إمبريالية المعرفة 10
عدنان الصباح
الحوار المتمدن
-
العدد: 8274 - 2025 / 3 / 7 - 17:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
( الحلقة 10 )
السطو على الكون الإنساني:
واحدة من اخطر الظواهر هي السطو على البشر ولعل النماذج الاكثر وضوحا هي النماذج العربية ويمكن اخذ سوريا كنماذج على ذلك السطو المتواصل منذ امد بعيد فقد كان عدد سكان سوريا عام 2011م 21,4 مليون نسمة وكان عدد سكان السويد في نفس العام 9,5 مليون نسمة بينما اصبح عدد سكان سوريا عام 2022م 18,3 مليون نسمة اي ان عدد السكان تراجع كثيرا بينما زاد عدد سكان السويد ليصبح 10,5 مليون نسمة اي بزيادة اكثر من 10% وهي زيادة في معظمها جاءت من الهجرة وتحديدا من سوريا اما المانيا ورغم عدد المواليد المنخفض فقد زاد عدد سكانها بسبب الهجرة من 80,3 مليون نسمة الى 84,3 مليون نسمة اي بزيادة اربع ملايين نسمة اما هولندا التي لم تستقبل اعدادا كبيرة من المهاجرين فقد كان عدد سكانها عام 2011م 5,4 مليون ليصبح بعد 11 عام فقط 5,6 مليون شخص اي بزيادة فقط 200 الف نسمة معظمهم من المهاجرين الجدد.
حسب تقارير المفوضية العامة للأمم المتحدة للاجئين والبنك الدولي فان عدد اللاجئين السوريين بعد الازمة السورية عام 2011م فقد بلغ عدد من لجأوا الى المانيا " 800 " الف سوري وتوزعت مهنهم على النحو التالي:
المهن الصحية 15%
الهندسة وتكنولوجيا المعلومات 12%
الخدمات اللوجستية 2,5%
القطاع العام 8%
بينما كان نصيب الاردن من هؤلاء اللاجئين 1,3 مليون سوري وقد توزعت مهنهم على النحو التالي:
الزراعة 50%
الخدمات 30%
الصناعات الخفيفة 15%
ولتكن تركيا النموذج الثالث فقد كانت حصتها هي الاكبر من اللاجئين السوريين اذا بلغ عددهم 3,6 مليون سوري وتوزعت مهنهم حسب الآتي:
القطاع الصناعي 45%
البناء 30%
الزراعة 15%
التجارة الصغيرة 10%
ويمكننا هنا في قراءة سريعة ان نلاحظ حرص المانيا على استقدام ما هو مفيد جدا لتطور البلاد وحسب احتياجاتها وما سيؤثر لاحقا في التطور الاقتصادي على كافة الاصعدة وهو ما يعني بالتأكيد سطو مباشر على الناس حسب مهنهم ولذا ذهب عمال الزراعة الى الاردن ولبنان وهو ما يعني ان الدمار الذي لحق بسوريا تحول الى انجازات في المانيا وسواها من الدول الغربية مما يعني ان تهجير السوريين من بلادهم كان نعمة على اوروبا الغربية ونقمة على الدول العربية التي تحول اللاجئين فيها الى عبء على اقتصاد البلد وزاد نسبة البطالة حيث كانت نسبة البطالة في الاردن عام 2011م 12,9% بينما وصلت في العام 2022م الى 22,8% اما الوضع في لبنان فقد كان اسوأ بكثير اذ ارتفع معدل البطالة ناك من 9% عام 2011م الى ان وصل الى 30% عام 2022م في حين ان المانيا التي استقبلت حوالي 800 الف سوري انخفضت فيها نسبة البطالة من 6% عام 2011م الى ان اصبحت 2,8% عام 2022م علما بان المانيا استقبلت ايضا اكثر من مليون لاجئ اوكراني وهو ما يعني بوضوح ان المانيا استقبلت ما تحتاج من مهاجرين بينما اجبرت الاردن ولبنان على ان تستقبل ما ليس لها بهم حاجة ليشكلوا عبء حقيقي على اقتصاد هذه البلدان وبالتالي على وضعها الاجتماعي والسياسي.
انهم يسطون على البشر مرتين الاولى بسلب الشعوب الفقيرة خير ابنائها وملكاتهم وقدراتهم على الابداع وبدل ان يكون ذلك سببا من اسباب تطور وتقدم هذه الشعوب والانتقال خطوة الى الامام عبر قدرات وطاقات ابنائها يتحول ذلك الى تراجع فحين تفقد الامم افضل ابنائها يصبح التراجع هو السمة وليس التقدم فهو لا يسرق الجيد فقط بل ويجعل مما تبقى مرهونا بإرادته وتابع تلقائي له بسبب الفقر والتخلف والجهل وغياب قادة الفكر والعلم والمؤهلين من ابناء الشعب لنقله الى الامام فيبقى منه ما هو تابع ويصعد الى القمة فيبقي شعبه في القاع قلا يمكن للجهلة ان يشكلوا حافزا لأممهم للتقدم بل سببا في تثبيط الهمم والعزائم والارتهان الى الغريب الاقوى والاكثر تقدما
وقد لا بالغ ان قلت ان سرقة العقول المزدهرة جدا تشبه الى حدا بعيد زمن ازدهار تجارة العبيد حين كان اصحاب المال بحاجة لاستعباد الطاقة الجسدية للبشر فابتكروا العبودية وهم لم يغادروها ولن يغادروها وان كانوا صاروا اكثر قدرة على تغليفها او الاستفادة منها بشكل افضل وبدل العبد المطلق جسدا صار العبد المؤقت بمعنى استعباد قوة الانسان الجسدية لفترة من الوقت وهي ما صار يسمى وقت العمل او ايام العمل الاسبوعي وحتى ساعات العمل الاسبوعي ووجدت في سبيل ذلك الانظمة واللوائح والقوانين وحتى نقابات العمال الصفراء التي باتت تساعد الرأسمالي على استعباد العامل في الاهتمام بثمن هذا الاستعباد لا في اصله الى ان وصلنا الى ما هو اسوأ باستعباد عقله واخضاعه لإرادة ومصالح الرأسمالية ولم يقتصر الامر على العلماء والمبتكرين والمبدعين في العلوم بكل انواعها ووصل الامر الى الابداع في الفن والفلسفة والاعلام وكل ما يمكنه التأثير على الانسان واخضاعه فاستعبدت العقول لكي تمنح راس المال قدراته على السطو على كل شيء بما في ذلك على عقل الانسان نفسه وبذا لم ينجو العالم من العبودية وان تغير نمطها او صورتها الا ان الحقيقة انها ظلت بعد ان تم الغاء صفة القهر عنها وعلى يد المستعبدين الجدد انفسهم وقد يكون اغرب ما في الامر ان تجد اسيوي يعتز بان ابن بلده اصبح شخصا مشهورا في امريكا لأنه ابتكر ما يخدم سطوة امريكا اكثر على مسقط راسه ولا يجد ابن بلده حرجا في ذلك وان هذا الذي صار مشهورا هناك ومبدعا باع عقله وابداعه لأعداء امته وانسانيته لا شيء اكثر بل وساهم بقدراته العقلية المستعبدة في مساندة الامبريالية على مواصلة سطوها على مقدرات ارض وناسها في كل مكان.
واحدة من ابرز تلك الظواهر كيف ان الرأسمالية الجديدة المعتمدة على التكنولوجيا باتت تسعى للحد من زيادة البشر بعد ان كانت راغبة في ذلك وهذا الحد يظهر جليا في الدعوة للحد من النسل ودعم تلك المشاريع في البلدان النامية وعلى العكس من ذلك تشجيع النسل في بلدانها واعود الى مصر مرة اخرى حيث يتبين لنا ان عدد سكان مصر عام 1960 كان 26 مليون نسمة ونسبة المواليد كانت حوالي 7% بينما انخفضت في عام 2022 حوالي 1,5% اما كندا فقد ارتفع عدد السكان بأكثر من مليون شخص وقد جاء ذلك عبر السطو على البشر في الدول الفقيرة الطاردة لأبنائها وهو ما يؤشر على حجم تأثير السطو على البشر في البلدان الرأسمالية ايجابا والبلدان الفقيرة سلبا حيث تزداد الانتاجية لدى دول السطو وتنخفض لدي الدول التي يقع عليها السطو مع ان الزيادة السكانية الطبيعية اكثر بكثير في البلدان التي يجري السطو على طاقاتها البشرية.
تاريخيا استخدمت الدول الرأسمالية السطو على العقول بطرق مختلفة ومنها المنح الدراسية التي تعطى للمتفوقين والموهوبين واحيانا في وقت مبكر اي قبل المرحلة الجامعية والسطو لم يكن فقط على الموهوبين بل احيانا حتى السطو على العرق كما فعلت المانيا مثلا في ناميبيا ذلك ان المانيا القيصرية ارتكبت اول ابادة جماعية في القرن العشرين في ناميبيا " جنوب غرب افريقيا " كما كانت تسمى في حينها بين عامي 1904 – 1908 وقد مات من شعب الهيريرو ارقاما غير محددة تصل الى 100 الف ومن شعب الناما حوالي 10 الاف وارقام غير معروفة من البوشمن وذلك بسبب الجوع والجفاف " العطش " بعد ان تم نقلهم الى الصحراء ومحاصرتهم هناك كم ان العديد منهم مات في معسكرات الاعتقال من الامراض والتعذيب ولقد فعل الالمان نفس الاسلوب في الصين وحكايات الابادة لا تنتهي وقد لا يكون اخرها ما يجري على ارض غزة ضد الشعب الفلسطيني.
استخدم السطو بالاستعباد حين كانت الحاجة ملحة للأيدي العاملة في الزراعة والبناء وخصوصا في امريكا الشمالية ولذا استقدم العبيد من افريقيا وازدهرت اسواق العبيد في العالم ومارست البرتغال واسبانيا غفي القرنين الخامس والسادس عشر ذلك بالتجارة بالبشر واستعبادهم بسرقتهم من افريقيا وبيعهم بالأسواق للعمل في الزراعة والبناء وكذا التحقت بهم انجلترا وفرنسا والدنمارك وهولندا وهو ما يعني ان السطو على البشر اتخذ اشكالا مختلفة لكن الهدف ظل واحدا وهو منح القوي مزيدا من القوة والتطور ومواصلة اخضاع الاخرين واستخدامهم لمصالحه وتدريجيا ارتبطت القوة بالمال الذي منح اصحابه قدرة التحول من الردع العسكري وظهرت صناعة السلاح وتجارته كحامية للصناعة واسواقها ومصادرها بهدف الاخضاع والنهب الذي انتقل من نهب الناس انفسهم الى نهب خيرات بلادهم.
السطو بكل اشكاله هو مهنة راس المال بكل الاحوال وليس السطو على البشر باستعبادهم فقط بل وبإرضاخهم لإرادته وتحويلهم الى عبيد " كلبا او جزئيا " بقناعة ورضا وقبول ولذا يستخدمهم لإخضاع بعضهم البعض فمن يسرقه من بلده وشعبه ثم يقدمه كشخص ناجح يقنع الاخرين ان نجاح هذا المبدع ليس بسبب قدراته بل بسبب ما تم تقديمه له من امكانيات من الدولة التي سرقته وبالتالي تترسخ القناعة لدى الشعوب الفقيرة ان احتمالات التطور لديهم صفر وانهم مجبرين على حال التبعية الدائمة التي لا بديل لها بل ان التخلي عنها او الثورة عليها امر غير ممكن وهو ما يسهل على الراس مال الحصول على خدمات مجانية من هذه الشعوب ويسمح له بالانتقال للسطو على ثروات ارضهم وبحرهم وفضائهم مقابل سنتات لا تسمن ولا تغني من جوع بعد ان يقوم بالسطو على معظمها انظمة سياسية او عسكرية فاسدة وخاضعة لإرادة راس المال الغريب وتستخدم سلطتها القسرية للإثراء على حساب قوت شعوبها.