إمبريالية المعرفة - امبريانولوجي - 7
عدنان الصباح
الحوار المتمدن
-
العدد: 8239 - 2025 / 1 / 31 - 14:03
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
( الحلقة 7 )
من تداول البضاعة الى تداول المنفعة:
تصنف البضائع والسلع تاريخيا على انها من نوعين الملموس وغير الملموس او المادي الذي يمكن ان يشغل حيز ويمكن لمسه وتداوله كما وحجا ويمن تخزينه وتداوله وقياسه بالوزن والحجم كالطعام والشراب والملابس والاجهزة والسيارات وحتى الطائرات ويندرج في ذلك ايضا المواد الخام كسلع ضرورية لإنتاج البضائع وطبعا لا بد من التذكير ان جميع السلع والبضائع بلا استثناء تحتاج بالضرورة الى قوة العمل في سبيل صيرورتها الى ما ينبغي ان تكون عليه ودون قوة العمل الضرورية هذه فان المنفعة الكامنة في هذه السلع الاساس " المواد الخام " تبقى غير قادرة على تلبية الحاجة واحداث المنفعة وبالتالي لا تملك قيمتها الاستعمالية ولا التداولية لانتفاء المنفعة فيها وهي على حالها بما في ذلك البضائع او السلع الطبيعية فاذا لم تتدخل قوة العمل في قطف الفواكه فان منفعتها لا قيمتها الاستعمالية لا تتحقق وبالتالي لا يتحقق تداولها لغياب وانتفاء منفعتها دون الحصول عليها لتلبية الحاجة لمن يحتاجونها من البشر وحتى الماء في النهر فهو لا يمكنه تلبية احتياجات البشر الطبيعية اذا لم يقم احد باستخدام قوة عمله واحضاره او تعبئته في عبوات معينة وتسويقه للمستهلكين ليتحول الى مالك لقيمته الاستعمالية وبالتالي التداولية كأنه اصبح قادرا على تحقيق المنفعة المرجوة منه.
مع كل هذا فان السلع والبضائع المادية الملموسة ليست بالضرورة هي وحدها القابلة للاستعمال وتحقيق المنفعة وبالتالي للتداول ذلك ان هناك سلع وخدمات من نوع اخر لا يمكن لمسها او التحقق المادي منها قبل تداولها وهي سلع وخدمات لا يمكن تخزينها كما هو الحال مع السلع والبضائع المحسوسة وبشكل التخزين التقليدي المعروف عبر الزمن وهي عادة ما تكون مرتبطة بالفكر والمعرفة والحقوق او بخبرات البشر ثم ان ما يميز هذه البضائع اننا عادة ما نذهب لمصادرها وهي لا تعرض كما البضائع العادية على رفوف المتاجر ولا يجري الترويج لها بالطرق التقليدية للترويج وهي عادة ما يتم صياغتها حسب حاجة المستهلك الفردية بمعنى انها لا تخضع لنموذج البضاعة المادية الجاهزة فانت حين تحتاج الى استشارة قانونية تذهب الى مستشار قانوني او محامي مختص وتعرض عليه طلبك وهو يقدك لك استشارته " بضاعته " المناسبة تماما لحاجتك وهو ما يعني ان ما ينفعك انت قد لا ينفع غيرك الذي يجلس بانتظار ان تفرغ من شراء الاستشارة ليبدا هو بعملية الشراء المختلفة كليا مع ان المصدر واحد واسم البضاعة واحد فالمستشار الذي قدم خدمته للطرفين واحد والبضاعة نفسها " استشارة " لكن مضمونهما مختلف وقد يكون متناقض فالمستشار القانوني يستطيع نفسه ان يقدم استشارتين لطرفي نزاع حول نفس القضية رغم التناقض الجوهري بين الاستشارتين بل والتضاد فيما بينهما ومن هذه البضائع الاستشارات والملكية الفكرية والتعليم والخدمات النفسية وخدمة التامين والخدمات المالية.
كلا الصنفين الملموس وغير الملموس ورغم الوجود الفيزيائي للسلع والبضائع الملموسة وعدم وجوده للبضائع غير الملموسة ومع ذلك وعبر التطور المعرفي واشكال الحاجة وتنوعها والانتقال الى تحويلها الى ضرورة وبالتالي لا بد من تسويقها وهو ما يعني ضرورة وجود فيزيائي لها بهذا الشكل او ذلك باتت الاصول المادية تعبير عن الوجود المادي للسلع غير الملموسة بذاتها بل ان الملموس هو من يسوقها او من يسيطر عليها كالشخص نفسه مثلا " المحامي " او مكتب الاستشارات القانونية او البنك او شركة التامين او مكتب تسجيل العلامات التجارية او حقوق الملكية وما الى ذلك.
من جانب اخر ظهرت سلع وبضائع يمكن ان تصنف على انها مشتركة بين الملموس وغير الملموس وهو النوع الثالث كالخدمات السياحية ووسائل النقل فانت تشتري الوقت للاستخدام كان تشتري تذكرة طائرة او قطار او باص او تاكسي يمنحك وقتا محددا لاستخدامه او فندقا او مرفقا سياحيا بحيث تبقى البضاعة خارج ملكيتك المطلقة وتأخذ انت حق الانتفاع بها بشكل او بآخر دون ان تؤثر على وجودها فهي ملموسة اذن وتملك المنفعة المطلوبة وصالحة للاستعمال وبالتالي قابلة للتداول كبضاعة مطلقة لذاتها فانت يمكنك في الاساس ان تملك الفندق ليصبح سلعتك وتملك انت القدرة الى تجزيئه حسب الوقت وحسب المكان فتصبح الغرفة الواحدة قابلة للبيع والتداول مرات ومرات لأشخاص ومنتفعين مختلفين وهي قادرة على تحقيق الحاجة والمنفعة لجميع المشترين في تفس المكان بأوقات مختلفة فانت هنا تشتري الوقت فقط وبالتالي يتحول الوقت هنا الى سلعة ملحقة ببضاعة ثابتة ينتقل اليها المنتفع ولا تنتقل البضاعة او السلعة نفسها ويصبح الفندق الثابت سلعة وهو هنا يشبه المادة الخام وهو في الاساس شارك في صناعته عمال ومهندسين وسائقين ومن مهن مختلفة وانتهى بعمال الخدمات كموظف الحجز والاستقبال وخدمات الغرف والطعام والشراب وما الى ذلك.
في الصنف الثالث المالك للصفتين السلعة والبضاعة اي الملموس المطلق كالسيارة حين تشتريها لنفسك فهي مطلق بضاعة ملموسة وتبقى كذلك والملموس الجزئي وهو نفس البضاعة اي السيارة حين تقرر تحويلها الى سيارة نقل بالأجرة فهنا يملك المستهلك حق الانتفاع غير المطلق " بعكس مالكها " اي ان المنتفع يحسها ويلمسها اثناء شراءه لحق استعمالها " الانتقال من مكان الى مكان " فالمنتفع هنا اشترى حق الانتفاع لأجل واثناء الانتفاع كانت البضاعة محسوسة وملموسة وذات خاصية فيزيائية لكن هذه الخاصية تنتفي وتغيب بالنسبة للمنتفع فور الانتهاء من المنفعة بينما تبقى على حالها وتواصل حالة التبادلية بين الانتفاع والمال طوال الوقت فهي ملموسة ومادية في الوجود وغير ذلك في حالة الانتفاع اي اننا نبيع الانتفاع فقط ومع ذلك يبقى لقوة العمل دور وهو دور السائق وهو ما يعني اننا ايضا ما كان يمكننا ان نشتري حتى وقت الانتفاع دون قوة عمل السائق ولا قوة عمل الصانع ولا قوة عمل مقدم الخدمة كم يقوم بفحصها وترخيصها ومنحها حق العمل بالنقل بالأجرة.