أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرحمن مصطفى - هل لا زالت الرأسمالية تسود الاقتصاد العالمي؟















المزيد.....

هل لا زالت الرأسمالية تسود الاقتصاد العالمي؟


عبدالرحمن مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 8060 - 2024 / 8 / 5 - 02:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


القول بانقضاء عهد الرأسمالية ليس شيئا جديدا فهو قديم قدم الرأسمالية ذاتها ،ومع اختلاف الرؤى والتصورات في هذا الموضوع ،فهناك من يجزم بأن الرأسمالية لم يعد لها وجود في عالم اليوم وذلك لأن الملكية أصبحت أقرب للنمط الجماعي في التملك ،فملكية المؤسسات والشركات لم تعد حكرا على فرد أو مجموعة قليلة من الأفراد بل هي أصبحت مشاعا بين عموم الناس ،لكن هذا القول يغفل حقيقة تزايد تمركز رأس المال لدرجة أن 3 شركات قابضة تملك الاقتصاد الأمريكي في زمننا هذا وهذه الشركات هي بلاك روك وفانغارد وستيت ستريت ،فهذه الشركات تملك معظم القطاعات الانتاجية والتقانية العالية والخدمات المصرفية الخ..وبالطبع ملكية هذه الشركات ليست من حصة عموم الشعب الأمريكي بل هناك عائلات وهيئات وأفراد ممن يستحوذون على أغلبية أسهم هذه الشركات ،فضلا عن أنهم يمارسون دور الادارة والتوجيه ،وبذلك عدنا الى الاقتصاد المخطط مرة أخرى والذي ينتقده النيوليبراليون لكن هذه المرة بما يخدم مصالح طبق معينة وعلى حساب أخرى ،التحليل الطبقي حاضراً ومهما حاولنا أن نقصيه بأن نرد التطورات الاجتماعية الى خصوصيات ثقافية ودينية أو طموحات قادة وأبطال فلا يمكن أن نتجاوز عتبة التحليل الطبقي للمجتمعات ،لأننا لن نلحظ التغير الثقافي والديني وبروز قادة أبطال إلا بعد أن يتغير التركيب الداخلي للمجتمع من ناحية الهيمنة السياسية وتبدل الخطاب السياسي والإعلامي والخطاب الاقتصادي والاجتماعي ..هناك من يقدم تحليلا لزوال الرأسمالية بالاعتماد على قانون القيمة الذي تبناه وطوره كارل ماركس وبالاعتماد على التحليل الماركسي ،لأن ما يحكم اليوم ليس نظام الانتاج وعلاقات التجارة التي كانت حاكمة في ظل معيار الذهب ، وكانت الدول العاجزة في موازينها التجارية تضطر لإعلان الإفلاس أو أن النظام التجاري الدولي يعالج نفسه بنفسه أوتوماتيكيا بفعل تأثير التضخم والانكماش في الاقتصاد كما كان يتصور الاقتصاديون النيوكلاسيكيون.
فقيمة الأشياء لم تعد تجدد بالاعتماد على تكاليفها الانتاجية ،فهناك كمية من النقد ما يفوق بأضعاف مضاعفة كمية السلع والبضائع المتداولة بالسوق أو المركونة في المخازن والمستودعات ،وفي الطرف الليبرالي أيضا سنجد أن كارل بوبر الفيلسوف النمساوي الذي قدم رؤية مختلفة في منتصف القرن الماضي لانقضاء عهد الرأسمالية وذلك ببركة النيوديل ودولة الرفاه ،فلم يعد هناك استغلال وصراع طبقي وأصبحت الدول منخرطة في تنظيم السوق والمجتمع وتعزز مع هذا دور النقابات فأصبح هناك ما يشبه القانون الحديدي للأجور من ناحية عدم قدرة الرأسماليين على قضم معدل الأجور المطلقة أو النسبية ومع التوظيف الكامل ينتفي أهم شرط لوجود الرأسمالية وهو تحرر قوة العمل وانتفاء الجيش الاحتياطي للعمال وبذلك لم يعد هناك أي خاصية للرأسمالية من تلك التي كانت في عصر ماركس ،وبذلك لم يعد هناك وجود للرأسمالية وفقا لكارل بوبر بعد ظهور نموذج دولة الرفاه ،مع العلم أن هذه الرؤية تحطمت مع بزوغ العصر النيوليبرالي وعودة الجيش الاحتياطي للعمال ،ونموذج دولة الرفاه كان الاستثناء وليس القاعدة في تاريخ الرأسمالية ،وكان الرأسماليون المنتجون يزيدون من أرباحهم بفعل التضخم آنذاك وبالطبع على حساب الرأسماليين البنكيين ،التصور الأحدث هو لوزير المالية اليوناني
يانيس فاروفاكيس وهو كان وزيا للمالية في حكومة سيريزا اليسارية واستقال بعد أن لم تلتزم الحكومة بمبادئها قبل الانتخابات وقامت بتطبيق السياسات النيوليبرالية من رفع لسن التقاعد وتقليص للنفقات العامة وتركيز التمويل على النشاطات الطفيلية الغير انتاجي الخ..وهذا ما دفع وزير المالية اليوناني لتقديم استقالته احتجاجا على هذه السياسات ،للوزير اليوناني المذكور كتاب جديد يتحدث فيه عن انتهاء الرأسمالية وأنها أنهت نفسها بنفسها دون أن يتطلب ذلك قيام ثورات اشتراكية أو شيوعية ،وهذا الكتاب بعنوان الإقطاعية التقنية (صدر في عام 2023 ) والذي يقدم فيه يانيس فاروفاكيس رؤيته لزوال الرأسمالية كنظام مهين على الأقل في المستقبل المنظور ،فهو يشيد بعبقرية كارل ماركس بقدرته على استشفاف مستقبل المجتمعات الأوروبية والعالمية بشكل عام في ظل سيادة النمط القطاعي للإنتاج ،فماركس استطاع أن يحلل النظام الرأسمالي قبل أن يسود المجتمعات الأوروبية وفي فترة عودة الملكيات الأوروبية وتوابعها من علاقات قطاعية بطريركية ،فالرأسمالية آنذاك كانت بالكاد تسود انكلترا وبعض الدول الأوروبية الأخرى وكانت في صراع هيمنة مع المنظومة الإقطاعية القديمة ،ويانيس فاروفاكيس يقيس تحليله الجديد لزوال الرأسمالية على زوال النظام الإقطاعي ،فنحن لازلنا نعيش في ظل سيادة المنظومة الرأسمالية لكن هناك بذور نظام جديد تتشكل داخل النظام الرأسمالي وتتوسع مع الزمن ولاشك أنها ستصبح النظام السائد في المستقبل ،ومقدمات زوال الإقطاعية كانت بعد خصخصة الأراضي الزراعية المشاع ودفع الفلاحين للاشتغال بالمدن ،بعد أن كانوا يعتمدون على عملهم الخاص في توفير الحاجيات الأساسية وفي أراضيهم الخاصة ،هذا النهج في تبديل السياسة الاقتصادية لم يكن تطورا طبيعيا للرأسمالية كما يتوهم البعض بأن الرأسمالية هي تطور طبيعي وبدون أي فكرة مسبقة مقحمة على المجتمعات كالاشتراكية والنظام المخطط الخ..كما يتصور ذلك العديد من المفكرين الليبراليين ،لكن في الواقع كانت الدولة مرافقة للرأسمالية في كل تطوراتها كما بين ذلك المؤرخ الهنغاري كارل بولاني في كتابه التحولات العظيمة ،فالدولة هي من فرضت على الفلاحين أن يهجروا أراضيهم الريفية ،وفي زمننا هذا ،الدولة هي من فرضت خصخصة خدمات الانترنت وهذه المقدمة التي يرى فيها يانيس فاروفاكيس نقطة الدفع لقلب النظام الرأسمالي ،فخصخصة خدمات الانترنت دفعت عجلة تقدم التطبيقات الافتراضية cloud كاليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي بشتى صنوفها ،كما أن هجرة الفلاحين من أرضيهم الريفية دفعت عجلة التقدم التقني باختراعات جديدة كمحركات البخار والآلات الميكانيكية والتلراف وسكك الحديد وما الى ذلك ،هذه الاختراعات ساهمت في قلب علاقات الانتاج الإقطاعية واستبدالها بالرأسمالية وساهمت في تحويل مركز الأمة من القرية كما كان في العصور الوسطى الى المدينة ،كذلك تطور خدمات الانترنت والتطبيقات المتفرعة عنه ساهمت بحسب يانيس فاروفاكيس بقلب نمط الانتاج الرأسمالي وتحويله الى رأس المال الافتراضي أو السحابي cloud capital ،فالشركات الموفرة لهذه التطبيقات تحوز على نسبة مرتفعة من الدخل بل يكاد أن يكون أثرى أثرياء العالم هم من مدراء ومالكي هذه الشركات ،ومصدر دخلهم هو من الإعلانات بشكل رئيسي وهذا ما يختلف عن نظام المصنع القديم .وبهذا يهيمن الدخل الطفيلي على توزيع الدخل العالمي ،فإيرادات الإعلانات وشراء الأسهم بيعها وكذا المشتقات المالية والسندات ومختلف الأوراق المالية فضلا عن التجارة بالعقارات كل ذلك يحوز على الشريحة الأكبر من الدخل العالمي ،وهذا ما يعكس ركودا في النظام الانتاجي وبطالة مرتفعة وفي نفس الوقت ارتفاع تصاعدي في أسعار الأصول ! اعتماد شركات رأس المال الافتراضي على الإعلانات كمصدر دخل رئيسي يعني أن نظام المصنع لم يعد يهيمن على النظام الاقتصادي وطريقة توجيهه وآلية عمله وطبيعة الأزمات المولدة منه ،وليس هذا فقط بل حتى الأسواق التقليدية لم يعد لها أي مكان في ظل هيمنة منصات التجارة الالكترونية كأمازون وعلي بابا وول مارت والكثير من الشركات التي توفر سبل المتاجرة بالبضائع والخدمات الكترونيا ،وهذه التجارة لا تقتضي أن يلتقي المشتري بالبائع فضلا عن ذلك تتولى منصات شركات التجارة الالكترونية عرض السلع والخدمات بما يتناسب مع ذوق المستهلكين وذلك بالمعلومات التي تحصل عليه هذه الشركات من خلال التفاعل مع هؤلاء المستهلكين وهناك أجهزة مخصصة لذلك كجهاز أليكسا الذي اخترعته شركة أمازون للتجارة الالكترونية ،فهذه الأسواق الالكترونية مختلفة تماما عن الأسواق التقليدية فليس هناك منافسة بالأسعار بين التجار ،وتستطيع شركات التجارة الالكترونية توجيه المستهلكين والتأثير على اختياراتهم فضلا عن حصر خياراتهم في نطاقات معين وبذلك يعجز المشتري عن المقارنة بين السلع والخدمات كما يحدث في الأسواق العادية ،فهنا قضت منصات التجارة الالكترونية على أحد أهم دعائم الرأسمالية وفقا ليانيس فاروفاكيس فلم تعد الأسواق بما تمثله من قوة دافعة على المنافسة وتقديم الابتكارات ووسيلة للتنسيق بين القطاعات من ناحية كمية السلع المنتجة وأدوات الانتاج الضرورية في كل قطاع وأسعار السلع والخدمات الخ ...وهذا ما يجعل الرأسمالية تبدو كشيء من الماضي بالنسبة لمؤلف كتاب الاقطاعية التقنية ..
وهكذا يمكن الاستنتاج بأن الرأسمالية لم يعد لها وجود في ظل هيمنة الريع على الدخل وهيمنة منصات التجارة الالكترونية على نظام توزيع السلع والخدمات ،فالربح هو محرك الرأسمالية ،لكنه لا يشكل الجزء الأهم في ديناميكية النظام الاقتصادي العالمي حاليا ،فالريع من مختلف النشاطات الطفيلية وبما يتطلبه من احتكار مورد طبيعي أو فكرة أو وسيلة توزيع أو علامة تجارية الخ ..يهمين على آلية عمل النظام الاقتصادي الدولي حاليا ،وكذا منصات التجارة الالكترونية وهي وسيلة تستخدمها الدول الكبرى للتأثير على توزيع الدخل بما يحقق لها زيادة في دخلها وإيراداتها دون أن تضطر الى بناء المصانع والوحدات الانتاجية وتشجيع القطاعات الانتاجية كالصناعة والزراعة الخ...فالنشاط الريعي يكتسب أهمية تزداد مع الزمن وعلى حساب الإبداع والابتكار الذي كان محرك النظام الرأسمالي في السابق .
ونحن كمستخدمين وسائل التواصل الجديدة لا نعدو أن نكون ير أقنان ،فنحن نساهم في توفير المعلومات المناسبة لهذه المنصات ونساهم في تدريبها على كيفية اشباع رغباتنا ،وبالطبع هذه المنصات كما أسلفت تعرض لنا ما يرتأيه المسئولون عنها ،وعملية التفاعل بين المعلن والمتلقي لا تكون من طرف واحد (من طرف المعلن) كما كان في السابق فنحن نساهم في هذه العملية ولسنا مجرد متلقين و متأثرين بالمادة الاعلانية ،وهكذا يساهم المستهلكين والمتلقين للإعلانات في عملية اعادة انتاج هذه المنصات وذلك من خلال مساعدتها في أداء مهمتها ودون أي تكاليف يتكلفها أصحاب هذه المنصات ،وبهذا تكون علاقتنا مع أصحاب هذه المنصات هي علاقة القنانة ،فنحن نقوم بعملية اعادة تجديد للإنتاج المتعلق بالمادة الاعلانية على هذه المنصات دون أجر ،وهكذا كانت علاقة الأقنان بأسيادهم القطاعيين في السابق ،فكان الفلاح يعمل في أرضه وينتج حاجياته وفي وقت آخر يعمل في أرض القطاعي وينتج حاجياته كواجب ودون أن يحصل على أي أجر ،وكانت فكرة الواجب آنذاك لها ما يربطها بالدين والعادات والتقاليد ،وأصحاب المنصات الافتراضية في عصرنا هذا لا يتكلفون أي شيء في عملية اعادة انتاجهم وهذا ما يجعلهم اقطاعيين تقنيين وفقا ليانيس فاروفاكيس ..وكل من هذه المنصات هي عبارة عن اقطاعية كما كانت الاقطاعيات القديمة وبدون أي منافسة فيما بينها ،فنحن هنا أمام مايشبه الماركات والعلامات التجارية ،وهذا ما يجعل الرأسمالية شيئا من الماضي وفقا لمؤلف الكتاب ،فمستحيل أن توجد الرأسمالية بدون منافسة ،حتى لو كانت منافسة بين الاحتكارات المالية أو الانتاجية ،ولا يمكن للرأسمالية أن تستغني عن هذا الشرط ..
باختصار كانت هذه النقاط التي أثارها يانيس فاروفاكيس وزير المالية اليوناني السابق في كتابه القطاعية التقنية ،وهو أضاف اليها عامل مهم وهو سياسة التيسير الكمي التي ولدت المال بما يفوق كمية الانتاج بأضعاف مضاعفة ،فهنا لا يعمل قانون القيمة الذي اعتبره كارل ماركس المحرك الرئيسي للنظام الرأسمالي ،فعلاقة التبادل لا تعبر تماما عن علاقة بين وحدات انتاجية ،فإمكانية تخليق الثروات لم تعد تعتمد على الجهد والمثابرة والإبداع تلك الصفات التي كانت تميز رأسماليي القرن الماضي من هنري فورد الى توماس أديسون وغيرهم ممن كانوا مبادرين وخلاقين في تطوير النظام الرأسمالي وتطوير قوى الانتاج هؤلاء الرواد التي لا يمكن أن تستغني عنهم الرأسمالية كما رأى جوزيف شومبيتر الذي اعتبر أن الأزمات ضرورية للرأسمالية لتطوير قوى الانتاج وذلك عن طريق الرواد والمبادرين وأصحاب الاختراعات وهذا ما لا يتوفر عليه العصر الحالي ،حيث طغت الأنشطة المالية على النظام الانتاجي وأصبحت هي محركة الاقتصاد ،والنظام الربوي ونظام الدين بشكل عام لا يمكن أن نختزله بنظام اقتصادي معين (الرأسمالية) لأن نظام الدين والفائدة كان موجودا في جميع العصور ونحن نلحظ وجود أزمات دين سابقة على الرأسمالية ،وكان هناك اتجاه أخلاقي وديني وفلسفي ضد الفائدة من أقدم العصور ،ولو أن حكام الامبراطوريات السابقة كانوا أكثر وعيا لخطر استفحال أزمة الدين وما ينجم عنها من فوائد مركبة تضاعف الدين عشرات الأضعاف وهذا نطالعه في كتابات مايكل هدسون الاقتصادي الأمريكي الذي أرخ لأزمات الدين ونظام الفائدة المركبة من عصر البابليين حتى زماننا هذا.

ختاماً
الطرح الذي تبناه مؤلف كتاب الاقطاع التقني قد لا يعكس تعقيدات النظام الاقتصادي الحالي وتناقضاته ،فهو يعتبر المنافسة مثلا شيئا من الماضي بالنسبة لرأسمال السحابي ،بحيث لا يوجد أي منافسة بين شركة أمازون وشركة علي بابا مثلا ،لأن الشركات الانتاجية تروج لبضاعتها على كلا المنصتين
لكن المؤلف يناقض نفسه فيما بعد ويتحدث عن مخاوف بيزوس وماسك ويرهم من ملاك رأس المال السحابي من تغول منافسيهم الصينيين على حصصهم من سوق الإعلانات في أمريكا ،فهناك منافسة بين شركة علي بابا وشركة أمازون وشركة تيك توك وفيس بوك وتويتر وما الى ذلك ،المنافسة هي على الحصص التي تحوزها هذه الشركات من سوق الإعلانات ومدى فاعليتها في جذب المستهلكين والتأثير عليهم ،لهذا لازلنا في عصر المنافسة ولا زال للمنافسة دوراً في ديناميكية المجتمع ولو أن شكل المنافسة اختلف تماما عما كان عليه الحال في عصر آدم سميث وكارل ماركس ،فلم يعد هناك مكانا للمنافسة السعرية ،وأصبح هناك مكانة أبرز للماركات والسمعة التي تحصل عليها الشركات في السوق ،وفعليا تم مأسسة السوق ،فأصبح هناك دور أكبر للحكومات والكارتلات ،هذا وإن كان يانيس فاروفاكيس تعجل في حكمه على انقضاء عهد أهم خصائص الرأسمالية (المنافسة) فأن توسع التيسير الكمي وانفصال القطاع المالي عن القطاع الانتاجي لهي علامة بارزة على دخولنا في عصر جديد،وبداية هذا الانفصال كان مع قرار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بتوقيف ربط الدولار بالذهب في عام 1971 ،فأن ذلك الانفصال بين القطاع المالي والقطاع الانتاجي لم يتبلور الا بصورة واضحة الا في عقد التسعينيات وما بعده وأصبح حقيقة واضحة بعد أزمة 2008 وهذا الانفصال يقتضي دراسة جديدة للقطاع المالي وآلياته الداخلية فهو يكاد أن يكون مستقلا عن القطاع الانتاجي ،و لا ينفع هنا استخدام الأدوات الماركسية التقليدية من قانون القيمة وما يترتب عليه من هبوط لمعدل الأرباح وذلك بفعل ارتفاع التركيب العضوي لرأسمال بفعل اشتداد المنافسة بين الرأسماليين ،فهناك آليات جديدة تسير القطاع المالي والقطاع المالي يحكم القطاع الانتاجي ويسيره ،فلا جدوى من إرجاع انتعاش القطاع المالي الى ركود القطاع الانتاجي فمعدلات الأرباح شهدت ارتفاعا من تسعينيات القرن الماضي مع طفرة تكنولوجيا المعلومات في السوق الأمريكي وحتى وقتنا هذا ،لكن هناك نقطة مهمة ألا وهي صعوبة الفصل التام بين الانتاج والتمويل ،فمهما كثرت الشركات السحابية كأمازون وعلي بابا وفي سبوك وتويتر الخ ..سيبقى دخل هذه الشركات يعتمد على القطاع الانتاجي ،فدخل هذه الشركات يشبه الريع التي تحصله من الشركات الانتاجية .
قد يقول قائل ما الفائدة التي نرجوها من تغيير تسمية النظام الاقتصادي الذي نعايشه ،فلا فرق بين الاقطاعية التقنية أو الرأسمالية طالما أن الاستغلال واحد و اللامساواة وتعاظم حصة الأرباح أو الريوع على حساب الأجور،لكن الملف يرى أن ذلك يعيننا على فهم عالمنا بطريقة مختلفة وفهم العديد من الصراعات في عالم اليوم كالصراع الصيني الأمريكي أو الحرب الباردة الجديدة كما يسميها ،فضلا عن فهم مستقبل السياسة الصينية التي ستبنى مستقبلا على الصراع داخل الطبقة البرجوازية الصينية رأس المال السحابي من جهة ورأس المال الانتاجي من جهة أخرى والطرف الذي ستلعبه الحكومة بعد السياسات الجديدة التي ينتهجها الرئيس الصيني ضد شركات رأس مال سحابية من زيادة للضرائب فضلا عن تقييد وصولها الى المعلومات الخ..
بالاضافة الى ذلك بناء سياسة طبقية جديدة مبنية على هذه المعطيات الجديدة ،فلم يعد ينفع خطاب استجداء الطبقة العاملة التي انتهجته الحركات الماركسية والاشتراكية في القرنين الماضيين ،فبناءا على علاقتنا الجديدة مع التطبيقات التي يقدمها رأس المال السحابي ،ستكون علاقتنا مع هذه التطبيقات ومالكيها أشبه بعلاقة الأقنان مع الإقطاعي ،فنحن جميعنا معنيون كمستخدمون لهذه التطبيقات والوسائل التي تقدمها شركات رأس المال السحابية ،والرواية التروتسكية لا تصلح هنا فنحن نحتاج الى أبعد من تحشيد الطبقات العاملة ،فضلا عن أن ما تشمله السياسة الطبقية المضادة لرأس المال السحابي ليس فقط الشرائح الجماهيرية من طبقات عاملة والفلاحين والطبقة الوسطى ،بل تشمل أيضا البرجوازية المنتجة المتضررة من تغول هذه القطاعات على الاقتصاد وامتصاصها للفائض لكن البرجوازية المنتجة منقسمة في ذاتها بين برجوازيات كبيرة تحتكر القطاعات الحيوية وبرجوازيات متوسطة تنخرط في قطاع الصناعة التحويلية والتقنيات الخ..
وكذلك لا يمكن للمنافحين عن النظام الرأسمالي أن تجاوزوا حقيقة أن فضائل الاقتصاد الحر التي بشر بها الاقتصاديين الليبراليين لم تعد قائمة في عالم اليوم أو هي موجودة في أضيق حدود ،فالمغامرة والاجتهاد لم يعودا الشرطين الأساسيين لخلق الثروة ،ففي ظل النظام السائد تتفوق القيم الريعية على القم التي كانت سائدة في النظام الرأسمالي كما كان في القرن العشرين والقرن التاسع عشر .



#عبدالرحمن_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الديالكتيك الماركسي مفيد في التقدم العلمي؟
- تنبؤات ماركس في ميزان التاريخ
- هل الشيوعية وهم ويوتوبيا ؟
- لماذا كان سقوط الأنظمة الملكية أمرا حتميا في العالم العربي
- كيف ستنتهي حرب غزة ؟
- هل فشلت الإشتراكية ؟ دروس التجربة السوفيتية
- هل كان برتراند راسل معادٍ للشيوعية ؟ نموذج الليبرالي القديم ...
- فكرة الاشتراكية الديمقراطية كبديل عن الشيوعية ..
- -الماركسية بلا قناع-نقد فون ميزس ممثل الليبرالية الجديدة للم ...
- المشروع السوفيتي وأسباب سقوطه
- أزمة الرأسمالية النيوليبرلية
- فالح عبدالجبار ومابعد ماركس
- التنوير الليبرالي بين الوهم والواقع
- الاشتراكية والسوق ،هل يمكن التوفيق بينهما ؟
- مساهمة روزا لوكسمبورج في الاقتصاد السياسي الماركسي (كتاب ترا ...
- حول أزمة التضخم الحالية وتناقضات الرأسمالية
- ما هي طبيعة النظام الاقتصادي في الصين ؟
- خرافة جائزة نوبل في الاقتصاد
- بين كينز وماركس نقاط الإتفاق والإختلاف بينهما
- الاشتراكية ورأسمالية الدولة


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرحمن مصطفى - هل لا زالت الرأسمالية تسود الاقتصاد العالمي؟