ماذا يدور في عقل بوتين؟ هل أصيب بالجنون؟
حميد زناز
الحوار المتمدن
-
العدد: 7195 - 2022 / 3 / 19 - 03:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يهدف فلاديمير بوتين من غزوه لأوكرانيا الى إعطاء الاوكرانيين درسا على جرأتهم الانفصالية عن روسيا وتحولهم الى أمة مستقلة وهذا الاعتداء هو بمثابة رسالة تحذير أيضا الى البلدان الأخرى المجاورة التي كانت تكوّن الاتحاد السوفييتي سابقا. ولكن بغض النظر عن كل هذا والأسباب المعروفة والمعقدة بين بوتين والغرب والناتو، يرى محللون نفسانيون أن الامر تعدى الحسابات السياسية والجيو-إستراتيجية ووصل إلى نوع من النرجسية قريبة من جنون العظمة أو تضخم الانا في حالاته القصوى.
يرى كثير من الملاحظين أن فلاديمير بوتين أصبح يعاني من مشاكل نفسية حادة دفعته الى الاعتقاد أنه بعد عشرين سنة على رأس الدولة الروسية وبعد أن أمضى بنفسه قانونا يضمن بقائه في الحكم إلى سنة 2036 يكون قد أنجز ما يمكن إنجازه في الحياة وحان الوقت لينتقم من التاريخ ويموت "قيصرا" وتستعيد روسيا امبراطوريتها على يديه. مع تقدمه في السن وعبثه بالدولة الروسية كما شاء، لم يعد له ما يخسر على المستوى الشخصي فهو اليوم شبه مسكون بفكرة تستبد به هي اعتقاده بأن له دور خلق ليلعبه في التاريخ. وهي فكرة انتحارية لا تخالف كثيرا ما يختلج في صدور أصحاب العمليات الانتحارية. دخل في مرحلة لاعقلانية فلم يعد يلتفت الى ما يراه الشعب الروسي ولا المجموعة الدولية وهو ما يجعلنا نتنبأ أنه قادر على ارتكاب حماقات لا تخطر على الذهن العقلاني.
لم يهضم فلاديمير بوتين أبدا سقوط الاتحاد السوفييتي ويرد ذلك السقوط المدوي الى "مكر الغرب" ولم يكف عن الحلم بالثأر ومن هنا يعتقد أنه هو المؤهل أو المرسل للقيام بدور فريد سيعيد لروسيا عظمتها الإمبراطورية، بل ويعيد رسم خريطة أوروبا كلها. مشروع يعانق المطلق تحمله نفس مكفهرة فقدت علاقتها بالواقع تبحث عن الانتقام ولو عن طريق الانتحار. تبدو علامات الاضطراب النفسي واضحة على قسمات وجه فلاديمير بوتين لما يخطب وخاصة لما يريد أن يهدد. مضمون خطاباته وطريقة كلامه وحركاته لا يمكن أن تصدر سوى عن شخص يعاني من جنون العظمة ومصاب في نفس الوقت بقدر ما من جنون الارتياب أو "البارانويا"، يعيش في عالم موازٍ، هذياني عززته عزلته، فهو لا يلتقي الا بقلة من خادميه وراء جدار منعه من فهم الواقع المتحرك.
يغزو بوتين حسب محللين سياسيين أوكرانيا لأسباب شخصية إذ يريد استعادة شبابه وإرجاع الزمن للوراء. تحت خوف من الشيخوخة والموت يريد تجديد دمائه من خلال العنف الحربي لأنه لا يزال قابعا خلف جدار برلين ويتأفف من رؤية التقدم والتغيير الحاصل من الجهة الأخرى من الجدار، فناتج بولونيا المحلي الإجمالي يساوي اليوم ثلاث مرات ناتج روسيا. لم يعد يتقبل فشل بلده الاقتصادي الذريع، أكبر بلد مساحة في العالم وبعدد سكان وصل إلى 145 مليون نسمة! ولكن لا تتعدى ثروته الوطنية ثروة بلد صغير كإسبانيا. فكأن حفيد ستالين شعر بأن أيامه أصبحت معدودات رغم أنه جاثم بالقوة على صدر الروس الى زمن بعيد ويريد استعادة عظمة روسيا القيصرية والسوفييتية قبل أن يفاجئه الموت.
ولكن السؤال المطروح هل جُنّ بوتين حقا أم يتظاهر بالجنون من أجل الخداع؟ وهو ما يعرف بــ "نظرية الجنون" التي يريد أن يظهر من خلالها أن في مواجهة الغربيين يوجد زعيم مجنون اسمه فلاديمير بوتين ذو ردود أفعال لا يمكن التنبؤ بها وقادر على اللجوء الى كل أسلحة بما فيها السلاح النووي. كل هذا من أجل ترعيب أوروبا ومفاوضتها من مركز قوة. وهو نفس ما حاول فعله الرئيس الأمريكي ريشار نيكسون قبله مع المسؤولين السوفييت. ولقد وجه فعلا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم 27 فبراير أوامره لوزارة الدفاع بوضع قوات الردع النووي الروسية في حالة تأهب قتالي.
في 2008 أفاد تقرير لوزارة الدفاع الامريكية أن الرئيس الروسي بوتين قد يكون مصابا بأحد أنواع مرض التوحّد وهو ما يرغمه على ممارسة " أقصى درجات السيطرة" على نفسه في المواقف الحرجة أو الأزمات ولذلك يظهر وكأنه يعاني من الإمساك في حضرة الآخرين. ومن خلال دراسة تعابير وقسمات وجه بوتين من خلال مقاطع فيديو استنتج خبراء نفسانيون أن نمو جهازه العصبي قد أصيب باضطراب خلال مرحلة الطفولة كما أشار الى أن أم بوتين قد اصيبت بجلطة أثناء الحمل، تركت آثارا سلبية على حياته نتج عنها بعض الاختلال الجسدي وعدم الشعور بالارتياح في علاقاته مع الآخرين. ونتيجة لكل ذلك سيطر عليه هاجس سلطوي وهاجس السيطرة القصوى لتعويض هذا القصور في نمو جهازه العصبي. وهي مشكلة خطيرة تقول معدة التقرير بريندا كونورز، يعرفها علماء الأعصاب بأنها "متلازمة أسبرغر"، إحدى أنواع مرض التوحّد الذي يؤثر في جميع قرارات المصاب.
نظرات بوتين الثابتة دائما تدل على وجود عيب ما في جهازه العصبي وهي فرضية لا يمكن التأكد منها حسب التقرير الا بالتصوير المقطعي لدماغ الرئيس بوتين. وطبعا نفى المتحدث باسم الكرملين غاضبا صحة ما جاء في التقرير. وإذا ما صدقنا عالم النفس الكندي الكبير روبرت هار، فالسيد بوتين لا يتمتع بصحة نفسية عادية إذ المختل عقليا في نظره هو من تظهر عليه العلامات التالية: نرجسية مفرطة، تقدير مبالغ فيه جدا للذات، غياب التعاطف مع الغير، انتفاء الندم، السلوك المعادي للمجتمع.
وسواء كان "مجنونا" أم لا، فبهذا التصرف الأرعن، لم يترك للعالم بعد هجومه الأخير على أوكرانيا سوى التكهن بزمان ومكان الضربة المجنونة القادمة. هو تحد كبير لم تعرفه الدول الغربية والمجموعة الدولية منذ نهاية الحرب الباردة... ولكن في بعض الأحيان يكون الجنون هو فعل ما نريد تجنبه وهو حال قيصر الكرملين إذ نجح وهو لا يدري في ايقاظ أوروبا وتقوية وحدتها وفي إعادة الروح للحلف الأطلسي الذي كان في حالة تصدع.