عندما يكون الكذب والتدليس منهجا للإصلاح 1
عبد القادر أنيس
الحوار المتمدن
-
العدد: 5061 - 2016 / 1 / 31 - 01:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما يكون الكذب والتدليس منهجا للإصلاح 1
قبل أيام فقط صدر "إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي"
http://urlz.fr/30LK
نقرأ في مستهل هذا الإعلان: أكد المؤتمرون في إعلان مراكش.. على ضرورة تأسيس تيار مجتمعي عريض لإنصاف الأقليات الدينية في المجتمعات المسلمة ونشر الوعي بحقوقها، وتهيئة التربة الفكرية والثقافية والتربوية والإعلامية الحاضنة لهذا التيار، وعدم توظيف الدين في تبرير أي نيل من حقوق الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية".
كان على أصحاب الإعلان، لو كانوا صادقين، أن يشيروا إلى أن السبب في جعل هذه الأقليات أقليات هو الغزو العربي الإسلامي. وهي بهذا أقليات في أوطانها. كانت أغلبيات، وعلى مر الزمان راحت تتآكل وتتضاءل بسبب الأسلمة القسرية والتعريب والتذويب والتهجير. وعليه، وكما فعلت الشعوب المتحضرة، بما فيها الكنيسة الكاثوليكية، كان على هؤلاء الكَذَبَة أن يفكروا، أولا وقبل كل شيء، في مطالبة دول العالم الإسلامي، بتقديم اعتذار لهذه الأقليات بسبب ما لحقها ويلحقها، حتى أيامنا، من حيف وظلم واحتقار من طرف الأغلبيات شعوبا وحكومات، ساسة ورجال دين ومثقفين. لو فعلوا ذلك لاستحقوا الاحترام، ولكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا، لأن الاعتذار يعني الاعتراف بأن الغزو العربي الإسلامي كان ظلما وعدوانا واستعمارا وعنصرية بينما هم جميعا لازالوا يروّجون له في صورة فتوحات إسلامية أخرجت الناس من الظلمات إلى النور. لو تحلوا بالشجاعة الكافية لقالوا مع سيد القمني:
https://www.facebook.com/Alhedef/videos/961368663899848/
بدل هذا راحوا يكذبون على طول البيان وعرضه، مثل قولهم:
"ودعا الإعلان -الذي اعتبر "صحيفة المدينة "الأساس المرجعي المبدئي لضمان حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي- دعا المؤسسات العلمية والمرجعيات الدينية للقيام بمراجعات شجاعة ومسؤولة للمناهج الدراسية للتصدي لأخلاق الثقافة المأزومة، التي تولد التطرف والعدوانية، وتغذي الحروب والفتن، وفيما يلي نص هذا الإعلان التاريخي".
فعن أية ثقافة مأزومة يتحدثون إذا كان الإسلام والعروبة مرادفان لهذه الثقافة وبالتالي فهما أهم عاملين في معاملة الأقليات بهذه الدرجة من السوء.
اعتبار "صحيفة المدينة" أساسا مرجعيا مبدئيا لضمان حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي، هو إساءة لا تقل عن الإساءة الأخرى الحديثة: اعتبار الإسلام دين الدولة واللغة العربية اللغة الرسمية والشريعة الإسلامية المرجع الأساسي للتشريع في بلدان أغلبها متعددة الأديان واللغات والأعراق والمذاهب، كما جاء في أغلب دساتير الدول العربية والإسلامية.
فماذا عن "صحيفة المدينة"؟ لنقرأ هذه الوثيقة التي بلغ الأمر ببعض الإسلاميين حد جعلها نهاية التاريخ زعما منهم أنها تتفوّق على الدساتير والمواثيق الحديثة في حماية حقوق الإنسان. بل تمكنت أموال العربية السعودية من إدراجها كوثيقة يُعْتَمَد عليها لدى هيئات محترمة تماما مثلما تمكن هذا البلد المعادي لحقوق الإنسان والمتحفظ على أغلب بنود ميثاقه، من رئاسة لجنة الخبراء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأم المتحدة، وما أدرك!:
http://www1.umn.edu/humanrts/arab/IS-1.html
بل لوّثوا بها موسوعة ويكيبيدا عندما اعتبروها (دستور المدينة)!!!
وفوق هذا، فصحيفة المدينة هذه غير صحيحة من حيث الأسانيد. أقول هذا لأن حكاية تكذيب الأحاديث صارت شائعة في هذه الأيام من طرف الإسلاميين عندما يجدون أنفسهم عاجزين عن الدفاع عن بعضها بسبب تناقضها مع منجزات الحداثة وعلومها وحقوق الإنسان بما فيها تلك التي وردت في أصح كتابين بعد القرآن، لكنهم لا يترددون في الأخذ بالأحاديث الضعيفة عندما يرون ذلك في مصلحة دعايتهم.
أولا، هذه الوثيقة لا علاقة لها إطلاقا بما نفهمه اليوم من حقوق الإنسان المبنية على الفرد الحر المسؤول مباشرة أمام الدولة، والذي يجب أن يتم التعامل معه بهذه الصفة، وليس، كما تقول الوثيقة، مجرد تابع لقبيلته وعشيرته يتقرر مصيره ضمنها، ويتحمل الجميع وزر القرارات التي يتخذها شيوخ القبائل، مثلما عوقب جميع أفراد بني قريظة: الذكور (بمن فيهم الأطفال الذين نبت شعر عاناتهم) ذُبِحُوا، والنساء والصبيان ووُزِّعوا كعبيد على المسلمين وشُرِّد بعضُهم بعيدا وبيعوا لشراء الأسلحة بأثمانهم.
ثانيا، ومن خلال بنود هذه الصحيفة، نتأكد أنها فُرِضت فرضا في ظل اختلال موازين القوى لصالح المسلمين (بعد غزوة بدر). لهذا جاء في بدايتها: "هذا كتاب من محمد النبي" بينما رفضت قريش الاعتراف له بهذه الصفة وتنازل لها (صلح الحديبية) فاكتفى بـ (محمد بن عبد الله). وجاء فيها أيضا: "وأنه لا يخرج منهم (أي من اليهود) أحد إلا بإذن محمد" (تقييد حرية الحركة). وفيها أيضا " وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد". وفيها "وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يُخاف فسادُه فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله"، وهو ما يعني أن الشريعة التي يجب الاحتكام إليها هي شريعة المسلمين دون غيرهم، تماما مثلما تقول دساتيرنا اليوم: "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع" مع أن الكثير من بلداننا متعددة الديانات. ونقرأ في الوثيقة أيضا "وأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظلم وأن الله على أبر هذا"، فلماذا (أهل بيته)؟ ولهذا عوقب جميع أفراد بني قريظة بمن فيهم غير المحاربين من النساء والأطفال ذلك العقاب القاسي غير المبرر من وجهة نظر الشرائع الحديثة التي تحمي المدنيين غير المشاركين في الحروب وتعتبر المساسَ بهم وبالأطفال خاصة جريمة ضد الإنسانية.
ثالثا، صحيفة المدينة تتحدث عن "مؤمن" و"كافر"، بينما تتحدث مواثيق حقوق الإنسان الحديثة عن مواطنين أحرار متساوين في الحقوق والواجبات. بل تتحدث الصحيفة صراحة عن ضرورة التمييز بينهما والانتصار للأول على الآخر: "ولا يقتل مؤمنٌ مؤمناً في كافر ولا ينصر كافراً على مؤمن". وهذا التمييز لا يشمل فقط (كفار) قريش بل يشمل أيضا من كان في المدينة خارج الإسلام أو اليهودية والمسيحية.
هذا عن هذه الوثيقة الخرافية التي لم تعمر إلا عدة سنوات، جرى بعدها الفتك باليهود وطردهم من جزيرة (العرب) التي لم تعد تتسع إلا لدين واحد، وبعد اليهود فُرِض الإسلام على الشعوب العربية والشعوب المجاورة بعد تخيير الناس بين الدخول في الإسلام أو دفع الجزية صاغرين أو الحرب والاستعمار.
فماذا عن إعلان مراكش؟
يبدأ الإعلان بالبسملة ثم الحمدلة ثم "الصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين". وهذا في حد ذاته تكرار لما حدث قبل 14 قرنا. الأولوية لمحمد على غيره من الأنبياء والمرسلين مع أن التجمع ضم 300 شخصية بينهم ممثلي الأديان الأخرى وممثلي المنظمات الدولية العلمانية.
نقرأ بعد هذا في الإعلان: "اعتبارا للأوضاع المتردية التي تعيشها مناطق مختلفة من العالم الإسلامي بسبب اللجوء إلى العنف والسلاح لحسم الخلافات وفرض الآراء والاختيارات. ولكون هذه الأوضاع أدت إلى ضعف أو تلاشي السلطة المركزية في بعض المناطق وشكلت فرصة سانحة لاستقواء مجموعات إجرامية ليست لها أي شرعية علمية ولا سياسية؛ أعطت لنفسها حق إصدار أحكام تنسبها إلى الإسلام، وتطبيق مفاهيم أخرجتها عن سياقاتها ومقاصدها، وتوسلت بها إلى ممارسات اكتوت بنارها مختلف شرائح المجتمع".
فهل الأمر يتعلق فقط بـ " مجموعات إجرامية ليست لها أي شرعية علمية ولا سياسية؛ أعطت لنفسها حق إصدار أحكام تنسبها إلى الإسلام، وتطبيق مفاهيم أخرجتها عن سياقاتها ومقاصدها، وتوسلت بها إلى ممارسات اكتوت بنارها مختلف شرائح المجتمع"؟.
ماذا عن دور الدول العربية والإسلامية التي رَعَت الإرهاب ومولته وحشدت كل الإمكانيات لتقوية جماعاته بالأسلحة والأموال ونقل الإرهابيين من جميع أنحاء العالم وتسخير الدعاة ووسائل الإعلام للتعبئة من أجل إسقاط أنظمة أخرى؟
من ساهم في إضعاف السلطة المركزية في كثير من البلدان التي ابتليت بالإرهاب؟
يتبع