عن ( بغير عمد ترونها / عذول لائم / القتل تعزيرا فى السعودية )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 8119 - 2024 / 10 / 3 - 00:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

عن ( بغير عمد ترونها / عذول لائم / القتل تعزيرا فى السعودية )
السؤال الأول :
ماذا تعنى ( بغير عمد ترونها ) فى آية : ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا )؟ كيف تكون أعمدة ولا نراها ؟
إجابة السؤال الأول :
أولا :قال جل وعلا :
1 ـ ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) الرعد )
2 ـ ( خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) لقمان ) .
العُمُد أو الأعمدة التى لا نراها هى ما يقولون عنه الجاذبية وقوة الطرد المركزية ، وهما متعادلان ونقيضان . هذا ما نعلمه . ونحن لا نعرف إلا ظاهرا من العلم . قال جل وعلا : ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) الروم ) . ونحن لم نشهد خلق السماوات والأرض . قال جل وعلا : ( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51) الكهف ).
ثانيا : نتدبر قوله جل وعلا :
1 ـ ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ (33) النازعات )
2 ـ ( وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) الحج )
3 ـ ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) فاطر ).
ثالثا : هناك معنى آخر ، يخص الزمن الخالد فى الآخرة ، وحيث يعانى أصحاب النار . قال جل وعلا :( نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) الهمزة )
السؤال الثانى :
هل كلمة ( عزول ) فى القرآن الكريم ؟ هى موجودة فى ثقافتنا الشعبية ، والعزول فى الفلكلور الغنائى . ولهذا أسأل .
إجابة السؤال الثانى :
1 ـ هو ( العذول ) ب ( الذال ) وليس ( العزول ) ب ( الزين )
2 ـ ( عذل ) ( عذول ) ( عاذل ) كلمات عربية أصيلة ، وتتردد فى الشعر وفى التراث ، ولم تأت فى القرآن الكريم . وليس فى القرآن الكريم كل الكلمات العربية .
3 ـ ( عذل ) ومشتقاتها تعنى اللوم . وفى الفلكلور الغنائى يأتى اللوم أيضا ، فالعذول يلوم كارها أو حاقدا ، والعاشق يقول ( بتلومونى ليه ؟ )
4 ـ مصطلح اللوم ورد فى القرآن الكريم ، ومنه قوله جل وعلا :
4 / 1 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) المائدة )
4 / 2 : ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ابراهيم )
4 / 3 : ( وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39) الاسراء )
4 / 4 : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) المؤمنون ) ( المعارج )
4 / 5 : ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) الذاريات )
4 / 6 : ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) الصافات )
4 / 7 : ( وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) الذاريات )
السؤال الثالث :
القتل تعزيرا فى السعودية يتكرر فى الأنباء . كل اسبوع تقريبا يعلنون هذا . من أيام نشرت السة إن إن : (أعلنت وزارة الداخلية السعودية، الاثنين، تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة يحمل الجنسية السورية في منطقة المدينة المنورة، بعد ثبوت إدانته بتهريب أقراص الإمفيتامين المخدّر للمملكة، بحسب بيان للوزارة نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس".) عدد من تقتلهم السعودية بقوانينها رهيب . هل يتفق هذا مع الاسلام ؟
إجابة السؤال الثالث :
أولا : يتناقض الدين السُنّى مع الاسلام فى هذا الموضوع كالآتى :
1 ـ مصطلح التعزير يعنى فى القرآن الكريم الإعزاز والنُصرة ويعنى التسبيح والتقديس . قال جل وعلا :
1 / 1 : ( وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) المائدة )
1 / 2 : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157) الأعراف )
1 / 3 : ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9) الفتح )
2 ـ عقوبة القتل فى الاسلام أو ( القصاص ) ليست على إطلاقها كما فى التشريع الذى نزل على موسى . جاء هذا إخبارا عن قوم سابقين قال جل وعلا : ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ) (45) المائدة ) قبل نزول هذه الآية نزل تشريع القصاص فى القرآن الكريم مختلفا ومُخفّفا وخاصّا بنا يخاطبنا مباشرة . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) البقرة ). وعليه فإن الأصل هو دفع الدية ، والقصاص قتلا هو إستثناء، عندما يتساوى القاتل والقتيل فى الذكورة أو الأنوثة ، وفى الحرية أو العبودية : ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى ).
ثانيا :
القتل تعزيرا يخالف الدين السُنّى فى تشريعه ، إذ إبتدع السنيون تشريع التعزير عقوبة أقل من عقوبة شرب الخمر ، وهى أيضا عقوبة مبتدعة . جعلوا عقوبة التعزير بالجلد أقل من خمسين جلدة .
2 ـ أول من جعل التعزير بالقتل هو ابن تيمية الحنبلى . وسارت الوهابية التيمية الحنبلية فى تطبيق هذا التشريع ، وحتى الآن ، ومع وقوف ولىّ العهد السعودى ضد تزمُّت الوهابية إلا إنه يستبقى منها ما يعزّز إستبداده ، ومنه القتل تعزيرا لارهاب خصومه .