أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - بعد فوات الأوان















المزيد.....

بعد فوات الأوان


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3885 - 2012 / 10 / 19 - 09:11
المحور: كتابات ساخرة
    


الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر هو أول من رفض جائزة نوبل للآداب عام 1964م وكان السبب على حسب قوله:أن الذين يقدمونها لا يملكون القرار بل هنالك جهات سياسية أخرى هي التي تقرر ذلك, وبغض النظر عن الشرح والتفاصيل نجد كثيرا من المشاهير الذين رفضوا جوائز عالمية وعند كل شخص سببا للرفض, وهذا ليس موضوعنا اليوم وإنما موضوعنا هو ما الذي سيفعله أي إنسان بجائزة نوبل بعد أن يتجاوز عمره على السبعين أو الثمانين أو التسعين؟ وما الذي سيفعله أي إنسان بجائزة تقديرية أو بمبلغ كبير من المال حين يصبح غير قادرٍ على المشي والنهوض والحركة؟ إن مثل هذا المشهد يثير كثيرا من السخرية من لعبة القدر, وجورج برناردشو كنموذج آخر رفض جائزة نوبل المالية وقبل منها بالتكريم فقط لا غير سنة 1925م,وقال عنها: هي مثل طوق النجاة الذي يُلقى للإنسان بعد أن يكون قد وصل الشاطئ بنفسه,ذلك أن برناردشو عانى في شبابه كثيرا من الفقر المدقع وكان يتمنى أن يجد دعما ماليا في شبابه وحين حصل على جائزة نوبل المالية نظر للموضوع بكثيرٍ من السخرية واقترح على اللجنة أن تنفق المبلغ المالي على السلام العالمي,أو كما قال(أوسكار وايلد): يستطيع الإنسان أن يحقق كل أحلامه ولكن بعد فوات الأوان.

كثيرون هم المبدعون الذين رفضوا أن تكرمهم الدولة أو إحدى المؤسسات الكبيرة وحجتهم في ذلك أنهم كانوا يطمحون إلى هذا وهم في عز الشباب لكي ينعموا ويتمتعوا بالحفاوة وبالتقدير ولكن ما الذي سيفعله رجل عجوز بجائزة الدولة التقديرية وهو على حافة قبره,ما الذي سيصنعه أي إنسان بالمال الكثير إذا ذهبت صحته وشبابه وفقد حيويته؟ أو كما غنت أم كلثوم (فات المعاد وبئينا بعاد) , وما الذي ستشعر به حين يتقدم بك العمر ومنظرك من الخارج يوحي ما بداخلك من أعطاب وأعطال فنية بدليل (كيس) الدواء الذي تحمله بين يديك وتأخذ منه كل يوم أكثر من عشرين قرصا لشتى الأمراض التي تعاني منها, إنك بدل أن تحمل بيديك أمنياتك وسعادتك تحمل كيسا من الدواء.. وماذا سيفعله أي إنسان بالمال وبالمجوهرات وبالنقود التي يخزنها في البنوك إذا أصبح غير قادرٍ على الاستفادة منها مثل التسلي مع امرأة يحبها وتحبه.والتسلي ببعض الوقت وهو يتناول المأكولات الشهية وخصوصا إذا قال له الطبيب أن الحلويات ستقضي عليه إلى الأبد بسبب مرض السكري؟ كيف سيكون شعور الإنسان وهو يشاهد أحلامه أمامه تتحقق وهو بنفس الوقت يقضي من أيام السنة ما يقرب أكثر من نصفها وهو يتجول بين الأطباء وبين المستشفيات ويشاهد الأطباءَ طيلة أيام السنة أكثر مما يشاهد زوجته وأولاده والمناظر الطبيعية, وما الذي ستشعر به المرأة إذا حصلت على الرجل الذي تتمناه بعد أن تفقد قدرتها على الإنجاب منه أو من غيره؟ وما الذي سيشعر به الإنسان حين يحقق كل طموحاته بعد فوات الأوان؟ الانتحار والاستعجال بالموت هو أفضل شيء من الممكن أن يقدمه الإنسان لنفسه إذا رأى أمامه كل طموحاته وأحلامه تتحقق بعد فوات الأوان وبعد أن يكون عبارة عن جثةٍ هامدة أو مثل جثةٍ هامدة غير قادرٍ على الحركة... كثيرون هم الناس الذين يحصلون على كل شيء بعد فوات الأوان وخصوصا بعد أن يذهب شباب الإنسان يمينا وشمالا في مغامرات نرجسية وفي مغامرات محفوفة بمزيد من المخاطر,وكيف ستجد أنت طعم السكر في فمك أو طعم الملح إذا فقدت حاسة الذوق أو الشم من قرب أو من بُعدْ؟ أنا متأكد بأنك ستطلب من الله أن يأخذ عمرك وأن يتعجل في موتك، وقد لا يعجبك عزيزي القارئ النوم في بيت متواضع وتسعى طوال حياتك لتنام في بيت كبير فيه من شتى وسائل الترفيه عن النفس وفيه ما لم تره عين أو خطر على بال, ولكن سأشعر معك بالحزن الشديد وبخيبة الأمل حين تحصل على هذا البيت بعد فوات الأوان حين لا تجد نفسك ميتا بل شبه ميت,بعد أن تفقد حاستك بالحياة وبعد أن تعاف كل وسائل الترفيه التي لا تُناسب صحتك على الإطلاق,تريد الآن أن تمضي مزيدا من الوقت في اللعب وفي اللهو ولكن دقات قلبك وقدرتك على التنفس لا تساعدك,إنها خيبة أمل كبيرة وإحباط كبير وفي تلك اللحظة تتمنى لو أن الله لم يخلقك ، وربما نجد إنسانا يسعى للحصول على وظيفة مرموقة في إحدى المؤسسات لكي تُعجب به محبوبته ومعشوقته ولكن ما قيمة هذه الوظيفة إذا حصل عليها بعد أن ذهب شبابه وجماله وتزوجت محبوبته من رجلٍ آخر وتقدمت في السن مثله!!, حياة الإنسان عجيبة جدا وفيها كثيرٌ من الأشياء التي تزيد من قهره, فحتى الأشياء التي يسعى إليها الإنسان ويحصل عليها بعد قوات الأوان لا تجعله يشعر بالسعادة بل تجعل جرحه القديم الذي دمله في التراب يظهر من جديد وبدل أن يفرح الإنسان نجده يبكي ويتألم.

وأنا واحدٌ من الناس الذي بدأ يشعر بمثل هذا الشعور لذلك أنظر إلى نفسي اليوم نظرة من فوق وليست سطحية بل نظرة كلها ازدراء لكل شيء من حولي ذلك أنني بدأت الشعور بأن أحلامي التي أحلم بها لن أستفيد من تحقيقها شيئا فلذلك بدأت بمرحلة جديدة من الزهد في كل شيء ولم تعد الحياة أمامي مثل امرأة فائقة الجمال تغريني بمظهرها بل على العكس في هذه اللحظة أرى الحياة كعجوز شمطاء لا تثير في حساسية المولع بنفسه والمولع بحب التذوق من ملذات الحياة ولا شيء يغريني في هذه الدنيا وأستطيع بكل سهولة أن أقول يا دنيا غري غيري .

معظم الأشياء التي نتمناها لا نستطيع الحصول عليها في وقتها الحالي ونحن بصحة جيدة مهما بذلنا من مجهود ومهما سعينا لتحقيق ذلك وما الذي سأستفيد منه حين أحصل على كل ما أريد وأنا بنفس الوقت عاجز عن هضم أمنياتي وأحلامي! ،والملفت للانتباه أننا نستطيع الحصول على كل ما نتمناه وبكل سهولة ولكن بعد فوات الأوان حين يصبح لون الشعر أبيضَ وحين يتجعد الوجه ويرتفع ضغط الدم مع ارتفاع كبير لنسبة السُكر في الدم وأيضاً حين تصبح شرايين القلب مسدودة ومتصلبة وحين نقومُ على أرجلنا بكل صعوبة مستندين على الحائط أو على أكتاف أبنائنا وحين لا نصبح قادرين على تغذية جيدة في دمائنا بسبب مرض السكري أو ضغط الدم فهذا اللون من الطعام ممنوع وذلك مرفوض لأنه يسبب ارتفاعا في نسبة الكلسترول والدهون، وهذه الحلوى ممنوعة لأنها تسبب ارتفاعا بنسبة السكر في الدم وهنا يتدخل الطبيب في تحريم كثيرٍ من أنواع الأغذية والأطعمة والمشروبات التي لا يحرمها الله علينا ولكن المثير للشفقة أن يأتيك أحد الأطباء فيحرم عليك كل ما تشتهيه حفاظا منه على صحتك الغالية علما أن الطبيب ليس نبيا وليس رسولا ولكننا نطيعه ونحرم على أنفسنا ما أحله الله لنا, وحتى الصيام قبل إجراء عملية جراحية يفرضه علينا الطبيب لكي نستيقظ من التخدير بعد انتهاء العملية الجراحية,وهذا النوع من الطعام ممنوع منعاً باتا لأن به أملاحا زائدة وذاك الطعام مرفوض لأنه يعمل على زيادة الوزن والشحوم, إنها فعلا حياتنا كبشر مملة جدا ولا تستحق منا أن نندمَ عليها فما الذي سنشعرُ به حين تتحقق أحلامنا بعد فوات الأوان؟, أحدهم تمنى طوال حياته أن يتمتع بمتع الحياة وكان في شبابه قادرا على التمتع بكل شيء يتمناه ولكنه لم يحصل على كل ما تمناه إلا بعد فوات الأوان حين أصبحت صحته لا تتحمل بذل أي مجهود وخصوصا المجهود الجنسي حين تتراجع قدرتنا على ممارسته,وكثيرون هم الذين يتمنون أن يصبحوا أثرياء جدا لكي يتمتعوا بالثراء الفاحش وهم في مقتبل العمر وعنفوان الشباب وفي سبيل ذلك يتعبون ويشقون شقاء كبيرا ولكن في النهاية يكتشفون أنهم غير قادرين على الاستفادة من طموحاتهم التي حققوها بعد فوات الأوان..وللأسف الغالبية العظمى من الناس يصبحون أثرياء جدا بعد أن تتدهور صحتهم وإلى الأبد عند ذلك لا يقدرون على التمتع بمتع الحياة مطلقا, فينظرون إلى الأشياء التي كانت غالية الثمن وإذ بها رخيصة الثمن ولكن بعد فوات الأوان؟بعد أن يمشي على ثلاثة أرجل وبعد أن يضعف سمعه وبصره فما الذي سيفعله عجوز صحته متدهورة بملكة جمال ترتمي بين يديه ولا يستطيع رؤيتها جيدا حتى وإن لبس نظارة أو عدسة لاصقة؟ لقد كان هذا ممكناً وهو في مقتبل العمر أما الآن وقد هَرِم الرجل فما هو الشيء الذي سيستفيد منه وهو على حافة قبره ينتظر بالموت أن يقبض روحه كما تقبض أنت حفنة من التراب, إنها الحياة البائسة والمملة من كل الجهات,في هذه اللحظة الحاسمة من العمر يدرك الإنسان أنه مجرد مشروع خاسر جدا,وعليه أن يعيش طوال حياته زاهدا في الدنيا ولا تغره المظاهر الكذابة.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعوة للمحبة وللسلام
- تعالوا لنحب بعضنا2
- تعالوا لنحب بعضنا
- المساواة على الطريقة التقليدية
- من يشتري مني مكتبتي؟
- من يستطيع تطبيق الإسلام؟
- بيت أبي
- طبيعة العرب
- معاوية بن أبي سفيان
- خيانتي سبب سعادتي
- معجزة جبل أحد
- الثقافة والأحزاب السياسية أوسخ بيئة في العالم
- أحيانا وأحيانا
- قبة المسجد الأقصى ورجاء بن حيوة
- الدين الإسلامي يحاسب الجاهل ويترك العاقل
- من مكة إلى الهيكل2
- من مكة إلى الهيكل1
- صفات وأخلاق أبي جهل الكريمة
- اللف والدوران
- كل المسلمين كفار


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - بعد فوات الأوان