دور السلاح القانوني في تحرر المرأة
سمر الاغبر
الحوار المتمدن
-
العدد: 4025 - 2013 / 3 / 8 - 10:39
المحور:
ملف التحرش الجنسي ضد المرأة في الدول العربية - بمناسبة 8 آذار/ مارت 2013 عيد المرأة العالمي
عضو لجنة مركزية في حزب الشعب الفلسطيني
مقدمــــــة
تهدف هذه الورقة للتعرف على ابرز المرجعيات الدولية الخاصة بحقوق النساء كحقوق انسان والتي تُعد حصيلة لتطور المجتمعات الاكثر تقدما على الصعيدين الاجتماعي والثقافي وفكرها الانساني والحضاري ، برغم ما تتصف به احيانا من انها مستوردة من الغرب ولا تصلح لبيئتنا ونظامنا الاجتماعي الموروث . فأحيانا يعرقل التعامل معها حالة من التناقض وازدواجية في المعايير المتبعة فيما يتعلق بقضيتنا الوطنية والتي كان لها الاثر الواضح في ضعضعة مكانة تلك المرجعيات ، وكما تصف هنا د. نوال السعداوي من " ان الواقع والتاريخ يدلنا على ان الازدواجية هي السمة الغالبة للفكر السائد ، وان اقصى انواع القهر قد حدثت تحت اسم الانسانية العامة ، من اجل اخفاء الظلم الواقع على الفقراء والنساء ، اصبحت كلمة " الانسان تعني الرجل" وفي النظام العالمي فإن " الانسان هو الامريكي او الاسرائيلي او غيرهما من الجنسيات القوية المسيطرة . فحتى يومنا هذا فإن حقوق الانسان لا تشمل حقوق النساء محليا او حقوق الشعب الفلسطيني دوليا"(عن المرأة والدين والاخلاق). ومع ذلك لا زالت تشكل تلك المرجعيات ضمانة للتخفيف والحد من العنف والتمييز واللامساواة الواقعة على النساء ، باعتبارها حقوق انسانية اصيلة حتى وان تمت عرقلة السياسات الحكومية لها . ومن هنا كان من المهم اثارة نقاش مسؤول حول حقوق النساء سواء في المجال الخاص و/أو العام ، يساهم في خلق حالة من الاشتباك حول المبررات ومنطلقات التمييز ضد النساء ، ومجموع التناقضات بين المرجعيات الدولية والمبادىء المنصوص عليها عالميا وبين ما هو موجود على ارض الواقع سواء عبر مجموع القوانين المحلية او عبر الممارسة اليومية ، خاصة مع تزايد وارتفاع وتيرة اضطهاد النساء في مجتمعنا.
تناولت الورقة التحليل للنصوص القانونية التي يتمركز فيها التمييز الرازح على النساء وخاصة في قانوني الاحوال الشخصية والعقوبات المعمول بهما في الضفة الغربية ، من حيث تعاطيهما مع المرأة كمواطنة درجة ثانية او ثالثة احيانا ، مع اجراء حالة مقارنة بين ما نصت عليه المرجعيات الدولية ووثيقة الاستقلال والقانون الاساسي الفلسطيني كمرجعية اولى للتشريع وسن القوانين الادنى.
وفي محاولة لكشف حالة الازدواجية والالتباس في برامج وخطابات الاحزاب اليسارية بالتعاطي مع القضية النسوية كقضية كان من المفترض منها ان تكون من ضمن الاولويات على طاولة هذه الاحزاب.
تطرقت الورقة الى مجموع المعيقات والتحديات سواء القانونية او المجتمعية وتأثيرات الاسلام السياسي والموروث الثقافي في الحد من ممارسة المرأة لحقوقها والمحاطة بقدسية دينية ومجتمعية ، للحفاظ على العلاقات الابوية والمصالح المشتركة ، والتي تضمن سيطرة الرجل على المرأة.
تبحث الورقة المهام الملقى على عاتق القوى والاحزاب اليسارية لوضع رؤية يسارية بديله في محاولة للخروج من عنق الزجاجة وممارسة مهامها في التغيير المجتمعي والقانوني ، ليتوائم شعارها وما تطرح مع ما تمارس على ارض الواقع.
التطور الذي طرأ على الشرعية الدولية
عبر إرساء قواعد كونية لمصلحة تحرر النساء
تطورت حقوق الانسان ضمن تطور المجتمعات والانسانية كمجموعة متكاملة باعتبارها حقوق اساسية مترابطة وغير منفصلة للصلة الوثيقة بينها وبين كرامة وانسانية الانسان ، حيث انتقلت من كونها شأناً داخليا خاصا الى دائرة الاهتمام بها عالميا بانشاء منظمة الامم المتحدة والتي أشارت في ميثاقها على اهمية "تعزيز احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس جميعا ، والتشجيع على ذلك اطلاقا ، بلا تمييز بسبب الجنس او اللغة او الدين ، ولا تفريق بين الرجال والنساء".(ميثاق الامم المتحدة).
كان للنضال من اجل هذه الحقوق اساساً مهماً في تطور النظرة والمفهوم لها من خلال اعتماد آليات معينة كان اهمها المعاهدات والاتفاقات الدولية ، شكل الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 48 حجر الاساس لها وامتلك قيمة استثنائية كونه احتوى على مجموعة من المبادىء التي التزمت بها الدول ، برغم كونه اعلاناً وليس قانونا ملزما ، واكتسب بناءاً على ذلك صفة قانون دولي عُرفي ، حيث اكد في المادة الاولى منه على مبدأ المساواة في الكرامة والحقوق" يولد جميع الناس احراراً متساويين في الكرامة والحقوق ، وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم ان يعامل بعضهم بعضا بروح الاخاء".(الاعلان العالمي لحقوق الانسان)
نص الاعلان على حقوق الانسان دون تخصيص او عزل لقضايا حقوق المرأة عن الحقوق الانسانية العامة المنصوص عليها من خلاله، مما اوجد الحاجة لتوسعه وتطوره نتيجة نضالات عديده ، والحاجة الى تقنين حقوق خاصة بالنساء كنتيجة منطقية وموضوعية لحجم التمييز والتهميش والاستعباد الذي تعاني منه النساء على المستوى العالمي ، لتشابه وتقاطع قضاياهن و/او اختلاف مطالبهن الخاصة في بيئتهن ومجتمعاتهن ، والمنطلق من اسس التوزيع الطبقي والجنسي والذي يؤدي بالضرورة الى ظلم الطرف الاضعف واستغلاله ، مع ضرورة عدم الفصل بالحقوق على اعتبار تكاملها وشموليتها وعدم تجزئتها ، مما ادى الى انشاء آليات لتعزيز وحماية تلك الحقوق عبر الاتفاقيات الملزمة للدول الموقعة عليها لتشمل مجالات عديدة ومتنوعة كان لحقوق المرأة المدنية والسياسية اضافة الى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عبر العهدان الدوليان المصادق عليهما من الجمعية العامة للامم المتحدة عام 66، حيث اكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على مجموع هذه الحقوق دون تمييز واهمية ادماج هذه الحقوق من خلال التشريعات الوطنية
وجاء العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ليضيف مجموع حقوق اخرى في حالة تكامل مع ما سبقها من حقوق لتؤكد كما سابقاتها على مبدأ المساواة وعدم التمييز بما جاء من حقوق من خلالها .
من هنا احترمت المواثيق الدولية لحقوق الانسان وتعاملت مع حقوق المرأة كحقوق انسان ، حين اعطت للمرأة ذات الحقوق الممنوحة للرجل باعتبارها مواطنة وكيان قانوني محمي بذات الحقوق وعلى قدم المساواة مع الرجل دون قيود او تمييز ضدها . ورغم ذلك استمر اضطهاد واستغلال الانسان بشكل عام وبالتالي استمر التمييز المضاعف والمركب ضد المرأة مما اوجب اتخاذ خطوات ملزمة لتحقيق المساواة بما يتضمنه ذلك من تغيير في النظرة النمطية الذكورية لدور المرأة ، وعليه اعتمدت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة سنة 1967 إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة وبدأت لجنة مركز المرأة في الامم المتحدة سنة 1972 استطلاع رأي الدول الاعضاء حول شكل ومضمون صك دولي بشأن حقوق المرأة بما هي إنسان. وأنهت اللجنة المكلفة بصياغة نص الاتفاقية بمركز المرأة سنة 1979 إعداد النص. وتم اعتماد الاتفاقية وعرضها للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرّخ في 18 ديسمبر 1979 وبدأ تاريخ نفاذها في 3 سبتمبر 1981.
شكلت الاتفاقية منطلقا ومنعطفا مهما في تطور النظرة والمفهوم لقضايا التمييز ضد المرأة واهمية مساواتها الكاملة باعتبارها انسانة ومواطنة درجة اولى كما الرجل ، حيث جاءت لتؤكد على خصوصية قضايا المرأة من مدخل ازالة التمييز بالممارسة والقانون من خلال منظومة تشريعية تضمن المساواة والعدالة في نصوصها ، ولكي تصبح ضمانا لحماية حقوق المرأة ضمن آليات متكاملة وواضحة ، وبرغم تحفظ بعض الدول العربية الموقعة على هذه الاتفاقية على بعض موادها لتعارضه مع الشريعة الاسلامية ومنظومة العادات والتقاليد والقيم المجتمعية الخاصة بثقافة هذه الدول ، الا ان مجرد التوقيع عليها شكل اساسا مهما للانطلاق الى هذا المبدأ.
ولمزيد من التضامن من اجل المساواة بين الجنسين والتنمية والسلام ، تم عقد مؤتمر بكين في العام 1995 ليشكل منعطفا مهما في تطور الحركة النسائية العالمية ، والتي وبرغم ما حققته من تقدم ، الا انها لا زالت تعاني من عقبات مهمة كالفقر الدائم والتمييز والعنف والصراعات المسلحة والآثار السلبية للعولمة ، ولا زال المؤتمر يمثل وثيقة مترابطة بشأن سياسات دفع تقدم المرأة وفي تحقيق اهداف المساواة والتنمية والسلم . فقد اكد المؤتمر ومن خلال بيانه الختامي على التزامه بـ"تساوي النساء والرجال في الحقوق والكرامة الانسانية المتأصلة وسائر المقاصد والمبادىء والمنصوص عليها في ميثاق الامم المتحدة ، والاعلان العالمي لحقوق الانسان ، وغير ذلك من الصكوك الدولية لحقوق الانسان ولا سيما اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة..."(البند 8 من البيان)، واكد التزامه بـ"تمكين المرأة والنهوض بها بما في ذلك الحق في حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد على نحو يُسهم في تلبية الاحتياجات المعنوية والاخلاقية والروحية والفكرية للنساء والرجال فرادى او بالاشتراك مع غيرهم ، وبذلك تكفل لهم امكانية اطلاق كامل طاقاتهم في المجتمع برسم مجرى حياتهم وفقا لتطلعاتهم هم انفسهم"(البند 12 من البيان" ، واكد على ان"حقوق المرأة من حقوق الانسان"(البند 14 من البيان) ، كما عبر البيان عن قناعته بأهمية مشاركة المرأة في عملية صنع القرار ، والمساواة في الحقوق والفرص والوصول الى الموارد ، اشراك المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ،ضمان تمتع المرأة بالصحة ، تعزيز الاستقلال الاقتصادي للمرأة وتمكينها الاقتصادي ، القضاء على كافة اشكال العنف ضد المرأة. (من البيان)
بسبب ازديات موجات العنف والصراعات المسلحة في العالم ، والحاجة للتأكيد على ضرورة الالتزام بالقانون الانساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الانسان ، وللقناعة لما تعانيه النساء اثر هذه الاحوال ، واهمية مشاركة النساء ودون تمييز مع الرجال في الجهود الرامية الى صون السلام والامن ، كان ان صدر قرار مجلس الامن رقم( 1325) عام 2000 ، حيث جاء في المادة الاولى اهمية مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار لمنع الصراعات"حث الدول الاعضاء على ضمان زيادة تمثيل المرأة على جميع مستويات صنع القرار في المؤسسات والاليات الوطنية والاقليمية والدولية لمنع الصراعات وادارتها وحلها.
القوانين والانظمة الفلسطينية
التي تلتقي او تنسجم مع القانون الدولي
شكلت وثيقة الاستقلال الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني عام 88 اساسا واطارا قانونيا ودستوريا لضمان حقوق المرأة والمساواة والعدالة ، وأكدت على مبدأ الشراكة بين المرأة والرجل في التنمية ودون تمييز ، حيث جاء فيها"ان دولة فلسطين للفلسطينيين ، أينما كانوا ، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية ، ويتمتعون بالمساواة في الحقوق ، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية ، وكرامتهم الانسانية في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على اساس حرية الرأي والرأي الآخر ، وحرية تكوين الاحزاب ورعاية الأغلبية لحقوق الأقلية ، واحترام الاقلية قرارات الأغلبية وعلى العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على اساس العرق او الدين او اللون او بين المرأة والرجل ، في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل ، وعلى اساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون . بذلك تكون الوثيقة اعلنت احترامها لمبادىء الامم المتحدة واهدافها وبالاعلان العالمي لحقوق الانسان.
منح اتفاق اوسلو للسلطة الفلسطينية الحق في تشريع القانون الاساسي كناظم للحقوق والواجبات والحريات العامة للمواطنين/ات خلال المرحلة الانتقالية ، وهو بذلك حل محل دستور الدولة كمصدر اساس للتشريعات والقوانين ، رغم ما شابه من قيود فرضتها عليه التزامات السلطة تجاه اتفاق اوسلو.
الا ان القانون وفي تعارض مع مبدأ المساواة وعدم التمييز جاء في البند الثاني من المادة الرابعة على ان"مبادىء الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع" تعارضت هذه المادة مع المادة التاسعة من ذات القانون والتي اكدت على مبدأ المساواة وعدم التمييز ، خاصة ليقيننا بأن القوانين ذات الطابع الاجتماعي والعقابي هي التي يلتزم من خلالها المشرع بمبادىء الشريعة الاسلامية ، والتي ومهما علت نصوصها لترتقي الى مبادىء المساواة والعدل ، ستتقيد بالنصوص الدينية والتي غالبا لن تستطيع تجاوزها ، في ذلك ترى نوال السعداوي "لقد اصبحت جميع القوانين في بلادنا مدنية الا قانون الاحوال الشخصية او قانون الزواج والطلاق وتعدد الزوجات، كأنما حياة النساء الشخصية هي فقط التي يجب ان تخضع لأحكام الشريعة والدين". (عن المرأة والدين والاخلاق"
علما انه لم تُضمن هذه المرجعية الا نتيجة لضغط الاسلاميين ومهادنة العلمانيين لخطابهم ، ( لم تُذكر الشريعة كمصدر للتشريع ، ولا يذكر في المسودات الاربع الاولى التي كانت محل نقاش عام ان الشريعة من مصادر القانون ، وان الاسلام دين دولة . غير ان كلا هذين الامرين اضيفا لاحقا تحت ضغط الاسلاميين من قبل مجلس تشريعي يتألف في غالبيته من اعضاء علمانيين . ومن الجدير بالذكر هنا ان المجلس التشريعي الفلسطيني في ذلك الوقت" بعد انتخابات 1996" لم يضم اي اعضاء اسلاميين" . (ص52 نساء على تقاطع طرق-اصلاح جاد)
أكد القانون الاساسي مبدأ المساواة في المادة التاسعة منه "الفلسطينيون امام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق او الجنس او اللون او الدين او الرأي السياسي او الاعاقه" ، ولكنه اتى في تعبيره لمبدأ المساواة خجولا واقل منزلة من وثيقة الاستقلال حين أتى على ذكر الجنس دون التوضيح والتفصيل كما جاء في الوثيقة حينما اتت على ذكر المرأة والرجل . ورغم ما جاء به القانون الاساسي في مادته من ترسيخ لمبدأ المساواة وعدم التمييز الا انه كان قاصرا في تثبيت قوته على مجمل التشريعات الوطنية الادنى منه منزلة بداية بتثبيت صانع القرار لقوانين بالية هي اصلا لم تكن تحمل صفة قوانين وطنية كقانوني الاحوال الشخصية الاردني وقانون العقوبات ، عدا عما قامت بتكريسه لصورة المرأة النمطية بما حملته نصوصها من تمييز ولا مساواة سافر لإنسانية وكرامة النساء ، مستندة الى مجموع عادات وتقاليد وموروث ثقافي ومرجعيات دينية ترى بالمرأة مواطنة من الدرجة الثالثة ، رغم النقاشات الحادة والجدل الذي دار بين مكونات المجتمع من رجال دين ومؤسسات نسوية ومجتمعية ، فحالة الاشتباك تلك لم تُثمر في تغيير هذه القوانين لتتلائم مع طرح القانون الاساسي وتثبيته لمبدأ المساواة وعدم التمييز برغم ان المجلس التشريعي الاول تكون من علمانيين كان من المفترض منهم الارتقاء لسقف القانون الاساسي في تشريع القوانين ، الا ان حالة المهادنة مع ما يطرحه الاسلاميين والخوف من الاشتباك معهم في مفاهيم تقدمية واكثر انسانية دفعتهم الى وضع مسودات المشاريع المقدمة من المؤسسات النسوية وقوى المجتمع المدني على بند التأجيلات والتسويفات غير المبررة.
برزت اللامساواة ايضا في عدم توحيد منظومة التشريعات والقوانين ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة ، حيث تم العمل بالضفة بقوانين اردنية وفي الطرف الآخر من الوطن تم الاحتكام الى مرجعية قوانين مصرية ، الامر الذي اضعف من مفهوم المواطنة كما ظهر ايضا ذلك واضحا وجليا في عدم توحيد المرجعيات القانونية في قضايا الاحوال الشخصية بين معتنقي الديانتين الاسلامية والمسيحية بحيث كانت مرجعية كل ديانة هي شريعتها وديانتها في تعارض صارخ مع مبدأ المساواة وعدم التمييز والمواطنة.
أكد القانون الاساسي ومن خلال المادة العاشرة على وجوب الالتزام واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، " 1- حقوق الانسان وحرياته الاساسية ملزمة وواجبة الاحترام ، 2- تعمل السلطة الوطنية الفلسطينية دون ابطاء على الانضمام الى الاعلانات والمواثيق الاقليمية والدولية التي تحمي حقوق الانسان" . ورغم الوضع القانوني والسياسي للاراضي الفلسطينية من حيث ان فلسطين لا تعتبر دولة معترف بها دوليا ، وهي بالتالي لا تستطيع التصديق والتوقيع على الاتفاقات الدولية حسب قانون الامم المتحدة ، الا ان المصادقة والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية هي اعتراف ضمني بأهمية هذه المرجعيات وبضرورة تكريس هذه المبادىء في القوانين والتشريعات الفلسطينية.
في العام 1998 ، انطلق مشروع البرلمان الصوري من مجموعة من المؤسسات النسوية ، والذي تمحورت فكرته على مراجعة نقدية وجادة لمجمل المنظومة التشريعية والقانونية المعمول بها في فلسطين ، ووضع رؤى لتعديلاتها من وجهة نظر نسوية مرتكزة الى منظومة الاتفاقات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الانسان والمرأة ، حيث فتح المشروع نقاشات فكرية وجدلية فيما يخص حقوق النساء في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وخاصة قانون الاحوال الشخصية . تمكن البرلمان من خلق حالة من الجدل والنقاش في اوساط المجتمع الفلسطيني بين مؤيد ومعارض ، ولكنه جوبه بمعارضة شديدة من قبل الحركات الاسلامية وصلت حد القذف والشتم ، في حين لعبت التيارات العلمانية واليسارية دور المتفرج الذي لا يعنيها الامر او في احسن الاحوال دور المراقب لرصد التطورات وما ستؤول اليه الامور . وما يؤخذ على هذه التجربة انها لم تتمكن من اشراك المجتمع وفئاته المختلفة بالمستوى المطلوب في النقاشات ولم يرتكز الى حملات توعية شعبية وجماهيرية بأهمية القضايا المطروحة ، مما ادى لإقتصاره على مجموعات من النخب النسوية والمؤسسات الحقوقية والقانونية ، كان من نتائجه بروز تناقضات بين مطالب الحركة النسوية ما بين الضفة وغزة ، "وقد تشابهت مطالب الحركة النسوية في الضفة الغربية وقطاع غزة في بعض القضايا وذلك في رفع سن الزواج الى 18 سنة لكلا الجنسين ، الغاء الولاية ، الاموال المشتركة بين الزوجين ، وتباينت مطالب الحركة النسوية في الضفة الغربية عنها في قطاع غزة في بعض المحاور ، واتسمت مطالب الحركة النسوية في الضفة بأنها جاءت اكثر راديكالية من حيث المطالبة بمنع تعدد الزوجات ، التطليق القضائي ، اي ان يتم الطلاق من خلال المحكمة ، رفع سن الحضانة الى 18 سنة ، بالاضافة الى المساواة في الميراث ما بين الذكر والانثى ، اما مطالب الحركة النسوية في غزة فقد بقيت في الاطار الديني مع بعض التعديلات التي تقيد التمييز ضد المرأة لكنها لا تمنعه ، وبما لا يتصادم والتيار الديني ، ومن اهم مطالب البرلمان في قطاع غزة : قوانين الميراث والتعليمات الخاصة به يجب ان تعاد صياغتها وتفرض لحماية النساء وضمان حقهن في تلقي نصيبهن من الميراث حسب القانون والشرع ، تنظيم تعدد الزوجات حيث يجب اخذ اذن المحكمة قبل الزواج ، السماح للرجل بالزواج من زوجة ثانية لأسباب مثل المشاكل الصحية ، ويجب عليه اعلام الزوجة الاولى ولها حق طلب الطلاق من المحكمة على هذا الاساس ، الطلاق من قبل احد الزوجين يجب ان يكون فقط عن طريق المحكمة ، بسبب احتمال التهديد ، تخلي الام عن حقوق الحضانة يجب ان لا يقبل ، قرارات الحضانة يجب ان تطبق على الاطفال حتى سن 18 ، اذا تزوجت المطلقة مرة اخرى فيجب على المحكمة ان تقرر اي الوالدين يمنح الحضانة حسب الافضل للاطفال" . (النساء الفلسطينيات وقانون الاحوال الشخصية من اصدارات مركز المرأة للارشاد القانوني والاجتماعي) .
اتسمت التجربة - على اهميتها - بعدم قدرتها على تفسير وتوحيد المفاهيم والمرجعيات ، مما اضطر عددا من اعضائها كالاتحاد العام للمرأة وطاقم شؤون المرأه - وهي مؤسسات ائتلافية تضم في عضويتها الى جانب المستقلات مندوبات الاطر النسوية والتي تعتبر امتدادات لفصائل واحزاب العمل الوطني - الى اعلان موقف من جهة الاتحاد العام للمرأة يؤكد فيه عدم مساندته لإلغاء احكام الشريعة ، وبذلك يكون الاتحاد العام للمرأة والذي يمثل المظلة المُوحدة لمطالب المرأة الفلسطينية قد هادن بمبدأ المساواة وعدالة قضية المرأة ، لأن اي مرجعية شرعية للقوانين الخاسر فيها هي المرأة المرتبط واقعها بواقع مجتمعاتها ودرجة تطورها ، وفي هذا الاطار رأى نصر حامد ابو زيد"ان حقوق المرأة وسط الواقع الحالي والذي تجاوز مسألة تعليمها وخروجها الى العمل ومساواتها بالرجل ، فإن القوانين المنظمة لحركة المجتمع ولا سيما الاحوال الشخصية ما تزال تستند الى مرجعية الشريعة التي لا تسمح الا بقدر من الاجتهاد لا يخرجها من الحالة التي تعانيها ، اضافة الى النصوص السجالية التي يبدوا فيها تمييز بين الرجل والمرأة فهي لها وضعيتها التاريخية، ويرى ابو زيد ان "ذلك يتطلب منع تعدد الزوجات وقضايا الارث والقوامة ، وكلها لها اسبابها التاريخية "(دائرة الخوف)، مما يؤشر على ان اي عملية تغييرية بالمفاهيم المجتمعية والمرجعيات القانونية الواجب العمل عليها لضمان مساواة فعلية للمرأة ، بمعزل عن المرجعية الشرعية بحاجة الى مجهودات وشراكة من جميع مكونات المجتمع وبالاساس منهم الاحزاب السياسية وبخاصة اليسارية والتقدمية منها.
ونتيجة لمواصلة العمل في مراجعة القوانين ، ووضع التعديلات والاقتراحات التي من شأنها توحيد القوانين وضمان حقوق مساوية للمرأة ، فقد تم الاعداد لصياغة وثيقة حقوق المرأة في الاعوام 97-2000-2002 ، حيث وضعت هذه الوثيقة كمرجعية لتطوير الخطاب النسوي ، وكأداة مطلبية ونضالية لتوحيد جهود النساء ، وليلتزم المشرع لاحقا بروح الوثيقة وما جاءت به من اجراءات كفيلة بترسيخ وحماية الحقوق المتضمنة فيها ، باعتبارها حقوق مكتسبة لا يجوز التراجع عنها او اسقاطها عند صياغة اي قانون او تشريع.
من الحقوق السياسية التي اكدت عليها الوثيقة الحق بالترشح والانتخاب والحق بالمشاركة في الاستفتاءات العامة ، وفي تقلد المناصب العامة ، واهمية ادراج كوتا قانونية كتدبير ايجابي للنساء لضمان تمثيلهن بشكل فاعل واساسي في مواقع صنع القرار ،كما الحق في تشكيل الاحزاب والانضمام اليها ، وحماية النساء من التعذيب الجسدي والنفسي والاعتقال ، وتعزيز الدور النسوي في المشاركة باتخاذ القرار في حالات السلم والحرب ، والمشاركة في جميع الانشطه السياسية على اختلاف توجهاتها واهدافها بما لا يتعارض مع المصلحة العامة والامن الوطني ودون تمييز عن الرجل ، الحق في الاحتفاظ بجنسيتها الاصلية لدى الزواج من اجنبي وذات الحق في حال تغيير الزوج لجنسيته او اكتسابه جنسية اخرى وتمتعها بكافة الحقوق والشروط المقرّة للرجل في هذا السياق ، وحق الزوج وابناء المرأة الفلسطينية المتزوجة من اجنبي الحصول على جنسية الام ، التأكيد على حق المرأة اللاجئة في العودة وفق القرار 194 . اكدت الوثيقة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية جاءت الوثيقه لتؤكد على حق المرأة بشروط عمل عادله وفي المكافآت المالية دون تمييز ، وفي تكافؤ الفرص بالتدريب المهني مما يوجب السلطة توفير انماط اجتماعية وثقافية تمكن المجتمع من تقبل فكرة تواجد المرأة في انواع كثيرة من المهن والحرف المستأثرة من الرجال ، حماية المرأة من كافة اشكال العنف والمضايقات الجنسية في مكان العمل ، حق المرأة في التمتع ببيئة عمل مساوية للرجل وحقها في الاجازات والاستحقاقات والضمانات الاجتماعية ، كما اكدت على حق المرأة بالاستقلال المالي وحقها بالمساواة الكاملة في جميع المعاملات المصرفية ، الاعتراف بأهمية عمل المرأة الريفية والاعتراف بمساهمتها في رفاهية اسرتها والاقتصاد الوطني ، عدم جواز فرض تشغيل النساء اثناء الليل ، الزام صاحب العمل بتهيئة دوراً للحضانة ، حق المرأة باجازات الامومة بأجر كامل دون تهديد بفصلها ، فترة ارضاع الطفل دون خصم من الراتب ، الحق بالحصول على خدمات الامومة والطفولة وتنظيم الاسرة ، حقها باجازة مفتوحة دون اجر سواء لمرافقة الزوج او لتربية الاطفال ، حق المرأة والرجل على حد سواء الجمع بين معاشهما الوظيفي دون انتقاص عند الوفاة ، حق الاسرة بالاستفادة من امتيازات التأمين الصحي الخاص بالمرأة وحق المرأة بالاستفادة من المنح المالية العائلية في حال اعالتها لأولادها ، كما حقها في الحصول على مكافأة نهاية الخدمة والمعاش ، الحق في التعليم كما الحق في الالتحاق بكافة البرامج التعليمية والثقافية الخاصة بمحو الامية ، حقها في الحصول على كافة المعلومات الطبية التي من شأنها مساعدتها في اتخاذ قرارها بمفردها ، الحق في الحصول على الرعاية الصحية ، حق الطفلة بالحماية من الايذاء والمعاملة القاسية من أيّ كان وتشديد العقوبة لمن يُخالف ، تطبيق احكام قانون العمل على خدم المنازل واقارب صاحب العمل من الدرجة الاولى والثانية ، توفير الضمان الاجتماعي ، جسر الهوة بين حقوق المرأة العاملة في القطاعين الخاص والعام ، واخيرا تعزيز مشاركة المرأة في العمل النقابي وتخصيص نسبة لا تقل عن 30% من المقاعد في الهيئات القيادية للنقابات . اما فيما يتعلق بالحقوق الجنائية أكدت الوثيقة على حق المرأة بالتمتع بحقوق مساوية للرجل في الحياة والحرية والسلامة ، الزام المشرع على الغاء كافة الاحكام التي تنطوي على تمييز ضد المرأة في احكام قانون العقوبات وخاصة الاحكام المتعلقة بقضايا الشرف والزنا ، الأخذ بشهادة المرأة في جرائم الزنا على نحو مساوٍ لشهادة الرجل على اعتبار تساويهما في شروط الاهلية ، تشديد العقوبة على كل من يقدم على اجهاض امرأة مع توفير مرونة قانونية في الاسباب التي تدفع المرأة الحامل الى الاجهاض ، تشديد العقوبة الجزائية على جرائم الاغتصاب وهتك العرض ، وتجريم مواقعة الزوج لزوجته رغما عنها ، تجريم كافة اشكال العنف البدني والجنسي والنفسي الذي يمكن ان يصيب المرأة داخل الاسرة ، الامن من التعذيب او المعاملة والعقوبة القاسية او المهينة ، الزام السلطة بمقاومة كافة الاعراف والتقاليد والمعتقدات الدينية التي تبيح العنف ضد المرأة وان تدرج جزاءات رادعة لكل من يمارس هذه الافعال ، حق المرأة في تحريك القضايا المتعلقة في الاغتصاب وهتك العرض ، اهتمت الوثيقة بـ الحقوق المتعلقة بالأهلية المدنية والأحوال الشخصية حق المرأة بعد بلوغ سن الثمانية عشرة حق التزوج ومساواتها بالحقوق كما الرجل عند الزواج وخلال قيامه ولدى انحلاله ، شرط الرضا من طرفي عقد الزواج دون تمييز ، اعتبار الحد الادنى لسن زواج الفتيات الثمانية عشرة سنة شمسية، شرط الرسمية في عقود الزواج للحفاظ على حقوق المرأة كما شرط اجراء الفحوص الطبية لكلا الزوجين ، جاءت الوثيقة لتؤكد على ان الاصل في عقد الزواج الوحدانية والديمومة ، مع اجازة للقاضي على استثناء السماح للرجل بالزواج من ثانية بشرط وجود اسباب ضرورية على ان يثبت القدرة على الانفاق والعدل مع اشتراط علم الزوجة الاولى ، حق المرأة في الحصول على تعويض الطلاق التعسفي ومنها الحق في طلب التفريق القضائي عند وجود مبرر ، تفعيل صندوق النفقة لإعالة النساء اللائي لم يحصلن على نفقتهن ، عدم اقرار ضم الانثى بما لا يرتب حرمانها من نفقتها كما يعمل على تقرير حق الام في الحضانة ، حق المرأة بالمساواة المطلقة مع الرجل في جميع مجالات القانون المدني ، كالمساواة في حق الملكية والتوريث وابرام عقود خاصة لحقها الشخصي ، حق المرأة في اختيار مكان اقامتها ومسكنها الدائم ، تساوي المرأة في كافة الحقوق المتعلقة بالابناء وتسيير البيت الاسري ، كما حقها في الولاية والوصاية على الابناء ، حق المرأة في الملكية وحيازة ممتلكات الاسرة والتصرف بها على قدم المساواة مع الرجل ، الحق في مزاولة الاعمال التجارية باسمها ولصالحها ، حقها بالاحتفاظ باسمها ولقبها واسم عائلتها بعد الزواج ، حق المرأة في استصدار كافة الوثائق الثبوتية والرسمية دون الحاجة للحصول على إذن من احد ، كما حقها في التنقل والسفر والعمل دون اشتراط الحصول على اذن من احد متى بلغت الاهلية القانونية المطلوبة لذلك دون تمييز عن الرجل.
لا بد لنا من الاشارة هنا الى اهمية الدور المفترض من الاحزاب والفصائل وخاصة اليسارية في عملية التغيير المجتمعي ، والتأثير بالثقافة الجمعية لمكونات المجتمع الفلسطيني ، الى جانب النضال الوطني التحرري ، فقد دأبت المرأة الفلسطينية وعلى امتداد مرحلة النضال الوطني والتحرري على المشاركة جنبا الى جنب مع الرجل ، عبر الانضمام والانطواء تحت راية الاحزاب السياسية ، في محاولة منها ومن الحزب السياسي بترك بصماتها النضالية ، وفي تجميع وتحشيد جمهور النساء لسياسة هذا الحزب او ذاك ، لإدراك منها على اهمية واولوية المعركة النضالية، حيث قامت بتشكيل اطرها النسوية الجماهيرية كعنوان لتنظيم عمل ونضال الحزب السياسي وسط جمهور النساء ، وقلما عملت هذه الاطر وبالتالي الاحزاب على القضايا الحقوقية والمطلبية للنساء مبررة ذلك بأولوية النضال الوطني ، ومع ذلك اعتمدت الاحزاب ومن خلال نظمها ودساتيرها على طرح شعارات ومصطلحات تؤكد على قيمة مساواة المرأة وحريتها من منطلق الافكار والمرجعيات الفكرية .
بدون ادنى شك ان هناك اجماع كامل على رؤية تلك الاحزاب لقضايا المرأة واهمية مساواتها مع الرجل في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، الامر الذي يسجل ايجابا لهذه الاحزاب ، اذا ما انطلقنا من اهمية الشعار في طرح هذه الرؤى والقضايا ، برغم اللغة الذكورية المتضمنة في هذه النظم ، ولكن وبالانتقال الى مجالات التطبيق نجد الهوة الواسعة بين ما يطرح من شعارات وما نلمسه على ارض الواقع من سياسات وآليات عمل داعمة لمبدأ المساواة ، والنضال من اجل تعزيز هذا المبدأ ، عبر فتح جبهات سياسية وقانونية واجتماعية ، حيث تماهت احزاب وفصائل اليسار الى حد بعيد مع الثقافة المجتمعية الذكورية ومع امتداد الخطاب الديني لاحزاب الاسلام السياسي لنيل مزيد من الشرعية والرضا المجتمعي ، وظهر هذا الموقف جليا من المواقف المختلفة لفصائل اليسار مثلا من القضايا المتعلقة بالجرائم تحت خلفية ما يسمى"الشرف" ، او ضعف مواقفها الصريحة والواضحة من القوانين المتعلقة بازالة التمييز ضد المراة ومساواتها كما في قوانين الاحوال الشخصية والعقوبات او من قضايا فرض الحجاب ، حيث لعبت دور المتفرج عندما قامت بتحويل هذه القضايا من مسؤوليتها الى مسؤولية الاطر النسوية التابعة لها ولمؤسسات المجتمع المدني ، باعتبار هذه القضايا شأنا نسويا على النساء حمله والنضال من اجله بينما هي من القضايا المؤجلة على طاولة نقاشاتها ويتم استدعاؤها وقت الضرورة وخلال المؤتمرات والندوات .
ورغم الخطوة الايجابية التي اعتمدتها بعض الفصائل حين ضمنت مفهوم الكوتا النسوية عبر هيئاتها كحزب الشعب حينما اعتمد 25% كوتا لصالح النساء في هيئاته ، واعتماد حزب فدا نسبة 40% منها ، وعلى اهمية هذه الخطوة في ادماج النساء بمواقع صنع القرار ، وخاصة فيما يتعلق بحزب فدا حين انتخب الرفيقة زهيرة كمال كأول امينة عامة للحزب والرفيقة سهام البرغوثي كأحد النواب لها الا اننا لم نلحظ حالة اشتباك مجتمعية حول اي من القضايا النسوية ، رغم الفكر الذي امتازت به القيادات النسوية داخل الحزب ، الا ان مجمل الحزب بهيئاته وكوادره لم يدخل في حالة الاشتباك المفترضة ما جعل مواقف الحزب تبدو منعزلة عن الواقع الملموس.
وصول نساء الى مواقع صنع القرار في الاحزاب سواء عبر الكوتا او عبر التصويت بمعزل عنها لم تؤثر ايجابا على القضايا المطروحة داخل اجتماعات الهيئات لنقاش القضايا والملفات التي تعاني منها النساء على جميع المستويات الاجتماعية والقانونية ، غير متناسين نوعية الملفات التي حملتها معظم القياديات في الاحزاب ، والتي عبرت من خلالها عن الصور والمهمات النمطية والتي وضعت معظمهن في زاوية القضايا النسوية دون غيرها من الملفات ، ويستحضرني هنا ما جاء على لسان الرفيق عبد الرحيم ملوح خلال ندوة جاءت على هامش اجتماع المجلس الاداري الرابع للاتحاد العام للمرأة من ان "المجتمع الفلسطيني شهد تراجعا في قيم الحرية والتعددية والديمقراطية وحقوق المرأة ، ولفت الى اثر العامل الذاتي حيث ان نسبة مشاركة النساء في النضال السياسي والوطني ادنى بكثير من نسبة مشاركة الرجال ، واعرب عن اعتقاده بأن مبدأ الكوتا يكرس حالة التمييز ضد المرأة" ، وذات المعنى اتى على لسانه خلال مؤتمر"حقوق المراة - الفجوة بين الشعار والتطبيق" والممول من مؤسسة روزا لوكسمبرغ ، واضح من خلال كلماته ، اعترافه الواضح والصريح بتراجع قيم الحرية وحقوق المرأة في المجتمع ، وذهب الى ابعد من ذلك حينما اغفل دور النساء في النضال الوطني وجعل المؤشر لها هو عدد الشهيدات والاسيرات متناسيا اثر فقدان العائلة لأحد افرادها على المرأة واثر الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية عليها وما تحملته بعد ذلك من عبء مادي ومعنوي ، ليُحمّل بعدها المسؤولية كاملة للعامل الذاتي متنصلا من مسؤوليته كقيادي وكحزب المفترض ان يكون في الصفوف الاولى بالدفاع عن قضايا المرأة وتمكينهن ، على اعتبار ان قضية المرأة هي قضية مجتمع بجميع قواه وفعالياته . مخالفا بذلك ما جاء من خلال ورقة ، موقف من قضية المرأة ، صادرة عن الجبهه الشعبية بتاريخ 8-3-2012 ، حينما اكدت على"اهمية التحرر لكل المظلومين ، واعتبار قضية المرأة جزء من هذا النضال وليست قضية خاصة بالنساء" ، اختلاف المواقف بين ما جاء من خلال الورقة وما يُصدر من اعلانات يُضعف ويؤثر سلبا على القضايا والمهمات المنوطة بالحزب .
على العكس من ذلك جاءت مداخلة الرفيق بسام الصالحي الامين العام لحزب الشعب خلال ذات المناسبات حيث اكد "على ان قضية المرأة هي قضية المجتمع باسره ، ولن تعالج كقضية منفردة وانما في اطار معالجة شاملة لقضايا المرأة" ، ولكن بتساؤل بسيط لما قام به الحزب بمجموع هيئاته لنقاش قضية كقضية قانون الاحوال الشخصية على سبيل المثال ، نجد انه ورغم مشاركته ببعض النقاشات العلنية المفتوحة حول رؤيته ، الا اننا لم نسمع عن نقاش حول هذه القضية داخل هيئات الحزب القيادية سواء بلجنته المركزية او مكتبه السياسي ، ولم تصدر منه ورقة موقف حول رؤيته لأي قانون نريد ، باستثناء ما جاء من خلال النظام الداخلي للحزب في بند رؤية الحزب للمرأة "يناضل الحزب ضد مختلف اشكال الاضطهاد والتمييز الذي تتعرض له المرأة ، في البيت ومكان العمل ومن اجل الحقوق الاجتماعية ، وتطوير قوانين الاحوال الشخصية" .. ومن ضمن المهام "صياغة قانون للاحوال الشخصية ، يتلائم والتطور الاجتماعي والتنموي لمجتمعنا" ، اكتفى الحزب بأهمية صياغة القانون دون التعرض للمعوقات التي تحول دون ذلك وبالتالي الآليات التي سيتبعها في سبيل ازالتها او التخفيف منها .
ومن المناسب هنا الاشارة لما جاء على لسان الرفيق قيس عبد الكريم عضو المكتب السياسي في الجبهة الديمقراطية في اللقاء "موقف اليسار تجاه حقوق المرأة ثابت ومبدئي ، واضاف ان موقع المرأة في المجتمع والنظام السياسي وفي المؤسسات وعملية صنع القرار اهم بكثير من موقع المرأة في قيادة الاحزاب" ، جاء تأكيد الرفيق على موقف اليسار من قضايا المرأة برغم ان النظام الداخلي للجبهة لم يأتِ على رؤية الحزب لقضايا المرأة ولا للمهمات الملقاة على الحزب تجاهها ، واكتفى بما حمله اطاره النسوي من رؤية ورسالة دون الدخول في آليات العمل واسس الشراكة والعلاقة فيما بين التنظيم واطاره النسوي .
اما فيما يتعلق بالاطر النسوية الممتدة كقواعد جماهيرية نسوية لهذه الاحزاب ، فوضعها ليس بأفضل حال من وضع احزابها وبالتالي مهادنتها أضعف من تأثيراتها في المجتمع برغم ما تملكه من رؤى وهوية فكرية عجزت في معظم الاحيان عن ترجمتها لفعل على ارض الواقع ، وهذا يرجع في البداية الى تغييب او غياب هذه القضايا ، وكما اشرت سابقا عن اجندات الاحزاب ، وايضا لعدم اختلاف النهج والفكر التقليدي بين اعضاء وعضوات الحزب بتكريس مصالح آنية على حساب المصلحة العامة ، وكما ورد في مقال لغازي الصوراني "على الرغم من حرص هذه الاطر على بلورة رؤية نسوية مشتركة لتعميق الهوية الفكرية الاجتماعية للمرأة اليسارية ، الا ان ذلك الحرص يصطدم بضعف تأثير القيادات النسوية في فصائل اليسار على الهيئات والمراتب الحزبية والنقابية النسوية ، وضعف تأثيرها - بدرجات اكبر - على مستوى المرأة في المجتمع الفلسطيني ، الى جانب ضحالة وعي كوادر واعضاء هذه الاطر فيما يتعلق بالقضايا السياسية والمجتمعية ، ناهيكم عن القضايا النظرية او الفكرية اليسارية بحيث يمكن القول ان التركيبة الذهنية لمجمل عضوات الاطر النسائية في فصائل اليسار وهي تركيبة اقرب الى ذهنية وسلوكيات المجتمع التقليدي بكل مظاهر تخلفه ، وكذلك الامر بالنسبة لعضوية المرأة في هذه الاحزاب، حيث نلاحظ ان سلوكها في هيئات ومراتب ومؤتمرات لجان او اتحادات المرأة في فصائل واحزاب اليسار الفلسطيني ، لا يختلف عن الذهنية والسلوكيات التقليدية او المحافظة ، ما يؤكد على ذلك ان اكثر من 95% من النسوة المشاركات في كافة الاتحادات النسوية اليسارية يلبسن الحجاب ، ونسبة تقل عن 2% منقبات!!؟؟ ما يعني - وهذه اشكالية - ان القاعدة النسوية لقوى اليسار لا تختلف عن مثيلاتها في حركتي حماس وفتح ، بما يؤكد على ضعف احزاب وفصائل اليسار في تأهيل الكوادر والقيادات والقواعد النسائية المنتمية اليها او المحسوبة عليها، الى جانب استمرار الفجوة - الثقافية والفكرية والسلوكية - بين القيادات النسائية وبين قواعدها" . (المرأة الفلسطينية ودورها في المسار الوطني والديمقراطي- مقال لغازي الصوراني)
القوانين والانظمة والمواقف المعرقلة والمتناقضة
مع احكام القوانين الدولية التي تميز ضد النساء
* التحفظات العربية على اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" : برغم توقيع والتزام ستة عشر دولة عربية على اتفاقية سيداو ، الا ان معظمها عدا جيبوتي وجزر القمر ، ذيلت توقيعها بمجموعة من التحفظات والتي تمس بشكل مباشر بمقاصد واهداف الاتفاقية وتساهم في افراغها من مضامينها ومبررات وفلسفة التوقيع عليها ، وهي المواد التي من شأنها في حال الالتزام بها التخفيف والحد من التمييز واللامساواة عمليا . تعلقت بداية التحفظات بالزام الدول الموقعة بتجسيد مبدأ المساواة في الدساتير والتشريعات الوطنية وكفالة التحقيق العملي لهذه المساواة كما جاء في البند الاول من المادة الثانية من الاتفاقية . ورغم ان معظم هذه الدول نصت على الاقل من خلال دساتيرها على مبدأ المساواة الا انها جاءت لتخالف هذا المبدأ في تشريعاتها القائمة اساسا على مجموعة من النصوص التمييزية التي تؤكد على دونية المرأة وتحد من مساهماتها في بناء مجتمعاتها على قدم المساواة مع الرجل ، حيث من غير الممكن التخفيف والحد من الظلم الواقع على النساء دون قوانين رادعة وضامنة لحقوقها ، والا ستصبح حتى نصوص الدساتير القائمة على مبدأ المساواة خالية من مضامينها مع تعارضها مع التشريعات الادنى منها قوة . وقد قام الرئيس ابو مازن بالمصادقة على الاتفاقية في شهر آذار من عام 2009 ، ويمثل التوقيع عليها اتفاق مبدئي للالتزام ببنودها . فيما اشترطت المصادقة على انسجامها مع القانون الاساسي الامر الذي يؤشر ضمنا الى مجموع تحفظات الدول العربية على الوثيقة والتي وكما اشرنا سابقا تمس بالهدف الرئيس من التوقيع عليها ، حيث لا يمكن له التوفيق بين نصوص الاتفاقية والنصوص الدينية ، فلا بد في هذه الحالة من تغليب احد النصين على الاخر ، وفي بلداننا العربية يتم تغليب النص الديني . الدول العربية ومنها السلطة توقع على الاتفاقية لارضاء الرأي العام في الخارج وتتحفظ على بنود أساسية لارضاء القوى الرجعية في الداخل . اللعبة ذاتها تقوم بها الدول العربية في دساتيرها عندما تطرح المساواة وترفض التمييز على أساس الجنس ، لكنها في قوانين الاحوال الشخصية والعقوبات تمارس التمييز بأبشع اشكاله .
تعلقت بعض التحفظات الاخرى بجوانب مهمة كجنسية الابناء كما في المادة التاسعة من الاتفاقية ، ان التحفظ على هذه المادة ينطلق من اسباب سياسية كما تم الاعلان عنه في الحالتين الاردنية واللبنانية ، تدفع ضريبتها النساء بالتعامل معهن ومن خلال القوانين كأنصاف مواطنات يُجردن من حقهن في اكساب اولادهن جنسيتهن ، على اعتبار ان الجنسية تورث من خلال رابطة الدم عبر الاباء دون الامهات ، مما يؤثر على النسيج المجتمعي بما يُلقيه من اشكاليات وعوائق نفسية وعاطفية واجتماعية امام النساء ممن يعاقبن على زواجهن من اجنبي بمنعهن من نقل جنسيتهن لأبنائهن ، وفي هذا اخلال بمبدأ المواطنة القائم اساسا على مجموع الحقوق والواجبات المتساوية للمواطنيين/ات ، وفي هذا الجانب انطلقت العديد من الحملات في عدد من البلدان العربية تحت شعارات مختلفة ولكنها تحمل ذات المضمون والهدف كـ"جنسيتي حق لي ولأطفالي" و "جنسيتي حق لي ولأسرتي" ، نجحت في بعض الدول كمصر ولكنها لا زالت مقيدة باجراءات تنفيذية غاية بالصعوبة.
اما في الحالة الفلسطينية ونتيجة للوضع السياسي والارتباط باتفاقيات مقيدة مع الجانب الاسرائيلي ، فقد تم الاعداد لمشروع لقانون الجنسية عام 1995 والذي لم يتم اقراره لغاية الآن ، لعدم توفر الارادة السياسية وضعف الامكانيات والارضية الملائمة سياسيا لوضعه موضع التنفيذ ، في حين لا زالت فلسطين تعمل وتحتكم لقانون الجنسية الاردنية رقم (6) لسنة 1954 والذي لا يعطي الحق للمرأة في نقل جنسيتها لأبنائها ، الا انه وفي خطوة لتعديل هذه الوضعية وما يُمكن اعتباره انجازا هو التعميم الصادر من وزارة الداخلية الفلسطينية رقم (42) لعام 2010 والذي نص على أنه "يحق للمرأة الفلسطينية المتزوجة من غير فلسطيني والتي تحمل الهوية الفلسطينية اعطاء ابنائها الجنسية الفلسطينية وتسجيلهم في بطاقة هويتها قبل بلوغ سن السادسة عشرة ، وكذلك الرجل المتزوج من غير الفلسطينية".
وما يتعلق بالمساواة بين الجنسين امام القانون مثل الحق في ابرام العقود والاهلية القانونية ، كما التأكيد على منح الرجل والمرأة ذات الحقوق فيما يتعلق بحركتهم واختيار محل سكناهم واقامتهم كما في المادة الخامسة عشرة ، حيث جاءت قوانين معظم الدول العربية بما فيها فلسطين على الانتقاص من قدرة المرأة على ابرام بعض العقود وعلى آهليتها القانونية خاصة فيما يتعلق بقوانين الاحوال الشخصية والولاية والقوامة وغيرها بما يعني في المحيط الخاص بالنساء ، على تناقض واضح مع باقي القوانين كقوانين الاستثمار والتجارة والتي تعتبر المرأة اهلا بابرامها ، في محاولة لترسيخ عدم ملكيتها لجسدها وقرارها في اطارها الخاص ، اضافة لما جاءت عليه المادة من حق للمرأة في اختيار مكان اقامتها وحرية حركتها ، الحق الذي يحمل في مضامينه انسانية المرأة ومساواتها وحقها في تملك قرارها في اختيارها لمكان اقامتها ، ليتناسب هذا الحق طردياً مع تطور المجتمعات ومع ما وصلت اليه النساء من امكانات مادية ومعنوية وعلمية لممارسة هذا الحق دون وصاية من الذكور والمجتمع.
كما جاءت التحفظات على مبدأ عدم التمييز فيما يتعلق بتنظيم علاقات الزواج وقوانين الاسرة كتساوي الاطراف بالحق في عقد الزواج - والذي يفرض على المرأة في مجتمعاتنا واجب الطاعة للزوج والقائم على "الفلسفة العبودية القديمة التي تجعل الرجل مالكاً لزوجته ، لكن الزوجة لا تملك زوجها ، لأن السيد يملك العبد لكن العبد لا يملك السيد "(د.نوال السعداوي في كتابها عن المرأة والدين والاخلاق) ، وحرية اختيار الزوج ، نفس الحقوق والمسؤوليات اثناء الزواج وعند فسخه ، الولاية والقوامة والوصاية ، حرية اختيار اسم الاسرة وسن الزواج كما جاءت على هذه الحقوق المادة السادسة عشرة من الاتفاقية ،تحفظت معظم الدول العربية على هذه المادة لتعارضها مع قوانين الاحوال الشخصية والمستمدة اصلا من تفسيرات دينية وعادات وتقاليد مجتمعية ترسخ قوامة الرجل وحقه المطلق بعدم مساواته وافضليته عن المرأة ، ذات القانون الذي يتعارض اصلا مع مبدأ المساواة المنصوص عليها في الدساتير ، ويتعارض مع مبدأ المواطنة .
والمادة التاسعة والعشرون والخاصة بنظام التحكيم في حال نشوء خلاف بين الدول لتخوف الدول من امكانية خضوع الدولة لمحاسبة دولة اخرى ولمسائلة قانونية دولية مما يضعف ويؤثر على سيادة الدولة . تم سحب بعض التحفظات من جانب بعض الدول العربية ، كسحب الاردن تحفظه على المادة الخامسة عشرة وسحب كل من تونس والجزائر والمغرب تحفظهما عن كامل البنود والمواد المتحفظ عليها ، مما يؤشر الى ان تحفظات الدول على هذه المواد لا علاقة لها بتفسيرات او اجتهادات دينية وانما بارادة واهداف سياسية وثقافية ترسخ دونية المرأة والتعامل معها على انها مواطنة درجة ثانية وفي اغلب الاحيان مواطنة درجة ثالثة ، فمن الملاحظ ايضا ان اكثر المواد المتحفظ عليها هي المواد الأهمّ والتي من شأنها الغاء التمييز الحاصل ، فيما نجد من الصعوبات الكثير في آليات تضمين المساواة بشكل قانوني وتشريعي في المواد التي لم يتم التحفظ عليها ، او التي تم رفع التحفظات عنها.
سننطلق هنا وفي محاولة لقراءة التناقض الواضح بين مجموع الحقوق التي اكدت عليها الشرعية الدولية ، وبين ما هو قائم من خلال ما يطبق من قوانين ، المفترض انها تحمي المرأة وحقوقها في حيزها الخاص ، حيث ان تحرر ومساواة المرأة في الاطار العريض والعام هو انعكاس طبيعي لتحررها ومساواتها في الاطار الخاص . تلك القوانين والتي تحمل في نصوصها وموادها ابشع انواع الظلم والقهر واللامساواة معتمدة على تفسيرات دينية وموروث ثقافي ثقيل حملته النساء على مدار عقود ، وضعهن في منزلة اجتماعية اقل ودون منزلة الرجل ، وحسب ما تورده ليلى احمد استاذة دراسات المرأة في جامعة "ماساتشوستس" "ومثلما هي الحال في كافة المجتمعات ، عكست القوانين التي تطورت في المجتمعات الاسلامية وجهة نظر اولئك الذين وضعوها . وعلى شاكلة اخوانهم الرجال في العالم المسيحي آنذاك فان الرجال المسلمين (ومعظمهم ينتمون الى الطبقة الوسطى) الذين فسروا وأوّلوا النصوص الدينية المقدسة وحولوها الى قوانين شرعية تحابي الرجال بشكل واضح ، ولم يفعلوا ذلك لأنهم سعوا عندها ليكونوا مجحفين بحق المرأة .. ولكن لأنهم اعتقدوا ان اولوية الذكر في العالم الطبيعي وفي النظام الاجتماعي قضية مقدرة من الله .. وتحولت الاوامر والنواهي الخلافية التي تحابي الرجال الى قوانين شرعية ملزمة ، في حين الاوامر التي تطالب بمعاملة النساء بالحسنى والترفق بهن اصبحت في افضل الاحوال مجرد توصيات غير ملزمة ولم تتحول الى قوانين ابدا . فعلى سبيل المثال ، اصبحت الآيات التي تشير الى حق الزوج بتطليق الزوجة قانونا ، في حين ان تلك التي تشير الى حق الزوجة في ان تعامل بالعدل والاحسان قد غدت مجرد ممارسة موصى بها .. الامر متروك لضمير الرجل ولا يشكل على وجه العموم مسألة قانونية." (مجلة جهينة العدد17 مقالة-التمييز الجنسي ضد المرأة بين النص الشرعي والعرف الاجتماعي).
تخضع الأراضي الفلسطينية لمجموعة من القوانين التي تعتبر من مخلفات الاحتلالات المتعاقبة ، والتي تم تعديلها في الأردن "بلد المنشأ" أكثر من مرة حتى تتماشى مع تطورات الحياة ، ومن اهم القوانين المتضمنة لأبشع مظاهر التمييز واللامساواة ، قانون العقوبات الاردني رقم 16 لعام 1960 :
يتضح من نصوص ومواد قانون العقوبات الاردني الساري المفعول بالضفة الفلسطينية ، حجم التمييز الواقع على النساء ، حيث اتى سلبياً لشخصيتها القانونية والانسانية ، عوضا عن دوره في ممارسة قوته في الحفاظ عليهما ، ورفع الظلم والتمييز الذي تعاني منه النساء ، فجاء ليؤكد ويثبت عدم التكافؤ في تعاطيه سواء مع الجرائم التي تقع على النساء او بطريقة علاجه لهذه الجرائم ، والعقوبات الناشئة عن ذلك ، كما انه جاء ليشرّع العنف ضد النساء تحت حجج ومبررات اخذت صفة القداسة باعتبارها مستندة الى نصوص دينية ، او من قيم مجتمعية ، ومنها :
الجرائم المتعلقة بالزواج : واهم ما تضمنته نصوص القانون الناظمة للجرائم المتعلقة بالزواج هو اضفاء الشرعية على الزواج المبكر حين عاقبت بالسجن من شهر الى ستة اشهر كل من زوج فتاة لم تتم الخامسة عشرة من عمرها او ساعد في ذلك ، حيث جاء قانون العقوبات كما قانون الاحوال الشخصية الاردني المعمول به في الضفة ليكرس المفاهيم المجتمعية في افضلية تزويج الفتيات في سن مبكرة ، وفي تعارض مع باقي المنظومة التشريعية على اعتبار ان عقد الزواج هو عقد كباقي العقود يجب ان يشترط فيه الآهلية القانونية لاكتماله ، في حين اقتصرت هذه المواد والعقوبة في حال تزويج الفتاة دون الفتى ، في تناقض مع الحق بالمساواة بين الطفل والطفلة بالحقوق والواجبات ، وتكريس لعدم المساواة في الآهلية بينهما .
إن اشتراط الولاية في عقد الزواج يعاقب بالسجن كل من زوج فتاة لم تتم الثامنة عشرة ، دون ان يتحقق من موافقة ولي امرها ، الامر الذي شكل خرقاً لفلسفة العقد والتي من المفترض ان تشكل موافقة اطرافه عليه كافية لقيامه .
الجرائم الجنسية : حيث تضمنت المواد جرائم الزنا وسفاح القربى ، ونصت المادة مئتان واثنتان وثمانون من القانون والتي عالجت جرائم الزنا ، على انزال العقوبة بالمرأة الزانية بالحبس من ستة اشهر الى سنتين ، ويقضي العقوبة نفسها على الزاني اذا كان متزوجا والا فالحبس من ثلاثة اشهر الى سنة ، اي بمعنى آخر اشتراط الحالة الزواجية للرجل ليتلقى نفس العقوبة دون اشتراط هذا الشرط للمرأة ، والحبس للزوج من شهر الى سنة اذا ارتكب الجرم في مسكن الزوجية او جاهر بعلاقته ، اما فيما يخص تحريك الدعوى فلا تجوز الا بشكوى من الزوج في حال كون المرأة متزوجة وحتى نهاية اربعة اشهر من وقوع الطلاق ، او شكوى وليّها اذا لم يكن لديها زوج ، اما في حالة زنا الزوج فيتم تحريك الشكوى من قبل الزوجة فقط .
تعامل القانون مع جرائم سفاح القربى بإبقائها ضمن الاطار الخاص للاسرة وعدم جواز اخراجها الى الحيز العام ، مكرسا بذلك المفاهيم المجتمعية لمثل هذه الجرائم ، في حين ان العقوبة تعتبر مخففة اذا ما قورنت بآثاره على الضحية والاسرة والمجتمع ، حيث يعاقب القانون على مثل هذه الجرائم بالحبس من سنتين الى ثلاث سنوات . اما فيما يخص تحريك الشكوى فتتم بناء على شكوى من قريب او صهر احد المجرمين حتى الدرجة الرابعة ، بمعنى آخر من يملك الحق بتحريك الشكوى هم الاقارب الذكور ، في تمييز واضح لعدم تمكن النساء من تحريك هذا النوع من الجرائم ، بل وتجري مساءلتهن جزائيا اذا تم الكشف عن الاعتداءات الجنسية التي تحدث داخل الاسرة وابلغ عنها بعد بلوغ الضحية السن القانونية . مُدركين هنا تأثير هذه الجرائم على البيئة الاجتماعية وعلى تماسك الاسر ، مما يُجبر وفي احيان كثيرة الأم في حال كان المجرم زوجها الى الرضوخ والسكوت خوفا من الطلاق وللحفاظ على "تماسك الاسرة" ، و/او الحفاظ على الذكور من الابناء والاخوة على حساب الضحية ، كما هو اثر بنية منظومة العادات والتقاليد على الفرد ، حيث ان مرتكبي هذه الجرائم بالأغلب يستندون الى احقيتهم بالاستمتاع بما يملكوا من النساء..؟ مما يدفع المجتمع لعدم التطرق لمثل هذه الجرائم الا بالمستوى القانوني - في حال وصول القضية الى الشرطة أو القانون - فتبقى حبيسة الصندوق الاسود للحفاظ على هيبة المجتمع واخلاقه ، وبغض النظر عن ما تسببه هذه الانتهاكات على نفسية الضحية وقدرتها على التفاعل مع المجتمع ، وفي كثير من الحالات يتم قتل الضحية تحت مسبب قضايا "الشرف" لحماية الذكور من التوابع القانونية والمجتمعية لمثل هذه الانتهاكات .
جرائم الاغتصاب : تضمنت المواد جرائم المواقعة بالاكراة للانثى ، حيث يعاقب الجاني بالحبس بما لا يقل عن خمس سنوات مع الاشغال الشاقة المؤقتة ، ولا تقل العقوبة عن سبع سنوات اذا كانت الضحية لم تتم الخامسة عشرة من عمرها ، او الانثى التي لا تستطيع المقاومة ، ولا تنقص العقوبة عن خمسة سنوات اذا لم تتم الضحية الثانية عشرة من العمر . من الملاحظ ان هذه المواد قامت على مبدأ التمييز لصالح المرأة ، حيث اعتبرت ان الرجل هو فقط من يقوم بالاغتصاب ، في حين انه في حال مواقعة المرأة للرجل دون رضاه فهنا تكون الحالة هي هتك عرض وليس اغتصاب ، استنادا الى منظومة المفاهيم المجتمعية السائدة ، كما ان حجم العقوبات لا يتناسب مع مستوى الجرائم الواقعة والتي تشكل اشد انواع العنف الجنسي والمعنوي والجسدي ضد المرأة وتعدي صارخ لكرامتها وانسانيتها . استثنت المواد الزوجة من الجريمة بافتراض ان عقد الزواج يعطي للزوج الحق بذلك ، دون اعطاء اهمية لوضع المرأة ورضاها ، ولما تلحقه هذه الجريمة من آثار جسدية ونفسية، والتي لا تختلف آثارها حسب الوضع الزواجي للمراة .
ايقاف الملاحقه واستعادة الحق في الملاحقة على الجرائم المتعلقة بالاغتصاب : توقف الملاحقة القانونية "اذا عُقد زواج صحيح بين مرتكبي احدى الجرائم الواردة .. وبين المعتدى عليها ، واذا صدر حكم بالقضية علّق تنفيذ العقاب .. "كما تستعيد النيابة العامة حقها في ملاحقة الدعوى وفي تنفيذ العقوبة قبل انقضاء ثلاث سنوات على الجنحة وانقضاء خمس سنوات على الجناية اذا انتهى الزواج بطلاق دون سبب مشروع . من المؤكد ان في ذلك فرصة مريحة للجاني للهروب من العقاب ، كما يرسخ مفهوم ان شرف العائلة والمرأة يصان بستر المرأة وتزويجها من غريمها ومنتهك انسانيتها وكرامتها بجريمة اخرى لا تقل فداحة عن جريمة الاغتصاب .
العذر المُحَل : يطرح المفكر "سامي لبيب" تفسيره لمنشأ مفهوم الشرف في المجتمعات الانسانية عامة ، ويرى ان منشأ اي قيمة او سلوك هو لتحقيق حاجة ومصلحة ، ولا تتكون اي مفردة سلوكية من ذاتها بدون غاية وحاجة .. فمفهوم الشرف مثلا جاء من اصل مصالح تعرضت للخطر ، او في سبيلها لذلك ، فالمرأة التي تحب وتتزوج من خارج العشيرة يعتبرونها جالبة للعار ، ولكن السبب الحقيقي الخالق لفكرة العار والشرف ليس كونها أحبت ، بل الخشية من انهاك قوة الجماعة ، وخصم من رصيدها الاجتماعي .. فهذه المرأة هي وعاء انتاجي للاطفال الذين سيكونون رصيد وقوة انتاج تضاف الى القبيلة مستقبلا ، فخروجها عن اطار الجماعة يعني خصم حقيقي من الجماعة واضافة انتاجية لرصيد جماعة اخرى منافسة ، لذلك جاء الغضب والثورة من الجد الاكبر بناء على المصالح التي تضررت، ليتم تصدير وتوريث هذا الغضب والحمية من بيئة الحدث الماضي الى المستقبل ، ويتم نسيان السبب الرئيسي الدافع للرفض والثورة ، فلا يتبقى في الوعي سوى ثقافة وتربية استمدت مفرداتها من تراكم صور لغضب الآباء والاجداد الاوائل، لتُختزل الصورة في الاجيال اللاحقة بمفهوم الشرف المعلق في رحم المرأة .. ولكن يبقى السبب الأصلي مع الجد الاول ، الباحث الحقيقي عن مصلحة القبيلة". (التاريخ عندما يُكتب ويُدون لحفنة لصوص).
اما كيفية تعامل القانون مع قضايا ما يُسمى بالشرف ، فقد تضمنت المادة معالجة القانون لقتل النساء ، من خلال ما منحته من اباحة للجرائم الموجهة ضدهن تحت ذريعة الدفاع عن "الشرف" ، عندما نصت على "يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجته او احدى محارمه حال التلبس بالزنا مع شخص آخر واقدم على قتلهما او جرحهما او ايذائهما كليهما او احدهما" و" يستفيد مرتكب القتل او الجرح او الايذاء من العذر المخفف اذا فاجأ زوجه او احدى محارمه او فروعه او اخواته مع آخر على فراش غير مشروع" وبتعريف القانون للعذر المحل جاء بالمادة تسعين من القانون اعفاء المجرم من اي عقاب على الفعل المجرم الذي قام بارتكابه ، في حين يعني العذر المخفف استبدال العقوبة المقررة على الفعل المجرم بعقوبة اخرى تقل عنها وبحسب المادة سبعة وتسعون من القانون والتي نصت على تحويل عقوبة الاعدام او الاشغال الشاقة المؤبدة او الاعتقال المؤبد الى الحبس سنة على الاقل كنتيجة للاستفادة من العذر المخفف ، ورغم ما اتى عليه القانون من شرط وجود حالة التلبس بالزنا ، الا ان واقع الحال يُتيح للرجل الاستفادة من هذه المواد ، بغض النظر عن الاسباب الحقيقية لمعظم الجرائم ، ومع ذلك حملت المادة في طياتها ترسيخ للتمييز الواقع على المرأة وانتهاك وتعدي صارخ لحقها في الحياة ، حين اباحت للرجل وسمحت له الاستفادة من العذر المحل ، الامر الذي لم يُتح للنساء ، في حالة من تكريس لمفهوم الشرف ضمن المفاهيم والموروث الثقافي لمجتمعاتنا ، والذي مطلوب من النساء حمله وعليهن فقط الدفاع عنه وتحمل اعباؤه . ورغم المرسوم الرئاسي الصادر عام 2011 بالغاء المادة (340) بفقرتيها 1و2 من قانون العقوبات الساري ، وجزء من المادة (18) حول ما (يسمى بشرف العائلة) ، الا ان القضاء لا زال يطبق المادة (98) والتي تنص على "يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي اقدم عليها بصورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة اتاه المجني عليه " وهي المادة التي يتم تكييف دعاوى قتل النساء على اساسها ، الامر الذي لم يشكل مانعا قانونيا عقابيا على مرتكبي هذا النوع من الجرائم .
مثال آخر للقوانين التي تتجلى فيها معالم التمييز واللامساواة ، قانون الاحوال الشخصية رقم 61 لعام 1976 والمعمول به في الضفة الفلسطينية:
تعتبر قوانين الاحوال الشخصية في عالمنا العربي والاسلامي من اكثر القوانين اثارة للجدل ، لارتباطه وتنظيمه لحياة المرأة والاسرة في جوانبها وعلاقاتها الخاصة ، مما يلقي بظلاله وتأثيراته على حياة المرأة ومدى مشاركتها في الحياة العامة والتنمية ، مما يؤكد ان قضايا المرأة لا يمكن فصلها وتجزئتها عن بعضها ، باعتبارها مجموعة متكاملة تؤثر فيما بينها على وضع النساء في مجتمعاتها ومدى مشاركتها في صياغة مستوى تطور وتقدم المجتمعات او تأخرها .
وفي الحالة الفلسطينية اثار هذا القانون نقاشات حادة ، خاصة ما بعد دخول السلطة ، وانتخاب اول مجلس تشريعي كان عليه ان يعيد صياغة وسن مجموع القوانين بنسق يتوافق مع حقوق الانسان والمساواة ما بين المرأة والرجل ، ويكرس ويُعلي من قيمة المواطنة في العلاقة مع القانون والدولة ، الامر الذي عجز عنه المشرّع ، لأسباب لها علاقة بعدم وجود ارادة سياسية وعدم الرغبة باثارة الرأي العام والفئات الدينية التقليدية ، برغم تشكيل لجنتين واحدة بالضفة والاخرى بغزة لوضع صياغة لهذا القانون ، ضمت اللجان قضاة من المحاكم الشرعية واساتذة جامعات في الحقوق والشريعة ، استند مشروع القانون الى احكام الشريعة الاسلامية رغم ما اظهره المدافعون عنه من اظهار صورة ازالة الغبن والتمييز ضد المرأة في نصوصه ، الامر الذي يجافي الواقع حين اكد على شرعية وقانونية الولاية في الزواج " سحب الاهلية من المرأة" وقيد شكليا قضية تعدد الزوجات حينما اشترط اعلام الزوجة الاولى به دون اعطائها الحق في القبول او الرفض ، واجاز للقاضي تزويج من لم يتم الثامنة عشرة اذا كانت هيئته مكتملة ، بذلك تكون المسودة شرعت الزواج المبكر واعطت للقاضي الحق بالحكم والموافقة على هذا الزواج من خلال حكمه على مظهر وشكل الفتاة دون اعتبار لطفولتها ومدى استعدادها لتحمل مسؤوليات الزواج الجسمية الصحية والعقلية ، وبقي الحال كما كان عليه ما قبل دخول السلطة بالاحتكام الى قانون تم تعديله في بلد المنشأ .
يحمل القانون مجموعة كبيرة من النصوص التمييزية والتي تتعامل مع المرأة كمواطن درجة ثالثة بعد الرجل والطفل ، وتتناقض تماما مع ما جاء في وثيقة اعلان الاستقلال والقانون الاساسي الفلسطيني ، ومع ما جاء بالاتفاقات والمعاهدات الدولية ، من ترسيخهم لمبدأ المساواة وعدم التمييز .
سن الزواج : جاء القانون على تحديد اشتراط آهلية الزواج بأن يكون الخاطبان عاقلان وقد اتما الثامنة عشرة مع اجازة الاستثناء للقاضي ان يأذن بزواج من كان قد اكمل الخامسة عشرة من عمره ان كان هناك مصلحة يحدد اسسها بمقتضى تعليمات يصدرها قاضي القضاة لهذه الغاية . وبذلك يكون المشرع قد اعطى الفرصة للأهل بالتحايل على القانون لتزويج الفتيات القُصّر بسن لا يتناسب ومسؤوليات تكوين الاسرة انسجاما مع ما ترسخ بالمجتمع من عادات وتقاليد وتفسيرات دينية بأفضلية تزويج الفتيات بهذا السن لدرء مخاطر يعتقدون انهم يتحصنون منها بمثل هذا النوع من الزواج ، يرى بو علي ياسين ان "الفتاة التي امضت سنين حياتها الاولى في منزل اهلها ، لا تعرف عن العالم الخارجي الشيء الكثير وتعودت على نمط معين في الحياة ، وتأقلمت مع ظروف وعلاقات محددة ، عندما يأتيها العريس وتوافق عليه تحت ضغط العائلة ، وهي تجهل عنه كل شيء ، ولم تره من قبل ، ستجد نفسها فجأة بين ليلة وضحاها قد انتقلت الى عالم جديد كليا ، بالعلاقات والخصوصية والوجوه ونمط الحياة ، قد تُصدم في بداية الامر ، ولكن اهلها الجدد سيطالبونها التأقلم مع الواقع الجديد ، فتجد ان لا مفر من ذلك، فتلجأ الى المسايرة والى دفن صرخاتها في داخلها ، وكبت انفعالاتها واظهار وجهها المبتسم الذي يخفي وراءه المعاناة والقهر" (الثالوث المحرم) ، فلا يكاد يخفى على احد التأثيرات النفسية والاجتماعية والصحية السلبية الضارة على الانثى جراء الزواج المبكر ، اضافة لتأثيراته السلبية على المجتمع والتنمية لما فيه من تكريس لدور المرأة الانجابي واعاقة لتطوير مهارات وتنمية الامكانات المعرفية للفتاة ، لتصبح مشاركتها في المجال العام دون المستوى الفعال والنشط ، كما يعيق ممارسة الانثى لباقي حقوق المواطنة كحقها بالتعليم والعمل . تناقض القانون مع مجموع القوانين المدنية والتجارية المعمول بها اضافة لقانون العقوبات ، والتي تتعامل مع الاشخاص دون سن الثامنة عشرة كأحداث غير مسؤولين وغير واعيين لتصرفاتهم ، ومن غير المعقول والمبرر اعتبار عقد الزواج بما يحمله من تأسيس لنواة المجتمع "الاسره" غير ذات اهمية ودون منزلة عن باقي القوانين المدنية والتجارية .
الولاية في الزواج : تعامل القانون مع المرأة على انها قاصرة وعاجزة وغير مؤهلة لأخذ قراراتها في حياتها الخاصة دون وصاية او ولاية من الذكر حتى لو كان يصغرها عمرا ، او تفاوتت قدراتهم المعرفية والثقافية ودرجاتهم العلمية ، من مدخل التشكيك بقدرات وامكانيات المرأة والتخويف من سوء استغلالها لحقوقها وكرامتها وانسانيتها ، وميز القانون فيما بين النساء بوجوب الولاية حين اشترطها للفتاة البكر والقاصرة ، ورفعها عن المرأة الثيب ، على الرغم مما جاء من اختلاف بآراء المذاهب الدينية والتي كان من المفترض على الاقل والكلام هنا عن مرجعيات دينية لقانون الاحوال الشخصية ، الاخذ بما هو ايسر واقرب لعصرنا ولما وصلت اليه النساء والمجتمعات ، فقد جاء المذهب الحنفي ان للمرأة البالغة العاقلة الحق في التصرف في سائر افعالها لكمال اهليتها ، وبما ان عقد الزواج كبقية العقود من حيث الإنشاء فالمرأة تعتبر فيه كاملة الاهلية فلها ان تزوج نفسها كما لها ان توكل الغير في تكوين هذا العقد وذلك قياسا على العاقل البالغ اذ لا فرق بينهما ما دام لم يرد نص يفرق بين اهلية المراة والرجل في سائر العقود . ترى د.نوال السعداوي في هذا الجانب ان "هذه الافكار التي تمنع ولاية المرأة او ولاية الرجل غير المسلم كانت نتاج ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة عن الظروف التي نعيشها اليوم .. ان مفهوم الولاية قد تغير ، فلم تعد وظيفة القاضي مثلا او رئيس الدولة تندرج تحت الولاية مثل وظيفة النبي او الخليفة او الامام ، الذي كان يملك وحده سلطة العلم والمعرفة والاتصال بالله والرؤية والاجتهاد والتشريع والقضاء وكل شيء ، لقد توزعت هذه السلطات على اجهزة متعددة في الدولة الحديثة ، وظهرت الدساتير التي تساوي بين الناس بصرف النظر عن الطبقة او الجنس او العقيدة . لكن المرأة في بلادنا لا تزال محرومة من حق الولاية ، ويمكن لها ان تكون وزيرة او طبيبة تنقذ الارواح من الموت مع ذلك تظل محرومة من حق الولاية داخل الاسرة . وقد اصبح من حق الرجال غير المسلمين ان تكون لهم الولاية ، بعد ان زادت قوتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في عدد من البلاد الاسلامية ، الا ان النساء في بلادنا لم يحصلن بعد على حق الولاية ولا حق النسب" . (عن المرأة والدين والأخلاق).
وكما نرى التناقض الذي تعيشه النساء تبعا للقوانين في فلسطين ، ان ذات المرأة الذي منحها قانون الانتخابات على سبيل المثال لا الحصر القدرة على اختيار من يُمثلها بمواقع صنع القرار ، وتمكنت من خلاله المنافسة ايضا على تلك المواقع عبر المشاركة في الترشح لها ، فمن غير الممكن ومن غير المعقول ان يمنح القانون للمرأة حقا في ادارة شؤون البلاد او اختيار من يُمثلها في ذلك وهي قاصرة عن اتخاذ قرار بحياتها من خلال الانتقاص من اهليتها ومساواتها مع الرجل . عوضا عما ترسخ بالمجتمع وبالموروث الثقافي من اضافة لقيمة المرأة بوجود وليها وعزوتها ليمارسوا دورهم في نقل الوصاية عليها الى زوجها .
تعدد الزوجات : تعد قضية تعدد الزوجات من اكثر المواضيع اثارة للجدل في مجتمعاتنا ، فالى جانب ما تتركه من آثار اجتماعية واقتصادية سلبية على المجتمع ، فهي تحمل في طياتها ابشع انواع القهر والعنف والايذاء ضد المرأة ، يمارسه الرجل دون قيم الاحترام لفلسفة تكوين الاسر واحترام وتقديس استقرارها واستمراريتها بنسق يحترم انسانية وكرامة المرأة ، استند المشرعون لقوانين الاحوال الشخصية الى ما جاء بالقرآن من تشريع لتعدد الزوجات ، رغم تناقض التفسيرات والاجتهادات لمفهوم وشرعنة تعدد الزوجات ، ايد الاستاذ في جامعة الازهر الدكتور احمد السايح صدور قانون عادل ومدروس ينص على تقييد تعدد الزوجات بل منعه عن بعض الازواج الذين لا يقدرون المسؤولية الزوجية ويتركون اسرهم في مهب الريح واولادهم للضياع "لانه لا يوجد ما يسمى تعدد الزوجات في الشريعة الاسلامية اصلا ، انما التعدد الذي اباحته شريعة الاسلام هو تعدد في امهات اليتامى فقط وليس التعدد بالمطلق ، كما يفعل كثير من الازواج الذين يتزوجون بالابكار او غير امهات الايتام وهذا الكلام ليس من عندي وانما قرره الله تعالى بقوله "وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع (سورة النساء آيه 3)". وفي هذا السياق اورد د. محمد شحرور "ان من الخطورة على المجتمع من خلال العلاقات الاسرية ان نعزل مسألة التعددية اليوم عن المحور الاساسي الذي ارتكز عليه الامر الالهي بالتعددية ، وهو محور اليتامى ، ونجعل منها مسألة ترسخ الذكورية ، وتطلق يد الرجل بالزواج متى شاء مثنى وثلاث ورباع ، في مجتمع غير محارب يتوازن فيه تقريبا عدد الذكور بالإناث ، ومن الخطورة الاكبر ان نبتدع كما يفعل بعض فقهاء اليوم ، مبررات للرجل تسوغ له الزواج بأربع تحت عناوين ركيكة حينا ، مضحكة حينا آخر ، ظالمة في كل الاحيان" . (مقالة- التعددية الزوجية).
اما فيما يتعلق بمفهوم العدل وتفسيراته والتي جاءت على شرط تحقيقه بالانفاق والسكن وما الى ذلك من امور مادية ، فهو يحول فلسفة تكوين الاسر من مؤسسة اجتماعية قائمة على المحبة والوئام والاستقرار ، الى مؤسسة اقتصادية اساسها العدل بالانفاق ، واداة للتفريغ الجنسي وحاضنة لنسل الرجل.
ما جاء بمنطوق المادة في قانون الاحوال الشخصية المعمول به في الضفة والتي شرعت تعدد الزوجات واعطت الحق للزوجة تضمين شرط ضمن بند شروط العقد بمنعها للرجل من الزواج عليها ، فطالما المادة اعطت هذا الحق للمرأة بتقييدها للرجل من خلال عقد الزواج ومنعه من الزواج بأخرى ، فالاحرى ان يتم ذلك عبر نصوص القانون . خاصة عندما يتم الدفاع عنها وكأنها مدخلا لحماية المرأة من العنوسة وحماية للرجل والمرأة من الخيانة ويصورها المدافعون عنها ، على انها حق من حقوق المرأة وواجب من واجبات الرجل ، ناسين ومتناسين ما يسببه تشريع تعدد الزوجات من تأثيرات سلبية وضارة على المرأة والاسرة والمجتمع ، رفض بناءاً عليها الرسول محمد ، طلب علي بن ابي طالب بزواجه بإمرأة غير ابنته فاطمة حين قال "من آذى فاطمة فقد آذاني" ، هذا اعتراف على ما يسببه الزواج من اخرى او اخريات من عنف على النساء ، ارتضاه المشرعون على جميع النساء الخاضعات لولاية قانون الاحوال الشخصية.
وفي محاولة لتجميل حق الرجل بتعدد الزوجات صدر التعميم الاداري القاضي بوجوب "اخبار الزوجة الاولى في حال نوى الزوج ان يتزوج من ثانية ، وان يخبر الزوجة الثانية بأنه متزوج من اولى" ، اقتصر التعميم على الابلاغ دون منح المرأة الحق بالاعتراض والرفض .
الطلاق : يعتبر الطلاق حلا منطقيا بين الازواج في حال فشل اي من الحلول الاخرى في ضمان استقرار الاسر واستمراريتها ، وتشكل آثار وتبعات الطلاق اهميتها بالنسبة لأطرافه وخاصة الزوجة والاطفال باعتبارهم اكثر المتضررين من حدوثه مجتمعيا واقتصاديا خاصة في حال كانت الزوجة ربة منزل قد امضت عمرها في خدمة ورعاية زوجها ومنزلها ، تدعمه وتسانده ليطور اوضاعه واوضاع الاسرة ، فتعود بمجرد قرار الرجل الطلاق احيانا دون مبررات او اسباب الى اسرتها حاملة لقب مطلقة وما يحمله المصطلح من عنف وتحميل المسؤولية لها على ما وصلت اليه اوضاع الاسرة . فقد تعاملت العادات والتقاليد كما القانون في تمييز واضح ما بين الزوج والزوجة ، تبدأ من الحق المطلق للرجل في ممارسة حقه في الطلاق دون قيود وفي الوقت الذي يرغب بينما لا يحق للمرأة المطالبة به الا ضمن شروط وقيود تجعل منه امرا صعب المنال ، اضافة لما يرافق هذا الطلب من اجراءات صعبة تمر بها المرأة في دهاليز المحاكم واجراءات التقاضي ، مما يتيح للرجل الاستبداد والتعسف بممارسة هذا الحق ومع ادراكه التام للصعوبات المجتمعية والاقتصادية التي ستعاني منها المرأة ما بعد الطلاق ، منفردا - اي الزوج - بما نتج واثمرت به العلاقة الزوجية وخاصة بما توفر للعائلة من ممتلكات واموال ، ليتبقى للزوجة ما تحصل عليه من نفقة مُصاحبة على الاغلب لحالات تحايل من الزوج على القانون بعدم امكانيته دفع النفقة ، لتحصل المرأة بعدها على الفتات . و رغم الخطوة التجميلية لضبط حلات الطلاق والتي جاءت بتعميم اداري جاء فيه " لا يجوز ايقاع الطلاق خارج المحكمة الشرعية وفرض غرامة 500 شيكل على من يخالف" . الا ان هذه الخطوة جاءت اقل بكثير ودون مستوى حماية حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل.
الميراث :لم يتمايز القانون في نصوصه بقضايا الارث عن مجموعة الموروث الثقافي المستمد من التشريع الديني ، بتكريسه لسلطة الرجل والتأكيد على مسؤوليته الاولى على الاسرة ، حيث يعطي المرأة نصف حصة الرجل ، ويميز بين نصيب الزوجة والاطفال في حال وجود طفل ذكر ايجابيا لصالح الذكر ، حيث يحجب الطفل الذكر الميراث عن اشقاء وشقيقات المتوفي ، الامر الذي لا تقوم به الطفلة الانثى . ورغم ان القانون حدد للأنثى نصف حصة الذكر الا انه وبالممارسة العملية يتم حرمان معظم النساء من هذا الحق اما باستغفالهن بعدم تحديد القيمة الحقيقية للميراث ، اضافة لما يمارس عليهن من اساليب لإحراجهن او خوفهن من خسارة العائلة ورغبتهن بالمحافظة على الروابط الاسرية ، واحيانا ترتكب جرائم قتل للنساء بدافع الحفاظ على ما يسمى شرف العائلة ويكون مبرره الفعلي والاساس حرمان المرأة من حقها في الميراث في محاولة من الذكور للحفاظ على الارث ضمن نطاق العائلة ، ورغم ما جاء به التعميم الاداري فيما يتعلق بحصر الارث والتخارج، وذلك بان يتم بعد مرور اربعة شهور من الوفاة ، وان يتم تقدير التركة الحقيقية واعلام الورثة بالقيمة الحقيقية للتركة ، الا ان قضية الميراث لا زالت من القضايا الجدلية قانونا وعُرفا ، بداية بما جاء به القانون من حق للمرأة في نصف حقها بالميراث ، الامر الذي يتعارض مع واقعنا الحالي حيث ان نسبة النساء المعيلات يتزايد ، وحاجة النساء لتمكينهن اقتصاديا من القضايا المهمة على اعتبار ان الميراث احد المداخل المهمة لذلك ، اضافة لعدم وجود حماية قانونية رادعة لتجريم حارمي المرأة من التمكن من حقها في الميراث .
معوقات الالتزام بالقوانين وتطبيقها
من الاهمية بمكان ونحن نناقش ونحلل قضية مهمة كقضية تحرر المرأة ومساواتها ، التطرق الى الاسباب والمعيقات التي من شأنها الوقوف امام تطور مكانتها ومساواتها المجتمعية والقانونية ، والتي تشكل منظومة العادات والتقاليد والموروث الثقافي المهيمن بالمجتمع ، والدين والاسلام السياسي اهمها واكثرها تأثيرا على مجموع الحقوق وحجر الاساس في بناء مجتمعات ذكورية ، لما تحمله من قداسة مجتمعية ودينية ترسخت في الذهن الجمعي للنساء والرجال على حد سواء حتى اصبحت من المسلّمات التي لا يجب ولا يجوز ان تُمس ، تدفع المرأة حريتها وانسانيتها ثمنا لها ، ان استمرار القوانين البائدة كقانوني العقوبات والاحوال الشخصية يعود اساسا للتعايش المجتمعي معها وكأن التحولات الرجعية داخل المجتمع أتت أكُلُها . والأسوأ هو تعايش القوى اليسارية والمستوى الثقافي مع تلك القوانين والتسليم بها ، وهذا شيء مفجع . إن عدم خوض معارك ديمقراطية بهدف وقف التعامل مع قوانين رجعية مهينة لأبسط حقوق الانسان ، قوانين تراجعت عنها دول المنشأ، يشكل إدانة كبيرة لكل العاملين تحت رايات التقدم والديمقراطية . وقد ثبت ان خوض معارك يؤدي الى نتائج في المستوى الرجعي السلبي كما فعل ويفعل الاسلام السياسي دائما ويؤدي في الجهة الأخرى ايجابا الى تجميد بعض النصوص بعد جريمة قتل الفتاة آية برادعية" . واحيانا تكون هي - اي المرأة - المتنكرة لحقوقها ومطالبها بتحيزها للرجل وبنظرتها لذاتها وعدم ايمانها بدورها وامكانياتها وتقوم بتكريس وتجديد هذه النظرة من خلال تربيتها للأجيال وعلاقتها مع المجتمع " فالتناقض ما بين طموح المرأة والخطاب الذكوري المخصص لقهرها ، ولّد لديها صراعا نفسيا مريرا جعلها تنكفيء على ذاتها وتتقوقع في بوتقة خاصة على مقاس الرجل ، زج فيها كل مفاهيمه الانانية المتخلفة عن الانوثة والامومة وطبيعة المرأة وواجبات الزوجية .. حتى استلبت فكريا وتأقلمت مع هذه المفاهيم". (عبد الغني سلامة-نقد الشخصية العربية)
ورغم وجود بعض القوانين المنصفة للنساء احيانا ، الا ان الغلبة عادة ما تكون لمنظومة العادات والتقاليد بما تحمله من دونية وتكريس لواقع المرأة والتي تقوم هي بالذات بتجديد وتكريس لها من خلال تربيتها لأطفالها ، مما يُشكل عائقا امام اي تطور برغم الخطوات البطيئة جدا المشهودة بالمجتمع عبر ما نلحظه من ازدياد بتعليم الفتيات وخروجهن للعمل بالاطار العريض دون الدخول في نقاش حجم هذا التغيير في مفاهيمه وفلسفاته واثره في تطوير منظومة الحقوق الاخرى ، وخاصة تلك التي لها علاقة اكثر بالمحرمات والتابوهات ، والتي سنخوض نضالا وصراعا مريرا بالوقت الحاضر مع صعود حركات الاسلام السياسي للحكم في المنطقة العربية وازدياد الفتاوى المتخلفة المرتبطة بالجانب الاخلاقي وخطورتها على ما نطمح له كنساء ومجتمعات ، والتي ستركز على تحريم كل ما يتعلق بالمرأة ، في محاولة منها لإعادة انتاج "ثقافة الحريم" ، وبدا ذلك جليا من أولى التصريحات التي اعلن عنها الغنوشي بتونس والسيد عبد الجليل بليبيا فور اعتلائهم منصة الخطابة حول قضية تعدد الزوجات ، ومشاريع القوانين التي يتم نقاشها في مجلس الشعب المصري كنموذج عما ستؤول اليه الاوضاع لاحقا ، الامر الذي يؤشر الى حقيقة ان اي تغييرات على وضع النساء بهذه الدول ستكون إلى الخلف ، ما لم تتملك النساء الوعي الكافي للتصدي لكل مظاهر التمييز واللامساواة بجميع ابعادها السياسية والقانونية والمجتمعية ، ويعتبر د. شرابي " ان مفتاح الحل للتغيير الجذري يكمن في التحول نحو النظرة الايجابية للمرأة ومساواتها بالرجل ، وتحرير عقلها من الخرافة والتقليد ، وانه من المستحيل ان يتغير المجتمع العربي ما دامت المرأة العربية في وضعها الراهن ، وذلك لأنها هي التي تصنع الانسان العربي ، ولطالما ان المرأة العربية لم تتغير بعد فالانسان العربي غير قابل للتغيير". (مقدمات لدراسة المجتمع العربي).
المهام والتوصيات
على ضوء ما تقدم يمكن استخلاص التوصيات والمهام التي نرى اهمية وضرورة العمل عليها للحد من التمييز واللامساواة الواقعة على النساء . كما ويمكن اعتبارها مهام رئيسية للأحزاب الماركسية واليسارية بالضرورة الأخذ بها وببرامجها :
1. من المسلّم به انه لا يمكن فصل قضايا المرأة عن القضايا السياسية والاقتصادية بأي شكل ، وما لم يتم التصدي لسياسات القهر والتبعية للاحتلال الاسرائيلي ولسياسات السوق الحرة سيستمر التعامل مع النساء على انهن الجزء الاضعف ماديا ومعنويا بمزيد من الاستغلال ، لذلك يتطلب الامر من الحكومة وبضغط من الاحزاب والقوى المدنية الديمقراطية تبني سياسات واضحة المعالم للخروج من حالة التبعية المعيقة لأي تطور اجتماعي واقتصادي مستقل .
2. بات من واجب الاحزاب السياسية وخاصة اليسارية منها ومع تغول ووصول حركات الاسلام السياسي الى الحكم وآثار ذلك على الحريات العامة وعلى قضايا المرأة ، والتي تقع مهمتها الاساسية الآن بالتلاعب بالوعي العام من مدخل الحلال والحرام والباس الموروث الثقافي حُلة دينية لتبرير خطاباتهم التي تنتقص من حقوق النساء باعتبارهن الجزء الاضعف بأي معادلة ، وسيستمدون نتيجة هذا الخطاب الشرعية المجتمعية والتي يتقاطع وعيها وتفسيراتها ومصالحها مع بقاء صورة النساء باطارها التقليدي النمطي ، لذلك بات من الاهمية بمكان ان تمارس الاحزاب اليسارية دورها في نقض الخطابات الدينية بكل وضوح وصراحة وعدم مهادنة الرأي العام لأي مبرر انتخابي او غيره ، وللتوائم شعاراتها مع معارك وحالة اشتباك فكري من شأنه ان يفتح حالة من الجدل الفكري والاجتماعي.
3. يجب على الاطر النسوية اليسارية بشكل خاص والحركة النسوية الفلسطينية بشكل عام ان تقوم بممارسة عملية واعية للنقد الذاتي لدورها وأداءها ، ومراجعة جميع النصوص القانونية بدءاً بالقانون الاساسي من حيث كون الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع والتي من شأنها تقويض اي توقيع و/ او التزام السلطة بالمرجعيات الدولية لحقوق المرأة ، وباتخاذ اجراءات عملية وتراكمية باتجاه سن وتشريع قوانين مدنية تُعنى بحماية المرأة كانسان وتفتح فضاءات اقتصادية واجتماعية قانونية تُعجل من مبدأ المساواة كقضية الملكية والميراث المتساوي والذي ينطلق منه اساس التمييز .
4. على الاحزاب والاطر النسوية دراسة تجارب النساء خاصة في المنطقة العربية، والقوانين المتقدمة نوعا ما فيها وخاصة قوانين الاحوال الشخصية والعقوبات، ومن خلالها العمل على محو الامية القانونية بالمجتمع وداخل الاحزاب ، كما الاستفادة من التجارب الناجحة داخل الاحزاب لتعميمها وتبادل الخبرات عبر توحيد الجهود النسوية لممارسة مزيد من الضغط داخل الاحزاب ، باعتبار ان قضية المرأة ليست قضية اطر نسوية - مع خصوصيتها - وانما قضية حزبية يجب ان تولى لها الاهمية الرئيسية ، وعدم الاكتفاء بما يُطرح من مساواة شكلية تجميلية ، تخدم المصالح الذكورية ولا تترك اثرا مهما على وضع النساء فيها.
5. ومن هذا المنطلق يجب على الاحزاب والاطر النسوية القيام بمسؤولية تأهيل كادر من اعضائها وعضواتها "نسوية وحزبية" لتمارس مهماتها بالتوعية المجتمعية اليسارية التقدمية بفض المفاهيم والوعي المناقض لحقوق المرأة كحقوق انسان وغير الخاضعة لاشتراطات الممولين ، ونشر ثقافة التحلل من حالة الاستكساب والتي باتت سمة يتصف فيها مجتمعنا.
6. يجب اعادة صياغة العلاقات داخل الاحزاب السياسية بين الكادرات والكوادر على اساس حقوقي والوقوف بحزم وصلابة امام النهج الذكوري والعشائري داخل الاحزاب والذي يُقوض امكانات المرأة ، عبر دمج النساء بمسؤولياتهن كصانعات قرار ليس فقط بالاتجاه النسوي ولكن بجميع مفاصل عمل الاحزاب السياسية والوطنية والاجتماعية ، ومواجهة التقسيمة التقليدية بتوزيع المهام والعمل.
7. بما ان قضايا المرأة وحقوقها ومساواتها قضية معقدة ومتجذرة في وعي مجتمعاتنا عبر ما نتوارثه من مفاهيم ترسخ هذه النظرة ، فمن واجب جميع الاطراف بالمجتمع حكومة واحزاب واطر ومؤسسات نسوية مراجعة المواد والنظام التعليمي ، ونقض ما به من مفردات ومصطلحات ترسخ هذه المفاهيم ، باتجاه تعديلها وتغييرها ، لأن المسؤولية الاكبر في المستقبل ستقع على الاجيال القادمة ومدى قناعتهم بقضايا عدالة النساء .
هذه المادة هي صياغة موسعه لما جاء بالباب السادس من بحث"الطريق الى تحرر المرأة- البناء الفكري والسياسي والقانوني والتنموي" وأصدره مركز فؤاد نصار لدراسات التنمية بالتعاون مع اتحاد لجان المرأة العاملة الفلسطينية، وبدعم من مؤسسة روزا لوكسمبرغ.
المراجع والمصادر
1. ملخص الدراسة القانونية حول مدى مواءمة التشريعات السارية في فلسطين للمواثيق الدولية - مركز دراسات المرأة - المحامي ناصر الريّس /2010
2. نوال السعداوي - عن المرأة والدين والأخلاق
3. اصلاح جاد - نساء على تقاطع طرق – مواطن ، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية/2008
4. زياد عثمان - البرلمان الفلسطيني الصوري - المرأة والتشريع بين التجديد والقولبة
5. قانون الاحوال الشخصية الاردني رقم 61 لعام 76
6. النساء الفلسطينيات وقانون الاحوال الشخصية - اصدارات مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي
7. نصر ابو حامد - دائرة الخوف
8. غازي الصوراني - مقال بعنوان المرأة الفلسطينية ودورها في المسار الوطني والديمقراطي
9. حقوق الانسان في قوانين العقوبات السارية في فلسطين - من اصدارات الهيئة المستقلة لحقوق المواطن
10. آمنة الجبلاوي - مقال بعنوان قراءة في تحفظات الدول العربية على اتفاقية سيداو ، هل هي خصوصية عربية ام خصوصية ثقافية
11. دراسة لـ "اسكوا" حول اشكال التمييز ضد المرأة في البلدان العربية
12. روز شوملي - الزواج المبكر
13. أ. ليلى احمد - مجلة جهينة العدد 7 مقالة بعنوان التمييز الجنسي ضد المرأة بين النص الشرعي والعرف الاجتماعي
14. سامي لبيب - التاريخ عندما يُكتب ويُدون لحفنة لصوص - الحوار المتمدن
15. بو علي ياسين - كتاب الثالوث المحرم
16. د. احمد السايح - http://www.lahamag.com/pages.asp?page=1&recs=4&articleId=12127&subId=374
17. د. محمد شحرور - مقال بعنوان التعددية الزوجية - نشر في مجلة روز اليوسف
http://shahrour.org/?p=1367
18. عبد الغني سلامة - نقد الشخصية العربية
19. د. شرابي - مقدمات لدراسة المجتمع العربي