|
فلسفة ُالأخْلاق و خُصُوصيّة التفلسُفِ المغربي / رؤية ٌ شاملة ٌ .
أيوب بن حكيم
الحوار المتمدن-العدد: 3819 - 2012 / 8 / 14 - 02:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المجال : فلسفة الأخلاق و علمها [1]. أَيُّ مُفْتَرِِضٍ لِفـَرَضِيَّةٍ مَنْطِقِيَّةٍ مَا يَجِبُ أنْ يَنْطَلِقَ مِنْ مُسَلَّمَةٍ تَصْرِيحًا أو تَلْمِيحًا ؛ تَبَاعًا فَنَحْنُ بِوَصْفِنَا مُسْلِمِينَ ، نَفْتَرِضُ فَرَضيَّةَ التَّسْلِيمِ التي فَرَضَهَا "طَهَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ" وَ هِيَ " لاَ إِنْسَانَ َ بِلاَ أَخْلاَقٍ ، وَ لاَ أخْلاَقََ بِغَيْرِ دِينٍ ، إِذَنْ ؛ لاَ إِنْسَانَ بـِلاَ دِينٍ "، وَ إِنْ أَرَدْنَا مُنَاقَشَتَهَا بِاسْتِفَاضَةٍ فَمَا عَلَيْنَا إلاَّ أنْ نُفَكِّكَهَا إلَى أجْزَائِهَا الأَوَّلِيَّةِ المُكَوِّنَةِ لَهَا .فلنتفقْ أوَّلاً أَنَّ أيَّ واحدٍ مِنَّا حِينَمَا يَفْتَرضُ اِفترَاضًا لاَبُدَّ لَهُ أنْ يَنْطَلِقَ مِنْ مُسَلَّمَةٍ مَا أو مُسَلَّمَاتٍ عِلْمًا أمْ جَهْلاً أمْ قَصْدًا ،أمَّا عَنْ مُسَلَّمَتَيْ الأخْلاقيةِ الإسْلاميةِ فَهُمَا : أ ـ المُسَلمَةُ الأُولَى / الصِّفَةُ الأَخْلاَقِيَّةُ للإنْسَاِن ؛ أيْ لاَ إنْسَانَ دُونَ أخْلاَقٍ،كَمَا تَتَبَنَّى الأخْلاَقِيةُ الإِسْلاَمِيَّةُ رُتـَبَ الهويةِ الإنسانيةِ التِي تَنبنِي عَلى الأخْلاقِ وَ ليْسَ عَلَى العَقْلِ، وَ تِلْكَ الرُّتَبُ أعْلاَهَا رُتْبَةُ "الحِكْمَةِ" وَ يُسَمِّيهَا طَهَ "رُتْبَةَ التَّأيِيدِ" وَ تَلِيهَا رُتْبَةُ "المَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ" وَ يُسَمِّيهَا طَهَ "رُتْبَةَ التَّسْدِيدِ" ثُمَّ رُتْبَةُ "المُجادلة"وَ وَسَمَهَا طَهَ بـ"رُتْبَةِ العَقْلِ المُجَرَّدِ" اِنطلاقا من الآية الكريمة "أدْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَ المَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَ جَادِلـْهُمْ بالتِي هِيَ أَحْسَن"[النحل 125 ] ، كَمَا أنَّ مِنْ خَصَائِصِ المُسَلَّمَةِ الأُولَى أنَّهَا تَعْتَرِفُ بِتَدَرُّجَاتِ الفِعْلِ الخُلُقِي حَسَبَ الأطْوَارِ وَ الأَفْرَادِ ، وَ يُلَخِّصُ "اِبنُ خَلْدُونٍ" هَذِهِ المُسَلَّمَةَ فِي قَوْلِه " إذَا فَسَدَ الإنْسَانُ فِي قُدْرَتِهِ عَلَى أَخْلاَقِهِ وَ دِينِهِ،فَقَدْ فَسُدَتْ إنْسَانِيَّتُهُ وَ صَارَ مَسْخًا عَلَى الحَقِيقَةِ" ؛ بِمَعْنَى أنَّ الأخْلاَقِيَّةَ الإسْلاَمِيَّةَ تُصَنِّفُ الإنْسَانَ بِكَوْنِهِ إنْسَانًا اِنْطَلاَقًا مِنْ الأخْلاَقِ أوَلاًّ مَتَى عَلِمْنَا أنَّهُ لاَ وُجُودَ لِدَلِيلٍ قاطع عَلَى أنَّ الحَيَوَانَ لاَ عَقْلَ لَهُ.[سؤال الأخلاق ] .
ب ـ المُسَلَّمَةُ الثَّانِيَةُ / مُسَلَّمَةُ الصِّفَةِ الدِّينِيِّةِ لِلأَخْلاَقِ ، وَ مِنْ ذَلِكَ أنَّ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَخْلاَقِ وَ الدِّينِ فِي النَّظَرِيَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ ؛ أيْ أنَّهَا نَظَرِيَّةٌ تُؤْمِنُ بِالمُطْلَقِ ، فَيَتَرَتَّبُ عَنْ النَّظَرِيَّتَيْنِ أنَّ الإنْسَانَ هُوَ "الكَائِنُ الحَّيُّ المُتَدَيِّنُ" [سؤال الأخلاق]، فَهَوِيَّةُ الإنْسَانِ مِنْ هَوِيَّةِ اِعْتِنَاقِهِ للدِّينِ،يَقُولُ "محمد إقبال" فِي بَيْتٍ شِعْرِي :
إِذَا الإِيمـَـانُ ضَاعَ فَلاَ أمَـانَ // وَ لاَ دُنْيَا لِمَنْ لَمْ يُحْي دِينَا وَ مَنْ رَضِيَ الحَيَاةَ بِغَيْرِ دِينٍ // فَقَدْ جَعَـلَ الفَـنَاءَ لَهَا قَرِينَا
وَ لنَنْتَقِلْ إِلَى مُسْتَوًى ثَانٍ يَهْتَّمُّ بـِنَقْدِ الآخَرِ . . ـ خَلَلُ وَ تَهَافُتُ نَظَرِّيَّةِ " لاَ وُجُوبَ مِنَ الوُجُودِ" : مِنَ المَعْلُومِ أنَّ الثَّقَافَةَ الغَرْبِيَّةَ العَقْلاَنِيَّةَ اِنْبَنَتْ فِي فَهْمِهَا للأخْلاَقِ العَقْلاَنِيَّةِ عَلَى قَوْلَةٍ للفيلسوف التَّجْرِيبِي "ديفيد هيوم" وَ هِيَ " لاَ وُجُوبَ مِنَ الوُجُودِ" ، التِي تَعْنِي أنَّهُ لاَ وُجُوبَ مِنْ أنْ تَتَأَسَّسَ الأخْلاَقُ عَلَى مَا هُوَ "خَبَرِيٌّ إيمَانِيٌّ" أيْ ؛ كَمَا فَصَّّلَ هْيُوم "أنَّ الأحْكَامَ الإِيمَانِيَّةَ وَ أخْبَارَ المُعْجِزَاتِ لاَ تَصْلُحُ أنْ تُؤَسَّس الأَحْكَامَ الأخْلاَقِيَّةَ " ضَارِبًا آراءَ هُوبْزْ وَ دِيكَارْتْ ، فيجعل "دفيد هيوم" الِإدْرَاكَاتِ الحِسِّية َ أسَاسًا لِكُلِّ الأفْكَارِ التِي يَحْمِلُهَا الإنْسَان . تَنَاسَى "هْيُومْ" أنَّ الخَبَرَ بِطَبِيعَتِهِ خَبَرٌ عَقْلِيٌّ كَذَلِك،بِدَلاَلَةِ أنَّنَا نَعْقِلُه،فَهُنَاكَ تَمَاهٍ بَيْنَ الخَبَرِ وَ العَقْلِ إذَنْ وَ هَذَا مَا تَنَبَّهَ لَهُ" نَقْليٌّ مِثْلَ الأَشْعَرِيِّ إذْ قَالَ "العَقْلُ هُوَ العِلْمُ" [ أنظر حسن حنفي،من العقيدة إلى الثورة ج 1 المقدمات النظرية] بِدَلاَلَةِ أنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ العَقْلِ وَ الوَحْي والشرع،فَكُلُّ شَرْعٍ هُوَ عَقْلٌ مِنَ الخَارِجِ وَ كُلُّ عَقْلٍ هُوَ شَرْعٌ مِنَ الدَّاخِلِ،[ أنظر الراغب الأصبهاني" ،"تفصيل النشأتين" ص 117 ] . مِنْ جِهَةٍ أخْرَى لاَ شَكَّ أنَّ هُنَاكَ مُتَخَلِّقِينَ غيرُ مُتَدَيِّنِينَ بِدِينٍ سَمَاوِي، و هُمْ المادِّيُونَ و العَلمَانِيُّونَ وَ التَّارِيخَانِيُّونَ وَ الوَضْعِيُّون،وَ كُلُّ الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالمُطْلَقِ عُمُومًا،وَ تَنَاسَوْا أنَّ اِخْتِرَاعَهُمْ لِمَبْدَأْ "النِّسْبِيَّةِ" اِخْتِرَاعٌ أيْضًا لِمُطْلَقِيَّةِ "النِّسْبِيَّةِ"،وَ نُشِيرُ أنَّ العَقْلاَنِيِّينَ اللأَخْلاَقِيِّينَ مَا بَعْدَ "دِيكَارْتْ" "اخْتَلَسُوا" مَفَاهِيمَ إيمَانِيَّةً مِنَ الدِّينِ المَسِيحِيِّ وَ سَتَرُوا ذَلِكَ [ أنظر سؤال الأخلاق ص 22 ] لَكِنَّنَا لاَ نَتَكَّلَمُ عَنِ الأَشْخَاصِ بَلْ عَنِ "النَّظَرِيَّةِ" ، وَ النَّظَرِيَّةُ الأخْلاَقِيَّةُ غَيْرُ الدِّينِيَّةِ أَوْصَلَتْ الإِنْسَانَ إلَى ضِدِّ مُبْتَغَاهَا نَظَرًا لِهُلاَمِيَّةِ الوَسِيلَةِ وَ اِنْعِدَامِ الغَايَةِ الحَقَّةِ ،حَيْثُ تَنْبَنِي النَّظَرِيَّةُ العَقْلاَنِيَّةُ عَلَى : ـ لاَ أَخْلاَقَ فِي التِّقْنِيَّةِ وَ العِلْمِ . ـ لاَ غَيْبَ فِي المَعْرِفَةِ العِلْمِيَّةِ.. وإذا تتبعنا هاتين القاعدتين المؤسستين للحضارة اللوغوسية الغربية نجد أنهما يُسَبقان المعرفة على الغيب و التقانة على الأخلاق ، لذلك لا غرو أن نرى دعوات الاستنساخ في كل مكان،ودعوات الشذوذ والبهيمية ترفل في نعيم من التشريع بفضل دفاع المجتمعات المدنية عنها بدعوى الحرية ؛ أي لا وازع دينيا يقي هذه الحضارة من الانهيار . في نفس الآن و من داخل حضارة اللوغوس التي تجعل الأخلاق تابعة للعقل المجرد،نبعت أصوات تدعو إلى خطورة الأخذ بالعلمية المجردة عن الغيب و بالتقنية المنزهة من الأخلاق ، فإذا صح القول الحداثي للاخلاق فإن نظرية الأخلاق عندهم و المبنية على العقلانية و الموضوعية و اِنفكاك القيم عن الدين غير صحيح بدلالة أن الغرب يخوض معركة من أجل تصحيح المسار خصوصا من جهة دعاوى"مابعد الحداثة" في ضربها لمفهوم العقل ذاته، وعندما ينتقد متفلسفة في قيمة "يوناس" انطلاقا من نظرية المسؤولية من خلال كتابه "مبدأ المسؤولية : أخلاقيات من أجل الحضارة التكنولوجية" والذي حاول فيه إرجاع ما للأخلاق الدينية عبر الكلام عن مبدأ نؤمن به نحن المسلمين وهو "مبدأ الاستخلاف" في الأرض،كما عبر "يورغن هابرماس" في "نظرية التواصل" ـ من خلال عدد من إسهاماته أهمها "الأخلاق و التواصل" و كذلك"كارل أوتو آبل" في كتابه "في مسألة التأسيس العقلي للأخلاقيات في عهد العلم" ـ عن مبدأ جديد للأخلاق يضرب بعرض الحائط مبدأ "لا غيب في العلم" و "لا أخلاق في التقانة" وهو مبدأ "التناظر" عن طريق الإجماع،كما قالت الفلسفة الغربية المعاصرة بنظرية "الضعف"،عند "جاك إيلول" و "دومينيك جانيكو" مثلا ، حيث تحدثا عن قانون"الانقلاب" الأخلاقي الذي جاءت به الحضارة اللوغوسية والتي أضرت بالإنسان حتى أصبح عدميا لا يدري أين يتجه،كما أضحى عبثيا يفعل كل شيء بغير وازع إيماني يزرع الأخلاق فيه.
1 ـ في اللغة :
الأخلاق من الخُلق ، و الخُلق من الخِلقة ؛ أي أن الخلقة تعني إيجادا فاِنوجادا،بمعنى أن الخُلق فطرةٌ موصولة بالموجد الذي هو الخالق،فكيف نفصل بين الخِلقة و الخالق و الأخلاق ؟!
2 ـ في التقسيم البشري :
الجنس البشري ينقسم إلى : أ ـ جسد / مادة . ب ـ عقل / فكر . ج ـ قلب / نية و حب . د ـ روح / تدين و أخلاق. وفي الإسلام لا نفرق بين هذه المكونات جميعِها بل نماهيها من أجل حفظ الحياة و الفكرة ..إلخ ، ومن دلائلنا على ذلك آيات كثيرة من الوحي الذي هو خبري تدعو التأمل الذي هو عقلي ومن ذلك الآيات الآتية : ـ "فلينظر الانسان مم خلق" الطارق/ 5. ـ "فلينظر الانسان الى طعامه"عبس/ 24. ـ "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" الذاريات/ 21. ـ "أفلا يبصرون" السجدة /27. ـ "كتاب أنزلناه مباركا ليدبروا آياته" ص/29. ـ "أفلا يتدبرون القرآن" محمد/ 24. ـ "أفلم يدبروا القول" المؤمنون/68. ـ "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" الجاثية/13. ـ "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" الرعد/3. ـ "لعلكم تتفكرون" البقرة/219. ـ "أن تقوموا لله مثنى و فرادى ثم تتفكرو" سبأ/ 46. كما أورد "الفخرُ الرازي" في التفسيرٍ الكبير والقرطبي في تفسيره قولَ النبي الكريم(ص) "ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمل فيها" على الآية التي تقول"إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" آل عمران/ 190... كما أنه لا فرق بين القلب و العقل عندنا ومن ذلك قول الشرع الذي هو عقل من الداخل : "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها" الحج/46.
3 في الخصوصية المغربية :
لا شك أن هناك خصوصيةً مغربيةً واضحةً في التعاطي مع منظومة الأخلاق،اِبتداءً من كتابات "محمد عزيز الحبابي" وحديثه عن الشخصانية الإسلامية التي تقوم على ما سماه "الكوجيطو الإسلامي المقلوب" وهو شهادة "ألا إله إلا الله محمد رسول الله" و "عبد الله العروي" الذي رأى في "خواطر الصباح" أن النظامَ الأخلاقيَّ ضروري كل الضرورة و مقدم على كل نظام آخر،و "أحمد العلوي" في "التمثال و الطبيعة" في رده على "محمد أركون" حيث قال إن الأخلاقَ مقدسةٌ ولا تنفصل عن الدين، و "محمد عابد الجابري" في "العقل الأخلاقي العربي "،الذي رأى ضرورةَ نهوض الأخلاق على "الموروث الإسلامي" خصوصا المروءة من أجل بناء المصلحة الإنسانية،و اِنتهاء بـ"طه عبد الرحمان" الذي وصل الـخـُلق بالعمل و العلم و الشرع و الوحي و القلب في عموم مشروعه و خصوصا في "سؤال الأخلاق" و "سؤال العمل ."..
4 ـ في المنهج ؛ طه عبد الرحمان نَمَوْذَجا :
الفيلسوف المغربي "طه عبد الرحمان" يفرق جيدا بين الإنسان"الدياني" المتعصب وبين الإنسان الاِئتمانيِّ الرحب صدره المتعددة صور تقبله للآخر،من جهة ثانية فالفكر الطهاوي ليس هو فكر الإنسان "اللاهوتي" أو عالم الكلام عموما وإنما ينتمي إلى ما يسمى"فلسفة الدين" ، ولعمري كم يرفض دعاة الفلسفة بآخرة الفلسفة الدينية لمجرد أنها تقوم على مسلمات غيبية كما تقوم الفلسفة المجردة/الموضوعية على مسلماتها العقلية المادية . من جهة الأخلاق فقد بينا من قبل خلل ذلك القانون الهيومي الذي فرق بدون أية حجة منطقية بين الدين و الأخلاق ، و لنفترض أن هيوم على صواب ، فهل يعني أننا بوصفنا مسلمين يجب أن ننساق وراء دعاويه ؟ كما أن هذا القانون قادنا إلى آفات أخلاقية سندرجها تَباعا. المسلمتان الإسلاميتان في الأخلاق تقومان على عدم التفريق بين كثير مما ينفصل في حضارة اللوغوس،فالإسلام لا يفرق بين الخلق و الشرع و الوحي و العمل و العلم،فالكل في خدمة الكون بقيمة التعبد. فإذا كانت الحضارة اللوغوسية على صواب في ما تدفع به من أن الأخلاق من العقل.
4ـ1 عدم شمولية الأخلاق العقلية للممارسة البشرية :
نحن نلاحظ كيف أن الممارسة السياسية مليئة بكل ما يخالفُ الأخلاق من نفاق و كذب و حب شهرة..إلخ كما نلاحظ أن القوانين العقلية لا تضبط أخلاقا دنيئة كالكذب و الرياء والنفاق و الحسد، في حين أن الأخلاق الدينية تحاسب حتى النية بله تمثل النية أفعالا.
4 ـ 2 الآفات الثلاث للحضارة الأخلاقية اللوغوسية حسب طه:
ـ آفة التضييق ؛ حيث أُعْطِيتِ الأولوية للمنطق و يقول كارناب هنا"لا أخلاق في المنطق"،أي تم التضييق على الأخلاق بدعوى العلمية والموضوعية،فالأخلاق ما هي إلا كماليات إذن،في حين أن الأخلاق أساسُ الدين و الحياة"إنما بعثت لأتمم مكارم/صالحَ الأخلاق" ،"الدين المعاملة".. ـ آفة التنقيص ؛ إذ انتقلت الأخلاق إلى رتب متأخرة بفعل الممارسة الإنسانية في السياسة و التدبير الاجتماعي فسادت الكثير من البهرجات اللاأخلاقية فتراجعت الأخلاق ونرى ذلك بوضوح في الممارسة الديمقراطية السياسية و النقابية . ـ آفة التجميد :حيث أن القانون يضبط كل شيء في حين أنه لا يمكنه أن يضبط الأخلاق ؛ و النتيجة أن أضحت الأخلاق فعلا خارجا عن سلطة القانون،وبما أن له الأولوية القصوى فللأخلاق الأخروية الدنيا. من جهة أخرى علينا أن نعلم أن "مابعد الحداثة" جاءت لتقوض مركزيات العقل البشري عموما عبر التصالح مع بعض الأديان الشرقية مثلا،فأنا هنا أسأل بعض "المابعد حداثيين" الذين يفكرون في ما بعد الحداثة بعقل حداثي، كيف تنافحون عن حضارة القول في حين أنكم تنتمون فكريا إلى حضارة ما بعد القول ؟ كيف تدافعون عن العقل في حين أن التفكيك يضرب مباشرة في جميع المعايير العقلية و الآلهة الميتافزيقية لدرجة أنه ينتقد ذاته ؟ ـعلينا ها هنا أن نعرف أن طه عبد الرحمان لا ينتقد العقل إلا من خلال تجرده ويؤمن بالعقل المسدد و المؤيد العمليين و المخلقين من جهة الغاية و الوسيلة . أما من جهة ثالثة فلنكن واقعيين وبراغماتيين قليلا و لننظر إلى نتائج الحضارة اللوغوسية التي اِنبنت على العقل و من ثمة نحلل الأمثلة و نبين "أخطاء المستنقع" الذي تغوص فيه هذه الحضارة إن صح أن نسميها حضارة : ـ ممارسات بهيمية أدت سطوتها إلى تشريعات أكثر بهيمية،مثال ذلك أن ألمانية تزوجت أخاها وولدت منه ثمانية أطفال مشوهين في ضرب صارخ للأعراف الفطرية لكن ذلك لا يتعارض مع القانون ، ماذا ستفعل الحضارة اللوغوسية ؟ ستخرج لنا قوانين جديدة تحمي هؤلاء المشوهين،فعوض أن تبتر"الأخلاق العقلية" هذا الفعل من جذوره نراها تحميه و تراعي خصوصية الأطفال الناشئين عنه،بذلك تكون قد أصلحت خطأ بخطأ،وتنجر هذه الحضارة بفعل "أخلاق المستنقع" إلى مزيد من البهيمية. ـ الأخلاق اللوغوسية بطبيعتها تمقت الوصاية الفكرية في حين أن هذه الأخلاق تعمل على "تقليم" أظافر كل من يحاورها بإسم تلك الأخلاق نفسها ، من ذلك أن مؤرخا إنجليزيا تبرأ من "الهولوكوست" فحكم عليه بسنة سجنا نافذا،إذن على الحضارة اللوغوسية أن تحكم على أكثر من مليار إنسان بالسجن ممن ينفون وقوع الهولوكوست . ـ يُتبع ـ هوامش :
[1] نفرق تفريقا بين "علم الأخلاق" و "فلسفة الأخلاق"،وها هنا اِستعملنا آليات الإثنين .
#أيوب_بن_حكيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القصيدة الجاهلية في مواجهة أزمة الجوع / حلقة ثانية
-
الحَمَّام
-
قصيدة - الإمام و المأموم- [ معركة بين فقيهين على قصعة كسكس ]
-
مفهوم الأسطورة : تدقيقات مصطلحية
-
[ نخلق نماذج بشرية لشيطنتها من أجل صناعة النسق/النظام الكامل
...
-
[ القصيدة الجاهلية في مواجهة أزمة الجوع 1 : في المنهج ]
-
الحَكَّاكُ
-
الحقيقة و التبيين في أن الأخلاق من السليقة و التديين
-
المحبة ديني .. والرحمة ديدني .
-
مُسَلمتا نظرية الأخلاق عند المسلمين .
-
[ اللاوعي الجمعي للماء - كيف توحدنا ميثولوجية الماء - ؟ ] .
-
وثنيات
-
45 دقيقة في حافلة عتيقة
-
حماية ً للعلمانية الجزئية:البهيمية،الأخلاق ،العقلانية،التدين
...
-
من أوبريت فريد الأطرش إلى حماقات شعبولا و جسدانية الفيديو كل
...
-
الفتاة السوفسطائية : قناة الجزيرة و المحافظة على العشاق المل
...
-
[ اِستغلال الله في الإعلام العربي أبشعُ من اِستغلال مؤخرة هي
...
-
الله هو نسمة الهواء التي تنعشنا و بسمة الحبيبة التي تسحرنا و
...
-
الاِستحماقُ المغربيُّ ؛ العُفونة الإسلاموية بين حلم التوظيف
...
-
الاِعتزال ؛ القدر و العقل و الاِستدلال
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|