عندما يجادل الدعاة في وجود الله 5: عدنان إبراهيم
عبد القادر أنيس
الحوار المتمدن
-
العدد: 5005 - 2015 / 12 / 5 - 08:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما يجادل الدعاة في وجود الله 5: عدنان إبراهيم
عدنان إبراهيم بذل جهدا كبير في دحض مواقف الملحدين من وجود الله. لو صح أنه قرأ كل الكتب التي ذكرها، وراجع كل ما قاله الفلاسفة والعلماء الذين استشهد بأقوالهم، فلا بد أن يكون المجهود الذي بذله كبيرا جدا!
السؤال الذي تبادر إلى ذهني بعد أن انتهيت من الاستماع إلى سلسلة الفيديوهات وقراءة كتابه تحت نفس العنوان: "مطرقة الإيمان وزجاج الإلحاد" هو: لماذا بذل عدنان إبراهيم كل هذا الجهد لإثبات وجود الله؟
روابط الفيديوهات تحت عنوان: مطرقة الإيمان وزجاج الإلحاد:
http://urlz.fr/2N0P
رابط الكتاب بعد تفريغ الفيديوهات:
http://www.adnanlibrary.com/post.php?id=2481
عدنان إبراهيم قال (ص 4) بأن "الملاحدة إن جمعتهم في كل الأعصار، وأعني نابهي الملاحدة وأذكياءهم، فهم لا يكادون يشكلون أصلا شيئا إلى جانب جيوش المؤلهة من الفلاسفة والمفكرين والعلماء عبر العصور".
فما جدوى محاربة الطواحين يا عدنان؟ ثم ما جدوى الدفاع عن إله أنت تعرف أنه غني عن العالمين كما يقول القرآن، وأنه لا يتضرر بكفر الكافرين ولا ينتفع بإيمان المؤمنين؟
عدنان إبراهيم يشرح لنا سبب تناوله لهذا الموضوع (ص 5) فيقول: "لماذا تناول هذا الموضوع أيها الإخوة؟ لعلنا لو تناولناه كمسلمين وكعرب قبل عشرين أو ثلاثين سنة سيُقَال هذا من باب الترف الفكري والفلسفي واللاهوتي.. لماذا الإلحاد؟ الناس تحتاج تتعلم دينها، أحكام الحيض، وأحكام الطهارة وأحكام النفاس وصلاة العيدين وصلاة الكسوف. أما اليوم وللأسف الشديد فقد صار لزاما أن نتناوله وأن نمعن فيه، وأن يتناوله كل من له لياقة فكرية وعقدية أي لاهوتية وفلسفية. لا أقول لكي نذب (أي ندافع)، أنا لا أحب المنطق الأيديولوجي، حتى المنطق التبشيري لي موقف منه. لكن الحقيقة غالية وإذا ثبت أن الله تبارك وتعالى هو حقيقة الحقائق فخطير جدا وخسارة فادحة أن يضل الإنسان طريقه إلى هذه الحقيقة. هذا سيكلفه الكثير في الدنيا وفي العالم الآخر الذي لا يؤمن به". ص 5
فهل فعلا عدنان إبراهيم مهموم بمصير الملحدين في الدنيا وفي الآخرة؟ هذا لو صدقنا أنه مهموم فعلا بمصير المؤمنين ويحرص على الحفاظ على صفاء إيمانهم ونقائه.
الراجح عندي أنه مهموم أكثر بمصير هذا الدين الذي وجد في الدعاية له منفعة تفوق المنفعة التي كان يمكن أن ينالها لو اشتغل بالمهنة التي تعلمها (الطب). هو بهذا لا يختلف عن غيره من الدعاة، ولا هو بعيد عن تعاطي حرفة الدعوة التي أصبحت تغري الكثيرين عدا رجال الدين المتخصصين. هو مهموم أكثر بمصير آل سعود الذين يسخّرون ملايير الدولارات لتمويل هذه المشاريع الدعائية في العالم حتى لا يتنوّر الناس، وخاصة المسلمين، وإن أمكن أسلمة غيرهم وضمهم إلى قطيع المخدوعين، فلا تصل نار الديمقراطية والحريات والعلمانية إلى عروشهم فتحرقها. هذه هي مهمة عدنان إبراهيم وغيره من الدعاة الإسلاميين وهذا سر ارتباطه بهم رغم الدمار الذي يتسببون فيه للمسلمين وللعالم من خلال تمويل الإرهاب ومن خلال حربهم النفطية ولو خسرت المملكة مئات الملايير من الدولارات تستفيد منها الشركات متعددة الجنسيات أكثر من غيرها:
http://www.zawyah.org/2013/09/blog-post_8802.html
حجته جعلتني أتساءل مرة ثانية: أين تكمن مشاكل المسلمين المطحونين بالجهل والفقر والاضطرابات الاجتماعية؟ هل هي في وجود اله من عدم وجوده؟ هل هي في ما يسببه لهم الملحدون من منغصات بسبب تشكيكهم في الله رغم أنهم أقليات تافهة كما يقول عدنان، ولا يطلع على ما يقولون 99.99 من المؤمنين كما أزعم أنا دائما؟ أم هي، بالأحرى، بسبب ما سببه لهم دينُهم من تجهيل تحرص على تأبيده المؤسسات الدينية ورجالها المتحالفين مع حكام الاستبداد المستفيدين من بقاء الناس مخدرين، لينتهوا أخيرا إلى الوقوع في مخالب قوى التطرف الهمجي كما تتجلى في أحلك صورها هذه الأيام؟
قول عدنان إبراهيم: " وإذا ثبت أن الله تبارك وتعالى هو حقيقة الحقائق فخطير جدا وخسارة فادحة أن يضل الإنسان طريقه إلى هذه الحقيقة. هذا سيكلفه الكثير في الدنيا وفي العالم الآخر الذي لا يؤمن به"، هو أصلا قول عجيب غريب؛ فهذا الداعية الذي يحب أن يكون مستنيرا وعالما وفيلسوفا فطاف بنا على مذاهب وفلسفات وعلوم الدنيا ليثبت لنا أن الله موجود وأن مواقف الملحدين باطلة، ومع ذلك لا ينتبه إلى هذا الخلل الغبي في موقفه. بالإضافة إلى مواقف أخرى سآتي عليها في حينها، حين يقدم نفسه على أنه أكثر حرصا من الله بعباده وأكثر رحمة بهم، وهو يريد أن يجنبهم هذه الخسارة الفادحة في حالة ما إذا بقوا على إلحادهم، مما سيكلفهم الكثير في الدنيا وفي العالم الآخر الذي لا يؤمنون به.
ما أشبه موقف عدنان إبراهيم هنا بموقف أبي حامد الغزالي؛ فحجة الإسلام هذا برر الرق الناجم عن نكاح الأمة ببساطة مقرفة. فالإسلام أباح الاستمتاع بالجواري المسبيات المستعبدات للرجل المسلم رغم أن النسل الناجم عن ذلك يصنف في خانة العبيد، بهذه الحجة السخيفة: "وقال ابن عباس خير هذه الأمة أكثرها نساءً ولما كانت الشهوة أغلب على مزاج العرب كان استكثار الصالحين منهم للنكاح أشد ولأجل فراغ القلب أبيح نكاحُ الأمة عند خوف العنت مع أن فيه إرقاق الولد وهو نوع إهلاك، وهو محرم على كل من قدر على حرة، ولكن إرقاق الولد أهون من إهلاك الدين، وليس فيه إلا تنغيص الحياة على الولد مدة، وفي اقتحام الفاحشة تفويتٌ الحيلة الأخروية التي تستحقر الأعمار الطويلة بالإضافة إلى يوم من أيامها".
http://urlz.fr/2N2A
أما حجة عدنان إبراهيم فهي أسخف وأخطر، فالمهم بالنسبة إليه ألا يخسر المؤمن دنياه وآخرته، ولا يهتم بالخسارة الفادحة الناجمة عن خضوع الناس لشريعة الإسلام كما نلمسها نتائجها صارخة في حياة المجتمعات الإسلامية المتخلفة مصداقا لقول القائل بأن هذا الله لا يمكن أن يوجد إلا مع هذه الهمجية والبؤس والجهل والتخلف.
عدنان إبراهيم يقرأ القرآن ولا ينتبه إلى أن الدين (وهو هنا الإسلام) الذي يدافع عنه وينتصر له وبه ضد الأديان الأخرى وضد العلوم الحديثة لا يرى رأيه، على الأقل في الجانب الإيماني: فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء. الله قرر منذ البداية مَنْ هم أهل الجنة ومن هم أهل النار، لحكمة يعلمها ونجهلها نحن، وليس من حقنا أن نسأل عنها. فالله لا يُسْأَل عما يفعل وهم يسألون (كما يقول القرآن ويؤيده عدنان). الله قادر على هداية الملحدين ولكنه لا يفعل (ولوْ شاءَ ربُّك لآمنَ مَنْ في الأرض كلُّهم جميعا) (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (قرآن). هكذا هي قرارات إله الإسلام، لا سبيل إلى فهمها عقلا ومنطقا كما يخلط عدنان. في سورة نوح نقرأ لنوح وهو يشتكي من قومه الكافرين"قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا.. قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا، وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا.. وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا.."
وفعلا استجاب الله لنوح وقضى على جميع سكان الأرض بالإغراق في الطوفان بمن فيهم أقوام أخرى لا علاقة لنوح بها ولا بدعوته ولا (شرّفهم) برسله، قضى الطوفان على كل الأبرياء بمن فيهم الأطفال الرضع، والحيوانات البرية المختلفة التي لا حصرلها، بينما "أمْرُهُ"، كما يعرف عدنان، "إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" (قرآن). هذا طبعا بالنسبة لمن يصدق حكاية الطوفان التي هي في الواقع بابلية الأصل والمحل جرى تضخيمها في ما سمي فيما بعد بالأديان السماوية وتوسيعها لتشمل الأرض بأسرها.
عدنان إبراهيم يقرأ هذا الكلام ولا ينتبه إلى ما فيه من خلل وخبل. فهو كمن يرى الخشبة في عين الملحد ولا يرى الخشبة في عينه. ولهذا تحدث لنا عن ملايير السنوات الضوئية وعن كشوفات العلوم الباهرة وعن الدِنْأَ وعن الجينوم وعن أسرار الخلية وعن برهان النظم أو التصميم الذكي وعن برهان الحدوث، ولكنه لم يجد نفسه معنيا بمدى صحة حكاية الطوفان ولا بضرورة التحقيق فيها والتساؤل عن انعدام أي أثر لها، ولا في الكيفية التي أمكن للكائنات الحية أن تتطور كل هذا التطور الشديد التنوع (بعد الطوفان) في ظرف قصير يعد بآلاف السنين (حسب الحساب العبراني) وليس بمئات الملايين منها كما تقول العلوم المختصة.
عدنان إبراهيم معني أكثر بإله المسلمين فقط، وبالأخص بإله ذكورهم المؤمنين. فهو ظل طوال محاضرته يبدأ دروسه بقراءة "آيات بينات من ذكر الله الحكيم"، ويستشهد بآيات القرآن، ولكنه لا ينتبه أو لا يريد أن ينتبه إلى فحوى ما يقرأ رغم أنه، في الجانب الآخر، عرّج بنا على معارف الدنيا وعلومها وعلمائها وفلاسفتها اليونانين والرومان والهنود والصينيين والمسلمين إلى العلوم والمعارف والفلسفات الغربية الحديثة وعلمائها، حتى يدهش المستمع بغزارة علومه ومصداقية ما يقول.
في الفيديو الأول يطل علينا عدنان وهو يقرأ آيات من سورة النمل بخشوع كبير! ولكنه تعمد انتقاء ما يخدم غرضه (انتقى الآيات من 59 إلى 70 بينما السورة فيها 93 آية). لهذا أحب أن أقرأ شيئا مما تجنب قراءته. في هذه السورة يقرر الله التنازل من عليائه ويكلم موسى ويزوده بقدرات سحرية عجيبة حتى يقنع قومه ويتغلب على سحرة الفرعون، كما يزود داود بالعلم ويزود سليمان بمعجزات خارقة أخرى كثيرة منها معرفة لغات الحيوانات ومنها أنه حشر له جنودا من الجن والإنس والطير خارقين، ومنها أن النملة تتكلم فتحذر قومها من جنود سليمان الذي يسمعها فيتبسم ضاحكا، ومنها أن الهدهد يشتغل جاسوسا عنده بحيث تمكن من إتيانه بخبر ملكة سبأ وقومها الذين يعبدون الشمس دون أن يأمره بذلك، ومنها أن عفريتا من الجن أتاه بعرشها قبل أن يرتد إليه طرفه:
http://www.holyquran.net/cgi-bin/prepare.pl?ch=27
الله فعل كل هذا لإقناع مجموعة من الأشخاص اصطفاهم دون سائر البشر، وهم من بني إسرائيل تحديدا ومن منطقة واحدة من الأرض، دون سواهم، فلماذا لم يفعل شيئا لإقناع الملايير وتركهم نهشا للضلالة والخطيئة حتى يحق له تخليدهم في نار جهنم وهم على بينة؟
عدنان إبراهيم يقرأ كل هذا ولا ينتبه إلى هذه الخرافات البابلية والفرعونية التي انتحلها العبرانيون وقدسوها وساهمت المسيحية والإسلام في تعميمها على بقاع واسعة من الدنيا، مع أن علم التاريخ الحديث لا ينظر إليها إلا كخرافات لا سند لها. عدنان إبراهيم خاض بنا في علوم الكون وفي العد بملايير وملايين السنوات الضوئية ولكنه يقرأ أن الله خلق سبع سموات وسبع أرضين ولا يرف له جفن. ويقرأ أن الله ينزل الأمطار ويوجه السحب وهو الذي جعل الجبال رواسي في الأرض حتى لا تميل الأرض المسطحة بنا فنتدحرج في هاوية وهمية! ويقرأ "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ"، ولا يهتم. ويقرأ "وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ"، ومع ذلك يبذل كل هذه الجهود عبثا لدحض آراء الملحدين، ولكنه لا يتساءل وهو الذي سخر لمشروعه كل العلوم كيف أن الجبال "تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ".
عدنان إبراهيم، ومن أجل الدفاع عن هذا الله الوهابي نراه يتعمد الخلط بين المؤلهين والربوبيين، بينما الفرق شاسع. بعض العلماء ربوبيون لكنهم لا يصدقون أن الله الذي لا بد أنه خلق هذا الكون العجيب المعجز في نظرهم، هو نفس الله الذي أنزل هذه الكتب (السماوية) المشحونة بالعنف والجهل.