إمبريالية المعرفة - امبريانولوجي - ( 2 )


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 8204 - 2024 / 12 / 27 - 18:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

( الحلقة 2 )

المبادلة ( أزمة الكم والنوع والاستعمال والمنفعة )
لتحديد معايير مبادلة البضائع ينبغي ان نجد معاييرا اولى للقيمة التي تخص كل نوع من انواع البضاعة وكيف نقارن منتج زراعي كالبندورة مثلا بمكياج النساء او بالمشروبات الروحية او بالكتب والمجلات والصحف او محطات التلفاز او مواقع التواصل الاجتماعي وما الفرق بين العمل المتضمن بالسلعة الزراعية كالبندورة او السلعة الصناعية كالثلاجة او السلعة الجديدة مثل جوجل وسلعة المعلومة والتي ستجد انها مزيج من المادة والوعي فليس يمكنك ان تتلقى المعلومة او الخدمة الرقمية دون اداة مادية كالتلفون او الحاسوب بكل انواعه
بمعنى ادق لا يمكن الفصل التام او القطيعة التامة بين الوعي تو المعرفة كسلعة وبين اداتها المادية المجسدة لها او التي يمكن اعتبارها المتجر الخاص بها فتماما كما تذهب الى دكان البضائع او السوبر ماركت وتبحث بين الرفوف على ضالتك انت ايضا تفعل ذلك حين تود الحصول على المعلومة فتضطر للدخول الى الحاسوب والتفتيش بين رفوفه لتصل الى ضالتك.
المهم ان قيمة الكم السلعية ليست بالضرورة دائما متناسبة مع الثروة فليست الكمية من مادة معينة تساوي قيمة نفس الكمية من مادة اخرى فكيلو واحد من القماش لا يساوي جزء صغير مثل واحد بالألف كم سلعة اخرى مثل الذهب.
كذا قيمة النوع ايضا فلا تتساوى اصناف النوع نفسه بين بعضها لمجرد انتماءها لنفس النوع فلا تتساوى اسعار الاقمشة فهناك فروق كبيرة بين الحرير والقطن والصوف وما الى ذلك.
القيمة الاستعمالية ايضا تخضع للمنافسة فيما بينها فالتكور السلعي اوجد اصناف مختلفة من السلع لنفس الاستعمال فهناك الاف السلع التي تصلح كصابون وعشرات الاستخدامات للصابون بأنواعه وهنا ايضا لا تجوز المساواة بين نفس المادة حتى ولو كانت تستخدم لنفس الاستعمال.
المنفعة ومستوياتها وانواعها ونوع المنفعة ودرجة الحاجة لها من حيث الاهمية والحالة التي يكون المستهلك فيها فاذا وجد المستهلك نفسه امام حاجة العيش والخبز هو المتاح الوحيد فلن يذهب لغيره مهما كان عرضه ومهما كانت اهميته لحالة غير حالته.
هناك اذن لكل مادة او سلعة قيمتان تلقائيتان هما القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية وهما غير مرتبطان ببعضهما البعض فالقيمة التبادلية للذهب مرتفعة جدا بينما قيمته الاستعمالية تبدو في نظر البعض سخيفة حتى ننتقل به الى السوق ونستخدمه للتبادل ليصبح هنا يحمل قيمة المنفمة المتصلة بالحاجة قبل الرغبة وطبعا في ظروف معينة كظروف الرخاء تتحول الرغبات لتصبح حاجات لا يمكن الاستغناء عنها في ظروف معينة وبالترابط مع مكونات اخرى تفرض اهميتها فلو وجد جهاز الراديو قبل ان توجد دور الاخبار والاذاعات لما اهتم احد على الاطلاق للراديو لا كقيمة تبادلية ولا كقيمة استعمالية.
علاقة الزمان والمكان بالتبادلية والقيم التبادلية ليست ثابتة ابدا فما يمكنك ان تحصل عليه من البضائع ما في مكان ما وزمان ما قد لا يمكنك ان تحصل على نفس البضائع او السلع في مكان اخر او زمان اخرى فالقيم تتغير من مكان الى مكان ومن زمان الى زمان وهو ما يجعل امكانية السيطرة التامة على الاسواق مستحيلة الا اذا جرى احتكار السلعة او البضاعة بشكل مطلق لا يمكن تجاوزه من الغير وهو غير ممكن الا في حالات نادرة من المواد الخام الطبيعية كالمعادن وما غيرها مما يستخرج من باطن الارض والذي قد يتواجد في ارض معين او بحر معين ولا يتواجد في غيره
انعدام المساواة بين البضائع بما في ذلك العمل المتضمن في السلعة فقد يكون حجم العمل المتضمن في السلعة كبيرا وكثيرا لكن لا احد يحتاج الانتفاع بها فهي سيصيبها الكساد ولم يتقدم احد لمبادلتها باي شيء أخر ولذا كان لا بد من ايجاد سلعة مميزة قادرة على القيام بمهمة المبادلة والانتقال بين ايدي المتبادلين للسلع بدل تبادل السلع نفسها فظهرت المعادن كوسيط تبادلي ثم استقر العالم على الذهب الذي تحول تدريجيا الى نقد وبات وحده اداة التداول المعترف بها بين ابناء البشر على اختلافهم.
الذين حاولوا قراءة قيمة البضاعة وايجاد ادوات قياس لها ذهبوا الى اختيارات مختلفة ومنها
- المواد الخام كم حيث الندرة او الوفرة
- الكم من حيث المواد الخام المضمنة بالبضاعة او من حيث الكم النهائي
- القدرة على البقاء
- الزمن المطلوب لإنتاجها
- كمية العمل المتضمنة في السلعة
وقد انتهت الغالبية العظمى من الفلاسفة والاقتصاديين ان اهم محددات قيمة السلعة هي كمية العمل المتضمن في السلعة او الضروري لصيرورتها ذلك ان توفر المواد الخام والحاجة ما كانا ليتحولا الى بضاعة ناجزة لولا العمل البشري الذي حول المواد الخام الى مادة جديدة تلبي الحاجة وقابلة للاستعمال.
الخلاص الى تلك النتيجة ما كان يمكنه الثبات بعد ظهور الآلة وانتشارها وهو ما جعل العمل اليدوي يتراجع واصبح القياس يعتمد على عمل الآلة وظل للعمل اليدوي دوره كمشغل للآلة وهو ما يعني ان الآلة بدأت تشارك الجهد الانساني اهميته ومكانته في تحديد القيمة فما كان يحتاج يدويا الى يوم كامل اصبح يحتاج الى ساعة واحدة باستعمال الآلة وما كان الانسان سيدا مطلقا في إنجازه اخذت منه الآلة الاهمية المطلقة لدوره ومكانته وجعلته يبدو تابعا لدور الآلة وقدرتها غير المتناسبة على الانتاج مع اليد العاملة المجردة.
المهم هنا ان القيمة التبادلية للبضاعة باتت تتغير باستمرار مع ثبات مكانة العمل وكمية العمل الاجتماعي المبذول لإنتاج البضاعة والذي تغير فقط ان اليد البشرية لم تعد وحدها بل بات يشاركها دور الالة التي باتت ايضا عرضة للتطور باستمرار والآلة اليدوية الى الآلة الكهربائية الى الآلة التكنولوجية وصولا الى ظهور يد جديدة وهي يد الروبوت والذكاء الصناعي الذي كاد يستبعد دور اليد البشرية حد الصفر في بعض الحالات وظهر العقل البشري كقائد وحيد بديلا عن كل قائد في معظم الحالات وما كان مستحيلا بدون اليد العاملة بات ممكنا بعد ظهور اليد الالكترونية بديلا لليد البشرية.