عن ( رعاية أب عجوز كان قاسيا / مقمحون )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 8081 - 2024 / 8 / 26 - 15:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

السؤال الأول :
أبى كان قاسى جدا علينا وعلى أمنا ، واستراحت منه لما ماتت ، وشفنا الويل منه بعد موتها ، ومفيش واحدة رضيت تتجوزه بسبب الخوف منه . وعاش وحيد متفرغ لأذيتنا أنا واخواتى البنات . إخواتى اتجوزوا واستراحوا منه ، وأنا على وشك الجواز لقيه إتصاب بالزهايمر ، وبقى لا مؤاخذه يتبول على نفسه ونفس الموضوع فى البراز . واكتر من كده فقد الذاكرة وما عادش فى وعيه . بقى موته أفضل له ولنا . غصب عنى بقيت أراعيه وعملت جدول لاخواتى يساعدونى فى تنظيفه ورعايته ، وكلنا بنفتكر قسوته علينا ، بس بقى صعبان علينا . وصعبان علينا أكتر إنه مش حاسس بالقرف اللى بنشوفه . يعنى كان قرف علينا فى صحته وبقى قرف علينا فى مرضه . بقينا ندعى ان ربنا يرحمه ويرحمنا بموته . هل ده يجوز ؟ يعنى ندعى ان ربنا يريحه ويريحنا .؟

إجابة السؤال الأول :
أولا :
1 ـ منشور لنا كتاب عن الضعف ، كله فى تدبر قول الله جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ) (54) الروم ) . الذى يعيش لأرذل العمر يمرّ بمرحلة الطفولة وضعفها ، ثم يبلغ أشدّه وقوته ، ثم تنساب منه القوة والشباب ويدخل فى مرحلة الضعف والشيخوخة والأمراض والاحتياج . يعنى يعيش الانسان مرحلتى ضعف فى البداية وفى النهاية ، وبينهما مرحلة الفتوة والصحة والشباب .
عن التشابه بين مرحلتى الطفولة والشباب يقول جل وعلا :
1 / 1 : ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ) (78) النحل )
1 / 2 : ( وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) (5) الحج )( وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً ) (70) النحل ).
فى طفولة الانسان بعد ولادته يحتاج الانسان الى من يطعمه ويسقيه وينظفه ويرعاه فى كل صغيرة وكبيرة . حين يبلغ أرذل العمر يفقد صحته وربما ذاكرته ، وربما يحتاج لمن ينظفه ويساعده فى الأكل وفى الحمّام .
2 ـ الفارق :
2 / 1 : أن الانسان لا يتذكر نشأته الأولى طفلا ما بين شهر الى عامين أو ثلاثة . لا يتذكر رعاية الأبوين به ، وإن كان يرى حوله الوالدين يرعيان طفلهما الذى لا يعى شيئا . وما أروع قوله جل وعلا :( وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) الواقعة ). نحن نعلم نشأتنا الأولى فى طفولتنا المبكرة ، نعلمها مما نراه ولكن لا نتذكر ما حدث لنا .
2 / 2 : أن فى غريزة الانسان أن يرعى طفله ، بنفس غريزة الطفل فى الالتصاق بوالديه إحتياجا لهما . ولكن ليس فى غريزة الانسان أن يرعى والديه فى مرحلة الشيخوخة وأرذل العمر . لذا تكررت الأوامر الالهية بالاحسان للوالدين ، وأن يأتى هذا تاليا للأمر بعبادة الله جل وعلا وحده لا شريك له . نعرض لبعض الآيات :
2 / 2 / 1 : فى الوصايا العشر تأتى الوصية الأولى والثانية : ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) (151) الانعام )
2 / 2 / 2 :( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً( 36 ) النساء )
2 / 2 / 3 :( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) الاسراء )
أخيرا
1 ـ أبوك كان قاسيا معكم . هذا الذى تتذكرونه ، ولكنكم لا تتذكروا رعايته لكم أطفالا . صحيح أنه أخطأ فى قسوته وهو يدفع الثمن الآن ، وعليكم أن تتعظوا بهذا ، وألّا تهملوا فى رعايته طالما هو فى حوزتكم محتاجا لكم . ولتتذكروا قوله جل وعلا : ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ )(123) النساء )

2 ـ تذكر قوله جل وعلا : ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) الاسراء )
3 ـ وتذكر ما ينتظرك فى شيخوختك ـ إذا عشت طويلا . قال جل وعلا : ( وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68) يس )
السؤال الثانى من الاستاذة ام محمد : ما معنى ( مقمحون ) فى سورة يس ؟
إجابة السؤال الثانى :
قال جل وعلا : ( لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) يس ). تدبرا فى الآيات الكريمة نقول :
1 ـ السياق الموضوعى هنا فى إستحالة إيمان المصممين على الكفر مهما أتاهم الوعظ القرآنى ، فطالما تمسكوا بالضلال فإن الله جل وعلا يزيدهم ضلالا ، بينما الذى يهتدى يزيده الله جل وعلا هدى . وأن الوعظ ينفع مع من يتبع الذكر ويخشى الرحمن بالغيب. قال جل وعلا :
1 / 1 : ( قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76) مريم ).
1 / 2 : ( مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) طه ).
1 / 3 :( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) ق ) .
1 / 4 :( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى (11)الأعلى )
2 ـ فى تصوير رفضهم للهداية وأن يزيد الله جل وعلا فى ضلالهم قال جل وعلا : ( إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (8)) . ( مُّقْمَحُونَ )إسم مفعول من الفعل ( أقحم ) أى أقحمهم الله جل وعلا فى أغلال معنوية تمنعهم من الهداية أى ( طبع على قلوبهم ) . وهى صورة مجازية ( إستعارة ) .
3 ـ وجاء نفس المعنى فى قوله جل وعلا :
3 / 1 :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) الكهف )
3 / 2 : ( وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ (193) الأعراف )
3 / 3 : ( وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) الأعراف )
3 / 4 :( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46) الاسراء )
3 / 5 : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) الأنفال )
4 : وهم أنفسهم إعترفوا بهذا : ( وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) فصلت ).