نظرية المعرفة عند الامام الحسين
حامد الحمراني
الحوار المتمدن
-
العدد: 3215 - 2010 / 12 / 14 - 15:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما السر الذي جعل من الامام الحسين مدرسة يغترف منها جميع الاحرار في العالم ؟ كيف صنع الحسين امة باقية متنامية مع انه بالنظر للحسابات السياسية والاجتماعية والثورية والمنطقية كان ينبغي ان ينتهي تاريخيا ؟ ما هو السر الذي يدفع ببعض الفئويين او العنصريين او النفعيين لرفع راية العداء للحسين واتباعه منذ سنة إحدى وستين للهجرة حتى هذه اللحظة ؟ لماذا مات او تلاشى في التاريخ عموم خصومه مع ان في حوزتهم كل اسباب القوة وشروط الهيمنة ووسائل البقاء ؟
فالحسين صنع امة نامية ونظرية للمعرفة وبوصلة لمعرفة الحق من الباطل ، وهو سلام الله عليه ضرورة تاريخية للتمييز بين الحقيقة التي كادت ان تذوب في ظل الاجندة الاموية والانحراف الذي خيم على المشهد العقائدي، فخطر الامويين يكمن بانهم أرادوا اقناع العالم بان الاسلام الذي جاء به نبي الرحمة هو الذي يتناسى ما تناسته الاطروحة التشريعية في حقهم وفي حق اسلافهم من المنافقين والمؤلفة قلوبهم ، ولقد نجحوا في تقويض الدين ، وما يدرينا لولا كربلاء وما جرى فيها مما لا يحتمله الضمير البشري لكنا اليوم جميعا نرى يزيدا على سبيل المثال مصلحا من المصلحين او وريثا للانبياء .
وان المفهوم الذي يزعم بان الخليفة ينبغي ان يطاع حتى لو كان فاسقاً او نال الخلافة بالقوة المسلحة مفهوماً اوصل أغلب المسلمين الى عقيدة بان الخروج على يزيد ردّ على الله ورسوله والقرآن وهذا يفسر بشاعة ما فعلوه بالحسين واهل بيته عليهم أفضل السلام .
فكربلاء وبكل ما فيها من مآسٍ فضحت تلك العقيدة السرطانية ، فما كان بمقدور مجتمع الواحد والستين للهجرة ان يعي الخبث الايديلوجي الاموي الا القلائل ، لكن تلك الايديلوجية لا يطيقها اليوم أحدٌ من البشر، ولا يعبأ بها الاسلام السني والشيعي على السواء.
ومشروع الامام ( الحسين) التي كانت كربلاء جزءا منها كانت في كيفية تحقيق هذا الهدف، فالمنطق لا يستطيع مد الامام الحسين بالانتصار الواقعي الآني ، طبعا الانتصار في مشروع الحسين ليس هو البقاء على قيد الحياة او الغلبة العسكرية، فالحسين لم ير في يزيد والامويين عداوة كاملة لمشروعه كما ان انتصاره عليهم لا يحل المشكلة.
فالامويون ويزيد بالذات شكل واحد فقط من اشكال العداء على قانون الحياة الذي حمل لواءه الحسين وإن الرافعين لراية العداء سيتكاثرون في سلم التاريخ ، وكون الحسين بقى دون كل اعدائه خلال أربعة عشر قرناً يوقفنا على برنامجه في عملية النهوض والنهضة وذلك الفداء الرهيب .
وهذا ما يفسر لنا موقف سفيره ابن عقيل مع الطاغية ابن زياد الذي لم يقتله في دار ( هاني ابن عروة ) لانه كان يحمل في طياته ذات المشروع الذي يهدف الى تحرير الحقيقة الوجودية من الزمان والمكان ؛ ولان ابن زياد ايضا ليس الا واحداً من اسباب الهلاك الانساني فما اكثر ظلم الامويين والعباسيين في عصرنا الحاضر.
فالحسين امتداد رسمي لمشروع النبي الخاتم بعد ان أخذ على عاتقه مصير الروح الاسلامية التي كادت ان تفارق الحياة بسبب نظرية المعرفة الأموية وهذا هو الدافع السماوي لقول النبي المصطفى (حسين مني وانا من حسين) .