عن ( العقل والتعقل / لماذا كان يغضب موسى ؟/ التفضيل بين الملائكة )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 8131 - 2024 / 10 / 15 - 20:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

عن ( العقل والتعقل / لماذا كان يغضب موسى ؟/ التفضيل بين الملائكة )
السؤال الأول :
أنت ذكرت في بحثك عن الاسناد أن العقل والتعقل هو سبب نزول القران الكريم وضح لنا ذلك؟
وما الفرق بين 1/ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ من سورة يوسف- آية (2) 2/ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ من سورة الزخرف- آية (3) .
إجابة السؤال الأول :
1 ـ ليس فى القرآن كلمة ( عقل ) ولكن فيه ( تعقلون / يعقلون ) أى إستعمال العقل . العقل غير الذكاء . هناك نصّاب شديد الذكاء ، ولكنه ليس عاقلا مهتديا . هناك تاجر شديد الذكاء ويعرف كيف ينفق ماله وكيف يستثمره ، ولكنه يفقد عقله حين يضع أمواله فى صندوق التبرع لمحتالين بالدين أو فى قبر مقدس . هناك عبقرى فى الذرة والكيمياء والأفلاك السماوية ، ولكنه فاقد لعقله إذ يتحدث عن الطبيعة ناسيا خالق الطبيعة ، وقد يتبرك بتمثال للعذراء .
( تعقلون ، يعقلون ) تعنى الهداية ، وأولو التعقل هم أولو الألباب ، ومن صفاتهم التفكر ، قال جل وعلا : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) آل عمران ) .
ونقيض التعقل هو إتّباع الهوى ، ومن يتبع الهوى فهو أضل سبيلا من الأنعام . قال جل وعلا : ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) الفرقان ). ولهذا نزل القرآن الكريم لنا لنهتدى أى لنتعقل ونتفكر ونتفقه ونتبصّر ونتذكر، وكلها مرادفات وبمعنى واحد .
2 ـ فى سورة يوسف أنزل الله جل وعلا قرآنا عربيا لعلنا نتعقل ونهتدى . فى سورة الزخرف جعله الله جل وعلا قرآنا عربيا لعلنا نتعقل ونهتدى . خصوصية كلمة ( جعلناه ) نفهمها من سياق الآيات يقول جل وعلا : ( حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) ). ( أم الكتاب ) الذى هو لدى الله جل وعلا هو الأصل الذى جاءت منه كل الرسالات الالهية ، من رسالة نوح الى القرآن الكريم ، وكل رسالة تنزل باللسان الذى يتحدث بها الرسول . قال جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) (4) ابراهيم ). الرسالة الخاتمة هى النهائية ، وموقعها فى ( أم الكتاب ) موقع علىُّ حكيم ، وقد ( جعلها ) الله جل وعلا باللسان العربى المبين . ونتذكر قوله جل وعلا عن القرآن الكريم : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) فصلت ). لم يشأ الله جل وعلا أن ( يجعله ) أعجميا ، بل جعله عربيا ، وقال للعرب:( لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10) الأنبياء ). كانوا أُمّة أُمّية لم يأتهم كتاب فبعث الله جل وعلا رسولا منهم : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) الجمعة ) . كانوا على هامش العالم ولا يأبه بهم أحد وقتها ، فنزل القرآن الكريم وفيه ذكرهم لعلهم يعقلون . فكذّب به أغلبهم . قال جل وعلا : ( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) الأنعام )
السؤال الثانى :
لماذا لم يعاقب الله عز وجل موسى حين ألقى الألواح وحين قتل الرجل المصرى ؟
إجابة السؤال الثانى :
موسى عليه السلام لم يكن يغضب لنفسه .
1 ـ لم يكن يقصد قتل الرجل المصرى، إستغاث به رجل من قومه يتعرض لاعتداء الرجل الأقوى ، ضربه موسى فمات ، فندم موسى وطلب الغفران . قال جل وعلا : ( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) القصص ). بسبب سطوة الذى قتله أصبح موسى خائفا ( يترقب ) . قال جل وعلا : ( فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) القصص ).
2 ـ حين ألقى الألواح كان هذا غضبا من أجل رب العزة ، حين وجد قومه فى غيابه قد عبدوا العجل الذى صنعه لهم السامرى .
3 ـ فيما عدا ذلك كان قومه يؤذونه وكان يتحمل أذاهم ، ويرد عليهم برفق . تدبر قوله جل وعلا : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) الصف ). وكانوا يتهمونه بهتانا ، ويتحمل الى أن يأتى إنصافه من ربه جل وعلا . تدبر الآية الكريمة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) الأحزاب )
السؤال الثالث :
نهى الله سبحانه وتعالى عن التفريق بين الرسل ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة ). لماذا لا ينهانا عن التفريق بين الملائكة ؟
إجابة السؤال الثالث :
لأن الرسل بشر نراهم . وليس هذا حال الملائكة .