أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (12)















المزيد.....


ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (12)


طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5416 - 2017 / 1 / 29 - 00:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"كل القوانين لاغية اذا كانت لا تهدف الى تحقيق الحرية!"
جوناثان (1)
.............
ناقشت في الحلقة السابقة ان الاعتقاد القائل ان الحقيقة هي حكر على العلم الطبيعي, واختزال كل امور الحياة الى معطياته, وانه هو المحك الاول والاخير, هو بمثابة خلق الطغيان العلمي, الذي بحثه اكبر مؤرخ للتاريخ في القرن العشرين Feyerabend في كتابه الشهير بهذا الخصوص (2). وقد يكون طغيان العلم, حسب Feyerabend, هو صنوا للعِلمانية, او العلمونة كما يحلوا للبعض ان يسميها. وهي منافية للديالكتيك وفلسفة الصيرورة, كما رأينا سابقا.

يعتقد Feyerabend ان العلماء والفلاسفة يعتبرون في بعض الاحيان العلم وكأنه قد قدم وجهة نظر عالمية موحدة ومتراصة او منسجمة. الأمر ليس كذلك. العلم غير متكامل ومجزء الى حد بعيد. أنه لا يتكلم بصوت واحد. فكما ذكرت في الحلقة السابقة, ان العلم الطبيعي منشطر على نفسه بخصوص وجود الله. فالفيزياوي Stephen Hawking يقول انه اثبت عدم وجود الله, ولكن زميله الفيزياوي Michio Kaku يقول انه اثبت وجود الله. العلم ينشد التجريد: العلوم خارج المكان. والأيديولوجية المرتبطة بهذه النظرة الى العلم هي العِلمانية (3), Scientism.

وتُعرف العِلمانية أحيانا ايضا باسم الموضوعاتية، أو المادية العلمية، التي تعني ان العلم هو, او ينبغي ان يكون, المقياس النهائي لما هو موجود وبضمنه الامور الاجتماعية والنفسية والسياسية، وهي ايديولوجية لا أساس لها. المدافعون عن هذه الايديولوجية يصورون أنفسهم على أنهم المدافعون عن العقل-مما حدى باحد الكتاب ان يكتب قبل ايام مقالا باسم "نحو جبهة وطنية واسعة لعقلانيي العراق", وكأن حكام العراق مجانين, او مخبلولين, وهو بالتالي, اراد او لم يرد, وكأنه يطالب بعدم محاسبتهم قانونيا جراء جرائمهم الكارثية بحق الشعب والوطن لكونهم غير عقلانيين او مجانبن! وبدل ان يكون الصراع صراعا طبقيا, يتحول على لسان هؤلاء "العقلانيين!" الى صراع عقلاني! وماديتهم العلمية المزعومة هي ليست مادية, ناهيك عن كونها علمية. بل انها مثالية (عقلية) متبرقعة ببرقع المادية. فالصراع في العراق هو الآن, بعرفهم, صراع يين العقل واللاعقل, او صراع بين العقل والجنون. ولذا عندما سيقوم الطبيب النفسي ,حسب هذا المنطق, بمعالجة هرلاء اللاعقلانيين فان كل شيئ سيكون على ما يرام وستعم عندها الافراح والمسرات! والظاهر للاسف ان ثقافة كاتب المقال في مجال الفلسفة وعلم النفس لا يُحسد هو عليها, وعلم النفس عموما ناهيك عن علم نفس الصيرورة وتأكيده على الدور الحاسم للعقل الباطن (4). فنحن نعلم تمام العلم ما قاله الفيلسوف نيتشة بان الجنون في الافراد ظاهرة نادرة ولكنها اوسع انتشارا بكثير او حتى قد تكون هي القاعدة في المجاميع البشرية والمجتمعات والاحزاب (5). واحد رفاق الكاتب قد اصيب هو الآخر بالعدوى, فهو ايضا من اتباع المادية العلمية كصنو للمثالية, والتوافقية السياسية كصنو للمهادنة الطبقية. فهو يبشرنا بحتمية تاريخية مفادها "لا يصح في النهاية الا الصحيح!". والصحيح والعقل, بعرفهم, سيان: فمن سيحدد الصحيح من غير الصحيح ان لم يكن العقل؟

وهؤلاء الكتاب يطلق عليهم Feyerabend تسمية "المثقفين الامبرياليين". ان كانوا مثقفين فهي وجهة نظر, ولكن امبرياليتهم لا تدع مجالا للشك. فامبرياليتهم الفكرية متجسدة في مواقفهم ومشوراتهم في الماضي التي أدت أو كانت ستؤدي الى تدمير المجتمعات وما شابهها من الفظائع السياسية. الم يعتقد البعض من انصار المادية العلمية وامبرياليي التفكير ان اشتراكهم في مجلس حكم الاحتلال في العراق برئاسة بول بريمر هو تجسيد لعقلانيتهم وحكمتهم؟ وبالتالي فمن هم العقلانيين الذين يدعو الكاتب الى اتحادهم في جبهة, وكأنهم لم يكونوا متحدين من قبل في جبهة, ولكنها غير معلنة؟ وكان بريمر هو زعيمها الاول.

ان الكثير من الافكار الفلسفية الشعبية الواسعة الانتشار عن العلم هي خاطئة. فالفكرة المنتشرة بشكل واسع النطاق ان العلم يلبي الاحتياجات تستدعي الاستجواب. فهي قد تتمتع بالصحة اذا تم تجريدها من الايديولوجية التي تدعمها. وعندما يتعلق الأمر بالمنهجية، فأن الفكرة الشائعة ان العالِم التجريبي يبدأ من الحقائق، ويتجنب النظريات حتى حين يتم جمع الحقائق، هي أسطورة. وحتى ان البعض يذهب الى القول ان العلم التجريبي هو بحد ذاته علم كاذب (6).

الديالكتيك وفلسفة الصيرورة يستدعيان منا ان نحكم على الامور ليس فقط على ضوء ما يقال, بل ايضا, وهو الاهم, على ضوء ما لا يقال. وقراءة ما لا يقال, اضافة الى ما يقال, هي وظيفة المنهج الديالكتيكي. وما لا يقال هو بمثابة الآيديولوجية التي تتضمنها المقولة. في محاضرته المعنونة A New Kind of Communism (نوع جديد من الشيوعية) يطلب منا الفيلسوف الماركسي والمحلل النفسي Slavoj Zizek ان نضع النظارات الآيديولوجية على عيوننا عند معاينة الامور والحكم عليها (7).

ويضرب Zizek بعض الامثلة لتوضيح الدور البالغ الاهمية للنظارة الآيديولوجية. اختار مثالين فقط. احدهما لربما بمثابة طرفة, والثاني كان تراجيدية مترامية الابعاد وتفوق الوصف. اختياري لهذين المثالين هو لتبيان ان الآيديولوجية تفعل فعلها في الحياة اليومية وفي الامور الحميمية قدر فعلها في الامور السياسية (العالمية) وتشعباتها.

المثال الاول مفاده هو ان امرأة تدعو رجلا الى الصعود الى شقتها لتناول القهوة. وعندما يقول لها الرجل انه لا يشرب القهوة, تجيبه هي بقولها "ولكني لا املك قهوة على اية حال"! لا نحتاج هنا الى الكثير من الذكاء لنتعرف على سبب دعوتها الرجل الى شقتها. ولا اعتقد انه سيجانب الصواب من يعتقد ان دعوتها له لتناول القهوة هي دعوة مبطنة (او ذات المضمون الحقيقي) من اجل ممارسة الجنس, وخصوصا من خلال نفيها للنفي. النفي الاول هو قول الرجل انه لا يحتسي القهوة. النفي الثاني هو نفيها عندما تجيبه هي بكونها لا تملك قهوة. ونفي النفي يزيل اي امكانية للشك في فحوى الرسالة المبطنة:الحقيقية. كلا المرأة والرجل اصبحا على علم تام بفحوى الرسالة, حتى دون لفظ اي منهما كلمة "الجنس" او مرادفاتها.

المثال الثاني تراجيدي ويفوق الوصف. فقد طالب وزيرالدفاع Donald Rumsfeld في عهد الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن حكومات الدول الاوربية الى مساعدة دولته في البحث عن اسلحة الدمارالشامل في العراق, ولما تحججت هذه الدول بكونها لاتملك خبرات كافية في مجال البحث عن اسلحة الدمار الشامل, اجاب Rumsfeld ان هذه ابدا ليست بمشكلة لان العراق لا يمتلك اسلحة دمار شامل.

و Donald Rumsfeld هو نفسه لا غير, الذي انكر, حسب صحيفة الغارديان البريطانية, انه اعتقد ان خيار الديمقراطية في العراق بعد غزوه في عام 2003 كان خيارا واقعيا (8).

يتبع
...........
المصادر
1. https://www.youtube.com/watch?v=sHC-85nLbkA
2. PAUL FEYERABEND
The Tyranny of Science
http://ndpr.nd.edu/news/32481-the-tyranny-of-science/
3. https://www.aaas.org/page/what-scientism
4. http://www.goodtherapy.org/learn-about-therapy/types/process-oriented-psychology
5. https://www.facebook.com/PhilosophyMttrs/photos/a.305663529533101.58006.305644206201700/958952367537544/?type=3&theater
6. Systematic Empiricism: Critique of a Pseudoscience, 1973
by David Willer & Judith Willer
https://www.amazon.com/Systematic-Empiricism-Critique-Pseudoscience-sociology/dp/013880351X
7. Slavoj Zizek - A New Kind of Communism
https://www.youtube.com/watch?v=QARALafdWUI
8. Donald Rumsfeld denies he thought democracy in Iraq was realistic goal
https://www.theguardian.com/us-news/2015/jun/09/donald-rumsfeld-iraq-war-democracy-contradiction




#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (11)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (10)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (9)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (8)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (7)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (6)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (5)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (4)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (3)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (2)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (1)
- ملاحظات اولية بخصوص نداء الحزب الشيوعي العراقي
- هل ل(قيادة) الحزب الشيوعي العراقي مشكلة مع مشاعر الحب والقلق ...
- العلم يكشف كذبة اخرى للادارة الامريكية
- الشيوعيون والتعاطف وتحسس مشاعر الآخرين
- اشتراكية ماركس احتجاج ضد انعدام الحب
- الماركسية والفلسفة (4/4)
- الماركسية والفلسفة (3)
- الماركسية والفلسفة (2)
- الماركسية والفلسفة (1)


المزيد.....




- إسرائيل تُعلن تأخير الإفراج عن فلسطينيين مسجونين لديها بسبب ...
- الخط الزمني للملاحقات الأمنية بحق المبادرة المصرية للحقوق ال ...
- الخارجية الروسية: مولدوفا تستخدم الطاقة سلاحا ضد بريدنيستروف ...
- الإفراج عن الأسير الإسرائيلي غادي موزيس وتسليمه للصليب الأحم ...
- الأسيرة الإسرائيلية المفرج عنها ‏أغام بيرغر تلتقي والديها
- -حماس- لإسرائيل: أعطونا آليات لرفع الأنقاض حتى نعطيكم رفات م ...
- -الدوما- الروسي: بحث اغتيال بوتين جريمة بحد ذاته
- ترامب يصدر أمرا تنفيذيا يستهدف الأجانب والطلاب الذين احتجوا ...
- خبير: حرب الغرب ضد روسيا فشلت وخلّفت حتى الآن مليون قتيل في ...
- الملك السعودي وولي عهده يهنئان الشرع بمناسبة تنصيبه رئيسا لس ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (12)