الارادة الثورية والتغيير
سمير عادل
الحوار المتمدن
-
العدد: 6307 - 2019 / 7 / 31 - 00:46
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مسألتان نريد تسليط الضوء عليهما في هذا المقال؛ الاولى هي تطور اشكال الاعتراضات والاحتجاجات في العراق التي تعيدنا الى تأريخ الحركة العمالية والطلابية والاشكال النضالية الاخرى من الاحتجاجات في عقد الثلاثينات والأربعينات والخمسينات وحتى الستينات، ويمكن الاشارة اليها عبر عدد من الامثلة وهي الدعوة الى اضراب في المهن الصحية قبل فترة وجيزة وقبلها دعوة نقابة المعلمين الى الاضراب ليوم واحد، واليوم دعوة نقابة الاطباء في الديوانية الى الاضراب، هذا ناهيك عن الاعتصامات التي نظمت من قبل الخريجين او التظاهرة الاخيرة لأصحاب الشهادات العليا التي واجهت قمع كبير من قبل القوات الامنية قبل يومين امام مبنى البرلمان.
هناك هوة او انفصال تاريخي في نضال الحركات التحررية في العراق، وقد تحدثنا عن احدها وهي الحركة العمالية في العراق بالتفصيل مجلة “ المد عدد ٦” والحركة النسوية تحديات وافاق “العدد ٧”. ويٌعَرَفْ تأريخ المجتمع العراقي الحديث منذ تأسيس الدولة العراقية بالمعنى التاريخي بأنه تاريخ الصراع الطبقي. اي كان الصراع بين الطبقة العاملة وبين البرجوازية يلقي بضلاله على المجتمع، ولم يكن للطائفية ذات الرائحة النتنة والمقززة اي شيء يذكر الا في حادثة فريدة وهي “فرهود اليهود” وهذه كانت يقف ورائها تحريض السلطة السياسية التي سيطر عليها رشيد عالي الكيلاني وما سمي في حينها الضباط الاربعه عبر انقلاب عسكري مدعوم من المانيا النازية في عام ١٩٤١. لا نريد الخوض في التفاصيل التاريخية اكثر، ولكن ما نود الاشارة اليه، كانت الاضرابات العمالية والحركات المدنية المتمثلة بالاحزاب السياسية التي تمثل مصالح الطبقات المتصارعة في المجتمع هي القوة السياسية المحركة في المجتمع. بيد ان انفصال تاريخي حدث في نضال هذه الحركة التحررية، حتى كادت ان تختفي هذه الاشكال النضالية لها منذ نهاية عقد الستينات. هذا التطور في الاشكال النضالية علينا الوقوف عنده.
ان الارث النضالي التاريخي من تجارب غنية ونقله الى جيل اليوم هو مسألة مهمة بالنسبة لحركتنا اذا اردنا ان نقطع دابر الفساد وتحميل الدولة مسؤوليتها بتقديم الخدمات وتوفير فرص عمل والوقوف بحزم واجهاض مشاريع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. اي ان احدى الميادين المهمة بالنسبة لنا نحن الشيوعيين هو يجب توظيف جميع الامكانات.لنقل الارث التاريخي النضالي للحركة التحررية في العراق الى جيل هذه الحركة التي بدأت ترسم نقطة انطلاقها.
لقد جربت الجماهير عن طريق التظاهرات في الساحات العامة، ان السلطة لا تستجيب لمطالبها، بل والادهى من ذلك اصبحت سهلة الاستهداف من قبل القوات الامنية. ان سلاح الاضراب والاعتصامات هو السلاح القاطع والماضي في فرض المطالب العادلة على الحكومة. بيد ان المسالة التي تحتاجها هو الارتقاء بهذه الاشكال النضالية، تسليط الضوء الاعلامي والدعائي عليها ، خلق او تاسيس الاشكال التنظيمية المختلفة كي يضمن نجاح الاضراب او الاعتصام في اماكن العمل، والعمل على تنسيق وجلب التضامن مع القطاعات الاخرى مثلما كان يحدث في عقد الستينات والخمسينات من القرن الماضي، فعندما كان يضرب عمال معمل الجلود في بغداد يتضامن معه عمال السيكاير او الاصباغ او المطابع في المحافظات الاخرى او في بغداد. وفي نفس الوقت علينا فضح الدعاية المغرضة للحكومة والاطراف السياسية في السلطة بتشويه الاضراب مثلما حدث مع اضراب نقابة اطباء الديوانية، حيث اشيع بأن الاطباء تركوا المرضى فريسة لمرضهم ولا احد يعالجهم. في حين ان الحكومة بفسادها وسرقتها لاموال الادوية او التقليل من موازنة وزارة الصحة التي اصحبت بموجبها مذاخر الادوية خالية وفشلها او تنصلها من حماية الاطباء هي وراء اهمال المرضى.
المسألة الثانية التي نود التركيز عليها، هي اشاعة الاغنية والنكتة السياسية اليائسه او السلبية التي تعكس حال الناس والاوضاع السياسية لكن من زاوية اللاجدوى. صحيح ان النكتة السياسية هي تعبير عن اشمئزاز الجماهير من ممارسة السلطة السياسية والتنفيس عن غضبها، علاوة على انها تكسر حاجز الخوف وتقلل من هيبة النظام الفاسد الذي يختبئ وراء الدين والكذب والنفاق السياسي، بيد ان الجانب الاخر من النكته او الاغنية السياسية من الممكن ان يساهم في نشر الياس وترسخه في صفوف المجتمع.
ان البرجوازية بجميع تياراتها السياسية الحاكمة تعمل ليل نار عن طريق اقلامهما المأجورة ومؤسساتها الدعائية واجهزتها القمعية في سلب ارادة الجماهير بالتغيير. ان النظام السياسي الحاكم في العراق هو اكثر الانظمة التي تقطر لا حياء ولا خجلا على الصعيد الاخلاقي والسياسي والاجتماعي، فلا يبالي لاي شيء سوى مجرد بقائه في السلطة. انه يعمل بشكل منظم على ايصال الجماهير الى حالة في عدم التفكير بالتغيير. واذا ما فهمنا هذه النقطة، فسنفهم لماذا تحول العراق الى سوق استهلاكي كبير للمخدرات وخاصة في صفوف الشباب. ان مليشيات الاحزاب الاسلامية الحاكمة تعلب دورا مبرمجا ومنظما في نشر المخدرات.
على العموم اذا ما عدنا الى موضوعنا، فان تنامي هذا الشكل النضالي من الاحتجاجات التي تطرقنا اليها يتناقض كليا مع حال الاغنية والنكتة السياسية التي تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي. اي بمعنى اخر ان عدم الاستسلام واليأس هو الخيار الوحيد امامنا وعليه يجب على الاغنية والنكتة السياسية تتناسب مع هذا التطور النضالي.
ان مرحلة نضالية جديدة تدشن عهدها في العراق، علينا ان نكون نحن الشيوعيين مستعدين لها وان نكون القوة المنظمة والمحركة لها ودفع عجلتها الى الامام. ان فلسفة وجود الشيوعية هي العمل على تغيير الواقع المظلم، فكما يقول ماركس في الثامن عشر من برومير “هنا الوردة فلترقص هنا”. .