عمودٌ وهمودٌ
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن
-
العدد: 4577 - 2014 / 9 / 17 - 08:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الصحافة الغربية السياسية والأدبية المتطورة تغدو ثمة أركان كتابية إبداعية هي خلاصة منجز سياسي فكري، يغدو صاحبه عملة نادرة وركناً أساسياً في المطبوعة.
هي قيمة مطلوبة موسوعية تمثل ذروة الوجود، لهذا هو معرفة كبيرة، بدلاً من النثر اليومي السطحي.
لا بد له من إدراك تواريخ البشر وعلاقاتهم السياسية والتاريخية، والإجابة عن أسئلة الواقع اليومي في آن معاً.
لا بد له أن يعرف هذا الثقافة الهندية الاسطورية الضاربة في عمق التاريخ ولماذا بلدها لا يتفتت، ويتحارب ويتشظى؟ إن ثقافة قامت على الأساطير والأديان والمذاهب والأمم المختلفة لكفيلة بتحويلها إلى فتات سياسي، ولكنها لا تتفتت.
هناك وحدة قديمة عجائبية بين أمم الهند استمرت آلاف السنين، ورغم كثرة المعبودات والكتب المقدسة وشروحها الطويلة، فإن هذه الكتب هي أساس الوحدة، يتوحّد الهنود وينشرون ثقافة دينية لكن غيرهم المتأثر بها يفتت، لكونه يمثل شعوباً وأمماً منفصلة.
هذا ما يجعل الهندوس غير البوذيين فهؤلاء انتماءات شعوب مختلفة ليس بينها وحدة سيالة صلبة كذلك كشعب جنوب شرق آسيا التي ظهرت من صلب الهندوسية وانشقت عنها. ولكن هناك وحدة سريّة انفصمت لاتجاه البوذيين الى العنف في حين عبد الهندوس السلم واللاعنف.
هذه العقلية الصحفية الجاثمة وراء عمود صحفي يومي هي كذلك كنز تاريخي، تعرف لماذا نشأت الحنيفية في العراق وليس في الحجاز التي سادت فيه المالكية، ولماذا تطورت الشافعية بعد رحيلها إلى مصر.
لا بد لها أن تجيب على تشظّي الإماميات وزرعها في الحقول البشرية المنوعة.
وهل يمكنها ألا تفهم تواريخ الأديان والمذاهب الغربية، وكيف أن الكاثوليكية هي نتاج عصر محافظ والبروتستانتية تمثل زمنية الليبرالية والتفتح والتعصب في المهجر الأمريكي؟ العصر النقدي الكثيف بسيولته هو غير عصر المزارع بجموده.
الصحفيون الشباب بحاجة إلى موسوعة حيّة مثل هذه بدلاً من الانغماس فقط وراء الكتب والمجلدات التي هي ضرورة، لكن الأسئلة النارية للأحداث تتطلّب إجابات شوارع وصدامات يومية.
العمود تراكم تاريخي موسوعي وراءه قراءات فذّة للسياسة والتاريخ والفكر، تتجلى لغاته الأنيقة المبدعة المنوّعة التي يكمن وراءَها فكرٌ وفلسفةٌ وأدبٌ.
الطابق الأعلى والطابق الأدنى، البدايات والقمم تتلاقح لمطبوعات ذات جذور وعلوم غزيرة تتقدم كل يوم!