الإلهام السامورائي في مواجهة الإسلاميين
رندا قسيس
الحوار المتمدن
-
العدد: 3259 - 2011 / 1 / 27 - 11:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد بدء مفعول العلاج التونسي ضد فيروسه الحاكم، بقي عليه أن يسارع في ايجاد لقاحات عدة للتغلب على نواة الفيروسات المتقمصة بالفكر الديني، عله يجد طريقاً و ممراً جديداً إلى الحياة.
لا شك ان المجتمع التونسي لديه مناعات كافية لعدم الإنجرار في فخ الهلوسة الدينية، و ذلك لأسباب عديدة، منها نشأته على نظام أقرب إلى العلمانية (مقارنة بعلمانية الغرب) منذ خمسين عاماً، و لا ننسى أن نيل نسائه من حقوق مدنية لا تتمتع بها أي نساء البلدان العربية الأخرى منذ فترة طويلة تساهم في تشديد المناعة ضد الفقاعة الدينية، كما أن موقع تونس الجغرافي القريب من أوربا مع نسبة كبيرة من تواجد مهاجريه في هذه القارة، و التبادل الثقافي القائم بينهما و ذلك لأسباب عديدة، مع وجود الكثير من المصالح المشتركة بين تونس و فرنسا، جعلت من تونس مسلكاً صعباً لمرور الفكر الديني الأصولي ليكونوا أقل عرضة من غيرهم للإنجراف نحو نظام ديني قائم على شريعة غزو الأفراد و استعبادهم.
لم تنته تونس من معركتها الحياتية، إلا أنها استطاعت توريد انتصارها على حاجز الخوف لمجتمعات عربية أخرى، لتبدأ في مصر. و في حال نجاح التجربة المصرية، بغض النظر عن البدائل الموجودة هناك، و خصوصاً ان مصر تقع تحت تأثير الفكر الديني للمنظمات الإسلامية و تغلغلها في المجتمع من أجل الإستيلاء على الحكم، و رغم هذا، علينا جميعاً أن ندعم أية حركة ثورية مهما كانت النتائج و الإستعداد لأي هجوم فيروسي ديني.
قبل السؤال عن المصير المجهول لهذه الشعوب الثائرة، و خصوصاً، في ظل وجود شحن ديني و استفادة الإسلاميين من كل فرصة لإمتطاء ظهورها، فلا فرق بينهم و بين العلائق التي تعيش و تحيا على دماء الشعوب، فهم كحكام هذه المنطقة، يبيعون سكوك الأمان و العيش الكريم من دون أية أرصدة أرضية، ليحولوها إلى أرصدة سماوية قابلة للطعن في حال أية محاولة فردية ترغب بإستعادة كيانها المفقود.
ربما حان الآوان أن تتلاحم القوى المتنوعة، بكل أطيافها الأثنية و معتقداتها المختلفة التي يوحدها رغبة جامعة و حالمة بمستقبل أرضي جديد. ربما حان الآوان للعمل على وضع استراتيجية معينة من أجل التصدي للفكر الديني من دون مراوغة أو تملق.
لا يهم أن تكون الرؤى أو الحلول واحدة، ما يهم هو النتيجة و الهدف النهائي الذي تسعى إليه البشرية عموماً، و كما يقول البوذيون "يمكننا أن نسلك طرقاً متعددة للوصول إلى قمة الجبل، و عند وصولنا إلى القمة سنرى جميع الطرقات و المسالك".
لهذا، أعتقد ان علينا البدء في ايجاد برنامج إجتماعي إقتصادي يصب في مصلحة الفرد أولاً، و من ثم الجماعة بعيداً عن كل الإنتماءات الدينية و العرقية لتشكيل رادع ضد السرطان الإسلامي المتشدد المدعوم بأموال النفط السعودية.
لا شك أن هناك عوامل كثيرة مهدت لهذا السرطان الديني المتغلغل لتشكيل أرضية متينة في نفوس شعوب بائسة، جائعة عانت على مدى عصور طويلة من حروب و احتلال و استبداد، و تعاني إلى الآن من فراغ فكري، فجاء الدين ليقوم بتعويض ما افتقدته هذه الشعوب من خلال دغدغتها بأحلام وردية.
لا شك أيضاً ان هذه المنظمات الإسلامية بارعة في تنطيم و تجنيد عناصرها، و في توظيف الأثر النفسي السلبي التي عانته هذه الشعوب في القرون الماضية لمصالحها و مصالح رجال الدين المستفيدين بالشكل الأول من هذه المنظومة الإجتماعية، و بالطبع في ظل حكومات قمعية مرتشية، مستبدة لم تهب الأفراد و المجتمعات إلا الخراب و الإنهيار الإقتصادي، جعلت من هذه الشعوب حقلاً سهلاً لزراعة السموم الدينية، فأصبح من السهل أن ترتدي هذه المنظمات الدينية رداء العفة و النظافة و الأخلاق، لتوهم هذه الشعوب بمستقبل زاهر، لا بل أكثر من ذلك، تقوم هذه المنظمات على دغدغة أحلامهم لتعود بهم إلى عصر النهضة الإسلامي حيث الرخاء و المتعة و السعادة، و تعدهم بإنتصار واه على الجميع.
تعلم هذه المنظمات الإجتماعية السياسية الدينية، و بكل حرفية، أين تضع أصبعها على الوتيرة النفسية التي يمكنها أن تحرك الأفراد، فهي تعلم كمية الشوق و الحنين لإنتصار نفسي يستطيع أن يمحي أثر الإنهزامات الطويلة.
أجد أن علينا إعادة ترتيب التاريخ أولاً، و التنبيه إلى أن النهضة الإسلامية لم تكن حصيلة الثقافة الآتية من شبه الجزيرة العربية، بل كانت في أوج حضارتها في عصر الأمويين و العباسيين، علماً ان هذه الأخيرة هي حصيلة تراكم حضارات سابقة تواجدت في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها مصر. إذاً كانت هذه النهضة و المعرفة نتاج حضاري لشعوب عدة اختلطت فيما بينها، و كما نعلم أن الدين هو منتوج بيئي لا يمكنه أن يتجاوز أعراف وثقافة محيطه.
استطاع الدين الإسلامي المتشدد أن يجند بعض الأفراد و ان ينعش ذكرى الجهاد عند ضعاف النفوس، ليشكل جوقة من الإنتحاريين الراغبين في الموت و القتل في آن واحد، لا شك ان حق الإنتحار مكفول لأنه حق فردي، بينما يعتبر حق القتل جريمة انسانية.
و لمحاربة هذا المفهوم، أجد انه يتوجب علينا المصالحة مع الموت في ظرف تكاد أن تكون الحياة شبه معدومة، ففي ظل هذه الظروف الحياتية القاسية، علينا إعادة ترسيخ طريق السامورائي الياباني الذي توجب عليه اختيار الموت على الحياة في ظروف الأزمات، فعندما تتساوى فرص الحياة و الموت، على السامورائي اختيار الموت بكل شجاعة و حكمة.
عندما نستطيع التغلب على قلق الموت، يمكننا أن نجابه كل ما يعترض مسار الحياة بشكل أقوى، لهذا علينا أن نتمتع بليونة في أية استراتيجية و أن نتمكن من تغييرها حسب الظروف المحيطة.
أعتقد و بشدة أن أية استراتيجية قائمة على التنظيم، الإرادة و سرعة الحركة و البديهة في تبني ما يناسب الطبيعة النفسية لمجتمعاتنا مع ليونة في التفكير و اعتماد الطرق من دون نوازع "أنوية"، قادرة أن تكون الرادع الأقوى للإسلاميين.
لا يسعني إلا أن أنهي هذا المقال لمقولة مؤسس فن الحرب الصيني "سون تزو"، "الخسارة و الربح لم تولدا بمحض صدفة، و لا من تدخل إلهي أو روحي، بل من تبني طريقة و استراتيجية معينة، فالأسس الاستراتيجية الجيدة لا يسعها إلا أن تقود إلى الانتصار".