اطلالة على دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في الثورات العربية
سمر الاغبر
الحوار المتمدن
-
العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 20:58
المحور:
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
اطلالة على دور القوى اليساريةوالتقدمية ومكانتها في الثورات العربية
1ــ هلكانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة فيهذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
جواب :
من المؤكد أن الثورات العربية،وما شكلته منمفاجئة لجميع القوى والأحزاب بغض النظر عن مرجعياتها الفكرية والايدولوجية،كانتولا تزال حدثا مهما ومفصليا في تاريخ المنطقة وتأثيراته على المستوى العالمي، ولازالت في طور الحركة المستمرة،الأمر الذي يفتح المجالات للتحليل والتكهنات عن الدورالجمعي لجميع القوى والاتجاهات في تلك الاحداث،وكيف ستستقر الامور،وشكل المنطقةخلالها وما بعد استقرارها.
المفارقة ان جميع القوى والاحزاب بغض النظر عنمنابعها ومرجعياتها الفكرية والايدولوجية لم يكن لها دور مباشر في اطلاق شرارةالثورات ،ولكن ما أسست له قوى اليساروالنقابات العمالية والاتحادات الشعبية،رغم صغر حجم تشكيلاتها ،من تحركات وبؤرومطالبات ديمقراطية ونضالاتكانلها طابع عمالي مطلبي،كان له بعضا من الدور المنبه للثورات في عالمنا العربي ،والتيجاءت انطلاقتها نتيجة لما عاناه المواطن العربي من قمع واستبداد ومصادرة للحرياتالعامة من قبل انظمة تماهت مع سياسة الدول الاستعمارية والامبريالية ،وسياساتالبنك الدولي ،،،الخ ،حيث بادرت هذه القوى على عكس دور الاحزاب والقوى اليساريةالتقليدية والتي أرهقتها واستنزفتها اوضاعها التنظيمية والفكرية والسياسية،لتماهيبعضها مع النظم الحاكمة وضعف الآخر لقصورات في الجانب المادي،وغياب امتدادهاالدولي بعد انهيار المنظومة الاشتراكيه ،وما تبعه من أزمات وشرذمة وانقسامات لهذهالاحزاب ومدى قدرتها على ترجمة فكرها لممارسات عملية بين الجماهير وعلى الارض.
وبرغم ما اصاب هذه القوى من شرذمة وتفكك،الاانها حاولت اللحاق بركب الثورات، وشاركت لتجد لها موطىء قدم،ومنبر مهم لطرحشعاراتها،وان بصيغ كانت دون المستوى المطلوب منها باعتبارها المدافع المفترض والرئيسعن الحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية،رغم المحاولات الكثيرة والصيغ لاطلاقمبادرات لتوحيد جهودها،وما تعانيه تلك المحاولات من أزمات .
2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربيةالموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركةالقوى الديمقراطية واليسارية؟
جواب:
لم تسلم قوى اليسار وعلى امتداد تاريخها منالقمع والاستبداد من قبل الانظمة الحاكمة،مما أثر على ضعف دورها في مجتمعاتها،قطعااضافة الى اسباب أخرى تم الاشارة الى بعضها من خلال اجابتي على السؤال الاول،ولكنالقمع والاستبداد الذي مورس عليها،تمت ممارسته ايضا على قوى الاسلام السياسي والتياستطاعت الحفاظ على قوتها عبر الدعم المادي الذي ساهمت به دول اسلامية عديده فيالمنطقة،الامر الذي فقدته احزاب اليسار بسقوط الداعم الرئيس لها وهو المنظومة الاشتراكية. بالإضافة إلىالهامش الذي استفادت منه قوى الإسلام السياسي وبخاصة حركة الإخوان المسلمينباستغلالها للمساجد وللعديد من المشاريع الاقتصادية المتعددة الأغراض، وكذلكمؤسسات ومراكز وجمعيات أهلية في مختلف المجالات، كما هو الحال في مصر .
3- هل أعطت هذهالانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديدنفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
جواب:
على مدار السنوات الماضية كان اليسار يحاولايجاد الصيغ الملائمة لتجديد نفسة،ولكن ونتيجة للأزمات الذاتية والموضوعية لميتمكن من فعل الكثير. ولكن مع تسارع الاحداث وأهميتها لما ستكرسه من تغييراتجوهرية في النظم السياسية والفكر والاداء ، بات من المفترض لا بل من الضروري ، انتُشكل الثورات حافز مهم لليسار لإعادة تقييم ذاته ودوره ،ومن وجهة نظري هي فرصة مهمة ان لم يستطعمن خلالها وعبرها اليسار الاستفادة عبر مراجعة نقدية وجوهرية للمكونات الفكريةوالتنظيمية والمطلبية،ليتمكن من طرح رؤيته وبرامجه ونفسه كبديل قادر على الاجابة على تساؤلات المرحلة وتعديلخطابه النضالي والفكري،وتحويله الى ممارسات عملية. إن لم تستطع ذلك فان المتغيراتالمتسارعة والعاصفة ستتجاوز هذه الأحزاب ومن المتوقع أن يتعمق تخلفها عن حركةالجماهير وأفاق تطور الواقع الاجتماعي .
4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعلفي العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِالمشاركة ؟
جواب:
لا اظن ان الاحزاب والقوى اليسارية وهي بحالهاالراهن بقادرة على استنهاض قوتها ما لم تكن قد استفادت من الدروس الثمينة التيرافقت الاحداث الشائكة في عالمنا العربي،ولكن من الواضح ان محاولاتها تشكيل جبهاتموحدة لقضايا وعناوين محدده"انتخابيةمثلا" في هذه الفترة يُمكنها انتشكل الارضيه للانطلاق،وبما يتعلق بالمشاركة الفاعلة فلن تكون ما لم يتمكن اليسارمن نقد ذاته ،والخروج من قوقعته وازماته ،ضمن اساس فكري وطبقي ،وهذا طريق صعبويتطلب الكثير من التغييرات الجوهرية والجذرية، لتتمكن هذه القوى من اجتياز المرحلة واستشرافالمستقبل.
5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعانيبشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كلالقوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاءعلى تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرهاالجماهيري؟
جواب:
جميع القوى والاحزاب باستثناء التيار الاسلاميعانت من التشتت بما فيها اليسار الذي عانى من تعدد المنابر ولكن من منطلق الخلافاتوالازمات وليس من منطلق التكامل ضمن الاطار العام للمصلحة الشعبية والعامة ،المطلوب الآن توحيدالجهود ،نعم عبر تعددية المنابر والتي منطلقها التكامل لتتمكن من مواكبةالمرحلة،على اسس واضحة المعالم وخطاب واعي وقادر على فهم العلاقة الجدلية بينالفكر والممارسة،ليتمكن من طرح خطاب ونهجعمل مُغاير لما يطرح من قوى الايدولوجيات الأخرى. فقد بات هدف تشكيل جبهة موحدةلقوى اليسار والديمقراطية هدف وشرط لتمكنها من التأثير في الحياة الاجتماعية فيالبلاد، لا سيما أمام حالة نهوض تيارات الإسلام السياسي والذي يتوقع له أن يكونالأغلبية المؤثرة في النظام السياسي العربي الجديد .
6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابةونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسعبين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
جواب:
مادامت الاحزاب بحالها الراهن،الذكوري والأبوي لن تتمكن من طرح قيادات شابهونسائية،ولكني اعتقد ان تمكنت هذه القوى من التصالح مع ذاتها وشعاراتها ،وتقبلالقيادات الشابه والنسائية ،لتقديم النموذج المختلف لما هو موجود،واستقطاب هذهالفئات الأكثر فعلا على الارض،ستتمكن في المراحل القادمة من طرح هذه القيادات،لمالها من أثر وتأثير على مستقبل الدول والمجتمعات، والتي بدونها قطعا لن تتمكن منتجديد ذاتها بخطابها وممارساتها.
7- قوي اليسار معروفةبكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلكداخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
جواب:
هناكبون شاسع بين الدفاع الجاد عن قضايا المرأة وبين اقتصار الأمر على تبني بعض القضاياالشكلية والتي لا تحدث الفعل المطلوب منها في قلب معادلة العادات والتقاليد وخطابالتيارات الدينية والاصولية،حيث انها"قوى اليسار" وفي أحيان كثيرة رفعت الشعارات الفضفاضة باتجاه حقوق ومطالبالمرأة،ولكن عمليا اعتقد انها تماهت الى حد بعيد مع المجتمع والواقع مُعتقده انهابذلك بامكانها نيل رضا المجتمع بعاداته وتقاليده،من هنا يجب عليها تطبيق وتعزيزتواجد المرأة عبر أطرها وهيئاتها ومن خلال المجتمع ايضا ،وتقليل الفجوة الشاسعةبين خطاباتها وشعاراتها ونهجها الابوي الذكوري والذي يتماهى كما قلت سابقا مع ماهو مطروح من قبل غيرها.
8ــهل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ منتأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأةوالتحرر ؟
جواب:
المسؤولية الراهنة على قوى اليسار ،مسؤوليةتاريخية فلن تستقيم المجتمعات ولن تتمكن هذه القوى من الحد من تأثير الاسلامالسياسي ما لم تقدم خطاب مُغاير،يرتقي بالحريات العامه وحقوق الانسان والمرأة وجميعمناحي الحياة الاخرى فكرا وممارسة، ودون أن تدرك أن صراعا فكريا حادا يحتاج لتجنيدكافة الإمكانيات لمواجهة الخطاب الديني المتخلف، وفي كل الأحوال لا يجوز تجاهلمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات العربية، الذي يؤثر بصورة مباشرة فينزوح الجماهير فكرا وممارسة نحو المفاهيم الديمقراطية واليسارية المتحررة، او نحوالمفاهيم المحافظة والمنغلقة ذات الطابع الظلامي .
9- ثورات العالم أثبتتدور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألايتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العمليوالمعرفي الكبير؟
جواب:
مفهوم الثورات وأدواتها قطعا تتغير بتغيرازمانها،فما اثبتته ثورات العالم العربي أكد اهمية الاستفادة وتسخير الامكاناتالتي توفرها التكنلوجيا في التطور العملي والمعرفي،التقنية التي لا يتقنها ببراعةالا الجيل الشاب والذي يقع على عاتقه قيادة الاحزاب اليسارية لاحقا.
تمكن الاسلام السياسيمن استغلال هذه المنابر بصوره بالغة من خلال ما اتيح له من منابر اعلامية وفضائياتمستفيدة من غزارة امكانياتها المادية وخطابها الذي يلامس مشاعر الاغلبية العظمى منابناء وبنات المنطقة،كانت سببا رئيسا من اسباب المد الاسلاموي في المنطقة،وما لميستغل اليسار هذه الامكانات،سيبقى صوته مغمورا ولن يتمكن من استقطاب ونشر افكارهوارائه.
10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمونمكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟
جواب:
نعم،لا يخفى على من يتتبع موقع الحوار المتمدنوما يقدمه من فكر انساني تقدمي،الدور المهم في التأسيس ونشر هذا الفكر من اجلمجتمع علماني يساري مدني،وهو منبر هام لليساريين والتقدميين لطرح أفكارهم، ونقاشمشاكلهم وتطلعاتهم لمجتمعات خالية من الاستبداد والقمع،واعتقد انه يعتبر اداة مهمةمن ادوات التغيير المنشود، ومنبرا لتصادم الأفكار التي تنتج فكرا متحررا من قيودالانغلاق والنسخ والتبعية .