تناقضٌ جوهري غير محلول
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن
-
العدد: 4580 - 2014 / 9 / 20 - 11:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التقلص الكبير للرأسماليات الحكومية الشرقية قاد إلى توسع للرأسماليات الخاصة.
في حال غياب تلك الرأسماليات الحكومية بخدماتها وقوتها الاقتصادية وأجهزة أمنها الهائلة، تتحول الأوضاع إلى اضطراب هائل كالعراق وافغانستان واليمن وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي الآسيوية الخ.
إن نمو البنية الاقتصادية الجديدة في العديد من الدول يستتبع تحولات سياسية وثقافية واجتماعية كبيرة مقاربة لتحولاتها.
إن هذا يؤدي إلى تآكل أو انهيار الأحزاب الشمولية التي عاشت تحت هذه المظلات وتشبثت بها.
إن نمو البرجوازيات الخاصة مرة أخرى في الشرق على نطاق واسع يتحدد كذلك بأشكالِ العلاقاتِ الاقتصادية التي ظهرتْ عليها هذه البرجوازيات المتعددةُ الأحجام، أي مدى صلاتها بالرأسمالياتِ الحكومية، أو مدى اعتمادها على الرساميل البنكية أو الإنتاجية الكبيرة أو المتوسطة أو الصغيرة، وكيفية ظهور الاستهلاك، فهل يتوسعُ الاستهلاكُ الإنتاجي أم الاستهلاك الفردي العادي أم الاستهلاك البذخي؟
وكذلك ضرورة معرفة العلاقات التي تتم في كل هذه البنيات الاجتماعية المختلفة، فثمة تباينٌ كبيرٌ بين البُنى الاجتماعية من بلد إلى آخر، والدولُ التي أنجزتْ التحولَ للرأسمالية التي لم تصبحْ بعدُ رأسمالية (حرةً) وخاصة الدول التي تعيشُ بين الإقطاع والرأسمالية كالدولِ العربية والإسلامية.
أي ما مدى بقاء الهياكل الاقتصادية الشمولية، وظلالها من الأفكار والجماعات السياسية؟ أي مدى هيمنة القطاعات الحكومية على القطاعات الخاصة؟ وأين تذهب الفوائض هل هي لدعم التطور الإنتاجي الوطني أم للهدر؟
ومن المؤكد ان هذه الظاهرات السياسية - الاقتصادية - الاجتماعية بحاجة إلى تحليلاتٍ كميةٍ موثَّقة، ولكن لا بد من تحقيقات أولية ومن ملاحظات اجتماعية تسجل هي من معين الملاحظات المباشرة ومن المادة الوثائقية التي توفرها الصحافة.
فحين ترى قادة الأحزاب اليسارية والرأسمالية الجديدة والأحزاب القومية والدينية وهم يشترون المنازل الفارهة والسيارات الثمينة ويماثلون الطبقات القديمة في الرفاه البذخي، فهذا مؤشر على اتجاه جماعات الرأسمالية الخاصة الجديدة تحت اليافطات السياسية القديمة والحديثة.
يصاب الشباب باضطراب وخاصة لما يرونه من تناقضات حادة في سلوك الأحزاب والقادة، ولا يستطيعون فرز الشعارات وتحديد مسارات التطور السياسي العالمي، فهم يرون هجمةً رأسماليةً بذخية لدى القيادات، ومن تحولٍ لبعضِ آبائهم وقادتهم نحو الأعمال الخاصة وأرباحها وعالمها الجديد المتلون المتنوع، وكذلك من بقاء للشعارات القديمة الاشتراكية والقومية والدينية وخاصة شعارات مثل (لا شرقية ولا غربية)، (وعاشت الاشتراكية!) فهم يرددون ذلك لكنهم يغرقون في العالم الغربي بشركاته وأمواله ودعاياته! والأخطر حين يرتبطون بفساد الشركات والأجهزة الحكومية وينقلب حالهم بين لحظة وأخرى إلى سلوك آخر، باطني على الأقل، وزاعق في الخارج!
إذا كان ذلك يجري عبر استمرار الوعي القديم والحفاظ على القشرة الخارجية البطولية وتتوقف التحليلات الموضوعية لتطور الرأسماليات بأشكالها المختلفة، كما سبق عرضها، فالأمر يعبر عن أزمة لا بد من تلافيها بمطابقة الكلام مع السلوك، وعرض المشكلات والأخطاء، وتوقيف سير (الملاحم البطولية)، واتخاذ سياسات نقدية للمسيرات السابقة ودرس الأبنية الاقتصادية الجديدة ورؤية كيفية تطورها لما يلائم استقلال ونهضات الشعوب، أي اتخاذ سياسات ديناميكية مؤيدة للرأسماليات الخاصة والعامة الإنتاجية وناقدة لها في جوانب التعثرِ والفسادِ وعدم مطابقة الخطط الوطنية ورفع مستوى حياة الشعوب وصحتها وتعليمها وإسكانها!
أي أن تلغي هذه الأحزاب لغةَ البيانات التي عفا عليها الزمن، وتنزل لمعرفة الحياة في الشركات والأزقة وتقرأ البيانات الاقتصادية والدراسات الاجتماعية.