الشاه وحداثةٌ لم تكتمل
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن
-
العدد: 4579 - 2014 / 9 / 19 - 08:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان عهد الشاه بداية لحداثة لم تكتمل، طلعت من مجتمع إقطاعي عتيق عسكري ربض على الناس قروناً، أسس التخلف الأساسية من هيمنة ملاك الأرض والقرى والاستبداد الذكوري لم تكد تتبدل في زمنه.
لكن عبر هذه الحداثة الهشة خلق جوانب من مجتمع مزدهر بالتنوع والفرح وكانت إيران حينئذ قبلة للسياح، وتنامت كل أشكال السياحة، وقاربت النساء الحداثة، فاقتربت إيران من التطور التحديثي العالمي.
وكانت أخطاء الشاه جسيمة في عرقلة هذه الحداثة، فنموذجه يختلف عن الرئيس التونسي مشيد الحداثة والديمقراطية نتاج فئة وسطى حرة، بينما كان الشاه مكبلاً بقيود القرون السابقة، ينتمي إلى أرستقراطية باذخة زادتها أموالُ النفط غروراً وانفصالا عن الجماهير، وشكلت علاقات تحالفية خاطئة مع الغرب الاستعماري لا الغرب التحديثي الديمقراطي.
هذه الجوانب الضعيفة استغلتها القوى الرجعية الإقطاعية التي كانت تكره الحداثة والديمقراطية وتريد فرض طبيعتها القروية المتخلفة على التطور الإيراني والشعب.
لهذا استخدمت القوى الرجعية الأشكال الديماغوجية وخلطت الأوراق وادعت الدفاع عن الشعب، وقامت العصابات الدينية بقيادة الخميني بتضليل الناس وركزت على أخطاء الشاه البذخية، في حين أنها حين جاءت إلى الحكم بعثرت كل أموال إيران على التسلح والحرس الثوري الفاشي، مستغلة ضعف وعي الناس العاديين وعدم خبرتهم السياسية في ظل هيمنة حكومية شمولية.
لم تكن تشير إلى إنجازاته ومحاولاته التحديثية أو تقف معه لتشكيل موقف وطني حداثي يتصدى للقوى المتدخلة، فكان همها هو ضرب المشروع الحداثي وسيطرة القرويين المحافظين على المدن.
سمح الشاه لهذه القوى بالعبث في التطور التاريخي ومصير إيران عبر عدم قيامه بإصلاحات جذرية في الريف والإبقاء على هذه الجماعات تستغل الإرث التاريخي للناس وخداعها والسيطرة عليها.
كما كان غروره بدور الشرطي في المنطقة نقطة ضعف أخرى استغلتها تلك القوى لتأجيج العداوة لدور إيران الحضاري واستبدلته بالشرطي العسكري الفاشي المتدخل في شؤون الشعوب والفارض عودة تاريخية مدمرة للوراء وتمزيق صفوف المسلمين.
لم تسمح له جذوره الاجتماعية والسياسية وشبكة الارستقراطية التي يعيش داخلها بطرح برنامج ديمقراطي تحديثي.
ومع هذا، فإن التحديث الذي قام به لم يتم تجاوزه، بل حدثت ردة للوراء وقام النظام الدكتاتوري الديني بالعصف بحاضر إيران ومستقبلها، وجعل التطور القادم في مهب الرياح.
القوى السياسية الشمولية من يسارية متطرفة وشيوعية لا علاقة لها بالماركسية والديمقراطية ساهمت في تصعيد الشموليين الدينيين وإسقاط نهضة إيران.
لم تصعد الليبرالية وبذور الحياة الديمقراطية وتتوجه لتطور تحديثي ديمقراطي متصاعد، بل شكّلت وعياً ضبابياً يتداخل مع الصوفية والغيبيات والشعار القومي المتعصب عائدة لوعي جماهيري للقرون الوسطى مع كل نتائجه وكوارثه.
تعاونت هذه القوى- كل من جهته - في إدخال إيران مأزقاً تاريخياً عبر سيطرة العسكر القروي على الحياة وهدم نمو المدن الحديثة وانفتاحها.