أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - سعدي يوسف وعقدة أوديب















المزيد.....


سعدي يوسف وعقدة أوديب


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4693 - 2015 / 1 / 16 - 00:31
المحور: الادب والفن
    


كل قصائد سعدي يوسف في بِناها تُشاد على هذه العقدة: عقدة أوديب، وهي في عناصرها تؤثر في سلوكه كشاعر مع عدم شعوره بها، وبكلام علماء النفس تعمل على اضطراب نشاطه الواعي الذي هو قرض الشعر لديه، كل قصائد سعدي يوسف إذن هي قصائد بفضل هذا الاضطراب النفسي، فعقدة أوديب النفسية مجالها استيهامي لدى الطفل الذي بقي على حاله في ثوبه الشيخ، وبالتالي كان الخطاب السريري خطابه، خطاب في نظامه توتاليتاري (كلياني شمولي)، فهو في لغته ورموزه وكوداته سهل ممتنع هذا صحيح، وفي الوقت ذاته متصاعب متمانع، وكخطاب نفساني يتضمن –حسب رولان بارت- أوامر وإيعازات مؤسسية (متعلق بالمؤسسات)، و –حسبنا- نظامًا من المشاعر المتعارضة الشبيهة بمشاعر أوديب، نظامًا للممارسة السلطوية، وهذا ما فَهِمَهُ تمام الفهم أعضاء لجنة تحكيم جائزة العويس التي حصل عليها.

الأوديبية رمزًا
في قصيدته "الشيخ الأخضر"، يبدو التعارض النفسي تضمينًا للتعارض الرمزي من العنوان، في محاولة لتغييب بغض الشيخوخة المنعوتة بالاخضرار: عيش عقدة أوديب يكون باشتهاء الموت تحت كل أشكاله للخصم تحت كل أشكاله، الخصم هو الأب إذا ما تعلق الأمر بالابن، وهو الأم إذا ما تعلق الأمر بالابنة، والأنا أحد هذه الأشكال، الأنا الشيخة (الأب والأم)، الأنا التي تفترضها صفة الشيخ، مقابل الأنا الشابة (الابن أو الابنة)، الأنا التي تفترضها صفة الأخضر، تفرضها كممارسة سلطوية، وفي السياق الذي نحن فيه كممارسة أوديبية. ومن المحقق أن الأمر ليس اتفاقًا عندما يكون الدافع اشتهاء الحياة تحت كل أشكالها لنقيض الخصم تحت كل أشكاله، والاخضرار أحد هذه الأشكال. وكيلا نُحَمّل النص أكثر مما يحتمل سنحدد التزامن والتماكن الأوديبيين لننفي الاتفاق.

التزامن والتماكن
بما أن الأوديبية رمزية، فهي تطبع نفسها على المكان كالزمان، عندما نقرأ:

في بار "الشيخ الأخضرِ "
أي في :
Ald Greene Mann
( إنجليزيةٌ من زمانٍ قبل سيّدنا شكسبير)
في هذا البار الماثلِ بين تقاطُعِ نورث وود وهَيرفيلد
Northwood and Harefield
أجلسُ (أحيانا) مع أندريا ...
نتحدّثُ
أو نتناولُ كأساً .
ثم نغادرُ :
كلٌّ يمضي نحوَ الزنزانةِ تلكَ... البيتِ الشخصيّ

إذن "الشيخ الأخضر" هو بار، كمكان يعارض كل إنجلترا، مكان الشيخ الأخضر ومكان إنجلترا العجوز، وكزمان يعارض كل الزمان الحاضر، زمان شكسبير وزمان سعدي يوسف، وبالتالي لا بد من أن يكونا مكانًا وزمانًا تتقاطع فيهما الأشياء: شارعا نورث وود وهَيرفيلد، وتتقاطع فيهما الأيام: في المفردة "أحيانًا" من البيت "أجلس (أحيانًا) مع أندريا. الأوديبية رمزًا هي عدم التخلي عن الحياة الاستيهامية تحت شرط تقاطع عنصري المكان والزمان، وبالتالي تقاطع أندريا والأم كإنتاح لهما، نقول تقاطعًا لأن إحلال الحبيبة محل الأم لن يكون بأمر مؤسسي كما هو عليه في التصرفات: نتحدث، أو نتناول كأسًا، ثم نغادر. هناك قبول لفقدان الشعور بالعشق نحو الأم، في الوقت الذي تبقى فيه الأم محورًا للمستسلم للأحلام، المنهمك في الانحراف (بالمعنى الجنسي)، وسبب هذا شهوة أن تكون الأم للمريض بها وحده، وفي البيت "كلٌّ يمضي نحو الزنزانة تلك... البيت الشخصي" أكثر من إشارة إلى الأم المعشوقة تحت استعارة البيت الشخصي والمجلودة –لا نقول الجلادة- فهي كمجلودة في زنزانة، عَرَض من العوارض الأوديبية، لا كجلادة، مرض الأوديبية نفسه.

الانحراف كودًا
والحالة هذه يتم استبعاد الأب كمنافس، فالنص يخلو من أية إشارة إليه مباشرة أم غير مباشرة، والانحراف ككود رمزي يتم بالابتعاد عن الوالدين لا بالمواجهة – مرحلة متقدمة من مراحل الأوديبية-، وككود سلطوي يشار إليه زمانيًا بفعل الماضي ومكانيًا بالتطواف حول العالم:

لم يكن الأمرُ، كما أبْسِطُهُ لكَ، أو لكِ، هذا اليومَ؛
لقد كنا عشّاقاً !
ولقد طوّفْنا العالَمَ، حُرّينِ، شيوعيّينِ،
نغنّي،
ونناضلُ
لكنّا في الليلِ، نكون على الفَرْشةِ، بوهيميّين.

نقول سلطويًا تبعًا لتقريرية الخطاب وتوتاليتاريته (كل المقطع السابق)، ولتوظيف المشاعر الأوديبية المتعارضة كنظام للممارسة السلطوية، فأي معنى للشيوعي والحر والبوهيمي أكثر أو أقل حرية؟ للمغني والمناضل والمضاجع أكثر أو أقل نضالاً؟ كود الانحراف ينحرف عن خط الإبداع كمحرك ومولد له، وهو لا يتمظهر ككبت للغريزة الجنسية، كاستيعاب للعقدة الأوديبية في عشقه لأخرى غير أمه:

أندريا هجرتْني
وأنا أمسيتُ سعيداً، بين ذراعَي أُخرى .
عجباً !
لِمَ أحكي لكَ؟
بل أنا لا أعرفُكَ ...
فلماذا أحكي لكَ؟

الأخرى هي أخرى لأندريا لا للأم، والتنافس مع الأب هو تنافس مع القارئ كاستتباع توتاليتاري (عجبًا لِمَ أحكي لك)، والإعجاب بالأب مقابل حب الأخرى لن يكون، فالشاعر يلتذ بعقدته (أمسيت سعيدًا)، من عقدته، وبالتالي لا يفعل سوى قولبة أندريا، الحبيبة التي من المفترض أن تحل محل الأم تحت ذريعة هجرها (أندريا هجرتني).

الأوديبية إبداعًا
تأكيدًا كخاتمة، لم يستطع الخطاب السريري إبراز الخطاب الإبداعي، فهو –كما سبق وقلنا- في لغته ورموزه وكوداته سهل ممتنع هذا صحيح، وفي الوقت ذاته متصاعب متمانع:


قالوا: حسناً !
حسناً...
كانت أندريا شاحبةً، وهي تواجهُني عبر المائدةِ
الجوعُ؟
أكيداً...
كنتُ أُمازحُها دوماً، وأقولُ: كأنكِ ذئبٌ يتضوّرُ جوعاً !
لكن شحوبَ الجلسةِ هذي ما كان شحوبَ الجوعِ
لقد كانت تعرفُ أني سأسافرُ
تعرفُ أني سأسافرُ نحو بلادٍ أخرى
نحو امرأةٍ أخرى ...
.....................
.....................
.....................
كان نبيذُ الشيلي الأحمرُ مُرّاً .

متصاعب تحت معنى يتصرف الشاعر على المستوى التعبيري مطلق التصرف ليبدو متصاعبًا، ومتمانع يتصرف الشاعر على المستوى التعبيري دومًا مطلق التصرف ليبدو متمانعًا: "قالوا حسنًا حسنًا" كعنصر براني غير أوديبي في علاقة متعارضة مع عنصر جواني أوديبي "أقول كأنكِ ذئب يتضور جوعًا". ولكي يكبت الشاعر "أوديبه"، يمارس سلطته على المرأة (أندريا في النص) في صورتها المقولبة (شاحبة ذئب يتضور جوعًا تعرف إني سأسافر)، ويترك نفسه طريدة التلذذ الاستيهامي لعقدة أوديب: معرفة أندريا لسفره نحو بلاد أخرى، نحو امرأة أخرى. التأكيد على "نحو امرأة أخرى" لهو معيار هذا التلذذ التخيلي الخادع، فلا يبدو كبعد ميتافيزيقي للخير أو للشر، كبعد فيزيقي نعم (كان نبيذ الشيلي الأحمر مرًا)، وهذا هو مشكل سعدي يوسف الأول والأخير مشكل خطابه، الخطاب السائد، لا يوجد خطاب مغاير لديه، لا يوجد اجتراح لديه، توجد لديه صفوف من الكلمات، ولا يوجد تمرد أوديبي على الكلمات.


باريس الخميس 2015.01.15




#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توفيق زَيَّاد وعقدة الخِصاء
- فدوى طوقان وعقدة القضيب
- ملاحظات بلا غضب حول أدب العرب
- افنان القاسم - المفكر والأديب والناقد - في حوار مفتوح مع الق ...
- الدين السياسي سرطان الشعوب
- لم يخلق الله الكون
- الإسلام دراسة سيميولوجية
- ضد الدين وليس ضد الإسلام أو المسيحية أو اليهودية
- سامي الذيب إسهال ثقافي وإفلاس فكري
- موعدي مع القارئ والكاتب للمحاورة في 14 الشهر الجاري
- وقفات سيميائية إزاء النساء في أحاديث نبوية
- بشرية القرآن دراسة سيميائية
- الحركتان الخارجية والداخلية في قصة -صعلوك- لنازك ضمرة
- دمروه ليدمروا الأدب الفلسطيني غسان كنفاني
- محمود درويش وسميح القاسم مرة أخرى ردًا على تداعيات قاسم محاج ...
- أدباء دمروا الأدب الفلسطيني إميل حبيبي
- أدباء دمروا الأدب الفلسطيني محمود درويش
- مستويات المعنى في قصيدة -الزورق العليل- لحميد كشكولي
- بنية الخبر في قصة -انتفاضة- لنبيل عودة
- العجوز النص الكامل نسخة مزيدة ومنقحة


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - سعدي يوسف وعقدة أوديب