التظاهرات والاوهام التي تنشرها البرجوازية
سمير عادل
الحوار المتمدن
-
العدد: 6366 - 2019 / 10 / 1 - 04:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس الشيوعيون متعهدي تظاهرات، ولا هم مولعون بها، وهناك فرق بين التظاهرات التي هي وسيلة احتجاجية مثل بقية الوسائل كالأضراب والعصيان المدني والاعتصام والكفاح المسلح ..الخ بينها وبين الثورة. وليس كل تظاهرة ثورة. وان مشاركة الشيوعيين في التظاهرات مشروطة بأفاقها وشعاراتها ومطالبها واهدافها وبالتالي يجب ان تخدم المصالح المادية للطبقة العاملة وعموم محرومي المجتمع وهي اي التظاهرة خطوة نحو التغيير في حياة الجماهير من اجل تحقيق الحرية والرفاه. بينما يشارك الشيوعيون في الثورة التي تندلع وهي خارجة عن ارادة الاحزاب والقوى والتيارات السياسية والافراد، وهي منعطف سياسي واجتماعي في تاريخ المجتمعات البشرية ولا تحدث كل يوم. وتشارك جميع القوى السياسية بما فيها الشيوعيين، وكل طرف يحاول ان تنتهي الثورة لصالح الطبقة التي يمثلها ويضفي عليها طابعه وشعاراته والاهداف التي يتعقبها من خلال الاستيلاء على السلطة السياسية.
ان البرجوازية الصغيرة تنظر الى كل تظاهرةعلى انها ثورة، وينبع تصورها من السخط الذي تحمله تجاه جميع الاوضاع التي آلت اليها هذه الطبقة اقتصاديا حيث تنحدر كل يوم دون وجود اي عائق يقف حائلا لتدحرجها السريع الى الاسفل، والى الحد الذي تنعدم حدودها كطبقه، وسياسيا بسبب غياب اي تمثيل سياسي لها ذو ثقل ووزن يمثل طموحها واحلامها. فنجدها ترسم في الاذهان صورة يائسة مجسمة لسخطها وتحاول عكس هذه الصورة على كل احتجاج يجري في الشارع لتستنتج منه بقدرة قادر بأنه ثورة مبررة اياه بأن "الجماهير" تشارك فيه وتصويره على انه اخر المحطات النضالية لها مثلما كان يفعل دون كيشوت. فأذا كان دون كشوت حاول بحنينه للماضي اعادة زمن الفروسية عن طريق حربه على طواحين الهواء في عصر صعود البرجوازية، فان البرجوازي الصغير الذي يشكل طيف واسع من اليسار يحاول انقاذ ما لا يمكن انقاذه بمعول غير معوله وهو معول البرجوازية. وهذا ما رايناه في تظاهرات حركة الخضر في ايران التي قادها خاتمي وكروبي بعيد اعادة انتخاب احمدي نجاد وتحت عنوان تزوير الانتخابات، وسماها قسم واسع من اليسار بالثورة ، او عدم الانسحاب من احتجاجات 2015 الى حد التوهم بأنها ستؤدي الى تشكيل حكومة ثورية مؤقتة في العراق، وقبلها تأييد والمشاركة في تظاهرات المنطقة الغربية التي نتجت عنها سيطرة داعش على ثلث مساحة العراق، وايضا التوهم في انقلاب العسكر في 2013 في مصر على انه ثورة لانقاذ ثورة يناير 2011 وغيرها من عشرات الامثلة.
وعليه ان تظاهرة يوم الاول من تشرين الاول التي دعى لها جيش الكتروني منظم ومدفوع الاجر تقف ورائها قوى برجوازية اسلامية تحاول بعث رسالة معينة الى الاطراف المتصارعة على السلطة بأن الهدنة انتهت والتهدئة وصلت الى مراحلها الاخيرة. فحكومة عبد المهدي التي تشكلت في غفلة من الزمن كانت حصيلة اتفاق جميع الاطراف المتصارعة ببعدها الاقليمي بعد الانتهاء من سيناريو داعش واخذت قسط من الراحة متكأه على عامل الوقت. اليوم وصل احتدام الصراع الاقليمي والدولي الى اعلى مدياته خاصة بعد ضرب منشأت ارامكو النفطية في السعودية. وليس الزوبعة التي اثيرت على نقل عبد الوهاب الساعدي قائد قوات مكافحة الارهاب الا امتداد لذلك الصراع. وتشارك فيها اطراف اعلامية ممولة سواء كانت جيوش الكترونية او قنوات فضائية مثل "الحرة-عراق" على سبيل المثال وليس الحصر. فكل ما يسوق اعلاميا بأن عبد المهدي يريد تصفية رموزا امريكية ، وانه جاء بقرار من سليماني والحشد الشعبي ليس الا محض هراء، وهي جزء من حرب سياسية واعلامية لإضعاف عبد المهدي الذي لا يريده العبادي ولا الحكيم ولا الصدر. فجهاز مكافحة الارهاب هو جهاز امريكي بامتياز، فتأسيسه وتدريبه وتجهيزه وعقيدته هي امريكية. فعشر قادة على وزن الساعدي يطاح بهم، لن يغير من ولاء هذا الجهاز لعرابه. وهذا ما يعرفه عبد المهدي قبل غيره. والجانب الاخر ان اشتداد الضغط على عبد المهدي يأتي في مسار تسريب اخبار عن اتفاقياته مع الصين في زيارته الاخيرة التي وصلت الى 500 مليار دولار في خضم اوج الحرب التجارية الاميركية مع الصين. فالعزف على وتر موالاة عبد المهدي للجمهورية الاسلامية في ايران ومجموعات المليشيات التابعة لها هو من اجل تأجيج السخط الجماهيري ضد تدخلات ايران على عبد المهدي. اما مشاركة وتأييد دولة القانون وعبر بيان رئيسها نوري المالكي للتظاهرة هو من اجل ضمان عدم انحراف التظاهرة عن مسارها الاصلي من جهة اذا لم نقل تحييدها واذا ما اقتضت الحاجة اللجوء الى قمعها مثلما زج بلطجيته بدشاديشهم وعقالهم في انتفاضة 25 شباط 2011، ومن جهة اخرى ان المشاركة فرصة لتحسين صورته وليس حظوظه في انتخابات مجالس المحافظات المرتقبة.
ما يزيد السخرية على مشهد تظاهرة يوم غد لا يكمن فقط في القوى السياسية التي تقف ورائها مثل المالكي والحكيم بل في الشعار الذي ترفعه تلك القوى " نازل اخذ حقي" والذي يعني كل شيء ولكن لا يوضح ابدا حقوق العمال والمحرومين في المجتمع. ان الشعار الذي ترفعه القوى الاسلامية واضح ماذا يعني وهو انها لا تتنازل عن حقها في المحاصصة والرشوة والفساد والمحسوبية والدرجات الخاصة. وهذا ما جعل عبد المهدي يعمل على تسمين جسد الحكومة البيروقراطي حيث اعاد العمل بنواب الرئاسات الثلاثة وتعيين ثلاث ناطقين باسم مكتبه بدل من واحد في عهد العبادي وتقسيم الدرجات الخاصة بين القوى السياسية.
واخيرا نقول ان حق الجماهير هو في حياة حرة كريمة يتلخص بضمان بطالة او فرصة عمل وتوفير كل اشكال الخدمات، وتحقيق الامان ويعني حل كل اشكال المليشيات وتحت اي مسمى واخراج القواعد الامريكية من العراق.
اننا نؤكد ان شعارنا الذي لا تراجع عنه وهو فرصة عمل او ضمان بطالة وتوفير الخدمات وتحقيق الامان ، وندعو جميع العمال والعاطلين عن العمل والشباب ومحرومي المجتمع الى الالتفاف حوله ويكفي التوهم والانجرار وراء القوى الاسلامية. ونحن سننزل لاخذ حقنا من المالكي والحكيم وعبد المهدي والعبادي لكن ليس في هذه التظاهرات.