سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3685 - 2012 / 4 / 1 - 13:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
* التوراة رسالة إلهية مُعتمدة بختم السماء بإقرار اليهود والمسيحيون والمسلمون .. التوراة كتاب طويل عريض يتناول بعض الأساطير مع الكثير من حروب إسرائيل الإبادية الهمجية وحث الرب لهم على القتل والذبح , كما لا تخلو أيضاً من قصص تافهة وساذجة لمجموعة من البدو لا تقدم أى معنى أو قيمة .
ليست هذه قضيتنا ولكن القصة الغريبة أنه على طول وعرض التوراة وتناولها للكثير من الأمور لم تتناول آية واحدة حث فيها الله أحبابه اليهود الدعوة والتبشير بألوهيته فى عالم يعج بالوثنية و يعبد آلهة أخرى , بل إنهمك يحكى عن كيفية إعداد فطيرة وتجهيز عجل للقربان ونسى أن يطلب منهم أن يبشروا بألوهيته .!! أين هى الرسالة الإلهية .؟!
* المسيح جاء من حضن العبرانية مكملاً لا ناقضاً .. المسيح هو المخلص والفادى لمحو خطية العالم .. المسيحية تعتمد التوراة ككلام الرب وعهده القديم مع البشر .. المسيح لم يأتى برسالة بل كقضية خلاص .. اليهود ينتظرون المسيح حسب التوارة .. توجد نبوءات عن المسيح فى التوراة تبشر بقدومه كملك .. اليهود قديماً وحديثاً ليس لديهم أى فكرة عن المسيح المنتظر كخلاص للبشرية من الخطية و أن قدومه هو لفداء البشر على خشبة الصليب بل كملك قائد سيخلص اليهود من الإضطهاد ويوحدهم وينصرهم على باقى الأمم !!!.. حاجة غريبة عدم توافق الإدراك والغايات والمعانى !!
* لا يوجد دين يحكى لنا عن مصير البشر الذين لم يهتدوا بالدين والرسالة الحقة سواء قبل ظهور البشارة أو الدعوة أو بعدها إما لعدم حضورهم الزمانى أو الجغرافى أو عدم الإلمام والإدراك بها .. فلن تعرف مصير الأفارقة وسكان الإسكيمو واستراليا الذين عاشوا وماتوا قبل ظهور موسى أوالمسيح المخلص أو نبى الرحمة .. لن تجد إجابة عن مصيرهم سوى أنهم فى الجحيم !! .. ولو حاول البعض ان يترفق بالقول بأن الله سيحاسبهم حسب أعمالهم ,ستبرز هنا ما جدوى الإيمان بالله , وهل يرضى اليهودى والمسيحى والمسلم أن يشاركهم فى جنتهم وثنى ملأ الدنيا خيراً .
* لو قالوا لنا أن العلاقة بيننا وبين الله هى علاقة بيدوفية ما فهمنا ماذا يعنون , ولكن لو قالوا لنا أن العلاقة هى عبودية لفهمنا ..من هنا نسأل هل هم إستعاروا معنى العبودية من الواقع وأسقطوه على فكرة الإله , أم أن الإله هو من له هذه الهيئة ونحن من إستعرنا مشهد النظام العبودى ليكون مثال لنا نفهم من خلاله العبودية لله !! .. ولكن مشهد عبودية السادة على الأرض هو الماثل أمامنا و نراه ولم نشهد مشهد الإله السيد !! .. نحن رأينا الملك الجالس على كرسيه يحمله ستة من العبيد الأشداء ولم نشهد الإله الجالس على عرشه يحمله ستة من الملائكة بل هم قالوا لنا هذا .. فمن إستعار المشهد مِن مَن ؟!.
* هناك إلتزام صارم وحديدى فى الصلاة جهة الشرق لليهود والمسيحيين حيث عرش الله , وناحية البيت لدى المسلمين .
ماذا يحدث لو صلى المؤمنون بدون إتجاه فهل تُقبل صلواتهم , فهل الله محدود فى الشرق أو فى البيت ؟
فكرة الشرق جاءت من الإيمان القديم بالشمس كإله لتستمر فى المعتقدات التالية فتُستبدل الشمس بالله وتضعه على كرسى وعرش .
الإلتزام الصارم بإتجاه محدد يجعل الله محدوداً ويجعل عملية الصلاة تتم كما فى قاعة سينما حيث التوجه ناحية الشاشة ...الطريف أنه لا يوجد فى هذا الكون شئ إسمه شرق وغرب فهو شرق بالنسبة لنا وغرب بالنسبة للقاطنين هناك .
* الله خلق الوجود فى ستة أيام ولنعتبر اليوم الإلهى يمثل مليار سنه .. ولكن الإشكالية أن اليوم الإلهى ليتواجد فلابد من وجود حركة مكان يقيس الله عليه اليوم الذى يعادل مليار سنه من سنيننا الأرضية مثلاً , ولكن الله خلق الوجود ولم يكن هناك مكان .. إذن فلكى تستقيم قصة يوم الخلق الإلهى فلابد من وجود مكان .. ولو وُجد المكان نفى قصة الخلق .!
* هانحن بعد يوم القيامة حيث إنتهت المحاكمة الإلهية المُفترضة ليسكن البعض فى الجحيم والبعض الآخر فى الجنه لنسأل عدة أسئلة ما الغاية بالنسبة للإنسان ؟!..فلم تعد هناك أى مشاهد مستقبلية مأمولة ,لم تعد هناك غاية !.. فلا هدف ولا معنى للحياة .!!
وما الغاية للإله ؟! ..فقد توقف عن الرصد والمتابعة وإنتهت المحاكمة وباتت الفراخ فى حظائرها فماذا بعد , ما الغاية والمعنى؟
ثم ماذا عن الصفات الإلهية فهل صفات الغفور العادل الرحيم سيكون لها وجود أم لم يعد لها فاعلية ..هل أصاب الشلل صفة الرازق الكريم .. هل صفة الباعث ذات معنى .. لقد توقفت الصفات الإلهية بالرغم أنها مطلقة فلم يعد لها وجود .!!.. إنها صفات إنسانية لحماً ودما ً.
* يقال أننا سنورد على النار لنتبرر من ذنوبنا قبل أن نقيم فى الجنه خالدين فيها إلى المالانهاية من الزمن ..ولكن كيف يتم تقسيم اللانهائى ؟!!..هل توجد نقطة تُقسم الخط المستقيم اللانهائى ؟!!.
* المتعة واللذة والألم تتم عبر مراكز عصبية وحسية .. ألم يكن من الأفضل والأجدى والأوفر أن يتم تنعيم الإنسان أو تعذيبه من خلال التحكم فى هذه المراكز العصبية بدلا من هذه السلخانة والكرخانة المكلفة .. هل الله لا يعلم هذا الأمر .. أم هى سادية إله .. أم بالأحرى هو خيال إنسان قديم هكذا كان وعيه باللذة والألم .
* عندما نفعل أى فعل سيتم إختزانه فى الذاكرة سواء تذكرناه وإمتلكنا القدرة على إستحضاره أو إختبأ فى اللاوعى لتشكل وحدة ذاكرة تبدأ بفعل وتنتهى بفعل .
أن نعيش عالم آخر خالدين فيه إلى المالانهاية من الزمن فهذا يعنى أن يكون لدينا ذاكرة لا نهائية يلزمها بالضرورة دماغ لا نهائى ولكننا نكون بهيئة أدمغتنا .!!
محدودية العقل تقصف بفكرة الذاكرة اللانهائية .. وتحجيم الذاكرة يلغى الخلود , ولكن يمكن لفرضية الخلود أن تتواجد فى حال إلغاء العقل والذاكرة وحينها سنتحول إلى آليات ميكانيكية مبرمجة أو كائنات بيولوجية غير عاقلة تمارس الأكل والنكاح .
* أجمل ما فى الإنسان أنه كائن مُبدع قادر على الفعل والعمل والخلق .. إنه يعمل من أجل إثبات وجوده فلا معنى للحياة بدون نشاط فاعل وخلاق ... نظرية الحياة الأزلية بلا عمل و بلا نشاط سوى الأكل والشرب والنكاح تجعل الإنسان يقترب من البوهيمية .. الفكر الدينى صدر لنا معنى مُدمر ينال من قيمة الإنسان , فالفعل والإنتاج والإبداع ليس لهم أى معنى فى التقييم الدينى فالعمل قرين بالشقاء والألم , لذا ستكون القيمة العظمى أن نتحول لكائنات بيولوجية تأكل وتشرب وتنكح .!
* الذين يبنون خيالات أننا سنبعث بعد الموت ألا يدركون أن وقود السيارة يحتوى على جزيئات لبشر سابقون منذ آلاف السنين تحترق فى محرك السيارة لتنطلق و تتطاير ذرات الكربون.
* غريب هو الإيمان الدينى فمهما آمنت وغرقت فى صلواتك ونسكك ورفضت تصديق قصة سفينة نوح البائسة فقد سقط عنك الإيمان !! أنه شئ شبيه بأن تتعاطى مع قفص للطماطم فتقبل التالف والمفعص مع السليم .!! ..أن تأخذ الأمور كلها لكشة واحدة ولا تنتقى .!
* الأديان تتعامل مع الإنسان بضيق أفق غريب يُثبت بشريتها وتفكيرها القبلى القديم فهى لا تعدو سوى أن تكون هوية لجماعة بشرية .. فأنا أحب البيض مقليا ً بالسمن وأرفضه مسلوقا ً ولكن الدين يقول بالرغم أنك تحب البيض فلن يكون مقبولا ً منك ما لم تأكله مسلوقا ً .!!
* لماذا يصوم الإنسان ويمتنع عن الطعام ..فماذا يستفيد الله من بطون خاوية وماذا يزعجه من معدة ممتلئة ؟!
هل لأن صاحب فكرة الصيام أرادها طقس هيمنة وأنبطاح ورمز تأطير وتسليم للمشروع الدينى ؟
هل لخلق مشروع لذة يقتل الرتابة بخلق لحظة لذة جديدة بالشبع بعد الحرمان .؟
هل هو رغبة المترفين أن يذوقوا مشاعر لم يعهدوها من باب إكتشاف أحاسيس جديدة .؟
* المؤمنون يمارسون الصوم والصلاة والطقوس لأنها عبادة وإلزام وفرض .. يمارسونها خوفا ً من العصا وأملا ً فى الجزرة , فبدون العصا والجزرة لن يمارسون طقوسهم لا تقربا ً ولا رغبة .. هل نحن أمام فعل نفعى إنتهازى برجماتى .. وهل الإله المفترض يقبل بهكذا نهج .. أم أننا أسقطنا نفعيتنا على فكرة الإله .
* الأخلاق فى الدين أخلاق برجماتية نفعية لا تخرج عن سياسة العصا والجزرة فنحن لا نصنع الشر إلا خوفنا من العصا ولا نتعاطف مع الفقير والبائس من أجل أنه إنسان يحتاج منا للدعم والمحبة بل لأننا نرصد ما سيتم إضافته فى رصيدنا البنكى السمائى .
* المؤمن يُنذر لله نذرا ً نظير أن يحقق له أمنية وحاجة خاصة وفى حال عدم تحقيقها فهو فى حِل أن يفى بالنذر ..فماذا يختلف هذا عن الراشى والمرتشى , فالمرتشى سينال الرشوة متى أنجز المهمة ... أليس الإنسان من جعل إلهه مرتشيا ً.
* المؤمن يتشفع بالنبى أو العذراء لدى الله ليتجاوز شئ محدد أو ينال حظوة أو مكانة أو رصيد ما .. فهل هذا يخرج عن الواسطة والمحسوبية فى عالمنا , ولنسأل هنا هل للنبى والعذراء وساطة لدى الله أم أننا من نمتلك هذا النهج فلم نرحم حتى رموزنا المقدسة .
* عليك أن تتقبل بهكذا منطق وعدل أن يعاقب إنسان عقاب لا نهائى بلا حدود على أفعال محدودة زمنياً .. فهل هو عدل أم رؤية إنسان سادى شديد القسوة إنطلق فى جموحه وساديته ضد أعدائه والخارجين عن جماعته .
* يقولون أن الله يفرض علينا العبادة والصلوات فهذا حقه فهو الخالق وبغض النظر أن هذا ينال من فكرة الألوهية فيجعله تحت الحاجة !!..فستندهش بأن الله لا ينزعج أن يرى عباده يمارسون الصلاة بشرود , ولا يعنيه أن يمارس الإنسان الطقوس بشكل روتينى غير معايش لها .. بل حركات تُقضى فحسب !
بفرض وجود إله فهل يقنعه ويرضيه أن يحظى على فعل منافق بلا معنى .. فهل فكرة الإله برجماتية محضة ..أم نحن برجماتيون نفعيون فجعلنا الفكرة برجماتية .. فى الحقيقة لا يوجد إله لينزعج أو يرضى بل هى منهجية نخب فى تطويع القطيع .
* كاذب ومخادع من يقول لك أنه لا يشرد أثناء صلواته .. لابد للإنسان أن يشرد فالتواصل لا يتم إلا عبر صور مادية لها تواجدها بأى صيغة ما , فشفرة الدماغ لا تتعامل إلا مع تكوينات مادية معروفة ومخزنة فى الأرشيف , أما فكرة التواصل مع كيانات غير مادية وروحية فهو المستحيل بعينه ليس لعدم وجودها فحسب ولكن لأن إمكانيات الدماغ والوعى لن تطولها , لذا لابد أن نشرد أثناء الصلاة فنستدعى ما نعهده من صور ذات وجود .
* صلاة المرأة فى مخدعها مكشوفة الرأس غير مقبولة ويبررون هذا بأن الله له القدسية والإحترام فإذا كنا نحترم ملوكنا فألا نحترم ملك الملوك .
هذا التبرير يُشخصن الله ويثبت بشريته فهو ملك عظيم وهكذا يجب إحترامه وتبجيله .. بينما فكرة الله يجب أن تكون خارج المقاييس والتقديرات الإنسانية فهو لا يجب أن ينزعج من صلاة مكشوفة الرأس أو محجبة ولا يعنيه أن تصلى عارية أو مكتسية فهو إله وهو الذى خلقها .
أن نستهول فكرة أن تصلى المرأة عارية لربها فهذا يعنى شخصنة الإله فى شكل ذكورى يرى أن جسد المرأة عورة .
* " إن شاء الله " نرددها عشرات المرات كل يوم مع كل فعل ننوي فعله .. فلو كل الأمور تتم بمشيئة الله فلما التذكير طالما هي حقيقة , ولما التفكير والعمل إذا كانت مشيئة ليس لنا خيار فيها ولا قدرة على مقاومتها .. وإذا قيل أن الله مُسبب الأسباب , ولا فعل بلا سبب وعمل وإجتهاد ..إذن فما فائدة " إن شاء الله " !.." إن شاء الله " خلقت ثقافة وفكر ومنهج أسس لتخلفنا لنمرر الإعتماد والإتكالية والتسويف .
* المؤمنون يتعاملون بمبدأ باسكال فى مواجهة الشكوك والإحساس بعبثية العملية الإيمانية .. فلنمارس المطلوب منا من صلوات وصوم وطقوس فلعل العالم الآخر يكون صحيحاً ونجد الإله منتظراً بجنته وجحيمه فهنا لن نخسر شيئا ً لو وجدنا فراغ , ولكن الخسارة ستكون متحققة وفادحة لو تواجدت هذه الغيبيات .. إذن فلنلعب على هذه الورقة .
هل الإيمان هو اللعب على الحبال وممارسة سبل الإنتهازية والإحتيال والوصولية ..الغريب أنه مقبول .!!
دمتم بخير .
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
- التأملات السابقة لهذه المجموعة فى كتاب " تأملات عقل فى الوجود والإنسان والإله ".
http://www.4shared.com/office/bAHw96VE/_____.html
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟