أنوال, درس من زمن العزة والحرية

كوسلا ابشن

الحوار المتمدن-العدد: 5233 - 2016 / 7 / 24 - 22:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

أنوال, درس من زمن العزة والحرية

لا أرى في هذا الوجود إلا الحرية، وكل ما سواها باطل.
لا أدري بأي منطق يستنكرون استعباد الفرد ويستسيغون استعباد الشعوب.
من اقوال محمد بن عبد الكريم الخطابي

يستذكر ايمازيغن في يوم 21 يوليوز من كل سنة ذكرى ملحمة أنوال, المعركة التي صنعت التاريخ الامازيغي المعاصر, فالانتصار الساحق على العدو الاستعماري, تمخض عنه ولادة نظام سياسي جديدة, الجمهورية, كان الاول في تاريخ ما يسمى بالعالم الاسلامي.
انتصار جيش التحرير الريفي الامازيغي على جيش الاسباني الاستعماري في انوال, اصبح رمزا في النضال التحرري ضد الاستعمار, ودرس للانظمة الاستعمارية للادراك ان ارادة الشعوب لن تقهر, رغم الترسانة الحربية والعدد الهائل لعدد جيوش القوى الاستعمارية.
ملحمة انوال اظهرت عجز الجيش الاستعماري في القتال فوق ارض غير ارضيته, وعجزه في القتال من اجل قيم اللااخلاقية واللاانسانية, وعجزه في القتال من اجل مصالح فئوية وطبقية لا تمثله ولا تمثل مصالح مجتمعه, ولذا كانت انوال مقبرته الجماعية فلم ينفعه عتاده ولا عدده ولا قادته العسكريين خراجي الاكادميات العسكرية.
بفضل اسلحة الغنائم التي استولى عليها ثوار الريف في صراعهم ضد الاحتلال الاسباني وخصوصا غنائم معركة ذهار أوبران في 1 يونيو 1921, التي ساعدت عزيمة 5000 مقاتل لدحر الجيش الاستعماري الاسباني المقدر من أكثر من 18 الف جندي منظم بقيادة الجنرال سيلفيستر, و في ظرف 3 اسابيع من القتال سحق اهل الريف الجيش الاسباني المعتدي, وسقط في المعركة من جانب الجيش الاستعماري, حسب بعض الوثائق 13 الف و363 بين قتيل ومختفي ومن بينهم الجنرال سيلفيستير, وأسر 700 اسير اسباني, ومن جانب الريفيين استشهد 1000 مدافع عن تراب ارضه و حريته واستقلاله, وغنم الثوار ترسانة من الاسلحة الخفيفة والثقيلة قابلة لتسليح جيش, وأدوية وأجهزة طبية, نتيجة أنوال كانت انهيار الجيش الاسبني الاستعماري وتراجعه الى حصنه المنيع مدينة مليلت, وتحررت معظم المواقع المحتلة, ولم ينتظر الريفيين كثيرا بعد الانتصار الكبير في الاعلان عن استقلال الريف وتأسيس "الجمهورية الاتحادية لقبائل الريف" والتي عرفت ب"جمهورية الريف", التي اعلن عن قيامها في سبتمبر 1921, ونودي بقائد المقاومة محمد عبد الكريم الخطابي اميرا عليها ( رئيس الجمهورية).
ملحمة أنوال كانت كارثة على الاستعمار, اما بالنسبة لاهل الريف كانت شمس الحرية تشرق على ارضهم, باعلان الاستقلال وتأسيس الجمهورية بكل مقوماتها العصرية ومؤسساتها الديمقراطية, ورغم قصر عمر الجمهورية, الا ان حكومة الريف الفتية, استطاعت صياغة دستور للبلاد و تشكيل مجلس وطني ( البرلمان) وتشكيل جيش للجمهورية يقدر بين 40 و65 الف بينهم 7000 جندي نظامي, وكذا القيام ببعض الاصلاحات في مجالات مختلفة من اصلاح القضاء و اصلاح التعليم واصلاح الصحة واصلاح الجبائي.
كارثة انوال والانتصارات المتلاحقة لجيش الريف وتحرير المناطق المحتلة الواحدة تلوى الاخرى ادخل الذعر بين القوى الاستعمارية ( الاسبان وفرنسا والبيدق الاستطاني العروبي), ولذا قرر التحالف الاستعماري المشاركة في العمليات الحربية للاطاحة بالجمهورية واغتيال الحرية لمنعها من التمدد خارج الوطن الريفي, ولهذه المهمة جند الفرنسيين للحرب 325 الف جندي وجندت اسبانيا 140 الف عسكري و الحق بهم جنود المخزن العربي, وتحت ضربات السلاح الكمياوي اسقط العلم الريفي, ولم تفلح المقاومة الريفية ( 70 الف مقاوم) التصدي للتحالف الاستعماري الثلاثي, كما اخفقت دبلوماسية الجمهورية في منع حدوث الانهيار والسقوط, فالزمن كان عصر الغطرسة الاستعمارية, لهذا لم تستجيب الدول الاستعمارية الكبرى لرسائل رئيس جمهورية الريف, كما رفضت عصبة الامم استقبال وفد جمهورية الريف, لانها لم تكن سوى منظمة استعمارية مهمتها حل النزعات بين الدول الاستعمارية فقط ان حدثت بينهم خلافات في تقسيم المستعمرات.
اثاء الحرب الغير العادلة ضد شعب جمهورية الريف, قدمت الجماهير الشعبية الفرنسية بقيادة الحزب الشيوعي, كل الدعم الممكن والمساندة اللامشروطة لاهل الريف, داعية الى السلام والاعتراف بجمهورية الريف واستقلالها, وقد جمع الاضراب العام الذي دعا اليه الحزب الشيوعي لاكتوبر 1925 ما يقارب 900 الف مشارك لمساندة تقرير مصير شعب جمهورية الريف, وكان رد حكومة فرنسا الاستعمارية اعتقال 2000 شخص متضامن مع الريف.
في احد تصريحات رئيس جمهورية الريف, قال: " اردت ان اجعل من الريف بلد مستقل مثله مثل فرنسا واسبانيا, وتأسيس دولة مستقلة كاملة السيادة وليس امارة خاضعة لقوانين وظهائير الحماية, اردت ان يشعر المواطنين ان لهم دولة كما لهم ديانة", هذا ما لم يفلح الرئيس في تحقيقه فاستسلم للعدو لتجنب ابادة شعب جمهوية الريف.
انتصارت حركة التحرر الريفية ونجاعة اساليبها الحربية وتحقيق استراتيجيتها في الاعلان عن استقلال الريف و رغم سقوط الجمهورية الا انها كان لها تأثير كبير على الحركات الثورية العالمية عامة و على حركات التحرر الوطني خصوصا في كل البلدان القابعة تحت الاستعمار في افريقيا واسيا.
ملحمة انوال درس للنضال من اجل الحرية في كل مظاهرها السيادية, الوطنية و السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية. فشل مشروع الجمهورية راجع الى اسباب داخلية وخارجية عرقلت بروز جمهورية ديمقراطية انذاك, وهذا الفشل ليس قدر ملازم لاهل الريف ولا هو دائم, بل هو حالة ارتبطت بالواقع الداخلي المتخلف والواقع الدولي في عصر الجبروت الاستعماري, انتهى زمانه بالتحولات الثورية المعاصرة التي أعادة ملحمة انوال في صيغتها المعاصرة, ثورة على النظام الاستعماري الاستغلالي الاستبدادي, لاعادة التاريخ لمجراه الطبيعي كما رسمته اجندة الرئيس الراحل محمد عبد الكريم الخطابي ( جعل الريف بلد مستقل كامل السيادة ), و كما سطره احرار العزة الريفية بدمائهم الطاهرة. و ثوار الريف الحقيقيين في نضالهم اليوم من اجل الحرية والاستقلال والعزة الريفية لا بديل لهم عن الثورة التحررية الوسيلة الحتمية لتحطيم اغلال الاستعمار العروبة-اسلام, و التحرر من الاضطهاد العرقي وبناء الدولة الحرة و المستقلة عن الانظمة الامبريالية.

#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات