النساجون والفلاحين والبحارة والمظلومية


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 8106 - 2024 / 9 / 20 - 16:19
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

سماحة السيد حسن نصر الله في رده المتاني جدا على جريمة دولة القاتل المأجور بتفجير أجهزة المناداة في لبنان والتي يبدو ان غالبيتها تعود لأعضاء عاديين كان يكونوا مقدمي خدمات من هذا النوع او ذاك او منتسبين احتياط لحزب الله بدليل ان كل المواقع التي جرى فيها التفجير كانت مواقع مدنية لا علاقة لها باي عمل عسكري كان سماحته متأنيا جدا وهادئا جدا وقد يكون هذا الخطاب واحدا من اهم الخطابات التي استمعت اليها لسماحته من حيث
واقعيته: فهو لم يتحدث بانفصال عن الواقع ابدا معترفا بان العدو حقق إنجازا بفعلته وان ما حصل كان ضربة كبيرة وموجعة ونحن لم نعتد من العرب على مثل هذا الخطاب ابدا.
تصميمه: كان خطاب مؤكدا على الثبات على الموقف ومواصلة المعركة بنفس الأهداف التي بدأ بها وان شيئا لن يتغير مهما حدث.
عقلاني: ابدا لم ينفعل سماحته ولا بلحظة من اللحظات ولم يطلق شعارات حتى انه لم يستخدم أيا من كلمات التهديد الطنانة واكتفى بثبات اللغة ومواصلة اقترانها بالأهداف الثابتة
مستجيب: كان الخطاب مستجيبا للأسئلة التي انطلقت او قد تنطلق فقد اكد على وحدة الجبهات حول غزة وفلسطين وان التراجع او التردد ليس واردا في حسابات الحزب وكل قوى محور المقاومة.
متأني: فقد ترك كل شيء مفتوحا من حيث نوع الرد وتوقيته وإدارة الطريق للوصول اليه.
غامض: فهو لم يجب ابدا على أسئلة العدو التي قد يكون انتظرها ليتمكن من معرفة ما الذي يدور في عقل الرجل او اية طرق يسلك الحزب في بحثه عن حقيقة ما جرى وفي كل الخطاب لم يات ابدا على ذكر أي عمل اجرائي او اية ردود أفعال قد تظهر للمتابع او للمنتظر طريقة تفكير قيادة الحزب في معرفة الحقيقة وهذا سيجعل من خطط او نفذ او شارك يقع في شرك الحزب اجلا ام عاجلا.
متحدي: مرة أخرى ظل التحدي عنوان المعركة وبكل بساطة أكد سماحته ان الهدف الجديد الذي أعلنه القاتل المأجور وهو ما اسماه إعادة المغتصبين الى مغتصبات شمال فلسطين المحتلة وقد كان الرد بان القرار بيد المقاومة وليس بيد القاتل
من كل ما تقدم فنحن امام فلسفة جديدة للمقاومة صاغتها سنوات طويلة من الفعل وتم اثبات حضورها عام كامل من القتال المتواصل ضمن معركة طوفان الأقصى وعناوين هذه الفلسفة جاءت من خلفيات مكونات قوى ودول المحور
إيران: شعب مهنته الأساس والأكثر شهرة هي صناعة السجاد اليدوي ومهنة النساجين هي مهنة تتميز بالثبات وطول النفس وانعدام الخطأ والقدرة على الاحتمال والسعي لتحقيق الهدف بلا كلل او تعب او ملل
فلسطين ولبنان: والصفة المشتركة هي الأرض والبحر وبالتالي فان الشعب الفلسطيني واللبناني اما فلاحين او بحارة والفلاحين مؤمنين ويثقون فهم يضعون ثروتهم بالتراب وينتظرون الى ان تصبح ثمرا حقيقيا معتمدين دوما على الله ومن ثم على سواعدهم وهم أيضا يعرفون معنى القرش الأبيض لليوم الأسود ففي كل بيت خابية وجرار لتخزن غلال الصيف لفصل الشتاء والبحارة مغامرين لا يعرفون الخوف ولا يحسبون له حساب والا لكانوا ماتوا على الشواطئ ولم يغامروا في مواجهة البحر وما يخبئ كعادته
اليمن: بلد الصعاب ومن يتقن العيش في بلد مثل اليمن يدرك ان أهلها لا يمكنهم قبول مكانة القاع فقد اعتادوا البقاء دوما في القمم وهم بتركهم الوديان واختيار القمم الصعبة انما قرروا بذلك مكانتهم
العراق: في النص السومري القديم " لا اكسب بدون تعب، شد حزامك يكن إلهك معك " وهو ما يعني في القول الإسلامي " اسعى يا عبدي وانا اسعى معاك " او بالآية الكريمة " وقل اعملوا " وهو ما يعني ان عنوان الناس هناك هو الجهد والعمل والادراك ان لا شيء يأتي بالانتظار.
سوريا: والمهنة الأشهر هي التجارة وعادة ما يتصف التاجر بالمغامرات المحسوبة فهو لا يفكر بالخسارة ابدا وبالتالي فان عنوانه الدائم هو الفوز
المشترك: الكربلائية والمظلومية وهي عنوان ايمان روحي خالص بان على كل مؤمن واجب رفع الظلم عن المظلوم والانتصار له مهما كلف ذلك ودون اعتبار للحسابات الا حساب حتمية الانتصار ولا تجوز العودة دونه مهما كال الزمن.
من الكل واحد: هل صنعت طوفان الأقصى ما قبلها وما سياتي بعدها من الكل واحد وهل انتقلت الإيجابيات في كل حالة مختلفة لتتلاقي وتصنع ذاتا جديدة يمكن لها ان تتحول تدريجيا الى مظلومية واعية مدركة لأهمية ذاتها ومكانتها الكونية غدا بعد ان رأى الكون مصداقيتها ووحدتها وقدرتها على الثبات وايمانها بان أهدافها ابعد من مساحاتها ومن ذاتها الصغيرة لتطال جهات الأرض.
ما قصدت من كل ما تقدم ان أقول ان فلسفة تقوم على كل ما تقدم من صفات حين تلتحم بالإيمان بالدور المناط باهلها كواجب يمكن لها ان تعيش وتتقدم لتصبح الفلسفة الإنسانية الأممية الاعمق والاشمل التي تقاتل في سبيل اغناء روح البشرية ايمانا واخلاقا وقيم عدل وحرية في مواجهة فلسفة السطو والقتل في سبيل اثراء خزائن القتلة وجيوب الخونة ممن يدورون في فلكهم فهل تستطيع المقاومة الانتقال من دورها المكاني الحالي لتصبح حاملة لراية فلسفة كونية أصبح العالم بحاجة اليها تماما كما كانت البشرية تحتاجها حين ظهرت الأديان.
ان أولئك الذين لا يزالوا ينتصرون لمظلومية الحسين منذ قرون وينتصرون الان لمظلومية الشعب الفلسطيني عبر مظلوميات لا تعد ولا تحصى قد ان لهم ان يرفعوا صوتهم اعلى ليطال الكون بشعار ثورة الروح في مواجهة ثروة السطو والقتل.