المخاطر المحدقة بالانتفاضة
سمير عادل
الحوار المتمدن
-
العدد: 6438 - 2019 / 12 / 15 - 01:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مسالتان تهددان مصير انتفاضة أكتوبر،الأولى وجود التيار الصدري والثانية عسكرة الانتفاضة.تكمن قوة التيار الصدري اليومبوجود مليشياته “سرايا السلام” وليس بوجود قاعدته الشعبية التي باتت تتآكل وأصبحت اضعف بكثير خلال انتفاضة أكتوبر مقارنة بكل الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في شباط 2011 وتموز 2015 وفي صيف 2018 في البصرة وبقية المدن الجنوبية عندما رفضت الجماهير استقبال زعيمه مقتدى الصدر في حينه. حاول التيار الصدري تجديد وإنتاج قاعدته الجماهيرية من خلال ركوب موجة انتفاضة أكتوبر في اليوم الرابع من تشرين الأول، اي بعد أربعة أيام فقط من اندلاع شرارة الانتفاضة عبر إعلانه الإضراب العام إلاانه فشل، وفي اليوم التالي دعا إلى تظاهر مليونية إلا انه لم يجد اي آذان صاغية.
إن واحدة من سمات هذه الاحتجاجات هي في وقوفها بالضد من إيران والمليشيات المدعومة منها والتي قتلت وتقتل المتظاهرين بدم بارد. وبينما يتم حرق وتمزيق المتظاهرين لعشرات الصور والجداريات لمرشد الجمهورية الإسلامية السابق و الحالي وتغيير أسماء الشوارع في النجفوكربلاء والبصرة من الخميني إلى الشهداء وغيرها وكذلك حرق القنصلية الإيرانية في النجف لثلاث مرات خلال الانتفاضة، إلا إننا نرى أن مقتدى الصدر يقوم بزيارة لإيران وخلال شهرين لثلاث مرات، وآخرها كان إعلانه لإكمال دراساته الحوزوية وفي هذا الظرف الحساس من تاريخ العراق. وهذه ليست المرة الأولى وخلال منعطفات سياسية يعلن الصدر أما اعتزاله للسياسة مدة 6 أشهر مثلما فعل بعد توريط جماعته في اقتحام البرلمان وبناية مجلس الوزراء في 2016 وقد أدى إلى قتل وجرح عدد منهم أو من خلال موقفه الأخير المتعلق بإكمال دراساته في إيران في الوقت الذي يتفق على أن مركز الدراسات الإسلامية الشيعية في العالم بل وأقدمها هي مدينة النجف.
صحيفة “الأخبار” اللبنانية الناطقة التابعة لحزب الله اللبناني والتي تلتحف بزي يساري ليبرالي وقومي، كشفت عن معاداتها السافرة لانتفاضتي لبنان والعراق لأنهما معاديتان لما يسمى لمحور “المقاومة والممانعة” أو بالخط العريض محور الجمهورية الإسلاميةفي إيران. وتلك الصحيفة لا تخلو أسبوعيا من نقدها وهجومها على الانتفاضتين أو من يحاول الاستفادة منها في تقويض النفوذ الإيراني، وكان لمقتدى الصدر وتياره حصة لهجومها، وتقول في عدد يوم 11 من هذا الشهر” الصدر، المقيم في مدينة قم الإيرانية، يثير اعتقاداً لدى خصومه بأن تياره يمرّ في «أسوأ أيامه»، بحسب تعبير مصادر من داخل تحالف «الفتح». مردّ ذلك، كما تقول المصادر لـ«الأخبار»، أن «الصدر،الذي سعى إلى تكريس نفسه كقائد أوحد للشارع، ظهر عاجزاً عن حشد جمهوره في الحنانة (مكان سكنه في مدينة النجف) الأحد الماضي، وفي ساحة التحرير»، حيث بدا واضحاًللجميع أن الشارع «الشيعي» حالياً مؤتمرٌ بتوجيهات السيستاني حصراً. في الوقتنفسه، تأسف المصادر لـ«عجز الفتح عن تحقيق أي انجاز سياسي، لضعف رؤية قواهالسياسية، وافتقادها الأدوات المناسبة، وتضارب الآراء فيها”. مانريد أن نقوله هو أن الطبقة السياسية الفاسدة احتمت دائما بالتيار الصدري من خلال تفريغ الاحتجاجات من محتواها أو الالتفاف عليها كما حدث في 2011 وفي 2015. ولكن في نفس الوقت أن الصراع على السلطة في العراق وعدم قدرة اي طرف من حسمه لصالحه ما ابقي الصراع مفتوحا، مرة بشكل مستتر وأخرى بشكل علني. وان التيار الصدري أكثر ما يقلقه ويخشاه هو المليشيات وجناحها السياسي التي تديرها إيران. وقد دعا مقتدى الصدر أكثر من مرة إلى حل المليشيات وخاصة بعد توغل “الحشد الشعبي” في طول العراق وعرضه خوفا على نفوذه السياسي. وليس سرا إن نفس الصحيفة كما كنا نحن شهود عيان على واقعة استغلال لمليشيات التيار الصدري بتنظيم هجمات مسلحة ضد مقار المليشيات في المدن الجنوبية وخاصة مقار عصائب أهل الحق وتحت ستار الانتفاضة، ساعيا بذلك توجيه ضربة استباقية وتصفية جميع معارضيه. وإذاما دققنا في التغريدات الغاضبة لزعيم مليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي في محل تعليقه على التمثيل بجثة الشخص في ساحة الوثبة قبل أيام وتسمية الأطراف المتورطة بالمليشيات (القذرة) وهو يقصد سرايا السلام، جاء كرد على تعبير يستخدمها مقتدى الصدر في تسمية مليشيات العصائب بالمليشيات (الوقحة) وكل هذا يكشف عن الصراع المحتدم بين أجنحة الإسلام السياسي الذي في محتواه هو الصراع على النفوذ وعلى مستقبل الوجود.
إن التيار الصدري ليس ضد العملية السياسية بل انه حاميها، وكل ما يفعله في البرلمان ليس أكثر من جعجعة دعائية من اجل ممارسة الضغط على منافسيه لتأمين مستقبله السياسي. فهو لم يقاطع العملية السياسية يوما وكذلك لم يستقيل اي واحد من أعضاء تياره، ونراه يصارع في نفس الوقت ومن تحت الطاولة حتى على مناصب الدرجات الخاصة. ويحاول التيار الصدري الذي كان له دوما حصة الأسد في الحكومات السابقة والحالية مع تورط جميع وزرائه مثل إخوتهم في الكتل الأخرى بالفساد المالي والسياسي والإداري، بتصفية جميع خصومه السياسيين في العملية السياسية.
القبعات الزرق ولعبة الالتفاف على الانتفاضة:
إن قصة القبعات الزرق تتلخص بعملية فرض وجود التيار الصدري على انتفاضة أكتوبر بعد أن لفظته الجماهير ورفعت شعار “كلهم يعني كلهم” أو الشعار الذي رفع في ساحات الاحتجاجات في المدن الجنوبية وخاصة في كربلاء والنجف “شلع قلع والي كايله وياهم”اي مقتدى الصدر. إن وجود القبعات الزرق هو قوة احتياطية للالتفاف على الانتفاضة أما بشكل مسلح أو بشكل جماهيري متبعة سياسة استنزاف المنتفضين في الساحات كما حدث في صيف 2015 وبعد ذلك تقويض المطالب والشعارات وبالتالي إجهاض الانتفاضة. إن العنوان العريض الذي دخل به التيار الصدري لانتفاضة أكتوبر وهو “حماية المتظاهرين” ليس أكثر من عملية خداع وتضليل. فأصحاب القبعات لم يوقفوا مسلسل الدم بل على العكس حدثت العشرات من عمليات الطعن بالسكاكين والهجوم على المتظاهرين في ساحة الخلاني وجسر السنك يوم 6 كانون الأول ولم تحرك تلك الجماعات ساكنا باستثناء الجعجعة الإعلامية. أما التهديد الذي أطلقه“محمد صالح العراقي” المقرب من مقتدى الصدر إذا لم يكن هو نفسه مقتدى في صفحته بأنه (إذا لم يسلم الإرهابيين الذين علقوا الفتى من إقدامهخلال 48 ساعة في ساحة الوثبة، فسيسحب أصحاب قبعات الزرق) ما هي إلا محاولة فاشلة للوي ذراع الانتفاضة وتعويم التيار الصدري في الانتفاضة وبالتالي لحرف الأنظار عن الاتهامات الموجه لمليشياته بالتورط في عملية التمثيل بالجثة حسب تصريحات الخزعلي غير المباشرة.
ولابد من الإشارة إلى أن هناك ثلاث أجنحة للإسلام السياسي تدير السلطة، لها رؤى سياسية مختلفة لإنقاذ سفينة سلطتها من قبضة الانتفاضة، وكل واحد منها يحاول ازاحة الاخر عبر تحميلها مسؤولية كل ما ألت إليهاأوضاع من اجل (فرض) الاستقرار وحماية العملية السياسية. وتلك الأجنحة متمثلة بالمرجعية التي تحاول أن تمسك العصا من الوسط وهي تملك مليشياتها الخاصة، وجناح دولة القانون والفتح المدعومة بشكل مباشر من إيران (العمود الفقري لمليشياتها هو العصائب وبدر وحزب الله والنجباء والخرساني) ، وجناح التيار الصدري-العبادي "مليشيا سرايا السلام" المدعوم بشكل غير مباشر أمريكيا وسعوديا وإماراتيا. وان انتفاضة أكتوبر وضعت جميع هؤلاء في أزمة بديل سياسي وان إستراتيجية الجميع تعتمد على عامل الوقت وعلى تراجع مسار الانتفاضة عبر القمع والتسويف والاستنزاف. إن قوة التيار الصدري كما هو حال كل القوى ومجموعات الإسلام السياسي تكمن بوجود مليشياتها التي تتقاضى المعاشات والرواتب من وزارتي الدفاع والداخلية والأمن الوطني التي هي من الميزانية الحكومية، وبدون هذه المليشيات لن تقوم لهذه المجموعات اي قائم.المهم أن الخطر المحدق بالانتفاضة ليس مصدره المليشيات الحكومية وكل الطبقة السياسية الفاسدة فحسب بل يكمن أيضا بألاعيب ومناورات التيار الصدري. ولا نستبعد أنه في خضم هذا الصراع بين أجنحة الإسلام السياسي ربما يتحول إلى صراع مسلح للقضاء على الانتفاضة بالتحليل الأخير. ما علينا أن نفعله خلال هذه الانتفاضة هو الحذر وفضح كل أشكال ومحاولات التلاعب بالانتفاضة ومصيرها، وثانيا رفع الاستعداد السياسي والجماهيري تحسبا لعسكرة الانتفاضة ومن خلال تعميق تحررية ومطالب وشعارات الانتفاضة، خلق الأشكال التنظيمية المتنوعة مثل التنظيم في الجامعات وتنظيم العاطلين عن العمل والنساء، وتنظيم الجماهير في المحلات لإدارة نفسها بنفسها وتأمين سبيل حمايتها من صراع المليشيات فيما بينها أو هجمات المليشيات عليها. إن انتفاضة أكتوبر بالرغم من كل المعوقات والمعضلات التي تواجهها وبالرغم من نقاط ضعفها إلا أنها كشفت عن الوعي السياسي العالي للجماهير التي حاولت القوى السياسية بكل تلاوينها تعميته وطمسه وتغييبه وتشويهه.