الجماع و لحظة العودة الى الرحم
رندا قسيس
الحوار المتمدن
-
العدد: 3017 - 2010 / 5 / 28 - 00:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تكلمت في مقال سابق "متلازمة الجنس و الموت" عن خوف الذكر من فقدان عضوه الذكري، الا انني في هذا المقال سأبحث عن خلفية هذه العقدة (عقدة الخصي) عند الذكر.
اعتبر "اوتو رانك" ان عقدة الخصي تعود الى لحظات الولادة اي لحظة انفصال الام عن الطفل من ناحية (انتوجينيز)، و الانتوجينيز عبارة عن دراسة الكائن الحي منذ بداية نشأته في الرحم، ليبني "فرينكزي" فرضيته على ان مبدأ المجامعة على صعيد (انتوجينيز)، عبارة عن محاولة لتحرير الضغوطات المؤلمة الناتجة عن لحظة الولادة، مع اكتفاء الاثارة و العودة الى المشاعر الدافئة ما قبل الولادة.
نجد ان مفهوم (الوبلاستيك ادابتيشين) عند فرويد، فرينكزي و الكسندر فرانز، يقوم على مبدأ تأقلم النظام العضوي عند تعرضه لكم من الضغوطات، و يتم ذلك عبر طريقتين:
- محاولة تأقلم النظام العضوي مع المحيط من خلال تحولات داخلية للنظام نفسه و تدعى هذه المحاولة ب( اوتوبلاستيك ادابتيشين).
- او بمحاولة النظام العضوي باحداث تغييرات على المحيط الخارجي، كبناء العش عند الحيوانات، و محاولات الانسان المكثفة في تغيير البيئة الخارجية لصالحه، و تدعى هنا ب(الوبلاستيك ادابيتيشن).
نعود الى الرغبة في الرجوع الى رحم الام و التي تتجلى في عملية الجماع عند الكائنات الحية، فنرى_ على سبيل المثال_ ان التزاوج عند العنكبوت يمكنه ان يستغرق في بعض الاحيان مدة السبع ساعات، و عند بعض الطفيليات يمكث الذكر داخل الانثى، لتكون حالة جماع دائم.
بعد دراسات عديدة لحالات الجماع عند الكائنات الحية، توصل "فرينكزي" الى ان حالة القذف عند الذكر و المترافقة مع الانفصال عن الجسد الانثوي، عبارة عن تكرار لعملية الولادة من جديد، التي كانت المؤثر الاول لخلق الانسان جنتة المفقودة، فالجنة ما قبل طرد الانسان منها عبارة عن مكوث حالة الجنين في رحم امه، و عملية الطرد منها تعكس عملية الولادة.
شرح "فرينكزي" عملية تجمع الضغوطات الموجودة في اعضائنا ليتم تفريغها في الجهاز التناسلي، و من ثم تعميم النشوة على كافة اعضائنا الجسدية بهدف اكتفائه، اي وضع النظام العضوي كاملاُ تحت تصرف الاعضاء التناسلية، ليتماثل نظامنا العضوي مع العضو المنفذ، فنجد ان "الانا" يتطابق اثناء الجماع مع العضو التناسلي.
من هنا نجد معنى الروح عند "جيزا روهيم" كمرادف للنطاف، فبما ان "الانا" يضع نفسه ليتطابق مع العضو الذكري و الافرازات الجنسية كما فسرها "فرينكزي"، و بما ان الفراق مع العضو الجنسي الاخر يذكرنا بلحظة الولادة و الخوف من هذه اللحظة و التي ترمز عند الذكر الى انفصال عضوه عن جسده (الخصي) الآتية من لحظة الولادة و انفصال الجنين عن امه، فالذكر يستطيع تخيل العودة الى الرحم من خلال العضو الانثوي، بينما لا تستطيع الانثى تخيل العودة الى رحم الام، فتقوم بتعويض لذة العودة من خلال رغبتها بامتلاك العضو الذكري لتحقيق تلك العودة المستحيلة، لهذا ربما نجد ارتباط مفهوم النطاف مع الروح لدى الذكر و لا نجده لدى الانثى.
الا ان المختصين لم يتوقفوا عند دراسة العوامل الاولى على صعيد (الانتوجينيز) و ما سببته من قلق نفسي، و الذي دفع الانسان الى الابحار في خيالات واسعة عبر الفن و الدين و الاساطير، فكلها تعكس الرغبة البدائية للرجوع الى حالة ما قبل الولادة، لهذا نجد التقارب ما بين الاساطير بالرغم من المسافة الشاسعة الفاصلة بين الشعوب.
اما على صعيد (الفيلوجينيز)، و هو علم الانساب لجميع الانواع، لا تتوقف الابحاث و الدراسات عند نقطة الولادة، بل تتعمق في الكوارث البيئية لتدرس حالة الكائنات الحية و ما تعرضت له من كوارث، و خصوصاً عند كارثة انحسار المياه، لتنتقل بعض الحيوانات المائية الى البر كي تتأقلم مع المحيط الخارجي، حسب نظرية "لامارك".
اعتبر "فرينكزي" ان التأقلم الناتج عنه حالة الجماع و التكاثر في رحم الانثى، ليس الا استبدال المحيط المائي بمحيط يشبه الى حد ما الغلاف المائي، بل اعتبر ايضاً ان العراك ما بين الجنسين لاختراق الاخر، ربما يكون سبباً للخصائص الذكورية المرعبة بعد نجاح اختراق الذكر للانثى.
يثبت لنا يوماً بعد يوم علم المتحجرات التحولات و التغيرات التي اصابت الانظمة الحية، كما يؤكد لنا علم البيولوجيا الكثير من النقاط التي وضعت كفرضيات في علم النفس، اما المشككين بهذه الفرضيات و النظريات العلمية (بحجة وجود فرضيات مناقضة)، لا يجهدون انفسهم بالبحث عن نقاط الاختلاف، فالعلوم جميعها متوافقة ضمن اطار عام، فمثلاً من يشكك في نظرية التأقلم مع البيئة ل"لامارك" او نظرية الاصطفاء الطبيعي ل"داروين"، عليه ان يلقي نظرة على فرضيه عالم النبات الايرلندي "هيغو دو فريز" الذي اعتبر ان التغيرات التي تطرأ على الانواع الحيوانية هي تغيرات فجائية، فالتطور ليس عملية تدريجية بل هي تغيرات تتم عبر قفزات غير مستمرة و مفاجئة، و منها ينشأ تغير في الانواع و يتم بعدها اصطفاء افضلها الملائم للمحيط الخارجي بعد فترات طويلة.
استطيع هنا مقاربة ما استنتجه "هيغو دو فريز" مع فرضية "فرينكزي" لجعل حالات الكوارث وراء التغيرات الطارئة على الانواع، حيث اعتبر ان الكوارث الفيلوجينيتيك قد تراكمت لتبقي اثارها في بلازما الخلية الحية كجميع التجارب المؤلمة، المؤرقة للفرد و المتجمعة في العضو التناسلي و الذي يقوم بتفريغها من خلال الجماع.