ازدهار مهنة المتِاجرة السياسية
سمير عادل
الحوار المتمدن
-
العدد: 6326 - 2019 / 8 / 20 - 20:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليست المخدرات وتجارة الجنس والاعضاء البشرية هي الاعمال الوحيدة الرائجة والمزدهرة اليوم في العراق، بل مهنة المتاجرة السياسية اذا لم يجيدها المرء فليس بأمكانه مزاولة الاعمال الانفة الذكر او النجاح في اي واحدة منها.
اهم الاحداث السياسية التي غطت المشهد السياسي منذ بداية شهر آب ولحد الان هي الضجة التي اثيرت حول عزف موسيقية بشعرها السافر او دون حجاب في ملعب كربلاء بمناسبة حفل افتتاح بطولة غرب اسيا لكرة القدم، الجثث المجهولة في محافظة بابل، انتشار ظاهرة المخدرات في المجتمع، انفجار او تفجير معسكرات تابعة للحشد الشعبي وسط المدن المأهولة بالسكان، واخيرا وليس اخرا تصاعد الاصوات لاسقاط عادل عبد المهدي تحت عناوين الفشل في تحقيق الانجازات ومحاربة الفساد، وكأن غيره نجح مثل المالكي والعبادي في تحقيق شعارات واهداف المدينة الاسلامية الفاضلة بسواعد حزب الدعوة وحلفائه من الاسلام السياسي الشيعي.
ومن يدقق في جميع تلك الاحداث وتصريحات اعضاء البرلمان ورؤساء الكتل السياسية والمنتمين الى احزاب العملية السياسية على الصعيد الاعلامي والمؤتمرات الصحفية واصدار البيانات،يرى انها تتميز بمنطق واحد ولون واحد ولحن واحد وتحقيق هدف واحد وهو المتاجرة السياسية والتضليل بالاكاذيب والنفاق الذي امتهنتها كل جماعات الاسلام السياسي الشيعي بالدرجة الاولى التي اعتلت السلطة منذ غزو واحتلال العراق . وللامانة نقولها ان الجماعات القومية والذين يعرفون انفسهم بالعرب السنة، ابلو بلاء حسن في تلك المهنة واحرزوا مراكز متقدمة الا انهم لم يصلوا الى مصاف قوى الاسلام الشيعي التي امتهنتها بحرفية عالية دون اي منازع او منافس.
فالزوبعة التي اثاروها حول “تدنيس” مدينة كربلاء لان امرأة سافرة عزفت على الة الكمان وخاصة من قبل قادة حزب الدعوة وعلى راسهم المالكي، كانت مساعي فاشلة تحفي في طياتها كل الجرائم من اختطاف وقتل وتعذيب وسرقة ونهب وارتهان اموال وثروات جماهير العراق الى المؤسسات الامبريالية المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. لقد ارادوا استغلال تلك المناسبة لاعادة انتاج الهوية الاسلامية بعد ان انكشف المحتوى والماهية الفكرية والسياسية للاحزاب الاسلامية. صحيح ان غضب القوى الاسلامية من عزف امرأة سافرة في مدينة كربلاء، كان نابعا عن صدق مبادئها واخلاصها اللدود لها، الا ان حدة الغضب ليس سببها فقط عزف امرأة سافرة بل تفاعل الجمهور الذي كان اغلبه من جيل الشباب الذي اختبر من هي سلطة الاسلام السياسي. لقد حاولت تلك القوى الاسلامية تحويل كل مدن الجنوب منذ غزو العراق الى مدن “مقدسة” وان تفرض عليها القوانين الاسلامية لتتحول الى اكثر مدن العراق فقرا وعوزا وقذارة ونقصا بالخدمات وامتهانا لكرامة الانسان وحريته فيها.
واما قصة الجثث المجهولة التي اكتشفت في محافظة بابل، فكانت محاولة فاشلة من قبل القوميين العرب الذين يعرفون انفسهم بالعرب السنة في منافسة اخوتهم الاعداء في الاسلام السياسي الشيعي في سوق المتاجرة السياسية والنفاق السياسي لتحسين حظوظهم في انتخابات مجالس المحافظات القادمة وكذلك الحصول على بعض الامتيازات من قبل سلطة القوى الشيعية لشراء سكوتهم. فالقاصي والداني يعرف ان اغلب القوى القومية تلك، كانوا جزء من سيناريو الكارثة التي احدقت بجماهير العراق بشكل عام والمناطق الغربية بشكل خاصة سواء في الحرب الطائفية في 2006 او في مسلسل وحوش القاعدة وبعد ذلك اقل ما نقول بربرية وهمجية داعش.
واما قضية المخدرات التي تدق ناقوس الخطر المحدق بالمجتمع العراقي، فمن يبكي على شباب العراق من اولئك التجار السياسيين هم من وراء بشكل مباشر وغير مباشر ازدهار هذه التجارة. فهي سياسة ممنهجة لتخدير الشباب والمجتمع بعد ان فشل الدين في اعطاء مفعوله، وخاصة بعد حرق مقرات الاحزاب الاسلامية في ايلول العام الفائت في البصرة.
لكن اكثر القضايا التي اغاضت جماعات ومليشيات الاسلام السياسي هي انفجار او تفجير المعسكرات التابعة للحشد الشعبي، حيث اختلف المحللين في تفسير سبب هذه الانفجارات كما اختلف الفقهاء من قبلهم، هل بسبب غارات الطائرات الاسرائيلية او بسبب عبث العابثين او سوء التخزين، الا ان النتيجة المحصلة هي التنصل من المسؤولية عن أمن وسلامة المدنيين من اجل اهداف القوى المليشياتية التي لم تكتف بأعادة المجتمع العراقي قرونا الى الوراء وكل الجرائم التي ارتكبت بحقهم. وقد اميط اللثام عن سياسة حكومة عبد المهدي المتواطئة مع المليشيات وكشف عن زيف القرار الديواني لانهاء عمل هذه المليشيات في المدن بالرغم من الشبهات وعدة علامات استفهام عليه. وكتحصيل حاصل لكل هذه الاوضاع ولذر الرماد في العيون وطمس حقيقة هذه السياسات الجهنمية المناوئة حتى النخاع لابسط مقومات شروط الادمية في الاستمرار، تتعالى اصوات كذبا ونفاقا من اجل محاسبة عادل عبد المهدي الذي لم يكن تعيينه اكثر من عقد هدنة مؤقته غير رسمية لتهيئة الاستعدادات لجولة جديدة لتحسين شروط كل طرف في الحكومة المرتقبة التي تتقاذفها رياح الصراع الامريكي-الايراني في المنطقة.
ما اردنا ان نبينه، ان هذه القوى احترقت جميع اوراقها، ولم تبق في جعبتها من ورقة طائفية او قومية او دعائية مثل رفع شعارات القضاء على الفساد او رفع “الكتل الكونكريتية” لادامة الصراع فيما بينها او ادارة الازمة والعيش بخبز يومها سوى المتاجرة السياسية وما تتطلبها المهنة من امتهان الكذب والنفاق والتظليل لإدامة ذلك الصراع ، او في النهاية الاستعداد لشد الرحال، فايلول البصرة عام 2018 لابد ان يحل يوما ما في كل مدن العراق لكن بحلة جديدة وبديل جديد يحقق الامن والامان والرفاه والحرية.