أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علوان حسين - قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 7 - الأخيرة















المزيد.....


قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 7 - الأخيرة


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 4295 - 2013 / 12 / 4 - 23:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


2. التطورات اللاحقة في آليات المنطق الشكلي
إتضح لنا سابقاً وجود على الأقل نوعين من عدم الملائمة في آليات المنطق أعلاه : القصور التفسيري ، لكونها تفشل في التعبير عن العلاقات بين الأشياء ؛ و القصور الإستقرائي ، لأن صفات العلاقات القائمة بين الأشياء لا يمكن إشتقاقها منها .
و لتجاوز هاتين المشكلتين ، فقد تولى - خلال القرنين التاسع عشر و العشرين – العديد من علماء الرياضيات المتخصصين مثل "دو مورغان" (de Morgan) و "بول" (Boole) و "بيرس" (Pierce) و "شرويدر" (ٍSchroeder) و "فريج" (Frege) و غيرهم إختراع نظم رياضية جديدة ذات قواعد منطقية ، بعضها يوظف جبرياً عنصراً معيناً للتعبير عن العلاقات الثنائية التي من شأنها الربط بين العنصرين ببعضهما . كما أضاف بعضهم الآخر ( مثل ما يعرف بـ "منطق الدرجة الأولى" لفريج ) محدِّداً خاصاً للكمية ، و الذي يتيح ترميز الصفات التي تربط بين أكثر من عنصر واحد . بل أن فريج عكف على طرح مشروع شمولي طموح يقوم على محاولة إختزال كل الرياضيات إلى صيغ منطقية بأستخدام نظرية المجموعة (set theory) لكانتور التي تستخدم الطرق المنطقية لإعطاء النتائج في نظامه الحسابي المتعدي للحدود .

و في مستهل القرن العشرين ، قام "براور" باقتراح إعتماد منهج الحدس (intuition) وسيلة لحل المعضلات المنطقية . فمن المعروف أن الحدس هو من أكثر الوسائل إستخداماً يومياً ، و أسرعها في رسم إستجابات و أفعال البشر - من تحريك أعضاء الجسد ، إلى القراءة و التحليل و قيادة المركبات ووو ، إلى حل المشاكل و توقعها ، و ذلك دون الحاجة إلى التفكير العميق . حتى "الحكمة" التي يكتسبها الإنسان في أواخر حياته ما هي في الواقع إلا التراكم الكمي لأفعال الحدس المؤثرة هذه . و الحدس أسلوب فاعل في توليد الأفكار الجديدة ، و في الإختراع ، و في الإبداع ، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن كل جملة نتفوه بها ما هي في الواقع إلا إختراع حدسي . و بناء على هذا ، فقد إستنبط "تورنغ" (Turing) ، عام 1939 ، ما أسماه بـ "الأنظمة غير البنّاءة للمنطق" و التي لا تُطبَّق كل خطوات البرهنة فيها آلياً ، بل أن بعضها يعتمد على الحدس . ثم تطور المنطق الحدسي على نحو ابلغ لدى "كلين" (Kleene) في نموذجه المسمى بـ " الرياضيات الفوقية " (Meta-mathematics) (1952) .

كما و أُقترحت آلية منطقية من نمط آخر مختلف تماماً فيما يسمى بـ "المنطق الموقفي" (Modal Logic) الذي تعود جذوره إلى "أرسطو" أيضاً ، و الذي كان "إبن سينا" أول مخترع لنظام شكلي له يعبر عن العلاقات الزمنية للمقولات . و الأصل من مفهوم "الموقفية" هذا هو الأخذ بعين الإعتبار موقف المتكلم أو حكمه الشخصي إزاء كل مقولة يتفوه بها . فإذا ما قلت أنا : " إن المطر غزير " فهذه الجملة لها ثلاث مقولات عميقة و ليست مقولة واحدة . المقولة الأولى هي موقفية شخصية تعبر عنها أداة التوكيد : "إن" . و المقولة الثانية هي الجملة الخبرية : "المطر غزير" . أما المقولة الثالثة فتشتق من السياق الزمكاني الذي تفترضه حادثة هذا الكلام : "هنا الآن" . و هذا يعني أن معنى هذه الجملة : أنا – المتحدث – أؤكد كون المطر غزيراً هنا الآن . أما في المنظومات الرمزية لمثل هذا النوع من المنطق ، فتتاح أدوات تحدد الموقفية إزاء المقولات ، مثل ضرورتها أو وجوبها أو إحتماليتها أو إستحالتها أو إمكان حصولها أو درجة التأكد أو عكسها بصددها ووو . و تستخدم بعض النظم المنطقية من هذا النوع المعادلات الجبرية العائدة لـ "بول" . و من نماذجها المتطورة تلك المنظومة التي تعرف بأسم "يونسن-تارسكي" (1951-2) .

البديل الآخر المتاح للمنظومات المنطقية هو ذلك المعتمد على "المقاربة الضبابية" للطفي زاده (1956) و التي تنطلق من دالة قيمية تتراوح بين الصفر (0) و الواحد (1) . و هذا يعني أنه بدلاً من الحكم بالصح أو الخطأ على المقولات على نحو قاطع ، فأننا نفترض لكل مجموعة القيمة التي تقيس أرجحيتها . هنا ، تتاح لنا العوالم التي تكون فيها المقولات أكثر أو أقل ترجيحاً للصحة . و لكل مقولة عضوية ضبابية معرَّفة بتطابق كل عالَم ممكن مع الأعداد المحصورة بين الصفر (0) و الواحد (1) ، و التي هي المقياس لإحتمالية صحة المقولة في هذا العالم .

و أخيراً نعرض باختصار لمنطق الكم (quantum logic) ، حيث أوضح تطور نظريات فيزياء الكم خلال القرن المنصرم وجود ظواهر طبيعية لا يمكن وصفها و البرهنة عليها في إطار المنطق الشكلي و الآليات المستندة عليه . فالجسيمات الإبتدائية تتصرف بما يظهر الصفة التي يمكن النص على كونها صحيحة رغم أنها غير صحيحة . مثال : الضوء هو ظاهرة موجية أو جسيمية رغم أن أياُ من هاتين الصفتين لايعرِّف بمفرده طبيعة الضوء على نحو كاف . و نفس الشيء يمكن أن يقال بخصوص تواجد الجسيم بمكانين في نفس الوقت . و لا بد من التطرق هنا إلى نص ديالكتيكي رائع لإنجلز بهذا الخصوص (مُطور عن هيجل في معرض حله لمفارقة : " زينو الإيلي ") :

Motion is itself a contradiction since simple mechanical movement from place to place can only accomplish itself by a body being at one and the same moment in one place and simultaneously in another place by being in one and the same place and yet not there. And motion is just the continuous establishing and dissolving of the contradiction.
الترجمة :
الحركة نفسها هي تناقضٌ ، لأن الحركة الميكانيكية البسيطة من مكان لآخر لا يمكن أن تتحقق إلا عندما يكون الجسم في نفس اللحظة الواحدة في مكان واحد بالذات و في نفس الوقت في مكان آخر ؛ و تكون في مكان واحد بالذات و لا تكون فيه . فالحركة هي مجرد الأستمرار في تأسيس التناقض و حله . إنتهى .

في النص أعلاه تتجلى قوة المنطق الجدلي في التفسير للمتناقضات على نحو تعجز إزاءه مختلف آليات المنطق الكلاسي من قول شيء غير الحكم بعدم صحة ماهو ثابت تجريبياً بصدد تواجد الشيء آنياً في مكانين . و لهذا ، يقول العالِم "بور" (1929) ، إن تجربة فيزياء الكم :
" تفرض علينا تبني أسلوب جديد للوصف يكون تكميلياً بمعنى أن أي تطبيق معيَّن للمفاهيم الكلاسية التي تنفي الإستخدام في نفس الوقت للمفاهيم الكلاسية المضادة الأخرى يكتسب في مجال آخر نفس درجة الضرورة بغية إيضاح طبيعة الظاهرة . "
و قد لخَّص لنا الأستاذ يعقوب إبراهامي - في مقالته المعنونة : "عودة إلى خرافة قوانين الديالكتيك -1" المنشورة في الحوار المتمدن – العدد : 4262 - 2013 / 11 / 1 - أهم الظواهر الديالكتيكية غير المعهودة في هذا الحقل ، و لا بأس من إعادة التذكير بها شاكرين له تتبعه العلمي :

• ثنائية التموضع الزمكاني : الجسيم الكوانتي يمكن أن يتواجد في مكانين مختلفين في نفس الوقت .
• ظاهرة "التحابك" (Entanglement) : الجسيم الكوانتي "يقيم علاقات" مع الجسيم المتكمي الآخر و الذي يبعد عنه ألفي سنة ضوئية ؛ كما أن التجارب التي تُجرى على الجسيم الواحد تؤثر في سلوك الجسيم الثاني البعيد عنه .
• ظاهرة الجسيم-الموجة : نفس العنصر الكوانتي (الألكترون، الفوتون، إلخ) يتصرف أحياناً كجسيم (Particle) له كتلة كأي جسمٍ آخر في العالم ؛ و يتصرف في أحيانٍ أخرى كموجة (Wave) حركية بلا كتلة .ً
• العشوائية : العشوائية وعدم اليقين هي في صلب نظرية الكم . كل شيء في ميكانيك الكم قائم علي الإحتمالات و عدم اليقين ؛ و لا شيء محدد تماماً ، وذلك بخلاف الفيزياء الكلاسية .
• تجربة الشقين : يُطلق الألكترون المنفرد نحو ستار ذي ثقبين قريبين من أحدهما الآخر . نتائج التجربة يمكن ملاحظتها على الشاشة الموضوعة وراء الستار ذي الثقبين ، و يتضح منها أن الألكترون يتصرف كما تتصرف الموجة ، أي أنه ينتشر في محيطه كما تنتشر موجة من الماء على سطح البحر ، فيمرّ من كلا الثقبين في آنٍ واحد .

المنطق الكوانتي يأخذ بعين الإعتبار الظواهر أعلاه ، و يحاول إقتراح آليات لمعالجتها . فهو يأخذ بعين الإعتبار في مقاربته مجموعة الظروف التي يمتلك فيها الفوتون/ الألكترون دائماً موضعاً و زخماً عندم يتم فحصهما ، غير أنهما لا يمتلكان الموضع و الزخم على نحو مستقل عن مقتضيات التجربة كسياق فوقي . كل الفوتونات التي بلغت الشاشة خلف الستار مرت عبر الشق (أ) أو الشق (ب) ، و لكنها لم تكتف بالمرور من الشق (1) فقط ، ولا الشق (ب) فقط . و الخيار الثاني قائم أيضاً . لذا فأن البُنى التكميلية تعطي أطراً مرجعية بديلة متنافسة : الموجة أو الجسيم = (1) (ضروري) ، و الموجة و الجسيم = (0) (صفر) (متنافيان) ؛ و لكن الموجة لا تساوي (1) ، و الجسيم لا يساوي (1) . و عليه ، فإن التنافي ( أي كون وجود أي منهما يلغي وجود الآخر) لا يعني إلتفافاً عاكساً للترتيب يُطابِق كل عنصر مع مكمله .
و تستخدم عدة منظومات رياضية في قنونة منطق فيزياء الكم ، يتمثل أشهرها بتوظيف حساب التفاضل و التكامل الخاص بالإحتمالات - بعد إسناده بآلية " فضاء هلبرت " ذات عوامل الإسقاط - في التوصيف . حيث تَفتَرِض الشكلية لإحتمالات الكم أن كل نظام فيزياوي يرتبط بفضاء هلبرتي هو نظام قابل للفصل (هـ) ذي وحدة النواقل التي تتطابق مع الحالات الفيزياوية الممكنة فيه . و كل كمية عشوائية ذات قيمة حقيقية قابلة للملاحظة فيه يعبر عنها بواسطة المُعامل الذاتي الضم : (أ) على (هـ) ، و طيفه هو مجموعة القيم ممكنة لـ (أ) . فإذا كان (و) هو وحدة النواقل في مجال (أ) ، و يمثل حالة ؛ إذن ، فإن القيمة المتوقعة للشيء الملاحظ المتمثل بـ (أ) لهذه الحالة تُعطى من قبل المنتج الداخلي . و الأشياء الملاحظة المعبر عنها بالعاملين (أ) و (ب) تكون قابلة للقياس ، إذا و فقط إذا ، كان (أ) و (ب) يتبادلان ، أي أن : أ ب = ب أ .

3. خلاصة طبيعة المنظومات المنطقية الشكلية-الرياضية

أولاً / أن الطبيعة و المجتمع و الفكر هي كينونات أعقد و أوسع و أضخم من أن يستغرق أياً منها من طرف أي منظومة منطقية واحدة بحد ذاتها .
ثانياً / كل واحدة من الأنظمة المنطقية-الرياضية الموصوفة على إستعجال فيما سبق لها ميادينها التطبيقية القوية و المنتجة ، إلى جانب نقاطها الرخوة . عند تخوم هذه النقاط الرخوة ، تنقطع السكة ، فتتوقف قاطرة النظام عن الإشتغال ، ليلجأ العلماء لتجاوز أخطاء المنظومة الحالية باقتراح منظومة بديلة ، و هكذا دواليك ، في سيرورة ديالكتيكية لم و لن تنتهي .
ثالثاً / تفيد الأنظمة المنطقية-الرياضية – من بين أشياء أخرى – في التنبؤ ، و في القياس الدقيق ، و في إنتاج نظريات جديدة ، و في حل المسائل الكائنة ضمن نطاق إشتغالها .
رابعاً / كل واحدة من الأنظمة المنطقية-الرياضية أعلاه يتخصص في وصف صحة المقولات في عوالمه المثالية الخاصة به و المشروطة الحدود . و كلها بقي و سيبقى أسيراً للتراث الأرسطي حول وظيفة علم المنطق كآلية لإصدار الأحكام القيمية على صحة و خطأ المقولات . و حده المنطق الديالكتيكي يتجاوز هذه المشكله عبر عدم طرح نفسه مسطرة للأحكام القيمية و ذلك بفضل شموليته التي تجعل من تحويله إلى نظام رياضي رمزي أمراً مستحيلاً .
خامساً / لا يمكن لأي من المنظومات المنطقية أعلاه أن تتعامل مع الأنظمة و الأوضاع الغريبة (bizzare systems) التي يزخر بها هذا العالم الغريب حولنا ، و بالتالي فهي قاصرة عن إقتراح الحلول للكثير من المعضلات في المواقف و الأنظمة الحياتية التي لا تقبل الوصف النموذجي المقولب ، مثل اللغة و العلاقات الإجتماعية و القيم الخلقية وووووو . وحده المنطق الديالكتيكي هو الفاعل في إقتراح منهج عام لوصف مثل هذه الأوضاع غير النموذجية و تبيان أسبابها بفضل شموليته و تطلبه للدراسة الدقيقة و الموضوعية و المعمقة لكل جوانب الظواهر المختلفة و كل القوة الداخلية و الخارجية الفاعلة المفعول فيها .

4. مميزات قوانين الديالكتيك

أولاً / أنها كلٌ مترابط لا يقبل التجزأة لقوانينه الأساسية الثلاث ، و لكن هذا الكل يقبل التطوير في ضوء النجاحات المستقبلية التي يحققها الإنسان في إكتشاف القوانين العامة و الخاصة الفاعلة المفعول في الطبيعة و في المجتمع و في ميدان علم المنطق نفسه .
ثانياً / أنها تتجلى في سيرورات تاريخ تطور الطبيعة و المجتمع و الفكر حصراً .
ثالثاً / أنها لائحة إرشادية عامة مستخلصة من التجربة البشرية بكليتها ، و لذلك فأن من شأن الأخذ بها أن يساعد في تجاوز الأخطاء ، و بالتالي تقليل زمن و صعوبات المخاضات للإكتشافات الجديدة .
رابعاً / على العكس من كل الأنظمة المنطقية الأخرى ، فإن قوانين الديالكتيك ترفض تسنم وظيفة المساطر لقياس الصح و الخطأ في قوانين الطبيعة لكونها غير مصممة خصيصاً للفرض قسراً على الطبيعة .
خامساً / أنها ليست مفتاحاً سحرياً لتفسير كل شيء و لا أي شيء خاص ، لكونها ليست فقط لا تغني أبداً عن التجارب و التحليلات و البحوث العلمية المتخصص في الظواهر و السيرورات المحددة بالخصوص لإكتشاف و تفسير عللها و النماذج الملموسة لتطورها ، بل و لأنها تقول بأن التطور العلمي متواصل بدون توقف .
سادساً / عدا التغيير المستمر و التطور العام للأشياء و للسيرورات ، فإنها لا تتنبأ بأي شيء خاص .
سابعاً / أنها ليست البديل و لا الإلغاء للمنظومات المنطقية الأخرى (المنطق الكلاسي ؛ المنطق الضبابي ؛ منطق الكم ؛ الخ ,) لأن لكل واحدة من هذه المنظومات المنطقية مَدَياتها الخاصة للإشتغال و وظيفتها المحددة قبلاً ؛ و لكنها – أي قوانين الديالكتيك - هي المكمل لها .
ثامناً / أن قوانينها العالية التجريد تتيح أشمل القوانين العامة التي أنتجها علم المنطق لحد الآن .

5. كلمة أخيرة

يؤيد الأستاذ يعقوب إبراهامي بصريح العبارة كون : " الديالكتيك هو طريقة في التفكير و البحث و التحليل . هذا ينطبق على دراستنا للطبيعة و المجتمع البشري على حدٍ سواء " ؛ و مع ذلك فإنه يجهر بالقول بكون "قوانين الديالكتيك" هي بالذات : "خرافة" . الذي يبدو لي – و أتمنى أن لا أكون مخطئاً – هو أن جوهر المشكلة يكمن بالذات في التعريف الذي يؤمن به الإستاذ يعقوب إبراهامي إيماناً لا يتزعزع لما يمكن إطلاق إسم "القانون" عليه ، و ما لا يمكن إعتباره " قانوناً " . ( و نفس التصور ينصرف على تعريفه الخاص لـ " العلم " ، و عدم إنطباقه على الماركسية ، و هذا موضوع آخر سبق و أن تطرقت اليه ) . و الأستاذ يعقوب إبراهامي ليس الوحيد الذي يتبنى مثل هذا الموقف ، بل يشاركه فيه العديد من الدارسين للفكر الماركسي . ماركس نفسه يتحدث عن الديالكتيك بإعتباره "طريقة" ، و عن "مباديء" الديالكتيك .
ففي معرض تطرقه لديالكتيك هيجل في رسالة إلى كوغلمان ، يقول ماركس :

“Hegel’s dialectics is the fundamental principle of all dialectic only after its mystical form has been sloughed off. And that is precisely what distinguishes my method.”

الترجمة : إن ديالكتيك هيجل هو مبدأ كل الديالكتيك و لكن فقط بعد نزعه عن شكله الصوفي . و ذلك هو بالضبط ما يميز طريقتي " . إنتهى .

السؤال هنا هو : هل يوجد إختلاف جوهري بين : "القوانين" ، و "المباديء" ؟ الجواب : لا ، و الدليل على ذلك هو أنه لا فرق بين "مباديء علم فيزياء الميكانيك" ، و بين "قوانين علم فيزياء الميكانيك" . بالطبع ، يمكن للمرء أن يجادل عكس هذا بفرض ما يجده مخالفاً بهذا الصدد ، و لكن قدر تعلق الموضوع بماركس و إنجلز فقد كانا يستخدمان مفردة "القانون الديالكتيكي " و "المبدأ الديالكتيكي" بالتبادل .
و لكن ما هو تعريف "القانون" ؟ من المعروف أن مفردة القانون لا يوجد لها تعريف عالمي متفق عليه بشأنها ً، و السؤال : " ما هو القانون ؟" ليس له إجابة بسيطة ، على الأقل لأن معنى مفردة القانون مرتبط بسياقات إستعمالاتها .
أما في حقل الفلسفة و العلوم ، فيمكن ملاحظة إستخدام الدوال الآتية له :

أ . البيان الذي يصف العلاقة الثابتة بالملاحظة و القائمة بين الظواهر لكل الحالات التي تنطبق عليها الشروط المعطاة ، مثل : قانون الجاذبية .
ب . التعميم المبني على التجربة أو النتائج المتماسكة ، مثل : قانون العرض و الطلب .
جـ . المبدأ العام أو القاعدة المفترضة أو التي ثبت حضورها بين التعابير ، مثل : قوانين الرياضيات .
د . المبدأ أو القاعدة التنظيمية أو الإجراءات أو الآليات ، مثل : قوانين النحو ، قوانين المنظور البصري .

يلاحظ أن الدوال الأربع أعلاه كلها تنطبق على قوانين الديالكتيك ؛ و هذا يعني إن إستخدام مفردة القانون بخصوصها صحيح ، أو على الأقل معقول .
نعود الآن إلى ماركس ؛ مالذي يقصده ماركس عندما يستخدم مفردة " القانون " ديالكتيكياً ؟ بالنسبة لماركس و للديالكتيك ، فإن مفردة "القانون" تعني : "التوجه" (tendency) ، أو "الميل" نحو إتجاه ما خلال سيرورة التغيير . يقول ماركس في الجزء الخامس عشر من "الغروندرِسه" :

The profit rate is therefore inversely related to the growth of relative surplus value´-or-of relative surplus labour, to the development of the powers of production, and to the magnitude of the capital employed as [constant] capital within production. In other words, the second law is the tendency of the profit rate to decline with the development of capital, both of its productive power and of the extent in which it has already posited itself as objectified value-;- of the extent within which labour as well as productive power is capitalized.
الترجمة :
إذن ، فنسبة الربح لها علاقة عكسية مع زيادة فائض القيمة ، أو زيادة فائض العمل النسبي ، و مع نسبة تطور قوى الإنتاج ، و مع مبلغ رأس المال المستخدم كرأس مال ( ثابت ) في داخل الإنتاج . و بكلمات أخرى ، فإن القانون الثاني هو ميل (أو توجه) الربح إلى الهبوط عند نمو رأس المال ، و ذلك في كلٍ من قوته الإنتاجية و في الدرجة التي يطرح نفسه كقيمة مشخصة ؛ في الدرجة التي يترسمل بها العمل علاوة على القوة الإنتاجية .
إنتهى .

و مفهوم " القانون " كـ " توجه عام " هو أحد أكثر الإستخدامات شيوعاً في كل العلوم ، و بالتالي فلست أتصور أنه يستدعي على أي نحوٍ مبرر : " الإصرار النضالي " على نعته ظلماً بـ " الخرافة " مثلما يفعل الأستاذ يعقوب إبراهامي .

إنتهت .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 6
- قوانين الديالكتيك و تخريفات أبراهامي بصدد عدم وجود الصراع دا ...
- قوانين الديالكتيك و تخريفات أبراهامي بصدد عدم وجود الصراع دا ...
- ألحمار المناضل
- طبيعة قوانين الديالكتيك و طريقة إستنباطها و فحصها و علاقتها ...
- قصة البغل المتهوِّر
- قصة العيد
- رفسة إسطنبول
- تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال ...
- تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال ...
- نَجْلاء
- الخِطّة الأمنيّة العبقريّة
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 7 الأخيرة
- مهرجان الصماخات
- تطور الشعر الإنگليزي 1920 - 1950 / 6
- خروف الطاقة و سيّده
- شعشوع ، تائه الرأي
- البومة زلومة المشؤومة و خماسي الحُكم
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 5
- نمط الإنتاج الأنديزي ؛ الإشتراكية التوزيعية : من كل حسب إنتا ...


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علوان حسين - قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 7 - الأخيرة