|
الانتماء وحرية الاختيار..رؤية نفسية
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 1240 - 2005 / 6 / 26 - 10:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعد الانتماء بحد ذاته حاجة اساسية في حياة الفرد الشخصية وفي حياة المجتمع،كونه يتقارب مع الاخرين ويتبادل معهم المسرات والافراح والاتراح وهو يعيد التوافق للفرد وللمجتمع وللشعوب،فالحاجات النفسية الاساسية عند الفرد كما اشارت لها الصحة النفسية هي: الحاجة الى الامن Need for Security الحاجة الى التقدير الاجتماعي Need for Social Recognition الحاجة الى التعبير عن الذات وتوكيدها Need for Self -experssion واخيراً الحاجة الى الانتماء Need for affiliation وهو ما يهمنا في هذا الخصوص. ينشأ هذا الشعور في بدايات مرحلة الطفولة الاولى حينما يشعر الطفل بانه مهُمّل او منبوذ او غير مرغوب فيه،تثير هذه المشاعر عوامل القلق والتوتر النفسي لديه،هذه المشاعر تنبع وتتكون من احساسه باهمال الاخرين له،عندئذ تبرز هذه الحاجة الانسانية الغريزية لديه بالتقارب او التودد لامه او ابيه او اقرانه ويقول(د.محمد شعلان)طفل الانسان عاجز بيولوجياً ويحتاج الى الاعتماد العضوي على ابويه لكي يعيش فهو لايستطيع ان يطعم نفسه او يحمي نفسه من المخاطر الا بواسطة الكبار وهو لهذا تحت رحمتهم واختياره محدود. من هنا يبدأ الانتماء الحقيقي لدى الفرد الى اسرته والى الجماعة الكبيرة بعد ذلك وينتمي اليها وربما يكون اليد الضاربة فيها او العقل المفكر،فانتماء الفرد الى جماعة الاقران يزداد شعوره بالامن والتقدير الاجتماعي كما تزداد ثقته بنفسه واعتزازه بها خاصة اذا كانت هذه الجماعة عقائدية او ثورية او استطاعت في التأثير عليه وتوحد معها وخصوصاً المجموعات الدينية ذات المنابع العقائدية المتطرفة،فالفرد في شبابه بحاجة الى جماعة قوية ينتمي اليها ويتوحد بها. ان هذا الانتماء الى الجماعة او المجموعات السياسية او الدينية هو بحد ذاته حرية في الاختيار،وهو حاجة الى ان يجد الفرد نفسه بين جماعة يشعر بها سيكولوجياً وتتقارب في فكرها الى ما يحمله من نزعات ودوافع وميول تشبع حاجاته الذاتية،والدافع الى الانتماء قد يقود الفرد الى المسايرة conformity والتوافق معها وقبول معاييرها وانماط سلوكها حتى وان كانت متطرفة او ذات نزعات تعصبية او طائفية او تؤمن بالعنف والقتل. يقول(د.قدري حفني)ان عملية الانتماء انما تستهدف في النهاية انتماء الفرد الى جماعة (النحن)بما قد تضمه تلك الجماعة من افكار وجماعات فرعية،وذلك انما يعني ضمناً تمايز جماعة"النحن"عن جماعة "الاخرين"واذا كانت الحاجة للانتماء تضرب بجذورها طبيعة التكوين الفيزيقي للوليد الانساني وتستند في اشباعها وتنميتها الى طبيعة التكوين الاجتماعي للاسرة وللمجتمع البشري،فأن للحاجة الى التمايز جذوراً لاتقل عن ذلك اهمية ولا خطراً،ولذا فأن تمايز الفرد عن الاخرين بانتماءه الى اية جماعة كانت،وهو اختيار،وفي الاختيار يعني الحرية كما هو حال الرفض،فالرفض ايضاً حريه،وسنتناول خلال شرحنا هذه النقطة بعد ان نصف سلوك المسايرة وكيف تؤثر على سلوك الفرد وسلوك الجماعة التي تنتمي الى هذه المجموعة او تلك مهما كانت توجهاتها او عقائدها. تعرف المسايرة على انها تغيير في السلوك والاتجاهات ينتج من ضغط الجماعة الحقيقي او المتخيل ويقود سلوك المسايرة ايضاً الى الاذعان في اغلب الاحوال والى القبول دون شرط او اعتراض.وهنا نناقش مسألة حرية الاختيار في الانتماء،فالكثير من الرفاق او الاصدقاء او سالكو طريق العقائد المتعصبة اختاروا الانتماء الى الجماعات العقائدية،وهي حرية لا اشكال عليها،وحينما يتقبل قيم ومعايير هذه الجماعة العقائدية التي تؤمن بالذبح والقتل والتمثيل بجثث القتلى والتمييز الطائفي،وتلحق الاذى بمن لا يؤمن بها او يسير في خطها الفكري وتوجهاتها فأنه يجب عليه ان يذعن لما تقوم به ويساير افعالها حتى وان كانت عدوانية وتتميز بالعنف والتعامل اللاانساني مع الآخر،هنا يحدث اذعان وقبول ومسايرة لتلك الجماعة التي آمن بها واعتنق مبادئها وشارك في اعمالها ضد الغير ..هنا يبرز متغير جديد نضعه بالتساؤلات التالية: كيف تحول الاختيار من الحرية الى سلب حرية الآخر ؟ كيف تحول الرفض من الحرية الى التصفية الجسدية والعنف؟ ان بعض الجماعات الدينية العقائدية التي تؤمن بالاسلام السياسي المتطرف تربط اعضاءها بروابط ذات نسيج سيكولوجي مؤثر وشعارات نفسية تؤثر على العاطفة اولاً وعلى المشاعر الدينية ثانياً مثل ما شاع في مصر في العقد الاخير من القرن الماضي،القرن العشرين،حينما تدخل رجال الدين المتطرفين في شؤون الحياة الفكرية والاكاديمية والادبية واشاعوا الرعب بين صفوف الكتاب والادباء والاكاديميين ومنها واقعة تكفير الاستاذ الجامعي (نصر حامد ابو زيد)حول كتابه"الامام الشافعي وتأسيس الايدولوجية الوسطية"او كتاب السيد احمد فرج حول نتاج الاديب نجيب محفوظ حين كتب دراسة بعنوان"ادب نجيب محفوظ واشكالية الصراع بين الاسلام والتغريب"ورواية حيدر حيدر"وليمة لاعشاب البحر"وكتاب فرج فوده"الحقيقة الغائبة"الذي دفعته افكاره التحررية المعتدلة الى ان يدفع حياته ثمناً لها،حيث تعارضت رؤاه مع دعاة الانتماء العنصري والطائفي المتبلد.هذه المشاعر العاطفية الملفوفة بالاثارة السيكولوجية ضد الآخر مهما كان دينه او جنسه او انتماءه او مذهبه او معتقده ،اخذت طابع الغاء حرية الاختيار عند البعض بينما اعطت حق الحرية الكاملة في الاختيار والانتماء والممارسة العدوانية لجماعة دون غيرها حتى انها تركت خط الاعتدال الانساني واثارت الذعر بين الناس تحت شعارات مؤثرة تثير مشاعر المنتمين لها ومن تلك التسميات والشعارات التي اطلقها قادة هذه المجموعات الدينية ذات الخط السياسي المتطرف والعنيف شعار(من يبايعني على الموت)وشعر اخر(ان الاسلام في خطر وان انقاذه يتطلب عملاً فدائياً استشهادياً وان هذا العمل لا يستثني منه النساء والاطفال). اذن لم يصبح الامر انتماء او حرية اختيار او حرية رفض وانما اصبح الامر تهمة توجه لاي من البشر يختلف مع هؤلاء من المتطرفين ،هذه التهمة تكون جاهزة في المعتاد وهي:افكاره تخرج على صحيح الدين.ولاتختلف هذه الدعوات كثيراً عن دعوات القتل والتصفية واللجوء الى العنف تحت ستار الجهاد المزعوم ضد المستعمر او المحتل او المغتصب في العالم كله،ونقل الصراع الى مناطق محدودة منها العراق خصوصا حتى اعلنت هذه الجماعات المتعصبة ميليشيات وجيوش وسرايا وكتائب ترهب بها الطرف الاخر واخذت على عاتقها نشر الذعر الديني وهلع الجهاد بين الاطفال والنساء والشيوخ باسم صحيح الدين ،تدعو الى الموت الجماعي والى تصفية كل البشر دون استثناء مفكرا كان ام كاتبا او اديبا او استاذا جامعيا او صحفيا او حتى بائع بسيط متجول ، انها الطاعة العمياء،والطاعة العمياء التي قادت الى الغاء الحريةوالغاء الاختيار والغاء الرفض والغاء الاخر،فالطاعة العمياء قادت الشباب الى تفجير انفسهم طمعا بالجنة الموعودة،وهي بنفس الوقت الغاء للعقل ومصادرته وازاء ذلك فأنهم يستمرون في الرضوخ وقبول الاوامر الصادرة من القادة دون حتى اقل اعتراض ،اذا فهم يستمرون في الرضوخ لهذا القتل وممارسته بالفعل واللجوء الى السلوك العدواني تجاه الذات وتجاه الاخر ويقول(د.محمد شعلان)اذا كانت حضارتنا مازالت تسعى لتطبيق وتعميم القيم الخلقية التي جاء بها الانبياء الاولون فأننا ما زلنا بطريقة رمزية نقتل اولادنا بدرجات متفاوتة من خلال السماح لهم بالانتماء الى هذه الجماعات المتعصبة دينياً وأخذت نهج الدين السياسي المتطرف طريقاً وبالتالي تحقيق هذا القتل فعلياً ضد انفسهم وضد الاخر الذي يختلف معهم في فكره او دينه او مذهبه او اتجاهه السياسي،اننا اليوم في اسوأ حالة سلبية من الانتماء الى الفكر او الجماعة او الدين المتطرف وهو تعبير عن علاقة الفرد بالاخرين والتي تحكمها علاقات القوة والصراع والتناحر وتصفية الاخر وقهره رغم ان الكون خلق محايداً والعالم محايداً وكل شئ في الحياة لا يستطيع ان يتنصل عن انسانية الحياة ومساراتها المحايدة وعليه فأن الانتماء وحرية الاختيار بدلا من ان تكون محايدة ومسالمة تحولت الى مواجهة مع الاخر قد تطول او تقصر ،اوتفني نفسها ،ساعدها في ذلك نوازع النفس المريضة وأفيون الشهرة والتأثير على عقول التابعين فضلا عن المال والسلطة التي حصل عليها بالتمويه عن اهدافه الحقيقية ،والان ينبغي ان اشير قبل ان انهي هذه السطور بالقول نحن نعلم ان بعض رجال الدين المتطرفين ومن دعاة التفخيخ وتفجير النفس الانسانية البريئة او ممن وقفوا ضد العلماء والادباء والاكاديميين والكتاب يؤمنون ايماناً جازماً بوجود ميل غريزي لكراهية ما هو مغاير لهم في التفكير وفي التحدث والمنطق وفي التعامل وحتى في الملبس ،وهي عقدة نفسية بحد ذاتها بحاجة الى مناقشة طويلة لبيان تفاهة ما يحملون من افكار ورؤى.
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التوافق النفسي والرضا عن اهداف الحياة
-
الصراع النفسي..ديالكتيك الهَمِِْ الانساني
-
بين الخصاء والخصاء العقلي !!
-
ابني المراهق في ازمة ..كيف اتعامل معه؟
-
الهفوات وفلتات اللسان وزلات القلم!!رؤية نفسية
-
الايحاء ..المدخل السيكولوجي لمصادرة العقل
-
الجامعة العربية المفتوحة في الدانمارك التنوع العلمي المتجانس
...
-
الشخصية الفيتشية Fetishism انحرافات
-
الشخصية بين اضطرابها ونضجها
-
العنف والتعصب ..كسب وهمي ناقص
-
الشخصية المازوخية وانحرافاتها
-
العنف يسود العالم
-
رؤية في الفكر العلمي العملي
-
الشخصية السادية وانحرافاتها
-
التوحد(التقمص)..بين القوة واصطناعها!!
-
الارق ..واضطرابات النوم
-
الشخصية المتقلبة Cycloid
-
الخيال الفكري عند الفصامي
-
الشخصية المتفجرة Explosive
-
فيدراليةجنوب العراق..السمات والخصائص
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|