وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 5139 - 2016 / 4 / 21 - 16:05
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من المسيحية – اليهودية الاصولية الى المسيحية الهلنستية
بعد موت يسوع مصلوبا , وقيامته ,بحسب ايمان تلامذته الراسخ وشعورهم بقوة داخلية باطنية عظمى , تمت تسميتها بالر وح القدس .آمن التلاميذ – الحواريون بقيامة يسوع باعتباره المسيح . يقول بطرس في خطبته في اعمال الرسل ( فيسوع هذا اقامه الله , فلما رفعه الله بيمينه ,نال من الاب الروح القدس وافاضه علينا , كما تشاهدون وتسمعون ).
وكان على التلاميذ – الحواريون الحفاظ على عددهم الاثني عشر بعد انتحار يهوذا الاسخريوطي . فتم انتخاب ماتياس والذي لانعرف عنه شيئا .
كان من اعمدة الكنيسة ذات الجذور اليهودية : سمعان بطرس , يعقوب اخو الرب و يوحنا .لقد عكس سفر اعمال الرسل مبالغة في مثالية المسيحيين الاوائل . ولكن التحليل النقدي الدقيق لكتاب اعمال الرسل يظهرلنا الصراعات الداخلية بين المسيحيين اليهود والمسيحيين الهلنستيين .
لقد حاول المسيحيون في كنيسة اورشليم تشكيل تنظيم او طائفة على شكل مشاعة قائمة على المساواة والملكية المشتركة القائمة على الحب اللامشروط واللامحدود والعطاء بسخاء . وكانوا ياخذون من القمرانيين – الاسينيين نموذجا يحتذون به . وكذلك احتذوا بجماعات اسينية اخرى مثل الناصريين شرقي الاردن والذين رفضوا الذبائح الحيوانية والذين كانوا يمارسون التعميد في الماء الجاري .كانت الجماعة المسيحية الاولى في كنيسة اورشليم تبيع املاكها وتقوم بتوزيع المال على جميع المحتاجين , كل بحسب حاجته .
اما قصة حنانيا وسفيرا واللذين اخفيا قسما من المال الذي باعا ارضهما به وعوقبا بالموت من قبل الروح القدس فهي مجرد اسطورة لغرض التاثير على المؤمنين وتثبت ايمانهم .بينما هذه القصة تتعارض مع تعليم يسوع ورسله .
خلافا لطائفة قمران من الاسينيين لم يكن لدى مسيحيي اورشليم مسكن مشترك , ولم يكونوا منعزلين عن باقي البشر . وكانوا يهودا – مسيحيين والذين اعتبروا انفسهم يهودا حقيقيين , وهم لم يتخلوا عن شريعة موسى. ومن هؤلاء ظهر الابيونيون والذين كانوا يتقيدون بالشريعة اليهودية ويعيشون نمط العيش اليهودي ويقدسون يوم السبت.
لقد كان لكنيسة اورشليم مكانة سامية بين المسيحيين .فقد وصف بولس في رسالته الى غلاطية كل من يعقوب وبطرس ويوحنا بانهم اعمدة الكنيسة . وكان بولس يرسل المساعدات الى كنيسة اورشليم (1 كورنثوس) .
لقد كان هنالك صراع بين المسيحيين من اصل يهودي وبين اليهود من اصول يونانية ورومانية . وسبب الخلاف هو توزيع المعونات على المحتاجين من الفقراء والارامل . لقد كانت المساواة متعذرة لان كل طرف ينحاز الى جماعته . ولذلك كان يجب وضع نظام صارم كما لدى القمرانيين . ولكن كنيسة اورشليم رفضت الانغلاق .
لقد شعر الرسول استيفانوس بان الله لايمكن ان نحصره بين حجارة معبد , لذلك هاجم نظام الذبائح الحيوانية وهاجم الهيكل اليهودي ودافع بحماس المتجددين عن المواضيع الاكثر جذرية في المعمدانية الرافضة للذبائح الدموية .
وفي سياق سفر اعمال الرسل ستلعب عظته دورا اساسيا في قطع العلاقة مع اليهودية واجبار الكنيسة على الانفتاح على العالم الهلنستي الكبير , وتم رجمه حتى الموت لاحقا.
لقد كان بولس قبل اهتدائه الى المسيح يدعى شاول وكان مشرفا على رجم الرسول استيفانوس وحارسا على ثيابه والعباءة .والعباءة تمثل لدى البابليين واليهود رمز لانتقال الملكية .لقد مات مفهوم الرسالة المنفتحة على العالم بموت استيفانوس فورثه بولس دون ان يدري .
لم يكن يعقوب اخو الرب من ضمن تلاميذ يسوع الاثني عشر . لذا يمكن القول انه جاء الى اورشليم قبل ان ياتي يسوع وتلامذته .
في مقاطع وصلت الينا من انجيل العبرانيين او الابيونيين , تحظى المعمودية بدور حاسم . حيث تتردد نفس الكلمات التي رددها الصوت السماوي , بحسب انجيل مرقس , ولكن يزاد عليها عبارة ( ..اليوم قد ولدتك ).
لقد افترض الابيونيون ان الله لم يتبنى يسوع ابنا مولودا له , وانما معدا لكي يكون المسيح (مسيا ) . لذا كانت كلمة- روح – مؤنثة , وهي ام المسيح كما جاء في انجيل العبرانيين :
(هكذا فعلت امي , الروح القدس , فقد حملتني من شعري وجاءت بي الى جبل تابور ).وربما كان حديث القران عن عبادة النصارى لمريم ام يسوع اشارة الى الروح القدس :
( اانت قلت اتخذوني وامي الهين من دون الله؟) –قران كريم
لقد جاء توصيف رؤى الابيونيين – الابوكاليبسي الى بحث يدعى ( المنحولات الكلمنتية)وتنسب الى كليمنت الاسكندري . ويبدو انه كتب في القرن الثاني للميلاد .ويظهر في هذا العمل الرسول بطرس .وربما انعكست في خطبه رؤى الابيونيين القريبة من تعاليم طائفة قمران من الاسينيين . لذا يمكننا الافتراض ان الجماعات الاولى من المسيحيين كانوا الاكثر ارتباطا بتقاليد الاسينيين .
وقد زادت الصلة متانة بعد اعدام وصلب يسوع . اذ بدا يتشكل اللاهوت الشفاهي اولا , ثم التقليد المكتوب بعد ذلك .
العمودية في بداية المسيحية
ترد كلمة ( عمد) بتشديد الميم كثيرا في كتاب اعمال الرسل من العهد الجديد . وهي تدل في اعمال الرسل على :
1- عماد يوحنا المعمدان ( النبي يحيى)ولا تشير اطلاقا الى العماد المسيحي .
2- يستعمل فعل (عمد ) في صيغة المجهول , ويتم التشديد على ان فلانا قد عمد (بضم العين)في صيغة المجهول , لا على دور الذي قام بالتعميد ( اي التغطيس بالماء).لايذكر الكتاب الشخص الذي يعمد الا في طقس يوحنا المعمدان وفي عمل فيليبس في قيصرية . ثم ان بطرس لم يعمد , بل امر غيره ان يقوم بالتعميد ( اعمال 10 : 48 ).
3 – علاقة العماد بالروح:يحدثنا لوقا في اعمال الرسل عن دخول في الكنيسة دون ان يذكر العماد ( اعمال 4:4 ).هنالك عماد يحتاج الى وضع يد بطرس ويوحنا ( اعمال 8: 14 – 17 ). او بولس ( 19 :1 – 7 ).
هنالك اوقات يكفي فيها العماد وحده لقبول الروح القدس ( اعمال 2: 28 ) .ويحدث ان يحل الروح قبل العماد فيكون العماد تثبيتا لعمل الروح.
لم تكن ممارسات المسيحيين الاوائل لطقس المعمودية ثابتة وعلى نمط واحد .واتخذت كل جماعة مسيحية اسلوبها الخاص بها في التعميد , الى ان توحدت لاحقا . يعرض لوقا في كتاب اعمال الرسل صورة حقيقية لممارسة المعمودية عند المسيحيين الاوائل .
بعد هزيمة الانتفاضة اليهودية ( 66 – 70 )شكل المسيحيون في فلسطين مجموعة مغلقة خارج المجرى العام لتشكل المسيحية .وقد انضم هؤلاء المسيحيون الى الانتفاضةالثانية ضد الرومان عام 132 م . وقد استخدم الثوار كهوف قمران .اذ عثر على رسائل زعيم الانتفاضة , جاء في واحدة منها ذكر الجليليين , اي المسيحيين على اغلب الظن .
كتاب الديداخي
الصورة الاكثر اكتمالا عن المسيحية في بدايتها يرسمها لنا كتاب :
( الديداخي , اي الطريقان او السبيلان ), او تعاليم الاثني عشر رسولا . وقد حقق فيه بعض العلماء والذين ارجعوا زمن تدوينه بين اعوام ( 70 – 112 م). بينما اقترح غيرهم من العلماء انه مكتوب في الربع الثاني من القرن الميلادي الثاني .
اذا صحت كتابته في القرن الثاني الميلادي , فانه يعكس واقع الكنائس التي حافظت على تقاليدها المسيحية الاولى .
يتالف كتاب الديداخي من ثلاثة اجزاء : جزء التعاليم الدينية ويعالج قضايا خلاص الانسان , اي طريق الحياة وطريق الموت , اي طريق الهلاك .اما الجزء الثاني فهو يعطي التفاصيل للطقوس والصلوات , ثم يليه الجزء الثالث والذي يحتوي على القواعد والقوانين التي تنظم الحياة الداخلية للكنيسة, والعلاقات بين افرادها والرعاة .
لقد كان ذلك صيرورة الكنائس المسيحية وطرق قيادتها . ووضع قواعد محددة لحياتها اليومية .فاعتمدت الكنيسة قانونا اخلاقيا لان الاخلاقية الراديكالية التي اعتمدها يسوع كانت مستحيلة التطبيق في الواقع العملي . ولكن هذا القانون الاخلاقي تم تشريعه استنادا الى التعاليم الانجيلية . واضيفت اليه اشياء جديدة ارتبطت بتقاليد العالم المحيط بالكنيسة وعاداته وانضمام اعضاء جدد جاؤوا من خارج اليهودية . فتم تحريم التنجيم بحسب طيران الطيور , وكان هذا شائعا لدى الرومان . كما حرمت ممارسة التنجيم بالرياضيات . وكان هذا شائعا في المقاطعات الشرقية للامبراطوريةالرومانية.
عكس الديداخي نمط معيشة المسيحيون الاوائل وهم باغلبيتهم من الطبقات والفئات الفقيرة كالعبيد والحرفيين . عندما تم تدوين الديداخي لم تكن الطقوس المسيحية قد اكتملت . لذلك تضمن الكتاب قواعد اقامة اقدم الطقوس وهي طقس المعمودية وطقس القربان المقدس , اي تناول الشراب والخبز في وليمة مشتركة .
ان ترسيخ هيبة الاساقفة تم بصعوبة بالغة في بعض الكنائس .ففي رسالته الى المسيحيين في كورنثوس يتحدث كليمنت عن نزاع كبير وقع في داخل الكنيسة . لقد وقف شباب الكنيسة ضد شيوخها في صراع الاجيال وازاحوا لاساقفة . فدعا كليمنت الشباب الى طاعة اساقفتهم .
وكان النزاع قد تركز حول قضايا الايمان بقيامة الاجساد بعد الموت . الا ان الاسقفية اخذت ترسخ جذورها بالتدريج .في العام 132 م اشتعلت في فلسطين ثورة يهودية قادها سمعان بن قوسيبا الذي اعلن نفسه المسيح ودعا نفسه باسم باركوبا : ابن النجم . وقد نجح الثوار اليهود في الاستيلاء على اورشليم . كما جعلوا كهوف قمران قاعدة لهم . لكن الثورة اخمدت بقسوة ومنع اليهود من دخول اورشليم اكثر من مرة . واقام الرومان على انقاض مدينة اورشليم مستعمرة رومانية دعيت باسم (ايليا كابيتولينا ). وشيد في المدينة معبد للاله جوبيتر وهو الاله الاكبر عند الرومان .
وتشتت اليهود في ارجاء العالم .وساد الاعتقاد بانه لايمكن التحررمن السلطة الرومانية الا روحيا .وقد وجد الناس في المسيحية خلاصهم الروحي.فقد دعت تعاليم العهد الجديد الى المحبة واعلنت ان الخلاص والتحررلايتحققان في ملكوت الله الا عن طريق الالام .
مدينة ايليا كايبتولينا فتحها عمر بن الخطاب تحت اسم مدينة ايليا , ثم اطلق عليها المسلمون تسمية مدينة القدس او بيت المقدس .
ان الصراع العربي الصهيوني او العربي – الاسلامي ضد اسرائيل واليهود والصهيونية يستند الى ثوابت ايديولوجية لاعلاقة لها بالتاريخ او بالاكتشافات الاثارية .
مصادر المقال :
1 – كتاب ( المسيحيون الاوائل والامبراطورية الرومانية )- تاليق:ا.س . سفينسيسكايا – ط 3 – 2010 – دار علاء الدين – دمشق .
2 – كتاب ( اعمال ارسل ) – تاليف مجموعة من الباحثين – ترجمه الى العربية : الاب بولس الفغالي – ط 3 – 1992 – دار المشرق – بيروت.
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟