ازدهار اللاعقلانية
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن
-
العدد: 4595 - 2014 / 10 / 6 - 08:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عجز العرب عن السيطرة على الواقع لتخثر الوعي وسيولته وحتى الوعي الغربي في بلدانه يخرج الواقع عن التفهم والسيطرة بسبب نمط الرأسمالية الغربية الواسع المنفلت، لا تستطيع الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية أن تعقلن السوق والشركات وتسيطر على مساراتها، وهذا يتبدى في المدارس الفكرية التي نشأت في القرن العشرين حيث تقرأ الظاهرات الفكرية وتقدم توجهات نظرية عامة يهرب الواقع منها.
نمط الرأسمالية الواسع المسيطر يؤدي إلى تدهور الأسواق ونزول الأجور وضياع السلع وهروب الرساميل.
وهو ما يحدث عربياً لكن بشكل متخلف أسوأ، لهذا فإن المدارس الفكرية غير موجودة وهي أستاذة أو لجان في الجامعات تقوم باستيراد ما هو غربي مأزوم.
لهذا فإن مدارس البنيوية والتفكيكية لا تفكك ظاهرات التطور العربي، لا تقوم بتعرية هياكله وتغرق المجلات الفكرية والثقافية بنتاج الغرب المترجم العاجز هو ذاته عن السيطرة على نمطه الرأسمالي العالمي المنفلت.
فتمتلئ مجلات عربية بالمترجم من النتاج الغربي المنتشر عالمياً من دون أن تقدر على متابعة نتاجاتها المحلية وبالتأكيد لا تستطيع أن تحلل ظاهرات الثقافية العربية وترصدها وتشارك في تطويرها.
هذا يعبر عن غربة الوعي الفرداني وغرقه في الذاتي المنفصل عن الواقع.
ولهذا فإن البلدان البدوية والقروية تغدو الأزمة الفكرية فيها واسعة، وما تتداوله الجماعات التي تسمي نفسها أحزاباً هو قشور تلك الترجمات أو أنها لا تدري بها.
في البلدان العربية التي حاولت إنتاج وعي نقدي تحليلي لبناها عثرت على بذور ولكن لا يزال الواقع منفلتاً وأكثر انفلاتاً من السابق.
تفكك العقلانية القشورية ينمي توسع اللاعقلانية وظواهر الارتداد الخرافي ونصوص الكتاب الهامشيين المصلحيين.
تعبر الظواهر السياسية الفوضوية والدينية والارهابية والفساد عن ركام الواقع المحترق المنفلت والذي يتحول إلى أحداث يومية وظاهرات وحروب وتفكك للبلدان.
هذه كلها ظواهر مرتبطة ببعضها البعض، ولا تقدم الحروفية اليومية السطحية أي جدوى في عمليات المقاربة.
الرأسمالية الغربية التي أنتج مثقفوها مواكبات مختلفة للواقع يعيشون هم كذلك عمليات التعبية للرأسمال من حيث سيطرته على الكتاب والجامعة وإنتاج الثقافة وخلق السياسة.
تشظي البلدان العربية لغياب حتى هذه الثقافات التي ينتجها أفراد الفئات الوسطى الغربية الذين أنتجوا الماركسية والوجودية والنظريات الشكلانية التي تعجز هي الأخرى عن ملاحقة تطورات الرأسمالية الغربية المنفجرة عالمياً والمتدخلة في كل مكان والتي تصطدم برأسماليات جديدة عاصفة كالصينية والهندية والروسية.
تحاول هذه النزعات العقلانية أن تتمركز في العمال والمثقفين دفاعاً عن مصالح تتعرض للتبخر يومياً.
رأس المال غير موجود كقوة اقتصادية اجتماعية عربية رابطة للفسيفساء الوطنية العربية وهو ما قربته بلدان شرقية وخلقت بعض التماسك في بناها.
الغرق في الأزمات والمزيد من التحلل هو ما يتنامى عربياً.