العنصرية الرابعة
رندا قسيس
الحوار المتمدن
-
العدد: 2385 - 2008 / 8 / 26 - 04:13
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
تعرضت البشرية، و على مر عصور عديدة الى اضطهادات كثيرة على يد الانسان نفسه.الا ان الانسان ومع مرور الزمن استطاع ان يضع اسساً و قوانيناً ثابتة للعدالة و المساواة بين الجميع، الا انه و بالرغم من تأسيس هذه القواعد، لم يستطع الانسان السيطرة على المشاعر الذاتية في حب التفوق على الآخر. فهو كفرد او كمجتمع، يتمسك بهذه العنصرية الضمنية التي تجعله مميزاً الآخرين، باضطهاده اعراق اخرى.
اذا القينا نظرة واسعة الى هذا المسرح الجماعي للبشرية الممتد منذ وجود الانسان، لا نستطيع إلا ان نستنتج ان تطور الانسان في فكره و
اقترابه الى الطبيعة الانسانية اصبح وارداً. فالانسان حارب و يحارب العنصرية بجميع اشكالها، إن كانت متمثلة ضد لون بشرة ما، او ضد
الجنس الآخر او ضد دين معين.
بالرغم من تسامي المشاعر عند الانسان، و احساسه بقرينه الانسان، الا انه يفتقد طبيعته الانسانية الكاملة، فطبيعته الحيوانية الثانية تشكل
حاجزاً بينه و بين الانسانية، لاننا نمارس يومياً عنصرية رابعة ضد اي حيوان، بحجة عدم انتسابه للعرق البشري.
بالرغم من القفزات العملاقة التي خطاها الانسان من ظلامه الجاهلي الى حاضره المشع، لم تستطع البشرية كبح شعور الخوف البدائي الساكن
في اعماقها، فنحن نحلل استعباد الحيوان كما حللنا من قبل استعباد الانسان، نحلل قتل الحيوان لاكله و سلخ جلده كما حلل الانسان الاول قتل قرينه
الانسان و اكله. فهذه الغريزة البدائية في قتل الحيوان للغذاء، ليست حاجة جسدية كما نريد ان نوهم انفسنا، بل هي حاجة نفسية. فهذه الغريزة
الوحشية توحي للانسان بالقوة البدنية، فهي تعود به الى ذكريات دفينة في الاعماق، ذكريات يسترجع بها الانسان قوته البدائية التي كانت تتمثل
بقانون الغاب، حيث لا حياة الا للقوي.
لم يكن في السابق خيارات عديدة، فقد كان الخيار الوحيد هو الموت او قتل الآخر للبقاء على قيد الحياة. الا اننا و مع اكتشاف الزراعة، استطاع الانسان ان يطور فكره و يهذب اخلاقه ليملك بعدها خيارات عديدة. الا ان هذه الخيارات لم تشمل نسبة كبيرة من البشر، قالاغلبية لا يريدون النظر الى هذه الخيارات، فهم يفضلون التشبث بعادات بدائية و عنصرية، ليملؤا الفراغ الشاسع في داخلهم.
الم تبنى نظريات العنصرية على مبدأ ان البشر ليسوا سواسية في الذكاء او الابداع؟
الم ينظر للنساء على مدى عصور،انهم الجنس الاقل كفاءة من الرجال؟
الم يتم قتل اليهود للاعتقاد بأنهم عناصر بشرية لعينة لا تستحق الحياة؟
الم يتم تمييز الانسان على حسب دينه بحجة ان البشر ليسوا سواسية عند الله؟
لكن الانسان استطاع ان يرتقي بفكره، ليدين هذه الاعمال الدونية, الا اننا نسينا ان ندين عنصرية النوع البشري على النوع الحيواني. و كما
يقول اسحاق سنجر "جميعنا نازيون ضد الحيوان......نمارس النازية كل يوم، فكل يوم هو محرقة تربلينكا بالنسبة لهم".
لو نظرنا الى اطباق اللحوم التي نستلذ بها يومياً، لن نجد فيها طعماً لذيذاً، بل سنجد وحشية ضد كل انواع الحيوانات، و كما قال تولستوي
"الانسان يدمر بداخله مشاعر روحانية سامية، يدمر الاحساس بالحنان و الشفقة على مخلوقات تشبهنا......فإذا جعلنا اجسادنا قبوراً لجثث
حيوانية مقتولة، فكيف يمكننا ان ننظر لعالم افضل؟".
هناك اناس كثر تبرر هذا القتل اليومي للحيوان، لانها تحصر الحياة بقيمة الانسان و بما يقدمه لتطور البشرية، لكن الحياة لا تنحصر بنا نحن
البشر، بل تمتد الى كل كائن تنبعث منه الحياة. فإذا عدمنا حق الحياة عند الحيوانات لعدم قدرتهم على تقديم اي شيء لتطوير الانسانية، يجب
علينا ايضاً ان نعدم جميع البشر الذين لا يقدمون شيئاً للانسانية. ليس بمقدور الجميع المساهمة في اعطاء الجديد للبشرية، فهل هذا يحرمهم من
البقاء على قيد الحياة؟.
لا يمكن للانسان ان يتطور إلا بإظهار شعور التعاطف مع الغير، ان كان من نوعه البشري او من او من انواع حية اخرى . هذا الشعور بالتعاطف
يدفعنا الى حماية البيئة التي اصبحت ضرورة حتمية للبقاء، فالعلاقة مترابطة ما بين التهام لحم الحيوان و حماية البيئة، فبنطرة واحدة الى تقرير
منظمة الفاو، نستطيع ان ندرك حجم الكوارث التي تسبب في تلوث البيئة.
صرح ديفيد مولدن من منظمة الفاو في تقريره "ان استهلاكنا للحوم هو سبب من اسباب تلوث البيئة، فنقل المواد الغذائية للاستهلاك الحيواني،
تصدر عنه2,4 مليار من الطن من غاز ثاني اكسيد الكربون في السنة". كما اعلن ايضاً عن منية الاستهلاك الحيواني للماء و النبات "حسب
الظروف العمالية من الانتاج، نحتاج لانتاج كل كيلوغرام من لحم الحيوان الى5000 و25000 لتر من الماء، اما ما نحتاجه للاستهلاك الغذائي
للحيوان، فإننا نحتاج لانتاج كل كيلوغرام من البروتين الحيواني،عشرة كيلوغرام من البروتين النباتي".
مع العلم ايضاً ان الدول الصناعية تشتري 80% من حبوبها لتعليف حيواناتها من الدول النامية، هذه الدول التي تشكو شعوبها من سوء التغذية.
فعلى سبيل المثال، تبيع البرازيل 70% من محصولها النباتي الى الدول الغنية، مع ان هذه الكمية تكفيها لاطعام سكانها الذين يشكون من الجوع.
و ايضاً توجد دراسة للاقتصادي جيريمي ريفكن تقول"هذه النسبة من الانتاج العالمي للحبوب اي 670 مليون طن تكفي لغذاء 850 مليون
انسان يشكو من سوء التغذية".
و الآن و بعد هذه الدراسات يجب على الانسان ان يفكر ملياً بغذائه، فكل بروتين حيواني يريد ادخاله الى فمه، فإنه يحرم انساناً اخرا من غذاء تسع
بروتينات نباتية.