إمبريالية المعرفة - امبريانولوجي - 6
عدنان الصباح
الحوار المتمدن
-
العدد: 8233 - 2025 / 1 / 25 - 20:20
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
( الحلقة 6 )
المنفعة المطلقة والمنفعة المتناقضة:
من الطبيعي ان ما يمنح البضاعة قيمتها الاستعمالية وبالتالي قيمتها التبادلية هي المنفعة وكذا من يمنح السلعة " المواد الخام " قيمتها الاستعمالية وبالتالي قيمتها التبادلية ايضا هي المنفعة وقبل كل هذا وذاك هو الحاجة او هكذا تعلمنا وهكذا تطورت احتياجاتنا مع تطور الحياة وبالتالي تطورت معها اكتشافاتنا لسد هذه الحاجات ولهذا فلولا حاجتنا للفخار في صناعة الاواني الفخارية لما اكترثنا ابدا لمادته الخام وكذا الحديد للبناء وغيره من الاحتياجات
لقد بدأت احتياجات الانسان بجسده من الاكل والشرب والنظافة وكذا حاجة العين والاذن والانف حتى حاجة الجنس وبعد ان اكتشف ان هذه الحاجات نفسها تتطور وبالتالي فهي لن تواصل اعتمادها على الطبيعة البسيطة لتلبيتها وصار من الضروري ان يتدخل الانسان بنفسه لتحضير ما يلبي احتياجاته لا ان يكتفي باستهلاكها او استعمالها كما هي وبدون تدخل انساني.
ما تقدم يعني ان التدخل الانساني او العمل الانساني او قوة العمل الانساني الجسدي اولا هو الاساس في صناعة او تعديل او تطوير او صناعة ما ينفعنا لسد احتياجاتنا ومن هنا جاء القول ان من يمنح المنفعة للأشياء هي قوة العمل فلولاها لظل الفخار ترابا لا لا قيمة له ولما كان للماء ان يشارك ي تكوينه وهو ما ينسحب على كل السلع وهي على هيئتها الطبيعية وكذا على البضائع قبل ان تصبح على حالها المطلوب لاحتياجاتنا.
لكن الحياة لا تقف عند ابسط الاحتياجات فكلما اشبعت رغبة ظهرت غيرها او كلما اشبعت رغبة بطريقة ما ظهرت الحاجة لإشباعها بطريقة افضل فبدل اكل الحشائش كما هي صار طبخها وبدل استخدام اوراق الشجر لتغطية الجسد من عوامل الطبيعة ظهرت الحاجة للقماش وبدل ان ارى الطبيعة على حالها صار التدخل بتجميلها سيمنحنا منظر اجمل وبدل انتظار الشتاء لسماع عزفه صار تصويره او تقليده بالأصوات وظهرت الموسيقى وبدل العيش في الكهوف ظهر البناء والبيوت وهكذا وفي جميع الحالات ظلت قوة العمل هي الاساس ودونها ما كان للأشياء من تنتقل من طبيعتها الى ما نريد لا في السابق ولا في الحاضر ولا في المستقبل.
ان مجرد تدخل قوة العمل الفردية او الجماعية لا يمكنها ان تصنع العمل الاجتماعي فالجماعية ليست اجتماعية كان تقوم اسرة بكل افرادها بعمل ما لصالح احتياجاتها وتقوم الاسرة الاخرى بنفس العمل لنفس الاحتياجات دون ان تتقاطع هذه الادوار فستبقى الاسرتان متباعدتان ولن تنشا بينهما اية علاقات مبنية على الحاجة المادية المتبادلة اولا والتي ستنتقل بالضرورة لتصبح حاجة اجتماعية متبادلة ليصبح العمل اجتماعيا في مدخلاته ومخرجاته بحيث تقوم اسرة ما بصناعة الطعام والاخرى اللباس والاخرى ادوات ومواد النظافة واخرى البناء واخرى الاثاث واخرى النقل وهكذا وصولا الى صناعة الخدمات بأكثر انواعها تطورا كصناعة السياحة وصناعة التامين وصناعة الاتصالات.
من شروط القيمة التبادلية للبضاعة عادة هي المنفعة لكن المنفعة مع التطور المتواصل لحياة الانسان والمجتمعات الانسانية خلقت افاقا وتقديرات ورؤى للمنفعة تصل احيانا الى حد التناقض فالخبز نافع والماء نافع وهذا النفع هنا مطلق ولا يستطيع احد الادعاء بان الامر ليس كذلك وهو في كل مراحله نافع اي ان القمح نافع في اصله وكذا كانت قوة عمل المزارع والحصاد وعامل المطحنة جميعهم وفي كل المراحل يؤدون دورا مفيدا وحتى الوسائل التي استخدموها في سبيل ذلك شاركت في عمل نافع وايضا بالمطلق فلم يزرع المزارع القمح ليحرقه بل لياتي الحصاد ويحصده وياتي الناقل لينقله ثم يصل الى عامل المطحنة ليطحنه وهنا كانت كل ادوات الانتاج ووسائله تعمل بطريقة نافعة لهدف نافع للجميع وبالمطلق ان جاز القول.
حتى المنفعة المطلقة تبقى براي الجميع كذلك حتى تنتقل الى لحظة استعمالها فتظهر الاسئلة المهمة والخطيرة احيانا كيف ومتى واين ومن وماذا ولماذا ولو افترضا ان الموضوع سيكون الخبز والذي من المفترض ان يكون مطلق المنفعة وطبقنا عليه اسئلتنا الستة فماذا سنجد:
السؤال الاول: من المنتفع؟ ولنقل جنود الجيش
السؤال الثاني: ماذا يحتاج؟ وليكن الخبز
السؤال الثالث: لماذا يحتاج؟ وليكن ليأكل ويعيش ويقوى على القتال
السؤال الرابع: كيف سيستخدم هذا الخبز؟ وليكن كجزء ضروري لوجباته اليومية من الطعام
السؤال الخامس: اين سيستخدم هذا الخبز؟ وليكن الجواب في مواقعه
السؤال السادس: متى سيستخدمه؟
وسنقف هنا امام احتمالين للسؤال كنموذج
اذا كان الجواب اقناء وجبات الطعام فالأمر عادي
اذا كان الجواب اثناء الحرب مع الجار الشرقي لبلده مثلا
سيصبح الموقف من المنفعة هنا متناقض بين بلد الجيش والبلد الاخر على حدوده الشرقية فالبلد التي ينتمي اليها الجيش موضوع السؤال ستعتبر بضاعة الخبز هذه منفعة ضرورية بينما ستعتبرها البلد الاخرى ضررا بالضرورة وهذا يعني ان المنفعة اجتماعية بالضرورة فهي اما متطابقة او متنافرة او متناقضة او غائبة
المصلحة المتطابقة عادة ما تقوم بين المنتج والمستهل فيلجأ من يحتاج البضاعة لمنفعته الى من ينتجها ليحصل عليها وعادة ما يلجا مقابل ذلك الى عرض بديل لها من بضاعة ينتجها المحتاج هذا بعرضها على منتج البضاعة التي يحتاجها لنفسه واذا ما تلاقت الحاجات هنا تلاقت المنافع او المصالح فتنشأ علاقة طبيعية قوامها المنفعة او المصلحة وفي حال تنافرت المصالح فان تنافسا سيحدث بأشكال مختلفة تارة بالأشكال السلمية واخرى بأشكال العنف المبطن لكن الاخطر هو قيام حالة تناقض بالمصالح مما يدفع الصراع عادة الى اشكال عنيفة ويسعى خلالها الجرفان المتناقضان الى صياغة تحالفات عبر تطوير التنافر لدى البغض الى تناقض بما يخدم هذا الطرف او ذاك
بكل الاحوال تبقى المنفعة المصلحة هي الرافعة الاساسية لكل الاطراف وعليها تبنى حالات التناقض او التنافر او التطابق بما يجعل افاق السلم بين الاطراف معدومة او بعيدة المنال ويعمق حالات الخلاف ويبدأ كل طرف بالابتعاد عن العنوان الاساس للتناقض وهو المنفعة او المصلحة الى خلق حالات وعي تغطي الحقيقة فيصنع صراعات على اسا الراي او المعتقد او العرق او الجهة وما الى ذلك ويبدأ بتغذية هذه الاشكال بما يكرس تعميقها ويصنع منافع جديدة للأطراف المتناقضة اهمها في الاساس الصراع على مصادر المواد الخام من جهة او الاسواق من جهة اخرى وما يجري من صراع وانقسامات في سوريا وليبيا والسودان يدلل بوضوح وبشكل شبه علني ان من يدير الصراع يحقق مصالحه النفعية من هذا الصراع وحالة الانقسام فالناس هناك لكي يقتتلون يبادلون ثروات بلادهم بالسلاح وتزدهر صناعة السلاح ويزدهر معها صناعة الكارثة في الجوع والمرض والتهجير والموت.