زئبقية الوعي
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن
-
العدد: 4584 - 2014 / 9 / 24 - 08:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفئات الوسطى الصغيرة ذات وعي زئبقي مترجرج متذبذب بين الطبقات المالكة والعاملة.
في زمنية الأزمة تقارب الوعي الوطني واليسار وتزايد عليهما، لهذا كانت أشكال الوعي والأدب والفن مصبوغة بمزايدات دفاعاً عن الكادحين ومقاربة العلمانية ونقد الوعي الميتافيزيقي بلغات متطرفة حماسية زائفة، وحينئذ لم تكن تصنع مقاربة عقلانية من الواقع، وترفض المؤسسات السياسية والدينية بجرة قلم!
كان انحدارها إلى صفوف العاملين وفقدانها مدخراتها يجعلها تشتط وترفع السلاح الوهمي وتفجر بالونات الهواء ويغدو الشعراء أفواهاً صاخبة تلقي الجمر في الشوارع!
تتغير هذه اللغة مع تصاعد أسعار النفط، وظهور السيارات الخاصة بوفرة، ونمو المنازل الغامضة في البرية، والذي كان يكتب قصصاً عن الولادات العسيرة لنساء الأزقة الفقيرة ويصف العاملين في كوابيس المصانع ويضع أيدي الضحايا في لوحاته يقدم برامج مسلية رخيصة في التلفزيون، ويكتب أناشيد صوفية مدائحية، ولا يرى في الواقع أية أخطاء جسيمة والذي يحشد فئات الفقراء في فصوله الروائية الواعدة ينسحب نحو قواقع الذات والتهويمات الصوفية ويؤيد طوابير المتسولين السياسيين. والذي يؤيد نزول الطبقة العاملة الشارع ينزوي في المؤسسة البنكية لا يتنفس خارجها.
ليس ثمة مقاربة عقلانية بأن يطور لغته الصاخبة للزمن الماضي في حفر نقدي عقلاني للواقع، وألا يصطخب هذا الصخب كله لليمين ويترنح فوق حبال السياسة والكتل أو يغلق فمه عن أي نقد ويرى الواقع جميلاً كله ويهرب لقضايا السياسة في المنطقة ويطرحها بأشكال أقرب لأدعية الشحاذين، والذي لم يكن يصلي يخرج لصلاة الفجر.
الفئات البرجوازية الصغيرة هي منتجة أشكال الوعي، منها يظهر المتعلمون وقلة منهم عمال، وعليها معتمد صناعة العلوم والثقافة ولكن مع ضياع معايير النقد والعلم تنتشر الأحكام الجائرة، ومن يرفض الزواج بامرأة ثانية نراه متعدد الزوجات كثير الرحلات!
قدرات هذه الفئات أنها توحد الطبقات في مواقف وطنية عقلانية وتجمع بينها وتخفف من تضاداتها، وتخلق جسوراً بين اليمين واليسار، لكن مع ترنحها لمواقف يمينية متطرفة وتركيزها على مصالحها الشخصية وتسلقها في كل مكان ونشرها هذه المعايير في الوعي والصحافة فإن فوضى فكرية سياسية تحدث، وتخرج أفاعي التخلف وترتد التيارات للوراء وتضيع ساحات الوطن.
الرواية الواقعية تغدو خرافة والحفر في الواقع يصير انتهازية باحثة عن نقاط الضوء المسرحية والتلاعب بالكلام، والمسرح يغلق أفواهه النقدية وتُعرض المدائح السلطانية في الخطب ولا يعد ثمة موقف نقدي من قضايا الفكر والهجوم عليه، وهذه الفجائع المتطرفة لا تحصل على درس ونقد متبصر من أجل رصانة وأمانة!