النثرُ السطحي والتاريخ
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن
-
العدد: 4582 - 2014 / 9 / 22 - 09:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس ثمة فرق بين النثر السطحي في الرواية والبحث المفترض، فكلاهما يقتطف جزئيات منتزعة من السيرورة التاريخية ويعلقها في فضاء يخضع لتحكم السارد الذاتي.
يقول أحد الدارسين:
(حين قال المعري «لا أمامي سوى العقل» كان يعبر عن مرحلة معرفية بلغتها الثقافة العربية الإسلامية، وكان صوته اختصارا لأصوات عديدة على جميع المستويات الفكرية والأدبية.
يمكن وصف تلك المرحلة بمرحلة التساؤل، فهذا القطع الذي في قول المعري ما هو إلا غطاء لعدم اليقين الذي يطبع فكر المعري كله.
وحين قال الإمام الغزالي: من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، وحين نصغي للصوتين لا نرى فرقاً بينهما)، درس البحر، ص 45.
كان فكر المعري تتويجاً لمرحلة التنوير والنهضة التي تنامت خلال المرحلة العباسية حيث تصاعدت الفئات الوسطى والعاملة وظهرت لها حركات مختلفة راكمت الكثير من الثقافة الأدبية والعلمية، فما الشعراء والناثرون الكبار سوى الأصوات الإبداعية التي غرفت من مرحلة الترجمة والتأليف والتداخل مع أمم النهضة القديمة والحديثة الواسعة،
كان الكتاب يدخلون الأفكار والنظريات العلمية والتأثرات الكبرى بالحضارة اليونانية والهندية والفارسية ويبثونها وسط الناس على طول الدولة العربية الواسعة، كانت أكبر حركة ترجمة وإنشاء مخطوطات في العالم وقتذاك!
يمكن أن نسمع في شعر المعري كل أفكار الفلسفة وتحليلات الأديان ومن وجهات نظر نقدية وتحليلية، وقد دمجها بقوالب قصصية تفرد بها وغدت عالمية تأثر بها أدباء الغرب بعد ذلك.
المعري هو تتويج التنوير في ذلك العصر ورغم ظروفه الشخصية البالغة الصعوبة لكن قرأ كل ما هو مهم في ثقافة ذلك الزمان!
أما الغزالي فهو نتاج ثقافة التدهور واليأس والعزلة، فتحولت الثقافة إلى أغصان يابسة من شجرة الخريف العربية التي مالت عن غابة البشرية الخضراء.
واجه الغزالي ثقافة العقل والسببية وحاول أن يلغيهما ويؤكد عدم وجود سببيات وأن الظاهرات التاريخية والطبيعية بلا ترابط داخلي خاص لكل منها.
الأشياء تحترق لكوننا ننظر بحكم العادة لترابط النار والأشياء!
وفيما ذهبت ثقافة العقل السببية إلى الغرب وطورته ترسخت ثقافة الغزالي عند العرب وصحرت العقول.
هنا يقوم السارد العربي في مقتطفه بفصل الشخصيات والمراحل عن أزمانها وبنياتها ويعلقها في فضاء خاص لتهويمات شخصية لا رابط سببي ولا قانون يحكمها.
فهو يواصل مرحلة الخريف الفكرية العربية العتيقة حيث يتغلب المحافظ على الباحث عن العلم وناشره.