اليسار الفلسطيني تيار ديمقراطي موجود في صفوف شعبنا وفي الميدان ضد الاحتلال
نايف حواتمة
الحوار المتمدن
-
العدد: 5434 - 2017 / 2 / 16 - 17:56
المحور:
مقابلات و حوارات
انطلاقة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في عيدها الـ 48
البرنامج الوطني المرحلي هو البديل الوحيد الذي يستجيب للحقوق القومية والوطنية لشعبنا الفلسطيني..
حاوره: علي سمودي
■ مع دخول الجبهة عامها الجديد في ظل انقلاب موازين الصورة على كل الصعد، أين أنتم اليوم، وكيف ترون واقع ودور الجبهة واستراتيجيتها المستقبلية؟
■■ في العيد الـ 48 لتأسيسها وانطلاقها (22/2/1969) تدخل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عاماً جديداً مكللاً بالنضالات والتضحيات، جنباً إلى جنب مع القوى الوطنية الفلسطينية الأخرى وأبناء شعبنا، في المناطق المحتلة عام 67، وفي مناطق الـ 48، وفي الشتات والمهاجر، وهي تزداد تصميماً على التمسك ببرنامجها الوطني المرحلي، برنامج العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 حزيران 67، بعد أن أثبتت الوقائع فشل البدائل التي قدمها إتفاق أوسلو الكارثي، وبعد أن أثبتت الحوارات والتجارب الوطنية ووقائع الإجماع الوطني منذ حوار القاهرة 2005، مروراً بوثيقة الوفاق الوطني - وثيقة الأسرى (حزيران/ يونيو 2006 في غزة)، ووثيقة الحوار الوطني الشامل في القاهرة (4/5/2011) وبعدها حوارات بيروت في اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني، في حوارات موسكو، بدعوة من معهد الإستشراق في روسيا، أن البرنامج الوطني المرحلي كما طرحته وطورته الجبهة الديمقراطية (آب/ اغسطس 1973)، وبات محل إجماع وطني لقرار المجلس الوطني الفلسطيني بالاجماع وحتى يومنا، هو البديل الوطني الوحيد القابل للحياة، والذي يستجيب للحقوق القومية والوطنية لشعبنا الفلسطيني.
1) يستجيب لنضالات أهلنا في الـ 48 ضد منظومة القوانين الصهيونية القائمة على التمييز العنصري، والتطهير العرقي والتهميش الإقتصادي والإجتماعي، ومصادرة الأرض، وهدم المنازل، يستجيب لحقهم في العيش بكرامة وطنية فوق أرض وطنهم، يتمتعون بشخصيتهم وهويتهم الوطنية الفلسطينية والقومية العربية، وبحقهم في المواطنة والعدالة الإجتماعية، في مواجهة الأسرلة والتذويب.
2) يستجيب لحقوق شعبنا في المناطق المحتلة في الضفة الفلسطينية، والقدس والقطاع، في رحيل الإحتلال، وتفكيك الإستيطان، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 حزيران (يونيو) 67،
3) يستجيب لحقوق أهلنا اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948، وإلى حين ذلك حقهم في العيش الكريم في الدول المضيفة، متمتعين بحقهم في السكن اللائق والتعليم، والعمل، والشروط البيئية والصحية المناسبة وغيرها من الحقوق الإجتماعية والإنسانية التي كفلتها للبشر شرعة حقوق الإنسان.
في هذا السياق نرى أن أحد المعوقات الرئيسية لإستنهاض الحالة الوطنية الفلسطينية وبما يستجيب للتحديات التي تواجه قضيتا الوطنية وحقوقنا المشروعة، هو الإنقسام البغيض لذلك نناضل مع جميع الفصائل داخل منظمة التحرير الائتلافية وخارجها من أجل وضع حد لهذا الإنقسام، وإستعادة الوحدة الداخلية لشعبنا، وإستعادة البرنامج الوطني الموحّد والموحّد بديلاً لمشروع أوسلو ومشاريع اللجنة الرباعية وخطة الطريق وغيرها. لذلك مارس وفدنا إلى اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني في بيروت (10+11/1/2017) برئاسة نائب الأمين العام وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني الرفيق قيس عبد الكريم، وعضوية الرفيق علي فيصل عضو المكتب السياسي، دوراً ملموساً ومهماً وبارزاً، في بلورة موقف وطني موحَد، أسقط الدعوة إلى المجلس الوطني الفلسطيني القديم بمن حضر والذي لم ينعقد منذ عشرين عاماً، كونه خطوة خطيرة نحو تعميق الإنقسام، ولصالح الإجماع على مجلس وطني جديد في الوطن والشتات يحضره الجميع، يقوم على قاعدة الإنتخاب الديمقراطي النزيه والحر، بموجب التمثيل النسبي الكامل، ووفقاً للائحة المغلقة، في الداخل (150 عضو) وفي الخارج (200) عضو، يشكل مدخلاً نحو إنهاء الإنقسام، وإستعادة الوحدة الداخلية على أسس ديمقراطية خارج إطار الصفقات الفوقية وصفقات الكوتا، التي تفتح الباب للإنتهازية والزبائنية السياسية، وتعطل خطوات الإصلاح الوطني المطلوبة للمؤسسة.
عبر الإنتخابات الديمقراطية الحرة والنزيهة والشفافة يقرر شعبنا إنحيازاته السياسية والتنظيمية، وينال كل طرف ما يستحقه من دعم شعبي عبر صندوق الإقتراح، وتفتح الباب للشراكة الوطنية لكافة مكونات الحالة الوطنية الفلسطينية ونسقط سياسة الاقصاء، والإستقطاب الثنائي والزبائنية التوظيفية وفساد المال السياسي والانتخابي والاعلامي التي أرهقت مسيرتنا الوطنية وأغرقتها في الأمراض السياسية والإجتماعية، وزرعت في صفوف شريحة من أبناء شعبنا أفكاراً غلبت المصالح الذاتية على المصالح الفئوية والفردية الوطنية العليا وقضيتنا الوطنية.
■ من مكة ومصر وقطر لموسكو .. تكررت اللقاءات ومازال الانقسام مستمر، بصراحة من يتحمل المسؤولية، وكيف ترون الحل الحقيقي لإنهاء الانقسام؟
■■ الحوار الوطني الشامل حاجة وطنية دائمة، هدفها أن تبلور، من خلال الشراكة الوطنية، القرار الفلسطيني والإستراتيجية الفلسطينية في كل مرحلة. الحوار هو السبيل إلى معالجة الخلافات والوصول إلى قواسم مشتركة وتوافقات وطنية تصون وحدة قضيتنا ووحدة شعبنا وحقوقه الوطنية المشروعة. البديل للحوار هو الإنقسام، والصراع اللامبدئي، كما شهدنا في قطاع غزة، على ضوء نتائج انتخابات المجلس التشريعي الثاني (2006)، والتي تطورت إلى صراع دموي بين فتح وحماس تحول إلى إنفجار صاعق إنقلابي سياسي وعسكري، ألحق الكارثة بقضيتنا في 14/6/2007.
ونحن لم نخفِ الحقائق عن شعبنا حتى تحملنا المسؤولية الوطنية وقلنا إن الطرفين فتح وحماس يتحملان المسؤولية الوطنية عن الإنقسام، يتحملان المسؤولية الوطنية عن تعطيل الإتفاقات العديدة لأجل إنهاء الإنقسام،
عندما جرت انتخابات المجلس التشريعي الثاني (2006) دعونا إلى قانون إنتخابات بالتمثيل النسبي الكامل، يقوم على مبدأ الشراكة الوطنية، ويقطع الطريق أمام القوانين الإقصائية وذات النتائج الإستبدادية والانقسام والفساد الفئوي الفردي. لكن طرفي الإنقسام توافقاً معاً، آنذاك على رفض التمثيل النسبي، ولولا صمودنا في حوار القاهرة (2005)، لما توصلنا إلى حل وسط، لقانون يجمع بين الدائرة الفردية والتمثيل النسبي. وقد أثبتت تجربة الإنتخابات أن قانون الدائرة الفردية، هو الذي أنتج حالة الإستقطاب الثنائي بين فتح وحماس، بينما قانون التمثيل النسبي هو الذي فتح الباب لمعظم القوى لدخول المجلس التشريعي. ومنذ ذلك الوقت والعلاقات الثنائية بين الطرفين تشهد صراعات انقسامية غير مبدئية على «السلطة والمال والنفوذ»، على الوظائف والمصالح والمغانم والنفوذ في السلطة، بينما جرى تنحية الخلافات السياسية جانباً، وتؤكد الحوارات الثنائية بينها أن القضية السياسية لم تكن تشكل يوماً ما قضية خلافية، فالطرفان على إستعداد للمساومة سياسياً، مقابل التشدد والتصلب في عملية إقتسام المؤسسة والمصالح الفئوية، كالوزارات والوظائف والإدارات العامة والنفوذ في الأجهزة الأمنية وسواها.
لقد دعونا منذ الأيام الأولى للإنقسام في 14/6/2007 إلى إنهائه، والعودة إلى الوحدة الوطنية الداخلية. ومبادراتنا في هذا السياق عديدة، كلها تهدف إلى إعادة الخلاف إلى إطاره السياسي ووضع حد للصراع الدموي وسياسة الإعتقالات والمطاردات والإعتقالات والمطاردات المضادة.
ندعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة كل الفصائل وشخصيات وطنية مستقلة (عملاً بما جاء في بيان اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني) تشرف على إجراء انتخابات شاملة، رئاسية، لتجديد شرعية رئيس السلطة، وتشريعية (المجلس الوطني الفلسطيني) وللبلديات والمجالس المحلية، تكون كلها وفق قانون التمثيل النسبي الكامل، باللائحة النسبية المطلقة، وتتولى المؤسسات الجديدة، المنتخبة ديمقراطياً، وبشكلٍ حر ونزيه، إعادة توحيد الحالة الوطنية الفلسطينية. مع العلم أن التوظيف الزبائني والمال السياسي الانتخابي والاعلامي تمس سلبياً حرية ونزاهية الانتخابات.
المجلس الوطني المنتخب الجديد ينتج حكومة جديدة، تعكس خارطة القوى البرلمانية وتشكل عنوناً للوحدة الوطنية، تكون معنية بإعادة توحيد المؤسسات بين الضفة والقطاع، وتعيد النظر بالسياسات المعتمدة، لصالح إستراتيجية وطنية جديدة وبديلة، توفر لشعبنا عوامل الصمود في مواجهة الاحتلال والإستيطان، وحلول اقتصادية واجتماعية جديدة للتنمية ومحاربة البطالة والفقر والمرض.
المجلس الوطني الجديد ينتخب لجنة تنفيذية جديدة، تنتخب بدورها رئيسها، كما ينتخب مجلساً مركزياً وإدارة مستقلة للصندوق القومي، تكون معنية بتطبيق قرارات المجلس خارج سياسات التفرد والزبائنية المالية والسياسات الكيدية.
المجلس الوطني يكون معنياً بإعادة صياغة الإستراتجية الوطنية الفلسطينية، وطيّ ملف أوسلو وإتفاقاته المذلة، لصالح إستعادة البرنامج الوطني الفلسطيني الموحَد والموحِّد.
■ هل ما زال هناك دور للمجلس الوطني .. وكيف تقرؤون الدعوات لعقده؟
■■ المجلس الوطني هو الهيئة التشريعية العليا (برلمان المنفى) للشعب الفلسطيني، في إطار م.ت.ف الإئتلافية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا. ولقد صنعنا، عبر المجلس الوطني الإئتلافي، سلسلة واسعة من الخطوات الكبرى، من بينها البرنامج الوطني المرحلي الذي إقترحته الجبهة الديمقراطية وبادرت طرحه على الرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي، وإعلان الإستقلال الذي رسم للإنتفاضة الكبرى مسارها وأهدافها ورسم لشعبنا هدفه الوطني السامي.
تعطيل المجلس الوطني دفع حين أخلّ أصحاب أوسلو بالإئتلاف الوطني، وإنقلبوا على البرنامج الوطني الفلسطيني وذهبوا من وراء ظهر الشعب ومؤسساته الوطنية الجامعة، نحو حلول هابطة ورهانات ومغامرات وسياسات عقيمة، أثبتت بعد 26 عاماً أنها لم تحقق لشعبنا سوى الكوارث الوطنية.
لذلك حين ندعوا لإنعقاد المجلس الوطني، فنحن نفترق عن دعوة من يريد مجلساً بمن حضر، ويريد إعادة صياغة لجنة تنفيذية جديدة على مقاس هذا الفصيل أو ذاك، هذا الفرد أو ذاك، لتكون اللجنة التنفيذية هي في موقع المساءلة على يديه، ما يعمق السياسة الفئوية الاحتكارية والإقصائية لهذا الفصيل أو ذاك، وسياسة التفرد والإستفراد، وزراعة الأوهام بالحقوق الوطنية الفلسطينية؛ بديلاً عن سياسة الشراكة الوطنية الائتلافية.
في تحضيرية المجلس الوطني في بيروت (10+11/2017) أسقطنا الدعوة المنفردة لمجلس وطني بمن حضر، وأعدنا إحياء تقاليد الشراكة الوطنية التي كرسناها قبل أوسلو، أي أن تجتمع الفصائل على المستوى القيادي الأول للتحضير لمجلس وطني يحضره الجميع، آخذين بالإعتبار هذه المرة، حالة الإنقسام وضرورة دخول حركتيّ حماس والجهاد الى المجلس عن طريق إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الداخلية.
في بيروت أسقطنا دعوة المجلس بمن حضر، وباتت الآن خلف الظهر وطوينا ملفها. نحن الآن أمام ورشة تشكيل مجلس وطني منتخب جديد، للجميع، على أسس ديمقراطية، يعكس الخارطة السياسية الإجتماعية للقوى الوطنية والإجتماعية في صفوف شعبنا. لذلك توافقنا على مبدأ التشكيل بالإنتخاب، الأمر الذي يستدعي تشكيل حكومة وحدة وطنية، تكون واحدة من مهماتها الإشراف على إنتخاب مجلس وطني جديد، في الداخل (150 عضو) وفي الخارج (200 عضواً) والتوافق على صيغة معينة حيث يصعب أو يستحيل الإنتخاب، وتكون اللجنة التحضيرية للمجلس معنية بإجراء مراجعة سياسية، لصالح إستعادة البرنامج الوطني الموحّد والموحّد، ووضع خطة لإصلاح أوضاع المؤسسة.
ينتخب المجلس الجديد، لجنة تنفيذية جديدة، تنتخب بدورها رئيسها، وينتخب مجلساً مركزياً، ولجان إختصاص، وإدارة مستقلة للصندوق القومي، لفصل مالية المنظمة عن مالية السلطة ولضمان تطبيق سياسة مالية شفافة، بموجب قرارات المجلس بعيداً عن سياسة التفرد والإستفراد.
المجلس الوطني الجديد، بتشكيلاته المتفرعة عنه يشكل العنوان الجديد لوحدة شعبنا، ووحدة قواه السياسية، ووحدة حقوقه الوطنية من خلال برنامج وطني موحَّد، يستجيب لصالح شعبنا وحقوقه الوطنية في مناطق الـ 48، والمحتلة عام 67 والشتات والمهاجر.
وأن أية سياسة تقود الى تجميد المجلس وتهميشه، إنما تهدف الى إبقاء الإنقسام، وتعميق سياسة التفرد والإستفراد، على حساب الوحدة الداخلية ومبادئ الشراكة الوطنية والعلاقات الداخلية القائمة على الحوار والديمقراطية، بديلاً للصراعات الدموية وسياسات الإقصاء والتهميش والإستفراد.
■ كيف تقيمون قرار الحكومة الفلسطينية إجراء انتخابات محلية جديدة في ايار القادم؟
■■ لقد رحبنا منذ المرة الماضية بالدعوة لإنتخابات محلية، لأدراكنا أهمية المجالس البلدية والمحلية في تنظيم الصفوف، وتعزيز دور المجتمع المدني، وتكريس مفاهيم الديمقراطية والتطوع وخدمة الصالح العام، وبما يوفره هذا من تعزيز لصمود أهلنا في وجه الاحتلال والإستيطان.
وعندما ألغيت دورة الإنتخابات السابقة، أعلنا معارضتنا ودعونا إلى ضرورة تحديد موعد جديد لهذه الإنتخابات ورفضنا في السياق مشروع تعديل القانون الإنتخابي، لصالح القائمة المفتوحة (قائمة الصوت الواحد للناخب الواحد بدون برنامج وقائمة تمثل البرنامج)، لصالح القائمة النسبية المغلقة (أي انتخاب برنامج وقائمة نضال لبرامج محلية تحت الرقابة الشعبية).
مع تحديد موعد جديد للإنتخابات، أعلنا ترحيبنا وموافقتنا ودعونا، وندعو كل الأطراف للمشاركة، في هذه العملية الديمقراطية، دون أية عراقيل أو تعطيل أو مقاطعة، كما ندعو لإجرائها في الضفة والقدس والقطاع، بحيث تشمل كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتشكل خطوة نحو إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الداخلية.
ومازال موقفنا ضد تعيين مجالس بلدية بقرارات فوقية، لأنها تسقط حق المواطن في إختيار من يمثله، وتعزز روح البيروقراطية والإتكالية الزبائنية والفساد، والفئوية، وتضعف دور المجتمع المدني، وتضعف روح العمل التطوعي وتعزز روح الإنكفاء لدى أبناء شعبنا، وفقدان اليقين بدور القيادات الرسمية، إن في الضفة الفلسطينية أو في قطاع غزة.
■ أين اليسار الفلسطيني اليوم وهل مازلتم تتبنون فكر توحيد اليسار؟
■■ اليسار الفلسطيني تيار ديمقراطي موجود بشكل دائم في صفوف شعبنا، وفي المؤسسة وفي إدارة العملية السياسية وفي الميدان ضد الإحتلال الإستيطاني.
منذ أن إنطلقت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين كعنوان لليسار الفلسطيني الجديد المسلح وهي تحتل دورها في الصف الأمامي، في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية وحركة التحرر العربية والحركة الثورية العالمية، قدمنا رؤيتنا في الوقت اللازم لمشروع حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد، ثم قدمنا رؤيتنا لحل الدولة الديمقراطية الموحدة على كامل فلسطين التاريخية وعلى اساس المساواة في المواطنة بدون تمييز في الاثنية (العرق) أو الدين أو الجنس وبين الرجل والمرأة، ومع التطورات المتلاحقة بادرنا إلى طرح النقاط العشر التي طورناها إلى البرنامج الوطني المرحلي الذي تبنته م.ت.ف وصار البرنامج الوطني لعموم قوانا الوطنية وشرائح شعبنا.
كما قدمنا رؤيتنا التوحيدية في منتصف الثمانينات وعلى أساسها إستعدنا وحدة م.ت.ف في نيسان (إبريل) 1987. ومع الإنتفاضة الكبرى بادرنا إلى تشكيل القيادة الوطنية الموحدة مع فتح والشعبية والحزب الشيوعي، وإلى تقديم مشاريع القرارات إلى المجلس الوطني التاسع عشر بما في ذلك إعلان الإستقلال بما هو برنامج للإنتفاضة. ومع إنقلاب أوسلو، قدمنا مشاريع حلول لتجاوز الإتفاق، وإعلان دولة فلسطين وبسط السيادة الوطنية على كامل المناطق الفلسطينية مع إنتهاء الرزنامة التفاوضية كما نص عليها الإتفاق (أيار/ مايو 99). وفي حوارات القاهرة صارعنا من أجل تطوير المؤسسة لصالح قوانين إنتخابية جديدة تقوم على مبدأ التمثيل النسبي (في أذار/مارس 2005). كما صارعنا لأجل قانون إنتخابي للمجلس التشريعي ديمقراطي ومجالس محلية وقطاعات المجتمع تقوم على مبدأ التمثيل النسبي الكامل. وكانت مساهمتنا في حوار 2006 الذي إنتهى إلى وثيقة الوفاق الوطني بارزة في السياق وفي النتائج حيث إستعدنا في الوثيقة عناصر البرنامج الوطني بديلاً لإتفاقات أوسلو. كذلك كنا المبادرين للتحرك لإنهاء الإنقسام حين أطلقنا مبادرتنا بعد أيام قليلة على الإنفجار الدموي في غزة، والتي تحولت إلى الأساس الثابت لكل مبادرات إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الداخلية.
وفي حوارات القاهرة (2011) إستطعنا أن نرسم الإتجاهات التوحيدية المطلوبة لإخراج الحالة الفلسطينية من أزمتها. وفي المجلس المركزي (أذار 2015) نجحنا في صياغة قرارات تقود عملياً إلى إسقاط إتفاق أوسلو وطيّ ملف المفاوضات الثنائية العقيمة.
وأخيراً وليس أخراً، نجحنا مع القوى الأخرى في شق الطريق أمام دعوتنا لمجلس وطني يحضره الجميع بديلاً، وأسقطنا الدعوة لمجلس وطني بمن حضر.
أما على الصعيد الميداني، فدور ذراعنا العسكري، كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية لا يقل كثير عن دور باقي الأطراف والتضحيات التي قدمناها في الحرب العدوانية على غزة عام 2014 لم تكن أقل تضحيات أطراف أخرى تملك من السلاح والقدرات القتالية مالا نملك.
الأمر ذاته نقوله عن دورنا في المجال الإجتماعي، أن دفاعاً عن مصالح المعلمين أو في التصدي لتعديلات قانون الضمان الإجتماعي، أزمة «الانتفاضة»، الكهرباء في غزة.
مع هذا نعترف أنه من الخطأ المقارنة بين إمكانياتنا وإمكانية طرفيّ الإنقسام، فتح وحماس، اللذين يهيمنان على السلطة والمال في الضفة وفي غزة، وعلى موازنات ضخمة عربية واقليمية ودولية تتيح لكل منهما ممارسة نفوذه في المجتمع.
رغم الفارق الكبير فإننا كيسار نبني نفوذنا في المجتمع بالإستناد إلى الدور اليومي لمناضلينا ومقاتلينا وإنغماس قياداتنا في معارك النضال بكل ما يتطلبه هذا الأمر من تضحيات ومعاناة.
وكنا وسنبقى الداعين إلى وحدة القوى الوطنية اليسارية والديمقراطية الليبرالية في ساحة العمل الوطني، ولنا في هذا المجال تجارب في الثمانينيات ضد الانشقاق الكبير في فتح ومحاولات تفكيك وتدمير منظمة التحرير الائتلافية؛ مع الرفاق في الجبهة الشعبية والحزب الشيوعي، وأخرها الآن تجربة التحالف الديمقراطي مع الشعبية وحزب الشعب، وفدا، والمبادرة، في الإنتخابات البلدية والمحلية. ورغم الثغرات التي شابت عمل هذا التحالف، خاصةً في خروج البعض عن المبادئ التي توافقنا عليها، فإننا من أجل تكريس هذا التحالف تحالفاً سياسياً لأنه ضرورة وطنية ملحة لإحداث التوازن في ساحة العمل الوطني ضد الإستقطاب الثنائي الاحتكاري والاقصائي، فتح وحماس، ولأن اليسار تيار توحيدي ديمقراطي، كما تثبت التجربة هو من يملك الحلول الحقيقية لقضايا شعبنا.
نحن في مرحلة تحرر وطني، تحتاج من شعبنا ولشعبنا الكفاح حتى النصر «استقلال ودولة وعودة» إلى ائتلاف وطني شامل وجبهة يسارية ديمقراطية وتقدمية وليبرالية متحدة.
■ تداعيات الوضع العربي على القضية الفلسطينية من العراق واليمن حتى ليبيا وسوريا .. هل ما زال هناك أمل بالخيار العربي والرهان القومي؟
■■ لقد تناولت في أكثر من كتاب الأوضاع العربية في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة بعد 2011 في تونس [كتاب: نايف حواتمة «الأزمات العربية في عين العاصفة، الطبعة الأولى ـــــــ الدار الوطنية الجديدة ــــ دمشق، دار الفرات ــــ بيروت 2013، ثم صدرت طبعات في سبعة عواصم عربية، بما فيها دار المسار ــــ رام الله ودار الحرية للإعلام في قطاع غزة فلسطين / وكتاب: نايف حواتمة «الثورات العربية لم تكتمل.. مسارات وإستعصاءآت، كذلك إعادة طباعته في فلسطين وفي عديد من العواصم العربية]
وأكدت في كتاباتي، وهو ما أكدته الأحداث أننا أمام مسار سياسي متواصل، تكون له محطاته الكبرى، ينهض ويخبو، لكنه يسير في الإتجاه العام نحو إجراء التغيير الشامل في المنطقة وبما سيلبي مصالح شعوبنا الفقيرة، وينقلها من حالة القمع التي تعيشها في ظل أنظمة سلطوية إستبدادية، الى حالة من الديمقراطية والعدالة الإجتماعية. هذا ما نشاهده في تونس، ونتابعه في مصر، وتعيش إرهاصاته دون أخرى كليبيا واليمن والعراق وسوريا وغيرها. وأكدت في قراءتي أن هذه التطورات سوف تصب بالضرورة في خدمة القضية الفلسطينية. ولعل تجربة تونس تشكل مثالاً ساطعاً، كيف إحتلت القضية الوطنية الفلسطينية موقعها المتقدم في إهتمامات القوى السياسية على إختلاف إتجاهاتها. لمسنا هذا في زياراتنا المتكررة لهذا البلد الشقيق ولقاءاتنا المستمرة مع قيادة الدولة وقيادات الأحزاب وفعاليات المجتمع المدني.
الأمر نفسه نراه في المغرب، حيث تحتل القضية الفلسطينية مكاناً مركزياً في برامج القوى السياسية وفي وجدان الشعب المغربي. وهذا ما لمسناه لمس اليد في المهرجانات التي دعينا للتحدث فيها عدة مرات، في أجواء شديدة الحماسة لصالح فلسطين، وقضية فلسطين في مصر، كما تلاحظون لم تخرج القضية الفلسطينية من إهتمامات الدولة والشعب، رغم حراجة العلاقة التي قامت لفترة غير قصيرة بين الدولة في مصر وبين حركة حماس وإنعكست سلباً على أوضاع أهلنا في القطاع. الخيار يكون أولاً فلسطينياً، وعلى قاعدة الخيار الفلسطيني يقوم الخيار العربي، وكما نقدم القضية إلى شعوبنا العربية والأنظمة العربية، تراها هذه الشعوب، كما تراها الأنظمة. لذلك خيارنا في إستعادة البرنامج الوطني الموحّد والموحّد سيفرض نفسه بالضرورة على الخيار العربي، خارج مشاريع أوسلو والرباعية الدولية وخطة الطريق وغيرها من المشاريع الهابطة.
■ حَدِثنا عن حقيقة وضع الفلسطينيين في سوريا؟
■■ يعيش أهلنا في سوريا في ظروف شديدة التعقيد والمأساة، تحت وطأة الأزمة التي تعيشها البلاد، خاصةً بعدما جرى تشريد أهلنا في عدد من المخيمات صارت مسرحاً للإشتباكات، منها مخيم اليرموك على سبيل المثال. وفي ظل غياب الرعاية الضرورية للنازحين والمهجرين اضطر عدد غير قليل منهم للهجرة، خاصةً الفئات الوسطى، التي تشكل عماد المجتمع المدني وعناصره الحيوية والناشطة مما أثر على التركيبة الإجتماعية لشعبنا في سوريا.
لتعزيز صمود الباقين، الذين يتنظرون على أحر من الجمر فرصة الرجوع إلى مخيماتهم وإعادة بناء وترميم ما دمرته الحرب، ندعو مؤسسات م.ت.ف، وخاصةً اللجنة التنفيذية ورئيسها، ودائرة شؤون اللاجئين إلى تحمل مسؤولياتها في دعم وإسناد العائلات المشردة، والتي خسرت كل ما عندها من مسكن ومصدر رزق. كما ندعو وكالة الغوث إلى تطوير خدماتها للاجئين في سوريا، وفي لبنان، بما يتناسب وحجم المأساة، ونحن على ثقة أن الحياة سوف تعود يوماً ما إلى المخيمات المنكوبة، هذه الثقة نستمدها من صمود أهلنا في سورية وتمسكهم بمخيماتهم، بإعتبارها الحاضنة الاجتماعية التي تصون شخصيتهم وهويتهم الوطنية الفلسطينية، وفيها يصوغون نشاطهم من أجل الحياة الكريمة إلى أن تحين ساعة العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ عام 1948.
■ بين الانقسام .. وتراجع انتفاضة القدس .. وهبوط الفعل الشعبي الميداني الفلسطيني وصعود وتنامي نفوذ اليمين في اسرائيل .. ما هو المخرج للقضية الفلسطينية؟
■■ بين هذا وذاك، يبقى العامل الذاتي الفلسطيني هو العنصر الرئيسي في إدارة العملية السياسية والكفاحية. وبقدر ما يتعاظم دور هذا العامل، بقدر ما يقع التوازن بين العامل الداخلي والعوامل الخارجية وبقدر ما يمكن لنا أن نجير الكثير من العوامل الخارجية في خدمة القضية الوطنية لشعبنا.
ولسنا في نقطة الصفر، بل نحن في خضم معركة نخوضها منذ عشرات السنين ولنا رؤيتنا وإستراتيجيتنا السياسة. أعلنا عنها في جلسات الحوار الوطني الشامل، وفي إجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وفي مجلسها المركزي، وفي بلاغات وبيانات لجنتنا المركزية ومكتبنا السياسي وعلى لسان صف قيادي واسع من الجبهة، في مناسبات عدة.
فنحن ندعو إلى طيّ ملف إتفاق أوسلو، والتحرر من إلتزاماته المذلة لشعبنا، والعمل بموجب إستراتيجية سياسية وطنية، بلورنا عناوينها ومضمونها في العديد من المحطات وفي مقدمها:
1) سحب الإعتراف بدولة إسرائيل بعد ما أخلت بإتفاق الإعتراف المتبادل في 9/9/1993، في ظل إتفاق أوسلو الهابط.
2) تنفيذ قرارات المجلس المركزي في دورته الأخيرة (آذار/ مارس 2015)، بما في ذلك وقف التنسيق الأمني، ومقاطعة الإقتصاد الإسرائيلي، وإستنهاض وحماية الإنتفاضة والمقاومة الشعبية نحو عصيان وطني ضد الإحتلال.
3) تدويل الحقوق والقضية الوطنية الفلسطينية بالذهاب إلى مجلس الأمن لمطالبته بتنفيذ قراره رقم 2334 بشأن وقف الإستيطان، والتقدم بطلب عضوية كاملة لدولة فلسطين بموجب القرار 19/67، والمطالبة بحماية دولية لشعبنا ضد الإحتلال ولأرضنا ضد الإستيطان. والذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمه مجرمي الحرب الإسرائيليين على ما إرتكبوه من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية بحق شعبنا، في الإستيطان، والإعتقالات الجماعية لأبناء شعبنا، وفرض الحصار على شعبنا في القدس والضفة والقطاع.
4) تصعيد عمليات حركة مقاطعة إسرائيل (B.DS) ونزع الشرعية عن الإحتلال وعزل الكيان الصهيوني بإعتباره دولة مارقة تنتهك وتتحدى قرارات الشرعية الدولية وقراراتها.
5) تعبئة مؤسسات م.ت.ف والسلطة الفلسطينية في إطار الإستراتيجية الجديدة، ورسم سياسات إجتماعية ومالية وإقتصادية جديدة تخدم معركة التحرير والخلاص من الإحتلال وتفكيك الإستيطان.
6) وفي مقدمة هذا كله إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الوطنية الداخلية، وإستنهاض الشارع الفلسطيني وقواه السياسية، وإعادة الإعتبار لوحدة شعبنا ووحدة حقوقه الوطنية والقومية في مناطق الـ48، والـ67 والشتات.
■ ترامب ووعوده وتصريحاته ودعمه لإسرائيل .. كيف تقرأه وترى آليات الوقوف أمام سياساته الاكثر استهدافا وتأثيراً على القضية؟ ..
■■ مما لا شك فيه أن قواعد اللعبة السياسية (إذا جاز التعبير الصحفي) قد تغيرت مع إدارة ترامب الجديدة. فمقارنة مع الحلول الأميركية كما تنبتها الإدارات السابقة والمتعاقبة على البيت الأبيض، فإن القدس لم تعد «عاصمة الدولتين» بل أصبحت بموجب قرار نقل السفارة الأميركية إليها عاصمة لدولة إسرائيل. والإستيطان بموجب سياسة ترامب لم يعد عقبة أمام السلام، وحق إسرائيل في ضم الأراضي الفلسطينية تبرره بدعته حق إسرائيل في الحدود الآمنة. والقمع الدموي الإسرائيلي يندرج في الدفاع عن نفسها ضد إرهاب. وبالتالي أصبحنا أمام مضمون جديد لملفات الحل الدائم، كما تطرحها الرباعية الدولية وكما تطرحها خطة خارطة الطريق. إذن نحن أمام إنقلاب جديد على الحقوق الوطنية الفلسطينية يضاف إلى الإنقلاب الذي أحدثه إتفاق أوسلو وملحقاته.
في ظل هذا التغيير في التفسيرات والمواقف والسياسات بات على الأخ أبو مازن، والقيادة الرسمية أن تعيد النظر هي الأخرى لسياساتها وإستراتيجيتها، وآن الأوان لأن نقتنع بأن الرهان على الدور الأميركي ما هو إلا سياسة عبثية لن تعود على شعبنا وقضيته الوطنية إلا بالكوارث.
علينا أن نعيد النظر بسياسة الرهان على المفاوضات الثنائية، وأن نعود إلى البرنامج الوطني الموحَّد بتفاصيله كما أشارت إليه في ردي على سؤالكم السابق.
■ رسالة أخيرة للشعب الفلسطيني اليوم؟
■■ وشعبنا يحتفل بالعيد الـ48 لإنطلاقة الجبهة الديمقراطية، جامعة «بين سلاح السياسة وسياسة السلاح»، ويخوض في الوقت نفسه نضالاته ضد المشروع الصهيوني، في الـ 48، ضد منظومة القوانين العنصرية، وفي الـ 67 ضد الإحتلال والإستيطان، وفي الشتات لصالح العودة وضد البدائل الأخرى، يهمني أن أتقدم بالتحية الى أسرانا البواسل في سجون الإحتلال، والى عائلات شهدائنا الأبرار الذين قدموا أغلى ما عندهم لأجل قضية شعبهم وحريته وإستقلاله وعودة اللاجئين، وأن أحيي في الوقت نفسه شباب الإنتفاضة في القدس والضفة التي ما زالت تشعل نارها رغم القمع والحصار، وأحيي المرأة الفلسطينية التي تقف في الميدان في مواجهة الإحتلال، وانحنى إجلالاً المناضلين جيلاً وراء جيل، كذلك أحيي أهلنا الصامدين في القطاع، وفي مخيمات الشتات، وأقول لهم أن الطريق الى الحرية والإستقلال والعودة يمر بالعديد من المصاعب ويتطلب الكثير من التضحيات. قدم شعبنا كل ما لديه، وما زالت وارادته صلبة بل تزداد صلابة.
أدعو طرفيّ الإنقسام الى وقف الإحتراب والعودة الى بيت الحوار الوطني، وبيت الوحدة الوطنية، وأدعو الى طيّ ملف أوسلو، كي نعود معاً الى البيت الفلسطيني، م.ت.ف الإئتلافية رفق البرنامج الوطني الواحد والموحد.