجل استعادتها. فما مدى صدق المقولة فلسفيا وتاريخيا؟
لتبرير العملية التي قامت بها حماس يوم السابع من أكتوبر، يكرّر الكثيرون المقولة متجاهلين ما آلت إليه الأمور في غزة بعد تلك العملية المشؤومة، إذ كانت غزة مدينة واقفة والقطاع حرا مستقلا فغدت حطاما والقطاع أصبح محتلا من جديد.
وفي مقارنة متسرعة بالثورة الجزائرية، فاقدة للمعنى تتجاهل المعطى الجيو – إستراتيجي الجديد وتلغي مسافة أكثر من سبع عشريات من الزمن بكل حمولاتها السياسية والعسكرية، وموازين القوى وحرب باردة وانقسام العالم إلى كتلتين شرقية وغربية.. يحاول الكثير من المثقفين الجزائريين والعرب وزعماء حماس المختبئين في الدوحة وإسطنبول القول بأن ما تفعله حماس بانتهاج العمل العسكري اليوم هو نفس العمل الثوري الذي حرّر الجزائر من الاستعمار الفرنسي بالأمس.
وقد ذهب مسؤول حمساوي ماكث في فندق 5 نجوم في الدوحة إلى القول بأن الفلسطينيين مستعدون للتضحية بمليون ونصف مليون شهيد كما فعل الجزائريون من أجل استقلالهم.
مع هؤلاء، نحن أمام مؤسلمين طلّقوا النزاهة ثلاثا وسقطوا سقوطا حرا في مانوية مضحكة كئيبة في تناولهم للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. وهم بالتالي لا يختلفون رغم شهاداتهم العلمية العليا مع رجل بسيط يعيش في ريف من أرياف الجزائر أو اليمن والذي لا يرى في حل القضية الفلسطينية سوى رمي اليهود في البحر. لا زال أخي يقول لي ومنذ أن كنت مراهقا “يطيحوا فالبحر”، ليغرقوا في البحر! وهي عبارة جزائرية تعني هنا “لست معنيا بمصيرهم”، يجب أن يرحلوا وانتهى الأمر.. والتفكير!
ولكن لماذا يستشهد الإسلاميون في حماس وغيرهم بالثورة الجزائرية التي كانت في الخمسينات ونسيان تجربة إخوانهم في جبهة الإنقاذ الإسلامية في بداية التسعينات لما أعلنوا الحرب ضد الدولة الجزائرية بعد أن أوقفت السلطات تلك المهزلة الانتخابية التي فازوا بها عن طريق التضليل والغش وحملوا السلاح تحت شعار ما “أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”؟ ولم يستردوا شيئا رغم مساندة إيران الملالي وعصابة الإخوان مثلما يفعلون اليوم مع حماس وكانت النتيجة هزيمة عسكرية لهم وخسائر معتبرة للبلد، في الأرواح والأموال. وللتذكير لقد قطعت السلطات الجزائرية آنذاك العلاقات مع إيران لهذا السبب.
وبغض النظر عن هذا وذاك، فهل من المعقول والمطلوب من الفلسطينيين أن يضحوا بمليون ونصف مليون كما فعل الجزائريون؟ فهل عدد الضحايا في الصراعات هو الذي يحقق الأهداف؟ هل من الأخلاق الافتخار بعدد الموتى؟ وهل نسي دعاة استرداد الأرض عن طريق الحرب بأن منظمة التحرير الفلسطينية استعادت غزة ذاتها عن طريق المفاوضات وضيعتها حماس ودمرتها عن طريق استعمال القوة!
والسؤال المغيب بين الأوساط الإسلامية والناصرية العروبية الداعية إلى الحرب ضد إسرائيل هو: ماذا حقق العرب والفلسطينيون في صراعهم مع إسرائيل عن طريق الحرب طيلة 75 سنة؟
لم يحرّر الفلسطينيون معية العرب شبرا واحدا عن طريق الحرب، بل العكس هو الحاصل فبغض النظر عن حرب 1973 التي استردت على إثرها مصر صحراء سيناء عن طريق معاهدة سلام في النهاية، فكلما نشبت الحرب أضاع الفلسطينيون والعرب جزءا من الأرض وأصبحت تحت الاحتلال الإسرائيلي، ابتداء من 1948 مرورا بحرب 1967 و1982 وصولا إلى النكبة الثانية اليوم حيث لم تتم إعادة احتلال غزة فحسب بل تهجير أهلها. وعموما لم يتم استرداد بعض أرض إلا عن طريق المفاوضات السلمية ولن يصل الفلسطينيون إلى شيء سوى عن طريق الواقعية السياسية وهو النهج الوحيد الذي يضمن لصاحب الحق عدم الانتحار وعدم الاستسلام في آن معا.
يقول ألبرت أينشتاين “الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة”. ألم يحن الوقت لتجريب فعل آخر قد يأتي بالجديد؟