سقوط الموصل والظلم الطائفي
سمير عادل
الحوار المتمدن
-
العدد: 6257 - 2019 / 6 / 11 - 23:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ذكرى سقوط الموصل بيد عصابات داعش تخرج التصريحات والتغريدات والتلاسن وكأنها موسم المطاردة السياسية وليس الشعرية بين عرابي سقوط الموصل. والكل من اولئك العرابين استفاد من الاهوال والكارثة التي حلت بسكان الموصل. فسقوط الموصل اضفى الشرعية القانونية والسياسية على وجود المليشيات الشيعية بعد ان كانت متخفية تحت اشكال مختلفة، والعبادي اصبح رئيسا للوزراء بعد ان اقصى سقوط الموصل غريمه المالكي، والاحزاب القومية الكردية تمددت الى مساحات جغرافية واسعة واصبح تصدير النفط الى حسابها دون حساب ورقيب، والمصنفين بالعرب السنة من السياسيين قضموا من الامتيازات والنفوذ ما لم يكن بحساباتهم امثال خميس الخنجر وهو احد عرابي الاخوان المسلمين في المنطقة والصديق الصدوق للرئيس التركي اردوغان، وكذلك الحلبوسي وغيره الذين ظهروا طارئين على المشهد السياسي، والجمهورية الاسلامية في ايران سجلت حضورها العسكري والاستخباراتي بشكل رسمي وتحت عنوان المستشارين للقوات العراقية وتركيا اضفت شرعية على قاعدتها العسكرية في كردستان واصبح خطر داعش الشماعة التي تحتمي تحتها، والولايات المتحدة الامريكية اعادت انتشار قواتها في العراق بعد ان خرجت منه في عام 2011 وحيث اليوم تأكل من ثمار داعش؛ فلديها 14 قاعدة عسكرية في العراق وعدد منها في سورية ونشاط استخباراتي وامني عالي وأستطالت يدها في العراق والمنطقة اكثر من ذي قبل بعد ان كانت تخطط لترك المنطقة واصبح النفوذ الايراني يعاني من ضغطها اكثر من اي فترة كانت خلال عقد ونصف.
السخرية تكمن بأن الكل يتهم بعضهم البعض بأنهم وراء سقوط الموصل في 10 حزيران 2014، فالاخوين النجيفي وعبر مقابلتين اعلامية منفصلتين لكل منهما قبل يومين، يدعيان بأن هناك مؤامرة خارجية يقودها المالكي لصالح ايران، بينما يصرح حاكم الزاملي ان 18 شخص متهمين بسقوط الموصل ويتزعمهم المالكي وعدد من القادة العسكريين مثل رئيس اركان الجيش وقائد عمليات نينوى وقائد الشرطة الاتحادية..الخ في حين يتهم قيس الخزعلي بشكل غير مباشر الاخوين النجيفي وحلفائهما مثل الهاشمي والعيساوي وحاتم سليمان والعلواني بأنهم يقفون وراء سقوط الموصل وحيث يسميهم من وراء تقسيم العراق، بينما يغرد العبادي بأن الفساد وسوء الادارة وراء سقوط الموصل. والادهى من كل ذلك ان اللجنة التحقيقية التي شكلها البرلمان للتحقيق في اسباب سقوط الموصل اودعت تقريرها بالارشيف ويبدو انها قيدت سقوط الموصل "ضد مجهول"!
بعيدا عن تلك التصريحات والاتهامات المتبادلة، مازالت الاوضاع التي ادت الى سقوط الموصل هي نفسها اذا لم نقل اسوء من ذي قبل. فالاعتقالات العشوائية والتعذيب في المعتقلات والاختطافات ما زالت على قدم وساق، وعلاوة على ذلك هناك مئات الالاف من النازحين في المخيمات منذ سقوط المنطقة الغربية بيد داعش يتقلبون وجعا من حرارة الصيف وبرد الشتاء بالرغم من ان العبادي اعلن القضاء على داعش منذ نهاية عام 2017. اي بعبارة اخرى منذ اكثر من عام ونصف وليس هناك اي بصيص لامل في انهاء معاناة النازحين، وفوق كل ذلك ما زالت الموصل والعديد من تلك المناطق ترزخ تحت ركام الخرائب نتيجة القصف والحرب على داعش.
ولا يقف المسلسل عند هذا الحد بل التفجيرات والهجمات الاخيرة في مناطق الموصل وكركوك وديالى والطارمية وديالى تؤكد صحة التقارير التي نشرتها فورين بولسي وواشنطن بوست في نهاية الشهر الفائت بأن داعش يعود من جديد. وجاء هذا الاعتراف بأشكال مختلفة عبر عدد من الخطب والكلمات التي القيت بمناسبة تنصيب نيجرفان البرزاني رئيسا لاقليم كردستان. بيد ان الجذر الاجتماعي لداعش لم يذكر او لا يريد اي طرف من اطراف القوى والاحزاب السياسية المس به. والسبب يعود الى ان قلع الجذر الاجتماعي لداعش، يعني جر البساط وشرعية الوجود من كل عرابي سقوط الموصل الذين تحدثنا عنهم.
ان الجذر الاجتماعي لوجود داعش هو الظلم الطائفي الذي ينتج ويعيد انتاج وجود هؤلاء. وان هذا الظلم يجري تعميقه كل يوم بشكل اكبر سواء عن طريق الممارسات الامنية التي ذكرناها او عن طريق ادامة اوضاع النازحين الماساوية او عن طريق محاولات فرض سياسة التشيع على تلك المناطق من قبل المليشيات الشيعية.
وطرفي المعادلة لهما مصلحة مباشرة في ادامة الظلم الطائفي، وهما الاحزاب وقوى الاسلام السياسي الشيعي الحاكم من جهة التي تحاول الاستئثار والاستفراد بثروات تلك المناطق وامتيازاتها، والطرف الاخر هو الاحزاب والقوى العروبية الملتحفة باللباس الطائفي، والتي بدون هذا الظلم لا تشكل اي ثقل يذكر في المعادلة السياسية. واكثر من ذلك عندما تحرف الانظار او تطمس في الحقيقة عن هذا الظلم من قبل نفس تلك الاطراف على سبيل المثال وليس الحصر عندما يقيمون الدنيا ولا يقعدونها حول المحافظ الجديد للموصل بأنه موالي لايران، وعليه تتخذ القررات بحل تحالف المحور وطرد الحلبوسي والخنجر منه لانهما تواطئا مع الحشد الشعبي لجلب المحافظ الانبطاحي حسب مقولاتهم الخالدة لانه ينبطح امام مريدي الجمهورية الاسلامية. وبهذا يشحذون الاجواء القومية ويبقون على جذوة الظلم الطائفي كي يعيد انتاجهم الى السلطة وتمتعهم بالنفوذ والامتيازات.
اما معاناة سكان الموصل؛ ضحايا العبارة، النازحين، المعتقلين والمختطفين، الخراب والابنية المدمرة، الخدمات الغائبة فلا تأتي في برنامج لا الاخوين النجيفي والا الخنجر ولا الحلبوسي ولا المطلك ولا اللويزي ولا المحافظ الجديد الموالي للحشد الشعبي وايران. فلعبة الطائفية والظلم الطائفي هو سر وجود جميع عرابي سقوط الموصل.
ان كل التصريحات والاتهامات والتغريدات حول اسباب سقوط الموصل هي محض هراء ومساعي فاشلة لطمس الحقيقة وهي ان حكومات بغداد المتعاقبة منذ الاحتلال وغزو العراق هي حكومات طائفية بأمتياز، والحكومات المحلية في المناطق الغربية وسياسيها يعتاشون على الظلم الطائفي. وطالما ظل الظلم الطائفي فالحديث عن القضاء على داعش هو كذبة فاضحة للدعاية السياسية.