سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6643 - 2020 / 8 / 11 - 20:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- خمسمائة حجة تُفند وجود إله – حجة 409 إلى 415 .
- المناظرة – جزء ثالث .
هذه المناظرة تأملات تخوض فى الثوابت والأفكار الصنمية والرؤى المغلوطة التى صارت تابوهات ومسلمات بدون أى منطق فكرى يلازمها , كما تهدف المناظرة التعامل مع الكلام الذى يروج عن إثبات وجود إله , من خلال تصور حوار إفتراضى بين مؤمن وملحد لإعطاء الحوار بعض الإثارة والندية , فمن يجد لديه الرغبة فى المشاركة فى الحوار ودعم أحدهما فأهلا به .
هذه السلسلة من المناظرات تتعامل مع تفنيد الحجج التى يراها المؤمنين بفكرة الإله والتى تثبت وجوده , فكما تعاملنا مع منطق السببية فى الجزأين الأول والثانى سنتعامل فى هذه المناظرة وتوابعها مع الحجة الكونية بمشتقاتها لنبدأ بفكرة المُصمم يليها المُنظم ثم الثوابت الكونية ..فلنبدأ .
المؤمن : يعتبر دليل التصميم والنظام من أقوى الأدلة التى تبرهن على وجود إله وستحتار أمامه , فمن خلال فهمنا الذى يرى الكون والحياة تحتاج لمُصمم شخصاني عاقل قام بتصميمها عن إرادة وغاية , لتقول هذه الرؤية إذا رأيت بيت فهناك من صممه ليبدو هكذا , فهو لم يوجد بدون تصميم وغاية , لذا فالكون المنظم هناك من أوجده ولم يأتي صدفة بلا غاية .
الملحد : بداية لى تحفظ على إستخدامك كلمة دليل , فالدليل يتناول ماهو محسوس ومادى ويمكن التعاطى معه لذا فلنقل أن لديك حجة ظنية إستنتاجية .. كما أن حضرتك تعرض موضوعين شديد الدسامة لذا أستأذن أن تكون هذه المناظرة على عدة أجزاء .
المؤمن : فليكن .
الملحد : نبدأ بجدل عقلانى فما تعتبره منطق لإثبات وجود إله هو فكر ورؤية خاطئة للأسباب التالية :
- ما تراه منطق لا يجب أن يسرى على فكرة الإله , فالإله المُفترض ليس مادة حسب إيمانكم وعليه لا يسرى عليه المنطق المادى , كما أنه ليس كمثله شئ حسب تصوراتكم لذا فلا يسرى عليه المنطق المحكوم بالوجود المادى .
- إن مقولة الإله العاقل الذى يُصمم ويُخطط مقولة تنال من ألوهية الإله , فالإله لا يجب أن يكون عاقلاً وهذا ما يفطن له أصحاب اللاهوت وأهل الكلام بينما يستغربه عامة المؤمنين , فالعاقل يعنى الإلتزام بقوانين العقل والمعقول ليتحدد بهما , أى أنه خاضع لمحددات صارمة لا يستطيع الحيد عنها وإلا بدا غير عاقل , ليتحدد الإله هكذا وفق قوانين ونظام ومعقولات لا يحيد عنها , بينما يُفترض فى الإله القدرة المطلقة بأن يكون فوق المعقولات والمستحيلات غير خاضع لقوانين وإلتزامات العقل والمعقولية حتى لا تتقوض الحرية والمشيئة الإلهية المطلقة علاوة أنه ُيشخصن الإله بالإنسان محدود الحرية والقدرة .. لذا فالإله العاقل تنفى ألوهيته فهو صار معقولاً كأى شئ معقول , فكونه عاقل يعنى أنه محكوم بما هو معقول لا يحيد عنه ليقع تحت الجبرية خاضعاً للمادة وقوانينها , لذا فالسببية فى الإستدلال لا تعنى أن المُسبب عاقل لتنسف فكرة المُصمم العاقل , فليس بالضرورة أن يكون وراء الشئ سبب عاقل لإنتاجه فالإله ذاته ليس عاقلاً , كما أن المؤمنين يرونه فوق العقل وبالتالى فالإله ليس عاقلاً ولا معقولاً وهذا يعنى أنه غير مُصْمم .
- فكرة الإله المُصمم يعنى أن الإله خاضع لقانون المادة فلا يستطيع أن يحيد عنها لأنه ليس عشوائياً فهو ملتزم فرضاً فى كل تصميماته بقوانين المادة أى أن قوانين المادة هى الحَاكمة والمُقيدة , والنتيجة المترتبة على هذا هى أن الله بوصفه من أرسى القوانين المُسيرة للكون فرضاً فلا حاجة أن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة إذ لا معنى أن يجعل الكون متحركاً وفق هذه القوانين وفي الوقت نفسه يتدخل بنفسه لتسييره , فالقوانين متكفلة بتسييره بدون تدخله , لتكون فرضية الإله المُعتنى المُنظم هنا فرضية زائدة يمكن الإستغناء عنها وفقاً لنصل أوكام أى ذاك المنطق الذى يعلن بأن كل فرضية زائدة يمكن إهمالها .
هذا التفسير الذي يعطي الأولوية للقوانين التي تقف خلف الظواهر تضع فكرة القدرة والتدبير الالهي للكون على المحك فهى تعفيه من المسئولية عن الكوارث الطبيعية مثلا , ولكن المؤمنين لن يقبلوا بهذا التفسير بالرغم أنه يسعف فكرة الإله وينجيها لأنه يضع الإله فى دائرة العجز وعدم القدرة والهيمنة فهو خاضع لقوانين المادة مثلهم لذا يفسرون الكوارث الطبيعية بإرادة ومشيئة وإبتلاء الإله !
- الإله أيضا لا يفكر , فالتفكير يعنى الإلتزام بمحددات الفكر ومتطلباته ونظامة وترتيبه ومنطقه بينما يُفترض فى الإله أنه غير خاضع لمتطلبات وترتيب ومنطق .
المؤمن : لماذا تهمل أن الإله خَالق ومُصمم فى نفس الوقت .
الملحد : فكرة أن الإله خالق ومُصمم فى نفس الوقت هما فرضيتان عليك إثباتهما , كما أن المنطق يقول بأن الإله لا يمكن أن يكون مصمماً وخالقاً فى نفس الوقت , فهو إما خالقاً وإما مصمماً , فالمصمم يتعاطى مع ماهو موجود من مواد ليعيد ترتيبها وصياغتها وفق لرؤيته وفهمه , فالفكر المُخطط يلزمه وجود المادة أولا فمنها تأتى التجربة والتصميم والتخطيط , فيستحيل وجود فكر مُخطط بدون المادة , فالمهندس أو المخترع لا يُصمم ولا يَخترع شيئاً بدون وجود وحدات مادية موجودة ليقوم بتركيبها بطريقة خاصة , بينما الخلق هو الإيجاد بدون تجربة أو تعديل أو تطوير أو إعادة إنتاج وعليه لا يكون الإله مصمماً ففكرة أنه مُصمم ستنفى صفة الخلق عنه !
المؤمن : إذن أنت ترى الإله غير عاقل ولا يفكر !!!
الملحد : لقد شرحت لك سبب قولى هذا وهو ليس قولى وفكرى فلترجع إلى فلسفة اللاهوت وأهل الكلام فهم من وصلوا لهذه الفكر والإستنتاج .
الملحد: هناك رؤية تحليلية كان جدير أن أستهل بها المناظرة عن إستنتاجكم بأن الإله مُصمم , لأسألك هل التصميم فى كل مظاهر ومشاهد الحياة والوجود أم يقتصر على مشاهد معينة .
المؤمن : بالطبع التصميم الإلهى يشمل كل مشاهد ومظاهر الوجود فلا يستثنى مشهدا , فلماذا تسأل هذا السؤال ؟
الملحد : حسناً .. فهل الجبل تم تصميمه , وهل تناثر الصخور فى الصحارى والجبال تم تصميمها ؟ ولأسألك أيضا لماذا لا تسألون عن التصميم فى سقوط الأمطار والزلازال والبراكين ألخ ؟! ولنسأل عن صور من الطبيعة كمنحوتات طبيعية قد تقترب من موجودات كهيئة حيوان ؟, وهل الإله هو من نحت الجبل ؟ , كذا مشهد فى الغيوم يوحى برأس إنسان , ثم لنا أن نسأل عن صور طبيعية عشوائية فوضوية ليست بذات معنى فأليس الإله هو من صممها أيضا ؟!
أقول لك بأن قصة المُصمم والتصميم تظهر عند العجز والجهل المعرفى الإنسانى , فعند العجز والغموض نعزى الأمور لوجود كيان عاقل هائل صنع هذا بينما المعرفة العلمية لا تسمح لنا بإنساب الظواهر المادية لمُصمم , فالأمطار والزلازل والبراكين ألخ ظواهر مادية فيزيائية نتجت عن ظروف مادية فلا داعى لحشر فكرة الإله المُصمم كما فعل أجدادنا بإنساب المطر والزلزال لإله , ففكرة المُصمم والصَانع تأتى مع العجز والجهل المعرفى لذا هى رائجة فى نشاة الخلية الحية ..كذا تنتفى قصة المُصمم مع الإعتياد والبسيط فنحن لا نسأل عن مُصمم حجر بينما نسأل عن مُصمم الكمبيوتر .
المؤمن : دعنا نتناول حججك المنطقية .
الملحد : لقد عرضت عليك بعض النقد فلم تعقب عليه , ولكن لا بأس فسأضيف الكثير من الحجج المنطقية :
- هناك إشكالية فى فكرة الإله المُصمم , فأنتم تقولون أن صفات الإله أزلية أبدية ولكن فعل الخلق والتصميم فعل حَادث ليس من الأزل وهذا يعنى أن صفة التصميم مُستحدثة وليست أزلية مما يضع فكرة التصميم وصفات الإله على المحك !
- الزعم بأن كل نظام يحتاج في وجوده لمُسبب شخصاني مغالطة منطقية تأتى إما بتعمد خلط الأوراق أو فى الغالب نتاج غفلة وإسقاط مفاهيم ذاتية تستقى وعيها من الأنا , حيث تقول هذه الحجة بما أن الكائن الشخصاني "الإنسان" يخلق نظاماً متمثلاً فى بناء , آلة , سيارة الخ .. فهذا يعنى أن أى نظام كالكون مثلا لابد أن ينتجه كائن شخصاني عاقل مُصمم وهو ما يدعى بالإله .!
وجه المغالطة في هذا القياس الفاسد أن حكم البعض لا يسري على الكل بالضرورة , فقولك مثلا أن حك عود الثقاب يشعل ناراً لا يعنى ولا يسمح لك بالقول على الإطلاق بأن كل نار قد صدرت من حك عود ثقاب .. كذلك المغالطة المنطقية الشهيرة التى تقول طالما أن أرسطو فيلسوف يونانى إذن فكل الفلاسفة يونانيين .
حك عود الثقاب هو أحد مصادر النار وليس كل مصادر النار فتعميم كل مصادر النار غير جائزة , وكذلك أرسطو فيلسوف يونانى فليس معنى هذا أن كل الفلاسفة يونانيين , فلا يجوز تعميم صفات البعض على الكل إلا إذا درسنا صفات هذا الكل دراسة تجريبية حصرية ينتج عنها ما يُفيد بأن كل أجزاء هذا الكل لها نفس الصفات , وعليه فالزعم بأن كل نظام يحتاج في وجوده لمُسبب شخصاني لأن هناك نظام إحتاج لمثل هذا المُسبب هو زعم فاسد لأن معاينة مُسببات الكل هنا ممتنعة إضافة لإدراكنا أن ليس مَبعث كل النيران من عود كبريت .
- الغريب أن المؤمنين ينصرفون عن تطبيق هذه المُسلمة بنفس الطريقة التى أوجدوا بها فكرة الإله الخالق , فهو النظام أو الشىء الوحيد الذى لم يخلقه نظام حيث يصفون الخالق بالأزلية أي إنه لم يكن حادثاً ككل الموجودات الطبيعية , ولم يأتِ من العدم كما أتى الوجود كما يؤمنون دون أن يوضحوا لنا لماذا , ومن أين أتوا بهذه الفرضية ,وأين ذهب منطقهم , وما معنى اللابداية التى وجد عليها هذا الخالق التى تعنى أن أفعاله أيضا لا بداية لها .!
بالطبع يحق دائما السؤال ماذا كان قبل هذا الشيء أو ذاك , وهذا الشيء بدوره ما الشيء الذي كان يسبقه من ظواهر الكون وهكذا.. أما أن نقف عند شيء معين وهو "الخالق" ونقول أنه وحده الذى لم يسبقه شيء , وهو وحده الذى لم يخلقه ويصممه أحد , فهذا يجافى العقل والمنطق الذى جاء ليثبت فكرة وجود إله !
- هناك إصرار على أن مشاهد النظام التى نراها أنتجها نظام عاقل ولا تعرف لماذا هذا الإصرار وما الذى يؤكده , فإذا كان كل مشهد وجودى نراه له ظرفه المادى الذى أنتجه فلا يوجد مشهد طبيعى واحد وجدنا كيان عاقل وراءه .. فهل يعود تعزية وجود كيان عاقل مُنتج للطبيعة هو جهلنا بالظرف المادى أم هو إسقاط الأنا على الأشياء .. الحقيقة الإثنين معا وإذا كانت شخصنة الأشياء والأنا الداخلية هى ذات التأثير الأعلى لنجد من يدرك السبب المادى لسقوط المطر ومازال يصلى للإله أن يسقطها !
- هناك إشكالية منطقية أخرى فى فكرة المُصمم العاقل فهى تنقلنا من شيء واحد لا دليل عليه إلى شيئين لا دليل عليهما , الشيء الأول أن الكون بحاجة الى خالق ومُصمم فلا دليل على هذا الكلام بل لا يوجد خلق من عدم أصلاً كما يؤكد هذا العلم , كذا فرضية أن الاشياء المُعقدة يجب أن يكون لها خالق , لتتولد فرضية ثالثة لا دليل عليها أيضا بأن صانع الكون ليس بحاجة الى خالق , لنجد أنفسنا أمام تناسل الفرضيات بدون أى دليل أو إثبات فلا يوجد أى دليل أن الكون مَصنوع وأن صانعه عاقل .
المؤمن : أنت تنفى بديهيات فعندما رأينا طائرة مثلا نعرف أن هناك انساناً مفكراً قام بتصميمها فكيف تنفى تصميم الإنسان ؟
الملحد : يا أخى أنا اتناول معك مبادئ عقلانية ومنطقية تتعامل مع فرضياتكم لتعود وتتناول أمثلة على العقل التصميمى للإنسان فأين ذهب منطق أن ليس كل مصادر النيران من عود كبريت , عالعموم تعاطيك مع صورة الطائرة والعقل المُفكر لتسقطه على المُصمم الإلهى خاطئة فهى إنتقائية وتحشر النتيجة في الفرضية للسبب التالي , فلو فرضنا خطأ هذه الحجة الكوزمولوجية أي لا وجود للمُصمم , فإن هذا يعني أن معظم التصاميم في الكون مثل نطف الثلج والنباتات والحيوانات ليست من صنع مُصمم , وبهذا نستنتج أن تصميمات الانسان هي الإستثناء وليست القاعدة .. اذن الفرضية الثانية من الحجة الكوزمولوجية القائلة لا بد لكل تصميم من مُصمم تفترض صحة الحجة قبل اثباتها , أي تحشر النتيجة في الفرضية نفسها , وهذا خلل منطقي ينقض الحجة كلها..اذن قبل الاستنتاج بصحة الحجة يجب اثبات صحة كل مقوماتها .. ويقيناً العلم الحديث لا مكان فيه لفكرة الإله كعقل مُدبر وانما هو لا يعترف إلا بالعوامل والقوى الطبيعية و لم يجد للعقل المُدبر أي أثر مباشر .
المؤمن : هل يمكن أن يكون الكون بهذا التعقيد بدون عقل مُفكر صنعه .
الملحد : نرجع ثانية إلى أن الجهل والعجز المعرفى أمام الغموض والتعقيد قادك لطرح هذا السؤال .
أضيف لأوقعك فى ورطة فهذا العقل المُفكر الجبار الذى صنع الكون لابد أن يكون مُعقد أكثر مما خلقه , فلماذا ننسب للأقل تعقيداً ضرورة وجود مُصمم وصَانع ونلغي للأكثر تعقيداً وجود صانع له ؟! . بمعنى أن الإله الأكثر تعقيداً وتركيباً من المخلوفات التى خلقها ,فليس من المعقول حسب الإيمان والمنطق أن يكون الإله أقل من مخلوقاته , وطالما البسيط يحتاج للمُعقد ليُركبه فحري بنا أن نقول من صَمم ورَكب إلإله , وطالما هذه الحجة تزعجكم بإعتبار أن الإله بلا سبب فعليكم قبول وجود الكون بدون مُصمم وصانع , فالكون أقل تعقيداً , فأنت تسأل مثلا عن سببية الكمبيوتر ولا تسأل عن سببية حجر .
المؤمن : إن الله ليس بحاجة لمُصمم فهو الخالق .
الملحد : هذا تعنت فى الطرح وينسف المنطق الذى تؤسسه وتعتمد عليه فقد جعلت الإله فى غير حاجة لمُصمم ,لتقع فى إشكاليتين وفرضيتين فأنت مُطالب بأن تثبت أنه الخالق والمصمم وهذا موضوع مناظرتنا , كما هناك تخبط وتناقض فأنت تنتقل من مسألة وجود المصمم إلى مسألة صفات المُصمم , و هذا حشر آخر لنتيجة معينة متمثلة فى صفات المُصمم داخل الفرضية نفسها التي تحاول أصلا اثبات وجود هذا المُصمم وهو خلل منطقي لا يجوز !
المؤمن : أن الله هو السقف الأعلى الذي لا يعلو عليه شيء , وبالتالي لا يمكن أن يكون له مُصمما أكثر تعقيداً منه .
الملحد : المشكلة في هذا الدفاع هو أن الثابت في الوجود والكون علمياً هو العكس تماماً , فالتصاميم تحدث من الأبسط إلى الأكثر تعقيدا، مثل التطور والانتقاء الطبيعي الذي يؤدي الى وجود أنظمة معقدة كالحيوان من أنظمة بسيطة كالخلايا , كذلك فعلماء الفضاء يقولون أن كوكب الأرض مثلا قد وصل إلى ما هو عليه بعد عملية طويلة جدا شابتها الكثير من التغييرات و الكوارث , فلو كان المُدبر موجوداً لما إحتاج إلى هذه العملية الانتقالية الطويلة التي تعتمد على التجربة والخطأ , بل لكان خلق الكون جاهزاً بالصورة النهائية.
- إفتراض أن الله هو السقف الأعلى فرضاً هو مستحيل منطقياً بسبب تناقض الصفات المطلقة واستحالة اجتماعها في كائن واحد .. أما اذا افترضنا أن الله ليس السقف الأعلى بل هو كائن يدخل في حدود المنطق فحسب , فعندها يمكننا أن نستبدل الله بالكون ذاته و نقول : "إن الكون هو السقف الأعلى الممكن منطقيا ولا يعلو عليه شيء" وهذا يؤدي بالبعض إلى فلسفة سبينوزا وأينشتاين اللذان كانا يقولان بأن الله هو كل الأشياء الموجودة أو أن الله هو الكون ذاته وهذا شكل من أشكال الإلحاد .
- القول بأن وجود كائنات لها تكوين مُعقد مُنظم يعنى وجود خالق ذكي وإرادة واعية أوجدت هذه الكائنات قول فاسد , لأنه يفسر الوجود بتسلسل من المُعقد بالتكوين إلى الأعلى بالتعقيد , وبهذه الطريقة لن تصل لنهاية , فخالق له خالق له خالق إلى مالا نهاية , بينما التفسير العلمى المنطقى يقول كائنات لها تكوين مُعقد منظم نشأت من عناصر بدائية بسيطة غير ذكية غير واعية , وهذا ما نعهده ونعلمه بل لا يوجد مشهد واحد من ملايين المشاهد الوجودية إلا ويثبت أن المُعقد والمٌركب جاء من البسيط , بينما الفكرة معكوسة فى الفكر الإيمانى لتقلب معادلة الوجود حيث ترى البسيط جاء من المركب المعقد , كما أن هذا يخالف التفسير العلمى الذى يبدأ بالتسلسل من البسيط إلى المعقد , ومن هنا لو نرجع بالتسلسل سنصل لمكونات لن تناقض ذاتها لأنها أساساً بدأت من عناصر بدائية .
المؤمن : يا أخى أنت تنفى مانعرفه عن أن الكون مُنظم ومُصمم .
الملحد : أنتم من تدعون بأن الكون مُنظم ومُصمم وقولكم هذا يُعبر عن خلل كبير وتعسف فى الحكم لا يوجد ما يُبرره , فالقول بأن الكون مُنظم ومُصمم لا يخرج عن إطار فكر تقييمى نسبى إنحيازي إنسانى , ويفضح هذا التوصيف أننا لم نرى أكوان أخرى حتى نحكم على كوننا بتميز التصميم , فإدراكنا للتوصيف والتقييم لا يأتى إلا بوجود الضد حتى تتولد المقارنه ويتحقق التوصيف , فأنت لا تستطيع القول عن إنسان أنه كريم إلا بوجود إنسان آخر بخيل حتى تتحدد صفة الكرم لذا لا نستطيع أن نقول كون مُنظم إلا إذا كانت هناك أكوان عشوائية حاضرة .. وحتى لو تواجدت أكوان أخرى عشوائية فيجب أن نقارن كوننا بها لتبيان الفروق فإذا كان الوجود له مُصمم واحد هو الإله كما يدعون , فهنا ستسقط عنه الحكمة ودقة الصنعة فهو صَمم كون بنظام والباقى بلا نظام .
بتعبير آخر عندما نقول أن هناك نظام في العالم فهذا يعني أننا قمنا بتمييز العالم بهذه الصفة عن حالة سابقة له لم يكن فيها منظماً , أو ميزنا عالمنا عن عوالم أخرى لا تتسم بالنظام , أو ميزنا جزء من العالم يتصف بالنظام عن جزء فيه لا يتصف بالنظام .. بمعنى إذا لم يكن اللانظام موجوداً يصبح قولنا عن عالمنا أنه مُنظم غير صحيح ومُتعسف وليس بذات معنى , لأن معنى النظام الذى إخترناه لعالمنا هو تمييز شيء بصفة لا يوجد في شيء آخر أى أننا عندما نصف شئ بنظام فلابد أن توجد أشياء تفتقد للنظام حتى يكون توصيفنا وتعريفنا صحيحاً , فالصفة لا تتحقق إلا إذا كان نقيضها حاضراً .
هناك نقطة أخرى جديرة بالإنتباه , فالأشياء لا تُنبأ ولا تبوح بنظام أو فوضى أو تصميم أى أن الأشياء لا تحتوى على جزيئات نظام أو فوضى فى مكوناتها الداخلية ليكون التوصيف هنا هو قراءة وتقدير وتقييم إنسانى يسقطه على الأشياء وينسبه إليها لندخل فى دائرة النسبية .
- نأتى إلى نقطة أخرى تهدم فكرة التصميم من كائن شخصانى ,فوفق مفردات الإيمان بوجود إله كامل العظمة والدقة فى تصميماته بالضرورة , سنجد هناك خلل كبير فى الكون لا يقترب من أى شئ إسمه تصميم ذو إرادة وغاية وهيمنة , فالعشوائية والفوضى ضاربة فى أطناب الكون لتنهار نجوم وتتصادم مجرات وثقوب سوداء تبتلع فى عشوائية تفرض نفسها على المشهد الوجودى , فنحن نهلل بنظام الحياة على الأرض وننسى أو نتناسى الفوضى العارمة الموجودة خارج الأرض , فهناك بلايين البلايين من الكواكب و النجوم الخربة لا معنى لوجودها فهي تولد وتنهار وتنفجر في عمليات عشوائية صماء كما أن أغلبها لا تصلح للحياة عليه. . فهل مجرد وجود كوكب واحد يصلح عليه الحياة ويعتريه أيضا الكوارث الطبيعية من زلازل وأعاصير وبراكين نعتبر هذا نظاماً وتصميماً , فهذا لا يزيد عن مجرد حتمية رياضية إحصائية تؤدي الى وجود جزئيات يبدو عليها النظام في داخل مجموعات عشوائية .
- المؤمن : ما أعجبك فما قولك عن أن الكون فى منتهى الروعة والتناسق والنظام .
الملحد : لى أن أسألك هل مددت يدك لتتحسس هذا الكون الهائل وتتجول فى أرجاءه لتتلمس روعته ونظامه , ثم لنا أن نفضح مقولة الكون الرائع التى تتغنون بروعته وتناسقه ونظامه بضرورة رؤية ومعاينة أكوان أخرى للمقارنة بين كوننا وتلك الأكوان , فكيف نحكم على شئ أنه الأجمل ونحن لم نرى إلا هذا الشئ , ومن هنا نفهم ان مقولة النظام والروعة والجمال هى مفاهيم نسبية إنسانية محضة فلا يوجد شئ يُعلن عن جماله وروعته ونظامه , فالانسان هو من يمنح الاشياء تلك الصفات , وفى الغالب تكون تقييمات مُتعسفة لأنه يمنح التقدير لشيئ لا يوجد أمامه قرائن مختلفة ليحق لهذا الشئ الإستئثار بهذه الصفة أو تلك .
- إن جمال وتناسق بعض الأشياء من حولنا كما نتصورها لا يعني وجود خالق مُطلق لها, فالجمال والنظام صفات نسبية تختلف من منظور لآخر , كما أن فرضية الخلق المُطلق تعنى مُطلق الجمال والتناسق, لذا أي نسبية فيه معناها فشل المُطلق وبالتالي فشل الخالق.
- حتى قصة الجمال والإبداع غير صحيحة على الإطلاق , فسنجد أن هناك مشاهد كثيرة تتصادم مع هذا الزعم مثل الكوارث الجيولوجية والنيازك التي تضرب الأرض وتقضي على ما فيها من حياة , وهذا يعني أن لكل خطة ظروفها المنفصلة عن ظروف الخطط الأخرى , ولا توجد خطة واحدة كبيرة تجمع بين كل هذه الخطط الفرعية .
- تكررون دائماً نظرية الجمال والابداع والدقة الموجودة في هذا الكون وتتناسون أن أغلب هذه الدقة والابداع والجمال ما هو الا أوهام تعيش في مخيلاتهم , فعن أي دقة وأي جمال وأي ابداع تتحدثون؟! فهل حر الصيف وبرد الشتاء ابداع ؟! هل الفيضانات التي تجعل المياه تأكل في طريقها الزرع والضرع بينما تموت الآلاف في مناطق أخرى من العالم لشح المياه جمال أم ابداع ؟! هل الزلازل التي تضرب الأرض فتحصد البشر دقة وجمال ؟! هل ولادة ملايين المعاقين جسدياً وعقلياً كل عام ابداع ؟!هل الأمراض والأوبئة التي تفتك بالملايين والتي سيطر الانسان على أغلبها دقة وابداع ؟! هل قانون الطبيعة أو ما يعرف بقانون الغابة دقة وابداع ؟! هل وهل وهل ..هل في هذا كله دقة وابداع؟!
المؤمن : أنت توحي لنا بوجود أخطاء فى النظام والتصميم بالرغم ان كل الامور مُرتبة ومُصممة بدقة .
الملحد : الأمور عاطفية عمياء فى عين المؤمن وكما يقولون فى المثل : القرد فى عين أمه غزال .. يا أخى العالم ليس مصمماً تصميماً ذكياً , فبداية جميع الكواكب التى أدركنا وجودها خربة ليست بها حياة فأين هو المُنظم والمُصمم , كذا عالمنا مليء بالأخطاء والجور والظلم والفقر والمرض.. مليء بالأخطاء الجيولوجية التي تسبب الزلازل والبراكين والتسونامي التى تفتك بالآلاف كل عام ! وأين هو الذكاء في خلق أكثر من ربع اليابسة صحراء لا تصلح لعيش الإنسان أو الحيوان بينما يزدحم الناس في جنوب شرق آسيا لدرجة أنهم أصبحوا يعيشون في المراكب؟ وما هو الذكاء في خلق أرض يغطي سبعين بالمائة منها بحار مالحة لا تصلح للشرب أو الزراعة وهناك أناس يموتون من العطش والجوع لأن أرضهم لا تنتج ما يكفيهم؟ وماهو الذكاء في خلق مناطق كبيرة يغطيها الجليد طوال العام ولا يسكنها الناس ومناطق كل فصولها صيف حارق عند خط الاستواء؟ وما هو الذكاء في خلق جوف الأرض ساخناً لدرجة إثارة البراكين أو الزلازل وهدم المدارس على رؤوس الأطفال الأبرياء الذين لم يروا من حياتهم شيئاً؟هذه التناقضات في العالم حملت الملك ألفونسو العاشرملك كاستيل بإسبانيا إلى القول ( لو كنت مستشاراً لله يوم خلق العالم لكان قد خلقه أحسن من هذا بكثير)!
- فلنتأمل التبذير المفرط للكون وللطبيعة لندرك بوضوح أن العناية والتصميم التي ينسبها المتدينون لألهتهم وهم لا يؤيده حدث طبيعي واحد فعندما تتأمل كم البيوض التي تضعها الكثير من الكائنات الحية لكي ينجو عدد محدود من الأفراد ويستمر في البقاء ستعرف أننا لا نعول ولا نثق في وجود العناية والمُصمم العظيم .
- عندما يتأمل الإنسان كونه يقذف أكثر من مائة مليون حيوان منوي لكي يلقح البويضة بحيوان واحد فقط هذا إن نجح .. عندما يتأمل الإنسان في ذلك فقد يدرك أنه لا توجد عناية كاملة فالكون أكبر بكثير وأقدم بكثير من عقولنا التي ابتكرت صاحب العناية , قد يضع هذا المتأمل نفسه مكان صاحب العناية ويقول في نفسه لو كنت مهتماً بالكون لم أكن احتاج لكل هذه الملايين من المنويات كان لابد من استغلال كل هذا العدد الضخم..كل هذه العشوائية ستدعوك للتأمل في أن حراك الكون والحياة بدون صاحب عناية كاملة.
- عندما يكون هناك صاحب تصميم وعناية كاملة فلابد أن تنساب الجزيئات والأشياء في اتساق تام بدون أي اضطراب لأن صاحب العناية الكاملة سيضمن الاتساق , وطالما أنه لا توجد حركة في هذا الكون إلا ويصاحبها إضطراب ما متمثل فى تغير وصيرورة وعشوائية وانتظام , إذاً فصاحب العناية الكاملة غير موجود .
- عندما لا يكون هناك أي سكون ولا حاضر إلا الحركة والصيرورة , فلا يمكن لصاحب عناية كاملة أن يستمر في عنايته , لأن مجرد احتفاظه بثبات ذاتي دائم لكينونته أمر مستحيل , عندما لا يمكن تكرار أي شيء وعندما ينتفي التشابه في كل جزئية ولا يبقي سوي الحركة والصيرورة فمن العبث أن تعتقد أن هناك صاحب عناية كاملة سيعيدك في حالة التطابق الذاتي ليعتني بك .
- ستنفى الفوضي والنظام وجود إله بمعنى أن الفوضي والنظام كلاهما موجودان وهو غير موجود , فالكون به الكثير من المتضادات وطالما الإله المُفترض يفعل كل هذه المُتضادات , وطالما أن المُتضادات ظاهرة ومُدركة والإله المُفترض غير ظاهر ولا مُدرك , فلا سبيل عقلي لإثبات وجوده سوي أن يظهر كمتضاداته .
- إن فرضية الإله كصانع الفوضى واللامعنى فى الطبيعة تنفى عنه المُصمم , كما أن الإله الصانع يتضمن عجزه عن الظهور والتشيؤ فليس هناك من دليل حسي أو منطقي يمكن به إثبات وجوده إلا إذا غيرنا في صفاته وصار قابلاً للتجزؤ والخضوع للمكان والزمان , لذا فلا طريق عقلي لإثبات وجوده سوي الطرق الحسية والتجريبية لنصطدم بإفلاس فكرة الإله عن تقديم ذلك فهو لا يُستدل على وجوده حسياً بل ظنياً وإستنتاجياً وفق عقلية متخيلة متوهمة .
المؤمن : ستكون ردودى فى الجزء الرابع من المناظرة .
الملحد : لابأس ولكنى أطرح نقدى وأفكارى فى موضوع المُصمم والمُنظم على جموع الحاضرين للمشاركة بالنقد أو الإضافة .. ليكون لى تأمل أخير : يلاحظ أن هناك شئ يغيب عن أذهان المؤمنين فهم يثبتون وجود الإله بوجود تصميم الكون بينما يُفترض أن وجود الإله يثبت وجود الكون . فكروا فيها .
دمتم بخير وعذرا على دسامة المحتوى .
- أجمل ما فى الإنسان هى قدرته على مشاكسة الحياة فهو لم يرتقى ويتطور إلا من قدرته على المشاكسة ومعاندة كل المسلمات والقوالب والنماذج , وأروع ما فيه هو قدرته على السخرية من أفكاره فهذا يعنى أنه لم يخضع لصنمية الأفكار فكل الأمور قابلة للنقد والتطور .. عندما نفقد القدرة على المشاكسة سنفقد الحياة .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع.
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟